أعلن الدكتور يحيى الجمل، نائب رئيس الوزراء في حكومة تسيير الأعمال، أنه اتفق مع البابا شنودة بطريرك الأقباط الأرثوذكس خلال لقائه به يوم الاثنين على عدم المساس بالمادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع في مصر. لكنه أشار في تصريحات لقناة “نايل لايف” الحكومية إلى إمكانية إجراء تعديل على المادة المذكورة فى الإعلان الدستوري المزمع إعلانه في غضون أيام، بإزالة حرف الألف واللام، بحيث تصبح المادة كالتالى “الإسلام مصدر رئيسى للتشريع”، وتضاف إليه المادة الخاصة بأن لكل أقلية الأحقية في الاحتفاظ بشريعتها، وأخرى لها علاقة بالأحوال الشخصية لأصحاب الديانات الأخرى.
ويقول خبراء دستوريون: إن الجمل-الذي أشرف على وضع الدساتير للعديد من الدول العربية- يهدف بذلك إلى الالتفاف على نص المادة بشكله الحالي، وفي الوقت ذاته يسعى لتفادي إغضاب الرافضين لإلغاء المادة التي تعبر عن الهوية الإسلامية لمصر، عبر اللجوء لهذه الحيلة اللغوية، في تغيير جوهري يسعى إلى التجاوب مع مطالب المسيحيين خصوصًا بإلغاء هذه المادة.
إذ أن حذف الألف واللام من كلمتي “المصدر” لتصبح “مصدر”، و”الرئيس” لتصبح “رئيس” يهدف إلى جعل الشريعة الإسلامية ضمن مصادر عدة للتشريع، وليس المصدر الرئيس كما هو النص حاليًا، وهو ما يتيح سن قوانين قد تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية من مصادر أخرى، وهو الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تفريغ المادة من مضمونها بشكلها الحالي عبر هذا التلاعب اللفظي.
وكان إدخال الألف واللام على المادة التي تم إقرارها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات جاء بمقترح من أحد اعضاء مجلس الشعب (البرلمان) فى السبعينات، حين تقدم عضو المجلس آنذاك محمود نافع بطلب تغيير المادة الثانية للدستور، بإضافة ألف ولام لكلمة “مصدر” وكلمة “رئيس”، بمعنى أن تصبح الشريعه الإسلامية تصبح “المصدر” بدلاً من “مصدر” وتصبح “الرئيس” بدلاً من “رئيس”.
لتكون على النحو التالي: “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، حتى تلزم المشرّع عندما يصدر تشريعًا أن يكون مستمدًا من الشريعة الإسلامية لأنها المصدر الرئيس، وليس التعامل معها باعتبارها مصدرًا ضمن مصادر أخرى للتشريع وكما يهدف الجمل.
وحظي التعديل وقتذاك بموافقة ثلثي أعضاء المجلس، وبعد إقرارها من قبل البرلمان تم طرحها في استفتاء شعبي ليتم الموافقة على التعديل، ومنذ ذاك لم يطرأ أي تعديل على المادة، وأصبحت الشريعة الإسلامية هي “المصدر الرئيس للتشريع”.
وبعد سنوات طويلة من هذ التعديل، سعى العلمانيون والكنيسة في مصر إلى إلغاء المادة بالكامل، بذريعة أنها تتعارض مع مفهوم المواطنة، وتتنافى مع وجود أقلية مسيحية في مصر، وصعد هؤلاء خصوصًا من مطالبهم بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في 11 فبراير الماضي.
وصادف ذلك اختيار الدكتور يحيى الجمل نائبًا لرئيس الوزراء في حكومة تسيير الأعمال، والذين دأب في الكثير من المناسبات على المطالبة بإلغائها، لكنه استشعر وجود اتجاه عام رافض لإلغاء المادة التي تعبر عن هويته فلجأ إلى حيلة التعديل اللفظي عليها بما يؤدي في النهاية إلى تهميشها، وإلغاء الهدف الحقيقي من التعديل الأول لها، مستغلاً في ذلك عدم التدقيق في المعنى من قبل الكثيرين، والتداعيات المترتبة على هذا الأمر لاحقًا.
وتأتي تلك المحاولة بعد أن فشلت محاولات الرافضين للتعديلات الدستورية التي تم التصويت عليها بـ “نعم” في استفتاء يوم السبت 19 مارس، في إحباط تمريرها من أجل إعداد دستور تلغى منه المادة الثانية للدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع في مصر، وهو ما يفسر حشد الكنيسة للمسيحيين إلى التصويت بـ “لا” على التعديلات.
ويرى محللون أنه لا يمكن قراءة موقف الجمل بمعزل عن محاولات التخويف من صعود الإسلاميين، واستخدامهم “فزاعة” كما دأب الرئيس المخلوع طوال سنوات حكمه، والذي كان يبرر للتشبث بالسلطة قبل أن يجبر على التنحي بعد نحو 30 عامًا بمخاوفه من صعود “الإخوان المسلمين”، والقارئ للمشهد العام في مصر يلحظ هذا التوجه، والذي يطغى على توجه وسائل الإعلام المصرية خلال المرحلة الأخيرة، عبر تسليط الضوء على تلك المخاوف التي هي برأي كثيرين محاولة لاصطناع أزمة، إدراكًا من جانب هؤلاء أن المزاج العام في مصر يبدو مؤيدًا للتيار الإسلامي عمومًا.
والجمل لا يخفي في أحاديثه الخاصة عداءه للإسلاميين، حتى أنه قال ذات مرة في احتفال بإحدى السفارات العربية حينما تطرق في كلامه عن حركة “حماس” عقب فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006م، إن الإسلاميين لا يؤمنون بالديمقراطية إلا لمرة واحدة، وبعد وصولهم إلى الحكم يتراجعون عنها، على الرغم من التضييق الواضح على التيار الإسلامي في عموم الدول العربية والإسلامية.
ومؤخرًا، أثار الجمل عاصفة من الجدل بتصريحاته التي شن فيها هجوما شديدًا على التيارات الإسلامية وخاصة السلفيين، ووجه اليهم انتقادات واتهامات شديدة وصلت الى التكفير، وقال عن الإسلاميين: “إن عقولهم ضلمة”, وقال عن السلفيين: “إنهم ليسوا من الإسلام في شيء”، وقال بالنص: “ربنا لو خد 70% يحمد ربنا”، قبل أيام من الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
الأمر الذي دفع المحامي ممدوح اسماعيل عضو مجلس نقابة المحامين إلى التقدم ببلاغ إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، يطالب فيه بإحالة الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء إلى المحاكمة، بتهمة الإساءة للذات الإلهية وتكدير السلام الاجتماعي والإضرار بالوحدة الوطنية.
واعتبر في بلاغه، أن هذه العبارات تحمل الكثير من المعاني التي لا تليق بالله سبحانه وتعالى، وكان الأوجب على من فى مثل منصبه أن لا يتلفظ بها حتى لو كانت عقيدته الخفية، لأن المنصب يوجب عليه احترام طبيعة الشعب المصري المسلم المتدين. كما تصدى له بالرد العديد من الدعاة السلفيين الذين أثارهم حديثه بهذه اللهجة عن الذات الإلهية.
قام موقع “اليوم السابع” بحذف خبر يتضمن تصريحات مثيرة للجدل للدكتور يحيى الجمل، نائب رئيس الوزراء حول إجراء تعديل على المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع في مصر، لتكون أحد مصادر التشريع وليس المصدر الرئيس، بعد أن أدت إلى سيل من التعليقات الغاضبة وردود الفعل المنددة ومطالبات بإقالته من منصبه في ضوء تصريحاته الصادمة التي دأب على ترديدها خلال الفترة الأخيرة.
ففي محاولة للتعتيم ووقف انتشار التصريحات بصورة أوسع، قام الموقع المرتبط تمويليًا بأحد رجال الأعمال الأقباط بحذف الخبر من الصفحة الرئيسية وأحاله إلى صفحة داخلية وألغى تصنيفه من زاوية الأخبار إلى التحقيقات، ولم يكتف بذلك بل قام بحذفه من قائمة أكثر الأخبار المنشورة إثارة للتعقيبات، بعد أن بلغت نحو 500 تعليق جاءت في معظمها منددة بكلامه حول إلغاء “الألف واللام” من كلمتي “المصدر الرئيس” للتشريع، لتكون “مصدر رئيس” للتشريع، وهو تغيير سيؤدي بحسب المعترضين إلى تشويه المادة بصورتها الحالية وتفريغها من مضمونها.