سحر محمد يسري
نهى: الويل لكم إن دخلتم إلى حجرتي أو عبثتم بكتبي ..!
ولكن الصغار ” أحمد وجنا” لا يعقلان أن كلام أختهما الكبرى
“14 عام”
كان إنذارًا حقيقيًا، ولم يكن مجرد تهديدات جوفاء،
ولذلك فقد عادا مرة أخرى ليعبثا في حجرة أختهما “نهى” فسادًا،
بمجرد أن غادرتها، وها هي تعود بعد قليل لتجد غرفتها قد انقلبت رأسًا على عقب.
لم تتمالك ” نهى” نفسها واشتعلت غضبًا وراحت تصرخ وتولول في حالة من الهلع وفقدان السيطرة، وفي أثناء ذلك انطلقت تركض خلف إخوتها الصغار الذين كانا مختبئين خوفًا من بطشها، وما إن أمسكت بهما حتى وقعت عليهما كما يقع الصقر على فريسته، فأشبعتهما ضربًا وركلًا بلا هوادة أو رحمة، ولم ينقذهما إلا تدخل الأم الذي حسم المعركة، وعرَّف كل طرف ما له وما عليه.
وأكثر ما أخذته الأم الحكيمة على ابنتها “نهى” هو انفلات مشاعر الغضب والانفعال خارج سيطرتها، وما يترتب عليه من إلحاق الأذى بغيرها؛ لتصبح في النهاية في موقف سيئ لا تحسد عليه.
فما هو الغضب؟
جاء في لسان العرب:الغضب نقيض الرضا،
وقال ابن عرفة: الغضب من المخلوقين، شيء يداخل قلوبهم، ومنه محمود ومذموم،فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان في جانب الدينوالحق.
وماذا يحدث في لحظات الغضب؟
من آثار الغضب السيئة أنه يصيب المرء بالضيق والاضطراب في الانفعال والكلام؛
فيرتفع الصوت وتتلاحق الأنفاس ويفقد الإنسان سيطرته الكاملة على جوارحه وتصرفاته،
فينطلق اللسان بإطلاق الشتائم والسباب، أو بالتهجم على من أغضبه، وهذا سلوك غير محبب أن يسلكه المسلم أو يتحلى به.
وغالبًا عندما يهدأ الإنسان ويعود إلى رشده ويسكت عنه الغضب؛
فإنه يندم على ما فعله وهوغاضب،
ولهذا أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بألا نغضب مهما حدث،
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: (لا تغضب) فردد مرارًا، قال: (لا تغضب) [رواه البخاري].
ولماذا ترتفع نبرة الغضب لدى الفتاة؟
قوة الانفعالات والتي منها ارتفاع حدة الغضب لدى الفتاة، تعد من السمات المميزة لمرحلة المراهقة،
ويرجع ذلك إلى إحساس المراهقة بأنها قد أصبحت امرأة ناضجة لها شخصيتها المستقلة، وآراؤها التي يجب أن تحترم؛
ومع كثرة الاحتكاك بمن حولها خاصةً أفراد الأسرة أو مجموعة الصديقات، قد تفهم الفتاة بعض تصرفاتهم على أنها تدخل في شئونها أو تعدي على خصوصياتها وهو الأمر الذي لا تقبله، مما يثير حفيظتها ويستدعي غضبها.
ابنتي .. زهرة الإسلام ..
لعلك تهمسين .. وما ذنبي؟ لقد كبرت فوجدت نفسي هكذا سريعة الغضب وشديدة الانفعال، والطباع لا تتغير فلتقبلوني هكذا..!
وأقول لكِ: إذا كان البعض من علماء النفس والفلاسفة مثل “كانت، وشوبنهور”، يرون أن الطباع والأخلاق “جبِلِّية” يعني لا تتغير ولا يمكن تعديلها أو تحسينها، فإن ديننا الحنيف جاء منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا ليثبت عكس ذلك،
فالأخلاق في الإسلام “كَسبِيَّة” بمعنى أنه من الممكن تعديلها إلى الأحسن، واكتساب الجيد منها لتتحلى به النفس المؤمنة[الصحة النفسية للمراهقين، د.حاتم آدم، ص (200)].
فالأخلاق من حيث الجملة يمكن تقويمها وتعديلها، كما يمكن اكتساب الجيد منها والتخلي عن رديئها، وأكبر دليل على ذلك أن الله تعالى أمرنا بالتخلق بالأخلاق الحسنة والتخلي عن الأخلاق السيئة، فلو لم يكن ذلك ممكنًا لما ورد به الشرع حيث “لا تكليف إلا بمقدور”.
إذًا كل إنسان لديه القدرة والأهلية على التحلي بالأخلاق الحسنة والتخلي عن أضدادها،
كيف تتغلبين علي الغضب؟
والمقصود بالتغلب عليه هو التخفيف من آثاره، وعدم العمل بمقتضاه إذا ثار في النفس واشتعلت نيرانه؛
لأن انفعال الغضب أمر طبيعي لا يمكن إماتته، أو إلغاؤه من حياة الأسوياء إنما يجب توجيهه وتهذيبه؛ حتى لا يؤثر على مستوى توازن الشخصية، وأفضل ما يتبع في ذلك هو المنهج القرآني والنبوي في تهذيب انفعال الغضب.
لقد دعا القرآن الكريم إلى ضبط النفس وكظم الغيظ عند حدوث الغضب، ووضح أن ذلك من دلائل قوة وسلامة نفسية المسلم، قال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]، وقال عز وجل: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126].
كذلك بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن إحكام السيطرة على النفس حال الغضب هو القوة الحقيقية للمؤمن مقارنةً بقوة البنيان الجسدي المتين، فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) [رواه البخاري].
ثم يرتقي القرآن الكريم بالنفس الإنسانية إلى مستوى التسامح والصفح، فقال تعالى موضحًا هذا المسلك المتدرج المتسامي في علاج الغضب: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وذلك حتى لا يترك الإنسان يعاني آثار كظمه لغيظه فقط؛ إذ الاستمرار على هذا الوضع يمثل عبئًا ثقيلًا على النفس، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه) [رواه مسلم]
[حنان عطية الطوري: الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، بتصرف].
ثم تواصلين فتاتي، الارتقاء بنفسك مع كتاب ربنا جل وعلا؛ لتصلي بها إلى درجة الإحسان، وهي أعلى درجة بعد ضبط النفس وكظم الغيظ، ثم العفو عن المسيء وذلك لإزالة شحنة الغيظ المكظومة، ثم يأتي بعد ذلك الإحسان والجود والعطاء، وتأتي الدفعة الهائلة للوصول لهذه الدرجة بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فمن من المؤمنين والمؤمنات يسمع هذه الآية، ولا يهرول مسرعًا ليقف في مصاف المحسنين الذين يحبهم الله تعالى؟
*
وهناك أيضًا الكثير من الوسائل والإجراءات التي تعينك على التحكم في انفعالات الغضب، مثل:
استعيني بالله تعالى:
واسأليه أن يهديك إلى أحسن الأخلاق، وأن يصرف عنك سيئها، وضعي نُصب عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب)، ثم استعملي الوسائل التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم، لدفع الغضب مثل الوضوء أو الاغتسال، وتغيير الوضع من القيام إلى الجلوس، ومن الجلوس إلى الاضطجاع، وترديد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
غيري أفكارك تجاه الآخرين:
فليكن الأصل عندك هو إحسان الظن والتماس الأعذار، وحاولي أن تتفهمي مواقف الآخرين، وتذكري مناقبهم ومحاسنهم، ولا تغفليها في لحظة غضب.
الكتابة:
اكتبي كل ما يغضبك، صِفي شعورك على الورق، كل ما يضايقك مواقف أو أشخاص قبل أن تتحدثي، ثم اقرئي ما كتبت وفكري به وحاولي أن تضعي نفسك مكان الشخص الآخر، وبإمكانك أن تمزقي الورق إذا أردت ألا يراه أحد، أو تبعثيه كخطاب إلى الشخص الآخر إن أحببت .. عندها سيغنيك عن الكلام [كلماتي لفتاتي، إسراء عمران، ص(55)]
.
قلِّلي من الكلام والأفعال في وقت الغضب:
إذا لم يستطع الغاضب التحكم في مشاعر الغضب، فإن عليه مراقبة تصرفاته، فهو مسئول عما يصدر منه من تصرفات ومحاسب عليها في الدنيا والآخرة .. فعليه التقليل من الكلام ما أمكن، والسكوت هو الأمثل لئلا تتفوهي بكلام قد تندمين عليه لا حقًا.
الانسحاب من الصراع وترك مواطن الأذى:
عند التعرض لتصرف مثير للغضب، قد تشعرين بعدم القدرة على ضبط النفس وحفظ اللسان، فعندئذ لا حل أسلم من ترك موطن الإثارة والانتقال إلى مكان هادئ، إلى أن يهدأ غضبنا ونعاود السيطرة على زمام النفس.
وعتابٌ كرقة النسيم .. في رفق ولين:
إذا جلست لمعاتبة من أغضبك فليكن العتاب بينكما رقيقًا هادئًا ومهذبًا، خاصةً إذا كان من تعتبين عليه أكبر منك سنًّا ومقامًا،
وليصدق فيكِ قول الشاعر:
عتبتم فلم نعلم لطيب حديثكم أذلك عتب أم رضًا وتوددُ
فهو عتاب ظاهره كباطنه رحمة ولين وعفو وخفض جناح، [الشخصية الساحرة، كريم الشاذلي، ص:259].
وأخيرًا تمسكي بدفء التسامح:
إذا أدركنا أن كل بني آدم خطَّاء، وأن الخطأ من طبائع البشر، عندها سيعفو؛ لأننا نعلم أننا يومًا سنخطئ، وسنتمنى أن يعفو عنا الآخرون.
__________________________
المراجع:
–أصول الدعوة: د.عبد الكريم زيدان.
–الأسلوب الأمثل لتربية البنات في الإسلام: يوسف رشاد.
–كلماتي لفتاتي: إسراء عمران.
–الصحة النفسية للمراهقين: د.حاتم محمد آدم.
–الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة: حنان عطية الطوري.
–الشخصية الساحرة: كريم الشاذلي
م/ن مع بعض التعديلات
وأتمنى تستفيدوا مثل ما انا إستفدتـــ