
نور جاء إلى هذا الكون فغير وجه البشرية وأنار العقول المظلمة وألان القلوب المتحجرة بأنوار
الإيمان ومعرفة الله سبحانه وتعالى ورسم منهاج الشريعة وفق أوامر الله فكان كلامه أمراً
وسلوكه هدياً فهو القدوة التي اختارها الله لنا فكان خير معلم غرس فينا أخلاقه وشمائله وأعماله
علمنا كيف نتعامل مع الأب والأم والمعلم ولم يغفل عن صغيرة ولا كبيرة إلا وأرشدنا إليها كيف لا
وهو الأمين كيف لا وهو المصطفى الهادي ومن ذلك علمنا كيف نتعامل مع الأطفال فكانه هديه
صلى الله عليه وسلم سنة نتبعها معهم حيث كان تعامله معهم مبني على الرأفة والرحمة واللين
والمراعاة لأحوالهم و كان شديد الاهتمام بالأطفال فقد دعا إلى تأديبهم، وغرس الأخلاق الكريمة
في نفوسهم، وحث على رحمتهم والشفقة عليهم، فقال-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ:
“من لم يرحمْ صغيرَنا،ويعرف حَقَّ كبيرِنا، فليس منا”.
فها هو يسأل عن سبب حزن أبا عمير ويقول له مسلياً “يا أبا عمير ما فعل النغير” مبيناً لنا أنه
يجب علينا الاهتمام بمشاعر الصغار والسؤال عن سبب حزنهم وفرحهم وكان عليه الصلاة
والسلام يقوم بتقبيلهم وملاعبتهم وأشار إلى وجوب تقبيلهم حيث قال لأقرع بن حابس عندما قال
إن لي من الولد عشرة ما قبلت أحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
“إنه من لا يَرحم لا يُرحم ”
وكان يوصيهم بالخير، ويعلمهم التوحيد والدين، فلم يكن رفقه وشفقته العظيمة عليهم بمانعة له من
نصحهم وإرشادهم وإصلاحهم، فضرب أروع الأمثلة بطريقة تعليمه لهم حيث قال لابن عباس كلمات
جامعة ووافية تدل على وجوب تعليم الصغار ما ينفعهم في دينهم ودنياهم فقد قال له بأبي وأمي
” يا غلام ! إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ،
وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا
بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله
عليك ، جفت الأقلام ورفعت الصحف “
و يثني عليهم ويمدحهم فيدخل السرور إلى قلوبهم فقد قال عن ابن عمر رضي الله عنه
” إن عبد الله رجل صالح “
وها هي أم خالد رضي الله عنها تتذكر ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة
وكيف تركها تلعب بخاتم النبوة
” أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر ، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( سنه سنه ) . قال عبد الله : وهي بالحبشية : حسنة ، قالت : فذهبت ألعب بخاتم النبوة
فزبرني أبي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعها ) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي ) . قال عبد الله : فبقيت حتى ذكر ، يعني
من بقائها . ”
وتراه على عظيم قدره، وعلو منزلته، هو الذي يبدأ بالسلام عليهم حباً لهم، ورِفقاً بهم، وتلطفاً
معهم، ولإشعارهم بمكانتهم فيزدادون ثقة بأنفسهم وتدخل البهجة قلوبهم بسلامه عليهم صلى الله
عليه وسلم وكان أنس رضي الله عنه يسلم عليهم دائما ويقول كان النبي صلى الله عليه وسلم
يفعله.
ولا يكثر عتابهم ويعذرهم ويرفق بهم كما شهد أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذلك فقد قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي : أف قط ، وما قال
لشيء صنعته : لم صنعته ؟ ولا لشيء تركته : لم تركته ؟
ولا يأنف من الأكل معهم، ومع ذلك لو رأى منهم مخالفة للأدب، فكان ينصح لهم ويأمرهم بما
يصلحهم، فقد نصح عمرو بن أبي سلمة بآداب الطعام بلين ورفق ورحمة، فنعته بالابن ووجهه
بحكمة بالغة فلم يؤنب ويوبخ إنما قال
وكان يسمح لهم بالجلوس بين يديه فيتلقون العلم منه مثلهم مثل الكبار لا يفرق بينهم وها هو
سمرة بن جندب يفتخر بذلك قائلاً لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما . فكنت
أحفظ عنه . فما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني.
وكان بأبي وأمي يتفهم شعورهم فها هو حفيده يرتحله أثناء الصلاة فيبقى ساجداً من أجله حتى
أطال السجود واستغرب المصلون فعن شداد بن الهاد الليثي قال {خرج علينا رسول الله – صلى الله
عليه وعلى آله وسلم – في إحدى صلاتي العشاء ، وهو حامل حسنا أو حسينا ، فتقدم رسول الله –
صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فوضعه ، ثم كبر للصلاة ، فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة
أطالها قال أبي : فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – الصلاة
قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو
أنه يوحى إليك ؟ قال :
“كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته .” }
أتسأل لو فعل هذا أحد الأطفال بأبيه ما سيكون موقفه ؟!!!
فها نحن نراه بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم بين مواسياً ومداعباً و مشجعاً فضرب أروع الأمثلة
التي يحتذى بها ألا يكفينا قول أنس رضي الله عنه بوصف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معهم
فقد قال ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذا الاهتمام منه –
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بالأطفال جاء لعلمه بأنهم في أشد الحاجة إلى الرعاية والعطف والحنو أكثر
من غيرهم، وذلك لتنمية ثقة الطفل بنفسه حتى ينشأ قوياً ثابت الشخصية، مَرِحَاً عَطُوفاً على غيره،
عضواً فَعَّالاً في مجتمعِهِ بنّاءً له فلم ينظر إليهم بأنهم مجرد أطفال يلهون ويلعبون إنما نظر إليهم
بأنهم شباب المستقبل وهم من سيبنون المجتمع وصلاحه يتوقف على صلاحهم
فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه هي طريقته في التربية والتعليم فأين نحن منها !!!؟؟
رحيمٌ إنْ مَضى وقضَى …. وكانَ العَدْلَ ميزانا
شَبابَ الحَقِّ فانْطلِقوا …. مِنَ المِحْرابِ فُرْسانا
وللإسلامِ فامْتَثِلُوا …. هُدَى المُخْتارِ عُنْوانا
منقول للامانه