بسم الله الرحمن الرحيــــــــــــم
السـلام عليكم ورحمه الله وبركـــــــــــاتـه
لأنهم الموصوفون بالخيرية ِ على لِسانِ أزكى البشريَّة : ” خيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمه ” ..
لأنهم أولى من يُعظِّمُ القرآنَ تعظيماً ، ويُجلُّه ، ويُمجِّده ، ويُوقِّره قولاً وفِعلاً ، ويسعى إلى غرسِه في قلوبِ الناسِ غرساً ..
ولأنهم نذروا أنفسهم ، وجنَّدوا طاقاتِهم وأموالهم ، وبذلوا أرواحَهم وأوقاتهم لِتعليمِ كتابِ الله تعالى وتثبيتهِ في قلوبِ الشبابِ وواقعهم ..
ولأنني أُحبِّهم في الله تعالى ، أكثرَ من حُبِّي لِنفسي وما تشتهيهِ من ملذَّاتِ الدنيا ومتاعِها ..
لأجلِ هذا كلِّه وأكثرَ مما عجزَ القلمُ أن يكتُبَه ، أبعثُ هذهِ الهمساتِ السريعة إلى أساتذتي ومشائخي وإخوتي من أصاحبِ الفضلِ عليّ وعلى مُجتمعِنا ، القائمينَ على حلقاتِ تحفيظِ القرآنِ – المُباركة – إشرافاً وتدريساً ودعماً وبذلاً ..
همساتٌ تقولُ بقولِ الله : ” إنَّ هذا القرآنَ يهدي للتي هيَ أقومُ ويُبشِّرُ المؤمنينَ الذينَ يعملونَ الصالحاتِ أنَّ لهم أجراً كبيراً ”
همساتٌ تنادي : إنَّ العصرَ الحاضرَ عصرُ فِتن ، ولا ملاذَ ولا مفرَّ منها إلا بالاعتصامِ بكتابِ الله ، والالتجاءِ إلى شرعهِ ومنهاجه ، واللَّوْذِ ببابِهِ وجَنابه ..
إليهِ ، وإلا لا تُشدُّ الركائبُ ** ومنهُ وإلا فالمؤمِّلُ خائبُ
وفيهِ ، وإلا فالغرامُ مُضيَّعٌ ** وعنهٌ وإلا فالمحدِّثُ كاذبُ
همساتٌ تُعلِن : إن تعليمَ الناسِ الخيرَ من أعظمِ القرُباتِ إلى اللهِ .. فإن معلِّم الناس الخير يستغفرُ لهُ كلُّ شيءٍ حتى النملة في جُحرِها ، وحتى الحوتُ في البحر ، كما ثبت بذلك الحديث الشريف عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ؛ ليصلون على معلم الناس الخير ) .
الهمسةُ الأولى : أيُّها المُباركُ يا من أعانهُ اللهُ واختارَهُ لِينالَ شرفَ تعليمِ كتابه ، لن أسوقَ لكَ الفضائلَ والجوائزَ المترتِّبةِ على ما تقومُ به ، فأنتَ – ربّما – أعلمُ بها منِّي ، وإن كانتِ الذكرى تنفعُ عبادَ اللهِ المؤمنين ، وحسبُكَ أن تقرأ – فقط – ما كتبتهُ في بدايةِ هذهِ الكلمات ، إلاّ أنني أدعوكَ لمزيدٍ من الاستمرار ، معَ تجديدِ النيَّة ، واللجوءِ إلى الله ، وسؤالهِ العونَ والتوفيق والدوام ، واعلم أن للإخلاصِ والتوفيقِ مراتب ؛ فاحرِص على أعلاها وأسماها .
الهمسةُ الثانية : أيُّها العزيز .. إنَّ التربيةَ بالسلوكِ والحال ؛ أبلغُ من التربيةِ بالوعظِ والمقال ، والمُعلِّمُ قدوةٌ لطُلاَّبه شاءَ ذلكَ أم أبى ، فلا تغِب هذهِ المسألةُ عن بالِك ، واحرِص على أن تكونَ قدوةَ صالحةً طيبة ، ومجالاتُ القدوةِ كثيرةٌ ، وبابُها واسِع ، لكن باختصار : اِحرِص على أن لا يرى منكَ طُلاَّبُك ما يشينُ أو يعيب ، وفقكَ الله لكلِّ خير .
الهمسةُ الثالثة : إنّ إحساس المشرف أو القائم على حلقاتِ التحفيظ بالمسئوليَّة التربوية والشرعيةِ التي يقومُ بها ؛ يجعلهُ ذلكَ أن يحرِصَ على بذلِ الكثير المُفيد في سبيلِ تربية طلاَّبه وتوجيههم وتحصينهم من مُضلاَّتِ فِتنِ العصر ما ظهرَ منها وما بطَن ..
الهمسةُ الرابعة : إنَّ تعليمَ القرآنِ ليسَ مقتصراً على سردِهِ وتلاوتهِ فقط ، دونَ السعي إلى تدبُّره وتأمُّل معانيه والعملِ بأحكامه ، فقد اِمتلأت بلادُ المسلمينَ – بحمدِ الله – بكثيرٍ من حافظي القرآن وقارئيه ، ولكن .. أينَ العاملونَ بما فيه ؟ الممتثلونَ لأوامرهِ ونواهيه ؟ فدورُكَ يا مُشرِفَ التحفيظ أن تُخرِجَ للأمةِ شباباً جمعوا بينَ الحِفظِ والتطبيق ، والدراسةِ والامتثالِ ، والعلمِ والعمل .
الهمسةُ الخامسة : أخي المشرف .. إن علاقةَ مدرِّس التحفيظ بوليِّ أمرِ الطالبِ أمرٌ مهمٌ جداً .. لأن ذلكَ يُؤدِي إلى جدِّية الطالبِ في الانتظامِ والاهتمام .. وهذا من شأنهِ أيضاً أن يُشعِرَ وليَّ الأمرِ بحجمِ الجهودِ المبذولةِ لِتوجيهِ ابنهِ وإصلاحه ، وكذا يُشعرهُ بأهميّةِ ابنهِ ، ويُعطي الطالبَ إحساساً بأنهُ مُتابعٌ من بيتهِ وأسرته ..
الهمسةُ السادسة : إنَّ انجذابَ التلاميذِ لكَ هو من أسبابِ النجاح في مشوارِكَ معهم ، فبِهِ تستطيعُ التأثيرَ عليهم ، والنُّصحِ السديد لهم ، ولا يكونُ ذلك إلا بالتودُّدِ والتحبُّبِ والتبسُّطِ معهم ، واكتسابِ ما يحسُنُ اِكتسابهُ من مهاراتٍ متميزة ، أو طرقٍ متنوِّعةٍ ناجحة في التربيةِ والتوجيه .. وذلكَ يكونُ إما : بالقراءةِ تارةً ، أو بالاستفادةِ ممن سبقوا في هذا المجال من أصحابِ الخبرةِ والتجربة تارةَ أخرى ، معَ الاِلتجاء إلى الله تعالى بطلبِ ذلك .
الهمسةُ السابعة : إنَّ مراعاة الفروق الفردية بينَ التلاميذ أمرٌ ضروري ، ومطلبٌ ملِحّ ، ولْيكن لكَ إلمامٌ بكلٍّ شخصٍ منهم وما يحتاجُهُ من متابعةٍ واهتمام ، مع توجيهه ومساعدتهِ ، وشحذِ همَّته ، ولا تتركهُ يسيرُ بلا هدفٍ ولا مبدأ .
الهمسةُ الثامنة : ينبغي لمشرفِ الحلقة أن يضعَ خطةً مكتوبة ، واضحةَ الأهداف ، بحيثُ تكونُ بمثابةِ المنهجِ لهُ أثناءَ سيرِه ، وليكن لكَ نظرٌ فيها بينَ فترةٍ وأخرى ، مع تعديلٍ يسيرٍ عليها لِما تجدهُ من ملاحظاتٍ وأخطاءٍ تُصادفُكَ أثناءَ إشرافِك ، مع مُحاسبةِ نفسِكَ في نهايةِ الفصلِ أو نهايةِ العام بما حصلَ من خللٍ أو تقصير.
الهمسةُ التاسِعة : ينبغي أن لا يُغلَّب جانبُ الترفيهِ واللَّعِب على جانبِ التربيةِ الجادة الصحيحة ، فمنَ المشرفينَ من يقولُ : بأنني أكسبُ طلّابي وأحافظُ عليهم بإقامةِ برامجِ اللعبِ والترفيه ، حتى تغلُب هذه البرامج على الهدفِ الأسمى الذي أقيمت الحلقةُ من أجله ، وهوَ حفظُ القرآن ، فيمضي العامُ والعامين؛ والتلاميذُ لم يحفظ أحدٌ منهم سوى شيئاً يسيراً من كتاب الله ، وهذا واقعٌ مشاهدٌ ومعَ الأسف ، فكانتِ النتيجةُ أن خرجَ لنا جيلاً هشَّاً بلا مبدأٍ ولا هدف .
الهمسةُ العاشِرة : الاِستمرارَ الاستمرار .. وعدمِ اليأسِ أوِ الفتور ، فإنَّ هذا الطريق ليسَ بالصعبِ العسير ، ولا بالسهلِ اليسير ، هوَ طرفٌ بينَ هذا وذاك ، يحتاجُ إلى بذلٍ وتضحية ، وصبرٍ ومصابرة ، معَ الاعتمادِ على اللهِ والاِلتجاءِ إليه ، وإياكَ وفتورَ العزيمة .. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( لكل عالم شرة ، ولكل شرة فترة ؛ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك ) .
أسألُ اللهَ عز وجل أن يُوفِّقني وإياكَ لما يحبُّ ويرضى ، وأن يُكلِّلَ جهودُكَ بالتوفيقِ والنجاح ، وأن يكتبَ لكَ أجرَ كلَّ حرفٍ علَّمتهُ ، وأن يجعلكَ مُباركاً أينما كنت ..
وبالله التوفيق .. وصلى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبهِ ومن تبِعهم بإحسان ..
منقوووووول