بسم الله الرحمن الرحيم
القيادة الإدارية هي القدرة على توجيه الآخرين من أجل تحقيق الأهداف عن طريق التأثير..
. وهو إما بالتبني وقبول المرؤوسين للقائد أو باستخدام السلطة الرسمية عند الضرورة. ومن هنا نعرف أن القيادة عملية هامة جداً لدى كل مؤسسة لأنها تقوم بدور كبير في بناء وتكوين الجماعات داخل العمل وتأمين البيئة المناسبة، كما تتولى رسم السياسات والاستراتيجيات، وتسعى لتحقيق الأهداف من خلال نشاطاتها المتعددة.
ومن هنا فإن الحاجة إلى القائد تعد من الضرورات القصوى لكل عمل ناجح، لأن القائد يقوم بالتفاعل مع الآخرين، ويعمل معهم لبلوغ أهداف العمل، والحفاظ على تماسك أفراده واندفاعهم وحماسهم.. وهي وظيفة نفسية واجتماعية وفكرية لا بد منها للحفاظ على المؤسسة داخل المجتمع والبيئة المحيطة بها. نعم قد تتمحور هذه المهمة الصعبة في شخص فذ، وفي أسلوبها الأرقى والأفضل تتمحور حول هيئة أو لجنة أو مجلس قيادة يتحكم بالسلوكيات ويحدد المسارات وينجز الأعمال بفاعلية ونجاح. هذا ويتجه المديرون نحو ممارسة القيادة بفعل عوامل عديدة
اتجاهات ثلاثة لفهم مدلولات القيادة الإدارية وهي باختصار كما يلي
الاتجاه الأول: القيادة القائمة على أساس السلطات الرسمية:
ويربط هذا الاتجاه بين القيادة والسلطة ويجعلها في قبضة واحدة، وتعد السلطة الرسمية القوة الأكبر في تركيز دور القائد وفرض إرادته واحترامه ومكانته بين المرؤوسين. وفي الغالب يخضع الأفراد لهذا اللون من القيادة، بسبب الخوف من المسائلة والعقاب.
والعيب الظاهر في مثل هذا الاتجاه أنه قابل للانتقال من شخص لآخر، لأن شخصية المدير لا تؤدي دوراً بارزاً بين الأعضاء إلا بمقدار ما تفرضه السلطات المستجمعة في يده، فإذا تبدل صعوداً أو نزولاً انتقلت سلطاته إلى من يحل محله من المدراء، هذا فضلاً عن الأسلوب السلطوي الذي يشكل الطابع العام لهذا المنهج الذي بدوره يقتل حس الإبداع والحماس والهدفية عند الأفراد لأن الجميع عليهم أن يخضعوا إلى القرار الصادر من الأعلى، ولذا فإن الحوار والمناقشة والحياة المتفتحة منعدمة في مثل هذا الأسلوب.
الاتجاه الثاني: القيادة القائمة على أساس المحبة والولاء
وهو يناقض بدرجة كبيرة الاتجاه الأول؛ لأنه يبتني على قوة شخصية المدير وما يمتلكه من خصائص وملكات رائعة تسكنه في قلوب الأفراد وأرواحهم، وتجعله متزعماً لهم بالإرادة والقناعة والرضا.. لذلك فإن هذا الاتجاه لا يقبل الانتقال من شخص لآخر، كما لا يتوقف على السلطات الرسمية، بل تنبع قوته من المقدرة على التأثير على الآخرين وتجاوبهم واحترامهم واندفاعهم للتعاون فيما بينهم وبينه لتحقيق الأهداف ورسم السياسات، وسيكون هذا الاتجاه أروع وأكثر إبداعاً وتحقيقاً للنجاحات إذا اجتمعت قوة السلطة مع قوة المدير ذاته وتكرست في قبضة واحدة لأن العمل في هذه الصورة سيتبدل من وظائف ومسؤوليات رتيبة إلى فريق متماسك ومتعاون ومتناسق متوحد الفكرة والهدف وهذا هو الطموح الأسمى الذي تسعى إليه كل قيادة ناجحة. كما أن الأعمال التي تنجز من قبل الجميع يحفها القناعة والرضا لا الخوف والقلق. ولا يخشى المدير في هكذا مؤسسات من الانتقال أو التغيير لأن سلطاته باقية وإن اعتزل العمل. كما أن دوره الكبير سيبقى هو المؤثر والقدوة للجميع سواء كان في داخل المنظومة أو خارجها. وهذا شأن القيادات الروحية القائمة على القناعات.. وهو الذي ينبغي أن تسعى إليه كل مؤسسة وكل مدير يريد أن يحقق له نجاحات كبيرة في الحياة.
الاتجاه الثالث: القيادة القائمة على الوظيفة:
ويربط هذا الاتجاه في الغالب بين ممارسة القيادة وإنجاز الوظائف وفق نظام الهيكلية الإدارية الرتيبة، لتحقيق أهداف الوظيفة وتقديم ما ينبغي لذلك بالطرق التقنية أو التسلسل الهرمي العام للوظائف. ويجعل هذا الاتجاه من المؤسسة ماكنة متحركة بأسلوب دقيق ورتيب ويتولى القائد فيه أعمال التوجيه والتنسيق والرقابة وإعطاء القرارات. وهذا الاتجاه وإن كان أقل ضرراً من الأول، إلا أنه لا ينهض لمستوى الاتجاه الثاني في مستوى التفكير وأسلوب الممارسة ولا في تحقيق الطموحات، لذلك سرعان ما يتعرض إلى الفشل إذا انعدمت الوظائف أو انقطعت عوامل بقاءها، كما أن الأفراد لا يتحسسون فيها بقيمتهم وأهمية ما ينجزون كأفراد لهم طموحات وأهداف سامية، لأن الجميع يعمل بمقدار ما تمليه عليه الوظيفة، وإن وجد فيه بعض الأفراد ممن يعملون بتفاني وإخلاص وإبداع فهذه حالة نادرة لا يمكن أن تجعل قاعدة لتقويم هذا الاتجاه.
خصائص القائد الشخصية
قلنا فيما تقدم أن القيادة الناجحة تقوم على توافر جملة من الصفات الشخصية للقائد ولعل أبرز هذه الصفات الجوهرية كمل يلي:
1- القدرة على تفهم الأهداف العامة للمؤسسة.
2- توافر الصفات الجسدية والفكرية الضرورية لممارسة الدور القيادي.
3- توافر أهليات مكتسبة تضفي على دوره المزيد من الروعة والنجاح.
4- توافر المهارات والخبرات الفذة في الإنجاز.
5- توافر سمات أخلاقية ونفسية رفيعة تجعله في قمة السمو والاقتداء.
ونقصد من الصفات الشخصية:
تحليه بخصوصيات تمكنه من ممارسة دوره بموفقية، وتتخلص في مظاهر عديدة: منها: البنية الجسدية السليمة للقدرة على الانتظام في العمل، ومراعاة المواعيد بدقة وقوة التحمل، والإحساس المرهف في التعامل والمداراة، والعمل لساعات طويلة ومتواصلة، والاحتفاظ بالتماسك وضبط النفس في المواقف الصعبة، والثقة بالنفس في كل خطوة و موقف، ومنها المظهر الشخصي: إذ ينبغي للقائد أن يظهر بمظهر يليق بمكانته وبدوره في الإشراف، وأن يكون جميل المخطر والمنظر، وأن يكون نظيفاً على الدوام والاعتناء بالهندام، ليوحي بالثقة في مركزه وشخصيته، فضلاً عن العمل بالاستحبابات الشرعية والآداب الاجتماعية التي تجعله مالئاً لمركزه وموقعه، مضافاً إلى تعامله الخارجي وحسن الدعابة والمرح والبعد عن التزمت والصرامة.
ومنها الذكاء والتركيز: فإن التوافر على ذهن وقاد وقادر على استذكار واستنباط الحلول والآراء في المواقف المختلفة، من أكبر ما يضفي عليه القوة والحنكة. وبخلاف كثرة النسيان أو الغفلة أو البلادة أو ضعف التركيز، تجعله في أقصى درجات الضعف، وفي أحسن فروضها تجعل من المتعاملين معه متذمرين وناقمين عليه، الأمر الذي يفقده القدرة على التأثير والتدبير. هذا بعض ما ينبغي أن يتصف به القائد في شخصيته الذاتية. وأما الصفات المكتسبة فهي تسهل ممارسة مهامه بسهولة ويسر، وأبرز مظاهرها تتجلى في:
– النضج الانفعالي، بمعنى المقدرة على الإمساك بزمام الأمور، والسيطرة على النفس، والاتزان الانفعالي في الرضا والغضب لدى التعرض للمواقف السارة أو الصعبة، وإعطاء المثل الصالح للآخرين في عدم التحيز أو التحامل على البعض، انجراراً وراء الحماس العاطفي أو الاستثارات التي قد يواجهها من هنا وهناك، فإن ضبط النفس والإنصاف والتوازن من أكثر ما يعطي القائد ثقة بالنفس ويعطي الآخرين ثقة به.
– مواجهة الأمور بثقة وثبات في المواقف الصعبة إزاء القوى المتصارعة، ومداراة متواصلة لاحتواء الأطراف المختلفة لكي لا يحسب طرفاً في الخلافات.
– التوافر على الحماسة والاندفاع المستمر، وهو ما قد يعبر عنه بالهمة التي يطير بها المؤمن في لسان الروايات الشريفة، وهذا لا يكون إلا إذا كان القائد مؤمناً بالعمل ومعتقداً بأهدافه وواثقاً في نجاحاته. إن المقدرة على الاندفاع والمثابرة لإنجاز الأعمال تخرج القائد من الرتابة والروتين، الذي من شأنه أن يملل أصحابه ويصيبهم بالفتور شيئاً فشيئاً، الأمر الذي يقوقعه في إطارات محدودة، ويحدوه الكسل لإنجاز المهام، وهو من أبرز مظاهر الفشل والتراجع؛ وأخطر ما فيه أنه ينعكس على أفراده فيحول أفراد المؤسسة إلى جماعة كسولة خاملة ليس فيها نشاط أو طموح.
– القدرة على الإقناع لتسهيل نقل المعلومات للآخرين والتحاور معهم وإقناعهم بالأفكار والأهداف أو الخطط وحثهم على موقف مشترك للعمل بتفاهم وتنسيق لإنجاز الأعمال. والذي يساعد المدير على ذلك هو لباقته وحذقه في الكلام ورقيه الثقافي والفكري والأدبي.
– النظر الثاقب في الأمور، والانتباه المتواصل والمركز على تفاصيل العمل وأفراده وكوادره، ومعرفة العيوب والنواقص والحلول – ولو النسبية منها – وجمع المعلومات الكافية عنها، والقدرة على استنباط النتائج أو التوقع الصائب بالمستقبل.
– قوة المبادرة والشجاعة والإقدام: فإنه قد يتصف المدير بقوة التفكير والبصيرة واللباقة في الإقناع إلا أنه يبقى نجاحه رهين مبادرته وشجاعته في اتخاذ القرارات اللازمة فوراً وفي أوقاتها المناسبة ثم الحزم في التطبيق والثقة بالنفس والابتكار البناء لأن في غير هذه الصورة تكون الميوعة والفتور هي صفاته البارزة وهي من شأنها أن تموع الأفراد والمؤسسة وتعود على الجميع بالفشل.
– الجاذبية الذاتية: ليجعل من الآخرين يفتخرون بالعمل معه والانتماء إليه ويتطلب هذا منه أن يكون قادراً على التحكم والسيطرة في اللقاء الاول لخلق انطباع جيد لدى الآخرين أولاً وثانياً أن يحفظ هذا الانطباع إلى الأخير.
– الخبرات العلمية: اكتساب المدير للمهارات العملية المستمرة، تساهم مساهمة كبيرة في قيادة العمل الإداري، وأبرز هذه المهارات تظهر فيما يلي:
1- المقدرة على حل المشكلات: فإن الكثير من الحلول لا تخضع للقواعد العلمية والضوابط أو القدرات، بل تحتاج إلى خبرات متراكمة، وقدرة على التشخيص في الفعل ورد الفعل البشري في المواقف المختلفة.. إذ لكل فرد أو خصوصية فردية طريقة للتعامل معها، في التهدئة في ألوان الغضب، والدفع والتحفيز في أوان الكسل، والمعالجة في وقت الإحباط، والتعديل في موقع العجب والغرور ونحو ذلك.
2- تقنيات التعليم والتربية لتسهيل نقل المعارف والتجارب، وامتلاك آليات ووسائط مناسبة لنقل المعرفة للآخرين بأساليب مبسطة ومفهومة ومقنعة، باستخدام مفردات وألفاظ واضحة وجميلة وقوية.
3- المقدرة على التعلم بتواضع وفهم. إن الرغبة الدائمة في تعلم المعارف والخبرات الجديدة، وعدم الترفع عنها بعد استلام القيادة، يجعل من القائد دائماً في زيادة وارتفاع، كما يجعل أفراده في موضع أحسن للتعلم والتربية والتواضع، إذ لا ينبغي أن ننسى دائماً أننا بشر والبشر إن لم يكن في زيادة فهو إلى نقصان. وأما صفات القائد الإنسانية، فهي مضافاً إلى سموها ودورها الكبير في تماسك المؤسسة، توفر مناخ عمل مقبول من الجميع، يسمح بتحقيق الولاء للمؤسسة، لأنها تنمي جواً من العلاقات الإنسانية بالاهتمام برغبات العاملين وطموحاتهم المختلفة، وتصدر أحكاماً تتعلق بهم بعد التعرف على الواقع وانصاف الجميع بلا إفراط أو تفريط مضافاً إلى التعاون المشترك في بعديه الداخلي مع العاملين داخل المؤسسة والخارجي مع المؤسسات الأخرى، لما فيه فوائد جمة تعود إلى المؤسسة، وخلق روح التضامن والتكافل الاجتماعي التي قوامها الرعاية والعطف والشعور بالمشكلات والآلام، وتقديم العون والمساعدة والاهتمام بالشؤون الشخصية، وتأمين حلولها بكل محبة ووئام، والنزاهة تضفي عليه جانباً من القدسية والطهر، لأنها تجعله في أنظار العاملين متجرداً من النزعات الشخصية، ومترفعاً عن النواقص والعيوب السلوكية كالاختلاس والتزوير والرشوة، والصدق والإخلاص يجعله واحداً أمام الجميع في فكره وكلامه ومواقفه، بعيداً عن المواربة والكذب والطرق الملتوية والغموض لدى تعامله مع الآخرين، وهي خصوصية تجعل من حقه أكثر تجذراً ومصداقية، ومن خطأه معذوراً ومعفواً لأنه صادق في أفكاره وفي تعاملاته. كما أن إخلاصه يجعله أنموذجاً للآخرين في بذل أقصى الجهود لتحقيق أهدافه، والعدالة والإنصاف باتباع سلوكيات موحدة مع الجميع وفقاً لمعايير الأداء والكفاءات وإعطاء كل ذي حق حقه، وحسن العلاقات بالعمل والعلاقات مع الغير دون إدخال عوامل أخرى كالمحسوبيات والمنسوبيات والمشاعر الجياشة في تقويم الآخرين، وضمان تكافؤ الفرص للجميع أمام المواقف العديدة بالحق والعدالة، ومهارة التعامل مع الآخرين كالقدرة على عقد علاقات طيبة مع الجميع، والقدرة على فهم وإدراك ميول الآخرين ورغباتهم وتشخيص اتجاهاتهم، والقدرة على منح الثقة للعاملين لدفعهم إلى العمل بإرادة طيبة؛ وبعبارة مختصرة المهارة في الانسجام والاتزان في التعامل مع الجميع بلطف وأريحية