وداعًا “أمَّ إبراهيم”.. لقد لقـَّنتِ الأمة درسًا بليغًا
كتبه/ علي حاتم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
تمهيد:
– “أمُّ إبراهيم” امرأة مصرية مسلمة عجوز، كفَّ بصرُها تمامًا، فقيرة، تعيش بمفردها في مسكن شديد التواضع، بل شديد البؤس، وقد مات ابنها الوحيد، ولها أربع بنات متزوجات.
– مجموع دخلها الشهري خمسون جنيهًا مصريًا، منها: أربعون جنيهًا كمعاش شهري من هيئة التأمينات الاجتماعية.
– التقى بها أحد المذيعين ودار بينها وبين المذيع حوار وجَّه فيه الرجل إليها استفسارات متعددة تدور حول ظروفها المعيشية، وإجمالي دخلها الشهري الذي سبق ذكره، وعن عدد أولادها، ولماذا لا يساعدها بناتها المتزوجات… ثم في النهاية ألحَّ المذيع في سؤالها عن حاجتها من: المال والدواء للعلاج؛ فرفضت بإصرار حامدة ربها شاكرة لفضله عليها، معلنة رضاءها التام عن ربها، وأنها في نعمة عظيمة، وأنه -سبحانه- يرسل إليها المرض، ثم سرعان ما يزيحه عنها، وهكذا تعوَّدت مع ربها وخالقها، فما الداعي للدواء!
– رحل عنها المذيع متعجبًا ومندهشًا من قوة إيمانها وصبرها، ثم عرض علينا بعض الإخوة الأفاضل حلقة مسجلة على جهاز “اللاب توب” للحلقة التالية للحلقة التي حدث فيها ذلك اللقاء، يعلن فيها المذيع أن أحد فاعلي الخير من رجال الأعمال تبرع لها بشقة قيمتها مائة وثمانون ألف جنيها، ولكن المفاجأة أن “أم إبراهيم” قد ماتت خلال الأسبوع ما بين الحلقتين ولاقت ربها الكريم الحليم المنان.
لقد لقـَّنت أم إبراهيم الأمة بأسرها درسًا بليغًا يمكن أن نستخلص منه مجموعة من الدروس والعبر على النحو التالي و”بحسب ما ظهر من حالها نظن أنها قد
حصل لها المقامات الثلاثة”:
مقام الصبر:
وهو أن يحبس الإنسان نفسه على المصيبة وهو يكرهها ولا يحبها، ولا يحب أن وقعت، ولكنه يصبر ولا يتحدث باللسان بما يسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يغضبه -عز وجل-، ولا يكون في قلبه على الله شيء أبدًا؛ فهو صابر، لكنه كاره لها.
مقام الرضا:
و”أم إبراهيم” تجاوزت مقام الصبر إلى مقام الرضا، وهو أن يكون الإنسان منشرحًا صدره بهذه المصيبة، ويرضى بها رضاءً تامًا، وكأنه لم يصبب بها، وقد استمعت إلى تعبير من أحد الإخوة الأفاضل أن مقام الرضا هو: “مغناطيس البركة”.
مقام الشكر:
و”أم إبراهيم” تجاوزت مقام الرضا إلى مقام الشكر، وهو أن يشكر العبد ربه على المصيبة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى ما يكره قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ)
(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)
، فيشكر الله من أجل أن يرتب له من الثواب على هذه المصيبة أكثر مما أصابه.
و”أم إبراهيم” في فقدها لولدها، وفي معاملة بناتها لها بجفاف واضح وعدم سؤالهن عنها وتقديم الرعاية الكافية لها، وفي مرضها وقلة المال في يدها -“بل يكاد يكون معدومًا”-؛ ضربت لنا المثل في الرضا والشكر، وكيف أن من يرى وجهها وهي تكرر الحمد لله، والشكر له على نعمه عليها، يشعر أنها تعيش في منحة عظيمة لا في محنة مؤلمة!
يشعر أنها راضية عن ربها تمام الرضا، واثقة بما عنده، متوكلة عليه متلذذة مستمتعة في مناجاته -عز وجل-!
“أم إبراهيم” وحياؤها من ربها:
إن الناظر إلى “أم إبراهيم” المستمع إليها، ليشعر بشدة حيائها من ربها، وحرصها على ألا تطلب شيئًا.. حتى ثمن الدواء مع أن التداوي مشروع إلا أنه لو كان بسؤال الناس فالصبر أولى، لم تسال “أم إبراهيم” أي شيء من غير الله، وحتى ولو كان هذا الغير بناتها، لقد التمست “أم إبراهيم” العذر لبناتها في إهمال مساعدتها، وتعللت بأنهن مشغولات في تربية أولادهن، وأنهن يعشن في القاهرة، وأن بعضهن فقيرات، وكأنها تخشى أن تكون قد التفتت بقلبها إلى غير الله! الله أكبر… ما أحوجنا إليك وإلى أمثالك يا “أم إبراهيم”!
“أم إبراهيم” والعبادات القلبية:
في أقل من خمس دقائق عرضت “أم إبراهيم” على الأمة درسًا عمليًا لكل أنواع العبادات القلبية: الحب، والخوف، والرجاء، والحياء، والتوكل، والاستعانة، والرضا… الله أكبر… يا “أم إبراهيم”!
يأبى الله إلا أن يقبضها إليه فقيرة إليه مستغنية به:
لقد قبض الله “أم إبراهيم” إليه فقيرة قبل أن ترى الشقة ذات المائة والثمانين ألف جنيهًا، وكأن الله يؤكد لنا أن هذا المعنى العظيم أن المستغني بالله غني مها كان احتياجه إلى المال، وأن المستغني عنه فقير مهما كان معه من مال.
“أم إبراهيم” وافتقار الأمة إلى النماذج العملية:
ما أحوج الأمة إلى أمثال “أم إبراهيم”، ما أحوج الأمة إلى النماذج العملية التي تطبق الإيمان قولاً واعتقادًا وعملاً.
إن “أم إبراهيم” لم تدرس أركان الإيمان، ولا شروط لا إله إلا الله… !
أم “إبراهيم” لم يشرح لها أحد الفرق بين: مقام الصبر، ومقام الرضا، ومقام الشكر… !
يا إلهي… كيف عرفتك “أم إبراهيم”؟!
يا إلهي… من الذي شرح لها معنى ربوبيتك.. بل من الذي شرح لها وجوب إفرادك وحدك بالعبودية؟!
يا إلهي… من الذي عرَّفَها وعلَّمَها أسماءك الحسنى وصفاتك العلى؟!
يا إلهي… ما أعظم هذا النموذج التطبيقي العملي الذي نحتاجه أكثر من مجرد دراسة نظرية أو كلام خطابي.
بأمثال “أم إبراهيم” تُنصر الأمة وترزق!
بـ”أم إبراهيم” وأمثالها توصل الأرض بالسماء، وينزل المطر، ويسقى الزرع، ويكون عفو الله وحلمه بالأمة بأسرها!
لقد افتقدت الأمة “أم إبراهيم” ونسأل الله -تعالى- أن يعوضنا عنها خيرًا، وأن يخلق في الأمة ما يعوضنا به عنها.
مراجعات فورية ضرورية:
لابد من إعادة المراجعة للنفس، وإعادة تأهيلها التأهيل العملي السلوكي والتربوي.
لابد من إعادة تقديم معاني الإيمان بالتركيز على التطبيق العملي لهذه المعاني العظيمة من خلال القرآن الكريم؛ بحيث يُرى أثر ذلك على أفراد الأمة سلوكًا عمليًا، وتربويًا متأسين بالقدوة الأعظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته الكرام، ساعين بجد واجتهاد إلى تكوين المزيد من “أم إبراهيم” فهل ينجح العلماء والدعاة في ذلك؟!
اللهم إنا نتوسل إليك أن ترحم “أم إبراهيم”، وأن تعوضنا عنها خيرًا، وأن تجمع أمة نبيك -صلى الله عليه وسلم- على طريق الهدى والرضاء.
قال الله -عز وجل-: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
. والله وحده المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله
** اللهم خذ بأيدينا أخذ الكرام عليك ||
– – –
|| سل ربك أن يهب لك قلبا يعي معنى كلامه عز وجل>>
منقول من ايميلي