من الظلم العظيم الغيبة والتي أصبحت في هذه الأيام فاكهة المجالس وكذلك الوقوع في أعراض الناس
قال عليه الصلاة والسلام ” الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه “. صحيح الجامع .
الوقوع في أعراض الناس وقذفهم بالزنى وبوصفهم أنهم أبناء حرام ، وأبناء زنى وهكذا ، فهذا قذف وقد هدد الله قاذفه بعذاب أليم ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (النور:23) وقال تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:4) 0
فما عقابهم في الآخرة ؟ جاء عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ” صحيح الترغيب 0
* ويا للأسف لم يتوقف الأمر على أكل لحوم البشر بالغيبة بل تعداه إلى السعي بين الناس بالنميمة والافساد بين الأحبة
نبيكم صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عن المرء إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه ، قال عليه الصلاة والسلام ” و الذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ” . صحيح الجامع
0
بل وجعل ذلك شرطاً لدخول الجنة حيث قال ” والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ” صحيح أبي داود 0 فأصبحنا الآن في زمن لا يكاد تجد مسلماً يحب لأخيه ما يحب لنفسه إلا من رحم ربي وقليل ما هم ، بل أصبح الواحد منَّا لسان حاله يقول للآخر – يا أخي لا تريد أن تحبني كما تحب لنفسك فدعني وتركني بحالي ،بل لم يتوقف الأمر على هذا فهو لا يتمنى الخير لأخيه ، بل أكثر من ذلك فهو يتمنى لو كانت على أخيه نعمة أن تزول عنه وترحل والعياذ بالله 0
إذن من الظلم الغيبة ، والغيبة عرَّفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ” ذكرك أخاك بما يكره ” أي وهو غائب ، صحيح أبي داود 0
ومن يقع في الغيبة وفي الخوض بأعراض الناس فهذا قد نُفِيَ عنه الإيمان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث صعد المنبر ونادى بصوت رفيع فقال ” يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ” صحيح الترغيب وفي رواية ” يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ” صحيح أبي داود 0
* ومن يقع في الغيبة يُعَد من أكلة لحوم البشر وهم أموات بنص القرآن ، قال تعالى { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } (الحجرات: من الآية12) 0
وجاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه مر على بغل ميت فقال لبعض أصحابه لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم ” صحيح الترغيب 0
* من المعلوم من السنة المطهرة أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، فماذا عن خلوف فم المغتاب ؟
استمع لهذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما هذه الريح هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين ” صحيح الترغيب ، فكيف بالذين يغتابون علماء المسلمين ومشايخهم ؟!!
* فماذا عن عقابه ؟ – ذكرنا الحديث السالف الذكر الذين يخمشون وجوههم وصدورهم – وكذلك جاء عن يعلى بن سيابة رضي الله عنه أنه عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال إن هذا كان يأكل لحوم الناس ط صحيح الترغيب 0
* وليس العذاب على المغتاب فحسب ، بل وعلى كل من جلس مجلساً يُنال فيه أعراض الناس ويؤكل فيه لحومهم ، وإن كان لم يشاركهم فيما هم فيه ولكنه لم ينكر عليهم مع قدرته على ذلك
، فقد جاء في السلسلة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة فجلد جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه نارا فلما ارتفع عنه وأفاق قال على ما جلدتموني قالوا إنك صليت واحدة بغير طهور ومررت على مظلوم ولم تنصره ” السلسلة الصحيحة 0
* في مقابل ذلك أنظر كم هو ثواب من يدفع الغيبة عن أخيه المسلم ، استمع إلى حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم ” من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار ” صحيح الترغيب 0 وقال أيضاً ”
من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة ” صحيح الترغيب 0 وفي رواية ” من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة ” صحيح الترغيب
.
* ذكرنا أن الأمر لم يتوقف على الغيبة بل تعداه إلى النميمة وهي أشر ويكفي شؤما لصاحب النميمة أن الجنة محرَّمة عليه ، حيث قال عليه الصلاة والسلام ” لا يدخل الجنة قتات . متفق عليه . وفي رواية مسلم نمام ” .
وقبل ذلك هناك عذاباً ينتظره يبدأ عند لحظة الأولى لمواراته قبره وعودة مشيعيه ، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على قبرين فقام فقمنا معه فجعل لونه يتغير حتى رعد كم قميصه فقلنا ما لك يا رسول الله فقال أما تستمعون ما أسمع فقلنا وما ذاك يا نبي الله قال هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هين قلنا فيم ذاك قال كان أحدهما لا يستنزه من البول وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة . ” صحيح الترغيب 0
* ما تعريف النميمة ؟ النميمة تعريفها هو : الإفساد بين الناس ، يأتي الأول فيقول له : إنَّ فلان يقول عنك كذا وكذا ، ثم يأتي الآخر ويقول له كما قال للأول وقد يكون ما نقله صحيحاً صادقاً به ولكنه ما أراد بذلك إلا الإفساد بينهما فكان جزاؤه أن حرَّم الله عليه الجنة ،
استمع لهذا التعريف من نبيك صلى الله عليه وسلم حيث قال ” ألا أنبئكم ما العَضهُ هي النميمة القالة بين الناس وفي رواية النميمة التي تفسد بين الناس ] . أخرجه مسلم وفي رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام ” أتدرون ما العضة قالوا الله ورسوله أعلم ، قال نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم ” . السلسلة الصحيحة .
* والنميمة حالقة للدين كما أخبر ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال ” وفساد ذات البين الحالقة ” صحيح أبي داود وفي رواية للترمذي ” هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ” أي تحلق الحسنات ، فكيف ذلك ؟ الجواب نجده عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال ” لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ” صحيح الجامع 0
وقال أيضاً ” أتدرون ما المفلس إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”
.
* في مقابل ذلك أخي في الله أنظر إلى ثواب من سعى للإصلاح بين الناس جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين ” أنظر صحيح أبي داود ، ،
فالسعي بين الناس للإصلاح فيما بينهم إذا تفاسدوا وتقاطعوا هو أحب إلى الله من صلاة التطوع وكذلك الصيام والصدقة
لأن ثواب هذه الأعمال الطيبة محصورة على فاعلها بينما عمل الإصلاح يشمل المجتمع بأسره فبذلك العمل الطيب تعم المحبة والمؤاخاة بين الناس وعدم الاقتتال والمشاجرة فيما بينهم ،
استمع لحبيبك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لأبي أيوب ألا أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله قال بلى قال صل بين الناس إذا تفاسدوا وقرب بينهم إذا تباعدوا ” صحيح الترغيب وقال أيضاً ” ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين وخلق حسن ” السلسلة الصحيحة
0
* ومن الظلم العظيم البهتان ، والبُهْتانُ والكذبُ، معناه أَن يقول فـيه ما لـيس فـيه ، وهو الإفتراء ، وهو الباطل ، أي يفتري أحدهم على آخر كذباً وباطلاً ظلماً وزورا ، وقد حذَّر الله من ذلك مهدداً مرتكبيه بقوله تعالى { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } (الأحزاب:58)
وعقابه جاء على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال
” من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج ” صحيح الجامع ،
وطينة الخبال هو كما بينه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة منها : إنه صديد أهل النار ، ومنها : إنه عصارة أهل النار ، ومنها : إنه عرق أهل النار ، أي هو مما لا شك فيه إنه عصارة ما يخلفه الجسد بعد حرقه والعياذ بالله ، وهذا المكان هو سجن في أسفل جهنم والعياذ بالله ،
قياساً على هذا الحديث ” يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال ” صحيح الجامع. عافاني الله وإياكم منه ومن كل شيء يقربنا إلى النار .
وأخيرنا : أخواتي في الله أحذر نفسي أولاً ثم أحذرك مما حذَّر منه محمد صلى الله عليه وسلم صحبه ، وهو إياك ثم إياك أن تطلق العنان للسانك فتتركه دون لجام يحصد يميناً ويساراً فيرديك في جهنم على وجهك فتكون من الخاسرين .
فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة ” صحيح الترغيب ، أي وقاه الله شر لسانه وفرجه .
وقال أيضاً إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا . صحيح الجامع
وقال أيضاً لمعاذ “ ألا أخبرك بملاك ذلك كله كف عليك هذا – وأشار إلى لسانه – قال يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ” صحيح الجامع
وجاء أيضاً ” سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار قال الفم والفرج وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال تقوى الله وحسن الخلق صحيح الترغيب .
وقال أيضاً ” لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه ”
“منقول للاهمية”