السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خواطر إيمانية يبثها الأستاذ: إبراهيم السكران.. تستحق -بحق- القراءة والتأمل:
1-مناصحة ذاتية:
الله الله يا نفسُ بتدبر القرآن ..
الله الله أن يكون لكِ ورد يومي من التدبر لايفوتك مهما كانت الأعباء..
يانفسُ ألا ترين كثيراً من الصالحين وكيف يتحدثون عما يرونه من فرق مبهر في حياتهم،
وفرقاً عظيماً في فهمهم وصحة نظرهم واستقرار تفكيرهم ببركة هذا القرآن ..
ألا ترين كثيراً من الصالحين كيف يبثون شجواهم عما يجدونه في أنفسهم بعد تلاوة القرآن..
يتحدثون عن شئ يحسون به كأنما يلمسونه من قوة الإرادة في فعل الخيرات والتأبي على المعاصي..
وراحة النفس في صراعات المناهج والأفكار واحترابات التيارات ..
بل تأملي يانفسُ كيف تشرّف النبي ذاته بالقرآن!
تأملي يانفسُ كيف كانت حال النبي قبل القرآن،
وحال النبي بعد القرآن، كما قال تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ماكنت تدري مالكتاب ولا الإيمان)
وقوله تعالى (بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)..
فانظر بالله عليك كيف تأثرت حال النبي بعد إنزال القرآن عليه،
بل انظر ما هو أعجب من ذلك وهو حال النبي بعد الرسالة إذا راجع ودارس القرآن مع جبريل
كيف يكون أجود بالخير من الريح المرسلة كما في البخاري،
هذا وهو رسول الله الذي كمل يقينه وإيمانه، ومع ذلك يتأثر بالقرآن فيزداد نشاطه في الخير،
فكيف بنفوسنا الضعيفة المحتاجة إلى دوام العلاقة مع هذا القرآن..
بل انظر كيف جعل خاصية الرسول تلاوة هذا القرآن فقال (رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة).
وانظر إلى ذلك التصوير الشجي لحال أهل الإيمان في ليلهم كيف يسهرون مع القرآن (أمةٌ قائمة يتلون آيات الله آناء الليل)
أترى أن الله جل وعلا ينوع ويعدد التوجيهات لتعميق العلاقة مع القرآن عبثاًَ؟
فتارةً يحثنا صراحة على التدبر (أفلا يتدبرون القرآن) ..
وتارةً يحثنا على الإنصات إليه (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتو) ..
وتارةً يأمرنا بالتفنن في الأداء الصوتي الذي يخلب الألباب لتقترب من معاني هذا القرآن (ورتل القرآن ترتيلا) ..
وتارةً يأمرنا بالتهيئة النفسية قبل قراءته بالاستعاذة من الشيطان
لكي تصفو نفوسنا لاستقبال مضامينه (وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ..
وتارةً يغرس في نفوسنا استبشاع البعد عن القرآن (وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) ..
وتارات أخرى ينبهنا على فضله، وتيسيره للذكر فهل من مدكر، وعظيم المنة به، الخ الخ كل ذلك ليرسخ علاقتنا بالقرآن ..
أيا نفسُ .. هل ترين ذلك كله كان اتفاقاً ومصادفة لا تحمل وراءها الدلالات الخطيرة؟!
2-مع القلوب الصخرية:
الحديث عن قسوة القلب حديث ذو شجون، ومن رزايا هذا الزمن أن صرنا
لا نستحي من المناصحة عن قسوة القلب بينما قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة ..
لكن دعنا يا أخي ندردش دردشة المحبوسين يتشاجون لبعضهم كيف يهربون من معتقلات خطاياهم..
يا أخي والله لقد قرأت كثيراً كثيراً في كتب الرقائق والايمانيات والمواعظ،
وجربت كثيراً من الوسائل التي ذكروها، وأصدقك القول أنني رأيتها محدودة الجدوى،
لا أنكر أن فيها فائدة، لكن ليست الفائدة الفعلية التي كنت أتوقعها،
ووجدت العلاج الحقيقي الفعال الناجع المذهل في دواء واحد فقط،
دواء واحد لاغير، وكلما استعملته رأيت الشفاء في نفسي،
وكلما ابتعدت عنه عادت لي أسقامي، هذا العلاج هو بكل اختصار (تدبر القرآن).
دع عنك كلما يذكره صيادلة الإيمان، ودع عنك كل عقاقير الرقائق التي يصفونها،
واستعمل (تدبر القرآن) وسترى في نفسك وإيمانك وقوتك على الطاعات
وتأبيك على المعاصي وراحة نفسك في صراعات المناهج والأفكار شيئاً لا ينقضي منه العجب.
كل تقصير يقع فيه الانسان، سواء كان تقصيرا علميا بالتأويل والتحريف للشريعة،
أو كان تقصيراً سلوكياً بالرضوخ لدواعي الشهوة، فإنه فرع عن قسوة القلب.
وهل تعلم كيف تحدث قسوة القلب؟
قسوة القلب ناشئة عن البعد عن الوحي، ألا ترى الله تعالى يقول
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)
أرأيت يا أخي؟ إنه طول الأمد .. !
لما طال بهم الأمد قست قلوبهم .. ولو جددوا العهد مع الوحي لحيت قلوبهم..
فإذا قسا القلب تجرأ الانسان على الميل بالشريعة مع هواه .. و
إذا قسا القلب تهاون الانسان في الطاعات واستثقلها ..
واذا قسا القلب عظمت الدنيا في عين المرء فأقبل عليها وأهمل حمل رسالة الاسلام للناس ..
وإذا قسا القلب ضعفت الغيرة والحمية لدين الله ..
ومالعلاج إذاً ؟
العلاج لما يحيك في هذه الصدور هو مداواتها بتدبر القرآن ..
بالله عليك تأمل في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)
هكذا تقدم الآية المعنى بكل وضوح “وشفاء لما في الصدور” ..
ولكن مالذي في الصدور ؟!
في الصدور شهوات تتشوف ..
وفي الصدور شبهات تنبح ..
وفي الصدور حجبٌ غليظة..
وفي الصدور طبقات مطمورة من الرين (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ..
وهذه الدوامات التي في الصدور
دواؤها كما قال الله (قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) ..
فإذا شفيت الصدور وجدت خفة نفس في الطاعات ..
وإذا شفيت الصدور انقادت للنصوص بكل سلاسة ونفرت من التأويل والتحريف ..
وإذا شفيت الصدور تعلقت بالآخرة واستهانت بحطام الدنيا ..
وإذا شفيت الصدور امتلأت بحمل هم إظهار الهدى ودين الحق على الدين كله ..
وأعجب من ذلك أنه إذا شفيت الصدور استقزمت الأهداف الصغيرة ..
تلك الاهداف التي تستعظمها النفوس الوضيعة .. الولع بالشهرة ..
وحب الظهور .. وشغف الرياسة والجاه في عيون الناس .. وشهوة غلبة الأقران ..
النفوس التي شفاها هذا القرآن ..
ترى كل ذلك حطام إعلامي ظاهره لذيذ فإذا جرب الانسان بعضه اكتشف سخافته ..
وأنه لايستحق لحظة من العناء فضلاً عن اللهاث سنوات..
فضلاً عن تقبل أن يقوم المرء بتحريف الوحي ليقال فلان الوسطي الراقي الوطني التنموي
الحضاري النهضوي التقدمي الخ الخ من عصائب الأهواء التي تعشي العيون عن رؤية الحقائق..
هل تظن يا أخي أن تحريف معاني الشريعة لا صلة له بقسوة القلب؟!
أفلا تقرأ معي يا أخي قوله تعالى (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)
على أية حال .. دعنا نعيد قراءة آية الشفاء
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)
يا ألله .. هل قال الله “شفاء لما في الصدور” ..
نعم إنه شفاء لما في الصدور.. هكذا بكل وضوح ..
هذا القرآن يا أخي له سحر عجيب في إحياء القلب
وتحريك النفوس وعمارتها بالشوق لباريها جل وعلا ..
وسر ذلك أن هذا القرآن له سطوة خفية مذهلة في صناعة الاخبات
والخضوع في النفس البشرية كما يقول تعالى
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ)
فإذا أخبتت النفوس .. وانفعلت بالتأثر الإيماني ..
انحلت قيود الجوارح .. ولهج اللسان بالذكر ..
وخفقت الأطراف بالركوع والسجود والسعي لدين الله ..
كما يصور الحق تبارك وتعالى ذلك بقوله
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ)
لاحظ كيف تقشعر .. ثم تلين ..
إنها الرهبة التي تليها الاستجابة ..
وذلك هو سحر القرآن..