ذا كنا نعرف في ثقافتنا أن ” الكذب حبله قصير ” ، ففي الثقافة الكندية ” الكذب حبله طويل يكفي ليشنقك ويشنق كثير من أحلامك” ..!
كنت ولازلت أقول لجميع الشباب السعوديين القادمين الى كندا، لاتكذب أبداً حين تتعامل مع الجهات الرسمية ، وفي بعض المواقف إذا كذبت مرة فلا تغير هذه الكذبة ! أقول لاتغيرها لا أن تستمر في الكذب .. ! حاول أن تتذكر كذبتك القديمة لكي لا تتناقض .. ويظهر لك الحبل الطويل الذي يلف حول رقبتك!
هناك ثلاث جهات رسمية إياك إياك والكذب عليها :
١- الجوازات الكندية ( أثناء التقديم للفيزا – لتجديد الفيزا- لتجديد تصريح الدراسة – لإصدار تصريح عمل). وحاول أن تحتفظ بنسخة مصورة من جميع الأوراق التي ترسلها لهم.
٢- الجامعات الكندية. ( أثناء التقديم على الجامعات – أثناء تقديم عذر غياب – أثناء تقصيرك في أي مهمة دراسية ).
٣- الشرطة ( أثناء التحقيق معك أو إيقافك وسؤالك ) .
سأحكي لكم ثلاث مواقف ، ” اثنان”منها عايشت تفاصيلها مع غيري .. وموقف واحد حدث لي شخصياً نجوت فيه من حبل الكذب القاسي بأعجوبة .. !
الموقف الأول :
صاحبي ” هارون ” يعمل في مكتب الإنترناشونال في الجامعة ، إتصل به من مطار مدينة ” كالقري ” شاب سعودي .. قادم جديد اسمه ” ماجد”.. للتو هبط للآراضي الكندية .. تم إيقافه من قبل الجوازات الكندية في المطار.. ومنع من صعود الطائرة المتوجهه الى ” ريجاينا ” .. محطته الآخيرة!
ماجد تحدث الى ” هارون ” يناشد الجامعة التدخل ومساعدته في الموقف الصعب الذي يواجهه، ورغم أن الشاب لايتحدث الإنقليزي بطلاقة إلا أنه كان يفهم مايدور حوله …
ما المصيبة التي حلت بصاحبنا..؟
الجوازات الكندية طلبته العودة الى ” السعودية ” ورفضت السماح له بالدخول ..
ببساطة سأله موظف الجوازات.. إلى أين تريد الذهاب .. أجاب ” ريجاينا ” !
الموظف : هل لديك قبول في جامعة ريجاينا !
قال : نعم ..
الموظف : هل قبول جامعة ريجاينا الذي معك هو نفس القبول الذي قدمته لإستخراج الفيزا ..!
نعم .. هو نفس القبول!
هل أنت متأكد ..
نعم متأكد ..
هل فهمت ماذا أقول لك ! مرة آخرى أنا أسألك هل هذا القبول الذي معك هو نفس القبول الذي تقدمت به لإستخراج الفيزا ..
ماجد يجيب بكل ثقة .. نعم ياسيدي أفهم ما الذي تعنيه والجواب نعم !
غضب الموظف وقال : أنت تكذب !! أنت تقدمت لإستخراج الفيزا بقبول من معهد في مدينة ” أدمنتون ” وهذا ظاهر لدي في الجهاز ..!
لن تدخل كندا ..
أوقع في سوء كذبته ” الصغيرة ” .. وبإرتباك حاول أن يعالج الموقف .. آسف .. آسف هذا صحيح !
أنا فهمتك خطأ .. أرجوك سامحني .. أنا قدمت على معهد لغة في ” أدمنتون ” واثناء إنتظار الفيزا ، قدمت على جامعة ريجاينا وجاءني قبول لغة وقبول آكاديمي من جامعة ريجاينا .. فغيرت المدينة والوجهه ..وقررت القدوم الى ريجاينا .. حيث القبول ! ..صدقني هذا كل مافي الآمر!
وهذي موظف في جامعة ريجاينا .. بإمكانك التأكد .. هذا ” هارون ” مسؤول عن الطلاب الإنترناشونل..
تفضل تحدث اليه : أرجوووك !
الموظف بغضب كان بإمكانك أن تحكي هذه القصة مبكراً .. متأخر جداً .. !
أخذ الموظف الجواز وشطب على الفيزا .. ومنعه من الدخول لكندا !
الطالب اتصل علي مكتب الإنترناشونل في جامعة ريجاينا ، المكتب اتصل علي .. حضرت الى هارون نحاول علاج المشكلة .. فهمنا قصة الطالب ، وقال لنا تكفون توسطوا لنا !
تحدثنا إلى موظف الجوازات .. وحاولنا تهدأت غضبه .. قلنا له هذا طالب جديد .. وربما كان هناك سوء فهم ، ربما تكون اللغة عائقة..وربما ..! واختلقنا كل عذر ممكن ..
خاطبناه بكل أدب .. نرجو منك التكرم بالسماح له بالدخول .. دراسته تبدأ بعد يومين.. الطالب لديه قبول معهد وقبول جامعي من جامعة ريجاينا !
قال لنا الموظف بحزم: هذا الشخص لن يدخل كندا أبداً .. وتم التنسيق وحجز مقعد له هذا المساء ، ليعود من حيث أتى .. ! أشكركم لمحاولة المساعدة..! هذا لطف منكم .. لكن الموضوع الآن ليس بيدي وحدي .. تم تسليم الملف للموظف المختص..!
أنهينا الحديث .. لنفكر ماذا يمكن أن نصنع ! .. في هذه الأثناء ..
إتصل الطالب بأبيه في ” الرياض ” ..
أبوه تحدث الينا يتوسلنا أن نصنع شيئاً ..
اتصلنا مرة آخرى على الجوازات .. حاولنا استعطافه بأبيه .. رد علينا وقال : أنتم تضيعون وقتكم ووقتي ، هذا الطالب لن يدخل كندا وموضوعه إنتهى تماماً .. تم التوقيع على عودته من مدير القسم.. وأنتهت كامل القضية .. !
وبالفعل .. في المساء عاد الطالب من المطار الى السعودية ..
وضاعت الآمال ..
إعتذرنا من والده .. لمست آذاننا دمعات والده ..
بكذبة “بيضاء ” غير مقصودة .. لم يتعامل معها ” الموظف ” برحمة .. إنتهت بعودته خائباً الى ” الرياض ” .. بعد احتفالية وداع ..
في إنتظار مصيبة إستقبال !
الموقف الثاني :
” سالم ” متخرج من الثانوية بنسبة ٩٨٪ ، درس فصل دراسي واحد في جامعة الملك سعود ، وحينما ظهر اسمه ضمن المبتعثين للدفعة الخامسة لم يكمل الدراسة !
هذا كل ما كنت أظن أنني أعرفه بشكل جيد من تاريخ ” سالم” .. بناء على كلامه لي ..
اتصل بي بعد أسبوعين من لقائي “التعارفي” الأول به .. إتصل يقول عندي مشكلة مع مكتب القبول في الجامعة !
ماالمشكلة يا أحمد ..
أنا قدمت على كلية الهندسة ، ولم أكتب في الابلكيشن أنني درست ” فصل ” دراسي في الجامعة ، وسألتني الموظفة شفوياً .. ماذا كنت تعمل بعد تخرجك من سنة … قلت لها : درست فصل في الجامعة وحذفت !
سألتني ..لماذا لم تذكر ذلك في الابلكيشن .. لابد أن تحضر ورقة من الجامعة أنك حذفت .. أو سجلك الآكاديمي به المواد التي درستها!
قلت : الأمر سهل .. أحضر لها سجلك الأكاديمي !
قال : لا .. صعبة !
سألته : طيب .. يا سالم ، لماذا لم تذكر في الأبلكيشن أنك درست في الجامعة !
أجاب : أنا أصلاً .. ما عبأت الأبلكيشن بنفسي .. ولم أره الأبلكيشن أصلا ولا أعرف شكله !
من ملأه لك..
فيه زميل لي في فانكوفر .. أرسلت له جميع أوراقي وبياناتي وهو تولى الموضوع !
ثم سألني : وش رأيك ياسلطان نقول لهم .. أني ( مش ) أنا الشخص الذي ملأ الأبلكيشن أصلاً .. !
قلت له : هل جننت ! هل تعرف أن ” التوقيع ” الموجود في نهاية الأبلكيشن لابد أن يكون هو توقيعك .. هذه جناية قد تتسبب في مشاكل ليس القبول فقط .. ربما تورط غيرك معك !
لا .. لاتذكر هذا الموضوع أبداً .. ولاتمر هذه الفكرة في ذهنك مرة آخرى ..
واعدته بعد يومين .. وذهبنا الى مكتب القبول .. وقبل أن أدخل على الموظفة ، قلت له ” ياسامي ” ذكرني بالضبط بكل شيء قلته لها.. وبدقة!
قال كما تعلم .. أنا لغتي ضعيفة .. فاستعنت بـ” إبراهيم ” يترجم لي .. ففحوى الكلام الذي قلنا لها هو :
أنني درست في الجامعة فصل دراسي واحد ولم أكمله، وأن قانون الجامعات في السعودية لا يعطي الطالب أي ورقة إذا لم يكمل دراسة الفصل كاملاً .. !
حسناً ..
دخلت على الموظفة ” كاثرين ” وكنت قد تعاملت معها في السابق كثيراً .. فهي تعرفني جيداً ، حاولت أن أستفيد من معرفتي بها ..لإقنعها في تمرير هذا الموقف .. والتغاضي عن موضوع إحضار ورقة من الجامعة في السعودية.. ! تشفعت بمعدل الطالب .. !
قالت لي ياسلطان :
صاحبك في كل مرة يقول لنا قصة مختلفة ! ومديري شك في مصداقية شهادته ! هذا الطالب يكذب علينا..
سألتها ماذا قال لكم ..
قالت: في المرة الأولى قال عن طريق المترجم ( إبراهيم ) .. أنه درس سنة كاملة في جامعة الملك سعود ونجح فيها بإمتياز !
ولما سألناه أن يحضر سجله الأكاديمي من الجامعة ..
ذهب وعاد لنا اليوم التالي .. وقال أنه لم يدرس سنة .. وإنما يقصد فصل واحد وحذف المواد بعد شهر !
وعاودنا الطلب .. أحضر أي ورقة تثبت أن أخذت مواد وحذفتها .. ! نريد التأكد فقط أنه لم يتم طردك من الجامعة .. هذا كل مافي الأمر .. لايعنينا الدرجات ولا أي شيء آخر ..!
كنت مصدوماً لهذه المعلومات التي لم يخبرني بها ..
ثم باغتتني بسؤال .. سلطان : هل تعرفه جيداً .. !
خشيت أن أفقد الثقة والسمعة الحسنة في الجامعة .. قلت لها الحقيقة : معرفتي به محدودة .. لا تتعدي يومين .. لكنني أحاول مساعدته ويبدو لي أنه لطيف .. ولا أعتقد أن شهادته مزوره ..!
قالت هل تصدق .. اليوم جاءنا في الصباح.. وقال:
أنه في الحقيقة لم يدرس الجامعة .. وإنما درس في معهد ” لغة إنقليزية ” .. !
آنا آسفه أن أقول لك .. هذا الطالب لن نقبله !
الموقف الثالث ( هذا الذي نجوت منه):
حين قدمت الى كندا لأول مرة قبل خمس سنوات.. كان بصحبتي ثلاث شنط من ذوي الأحجام الكبيرة .. وفي المطار ، سلمت موظف الجمارك الورقة التوضيحة التي وزعت علينا في الطائرة والتي تحوي معلومات عن محتويات الشنط !
يبدو أن “حجم الشنط ” كان ملفتاً للنظر ..
لم يدعني الموظف أن أمر دون تفتيش .. تم إيقافي للتأكد من أن صحة المعلومات التي في الورقة ومطابقتها مع محتويات الشنطة ..
أبتدأ الموظف بأكبر الشنط .. وفي طريقه لفتحها ..
سألني هل تحوي شنطتك : أي سوائل .. عطور أو شيء مشابه لذلك !
قلت بكل ثقة : ” لا ” ..
سؤال آخر.. : هل لديك أي شيء حاد ..
شيء حاد .. أمممم لا . .لا ( خطر في بالي أنه يقصد سكين ) !
حسناً ..
فتح الموظف الشنطة ،أول شيء وقعت يده عليه، كيس به ” عشرة عطور ” ! أدخلته أمي في الشنطة دون ” علمي ” .. !
نثر الشنطة ووجد بها كيس آخر يحوي ” أمواس وأدوات حلاقة ” .. !
محاولة شديد لأبلع ماتبقى في فمي من لعاب ناشف .. !
رمقني بنظرة ساخرة : لايوجد لديك سوائل هاه .. ! هذه ماذا تسمونها ..!
” لولا أن ضربتين في الرأس توجع ” لقلت له هذه نسميها عصير (أمزح) !
مباشرة قلت له : أنا أعلم أنك تعتقد أنني أكذب عليك ، لكن دعني أقول لك الحكاية بكل صدق .. ربما لن يكون ماأقوله مقنعاً .. وأعلم أن ذلك ليس مقبولاً ولايعد عذراً معتبراً .. وبعد أن تسمعني .. أنا مستعد لأي عقوبة بحقي .. فقط أشرح لك :
الذي ساعدني في ترتيب أغراضي هي ” والدتي ” ” حرسها الله “… ربما يبدو سخيفاً لديكم .. لكن هذا الواقع ..أنا لم أشتري عطوراً .. ولم أتحقق من وجودها ، الوالدة ربما تفضلت علي بهذه العطور لكنني حقيقة لا علم لدي !
بالنسبة للأمواس.. لن أقول الوالدة أيضاً .. أنا نسيتها تماماً ، فأنت حينما سألتني هل لديك شيء حاد .. خطر في ذهني مباشرة: ” أدوات القتل من سكاكين وغيرها” !
فأجبتك بالنفي !
عموماً أنا أتفهم منطقك ومنظورك لما تراه أمامك الآن .. ومثلي يستحق العقوبة .. كان ينبغي أن أكثر نباهة ..!
شخصياً ..
توقعت أن يصادر جميع الشنط .. وأن يتهمني بأي تهمة وأن يتم إيقافي .. تهيأت نفسياً لأي مصيبة تحل بي .. وذهبت بي الخواطر بعيداً ..
قلت في نفسي : ربما تكون فرصة سانحة ليقول هذا ” إرهابي ” يكذب !
لم تكن ” تهمة ” الإهاب تحتاج لأكثر من موس .. وجواز أخضر! وهذي هي الفرصة الذهبية أمامه ..!
المفاجأة ..
أعاد الأغراض الى الشنطة .. وشخط على الورقة التوضيحية .. وقال لي :
لابد أن تعلم أن عقوبة هذا الخطأ قد يكلفك وجودك في البلد … حاول أن ترتب أغراضك بنفسك وأن تتأكد من كل ماتكتبه .. وكن دقيقاً .. !
تفضل .. ومد لي بشنطتي ..!
لم أكن أتوقع أن يسمح لي بالمغادرة كهذا .. بهذه السهولة !
لا أدري .. ربما لمح آثار ” الخوف ” باديت في وجهي .. وكأنه صدقني ! فاكتفى بذلك ” الرعب ” عقوبة لي !
حين أتأمل الموقف الآن .. أقول : العذر بدائياً لم يكن من السهل على عقولهم تخيله ! ولايمكن مستقبلاً أن تقنع أحد بأن أمك هي من رتب شنطتك وأنك لاتعلم بتفاصيل محتوياته !
أنا لايخالجني الشك الآن .. أن الموقف لو عاد مرة آخرى .. وقابلت نفس الموظف.. فسيطبق القانون في حقي ، وحتما سأحكي لكم هذه القصة لكن تحت عنوان ” لماذا حولت وجهتي الى أمريكا ” !
منقول