هذه الحياة التي نعيشها برفاهيتها وبخدماتها الطبية والعلمية والفقهية والإنسانية ، لم تأت إلينا ببساطة ، بل خلقنا الله وميزنا بالعقل والتدبر ، فكان منا علماء وباحثين سخروا حياتهم للعلم والبحث والفقه ، ليعطونا ثمار إنجازاتهم على طبق من فضة…فاستحقوا منا التقدير، وأقله ذكرهم وذكر إنجازاتهم للأجيال القادمة ، وخصوصا أولئك العلماء والباحثين العرب والمسلمين ، الذين رفعوا منارة من الإنجازات في بحر الحضارة الإسلامية ….
وقد كنا في السيارة ، ذاهبين إلى السوق مع أفراد أسرتي ،عندما شاهدنا على يميننا مشفى كبير
وقرأ ابني بصوت عال اسم المستشفى :
” مستشفى ابن النفيس ”
ثم سأل :
– من هو ابن النفيس يا أمي !
أجبته :
– طبيب وفيلسوف وفقيه ولغوي عربى، اكتشف الدورة الدموية الصغرى والكبرى وأوضح عمل العين والإبصار …
قال :
مااسمه الحقيقي يا أمي !
أجبته :
أبو الحسن علاء الدين ابن أبي الحزم المعروف بـ ابن النفيس القرشي ، ولد عام 607هجري في دمشق، وتوفي بالقاهرة 687 هجري
قال :
ومن أي بلد هو ؟
أنا :
نشأ في دمشق وكغيره من العلماء المسلمين بدأ حياته بحفظ القرآن ، ودرس الطب هناك فى زمن الملك الكامل الأيوبي، حيث كانت وقتها دمشق مركزاً للعلوم والفنون وبلد إشعاع فكري …
و تتلمذ على يد مهذب الدين الدخوار أشهر أطباء عصره، وكذلك تتلمذ على يد عمران الإسرائيلي ثم اختاره السلطان بيبرس طبيباً خاصاً له. فأصبح عميداً للمستشفى المنصوري، ثم عميداً للأطباء في مصر.
ابني :
ما الذي يجعل ابن النفيس مميزا يا أمي ؟؟
أنا:
تميز ابن النفيس باعتماد المنهج التجريبي في إثبات الحقائق العلمية: من رصد، ومشاهدة، ومقارنة، وملاحظة، وإجراء تجارب. كما أنه كان يؤمن بحرية القول وضرورة الاجتهاد … وكان لا يتردد في نقد أخطاء كبار الأطباء السابقين كجالينوس وابن سينا، فلم يكن يأخذ العلم الذي أساسه التجريب و الإستمراريه كقواعد ثابته … بل كان يطورها ويثبت صحتها أو خطأها …
كما كانت طريقته في العلاج تعتمد على تنظيم الغذاء أكثر من استخدام الأدوية، و كان يفضل الأدوية المفردة على المركبة.
ابني :
عندما أعود للبيت سأبحث عنه على الانترنت وأقرأ ، لا بد أنه شخصية مميزة …
أنا : نعم يابني ، سخر حياته للعلم ، ومن اجلنا نحن الأجيال اللاحقة ، ففي الوقت الذي كان فيه الغرب في عصر الجهل ، برزهو وغيره منالعلماء والباحثين العرب ، وأناروا الدرب للعالم ولنا …
عدنا للمنزل ، وبعد فترة ناداني ابني ، وقال انظري لاكتشافات ابن النفيس يا أمي ، وبدأ يقرأ لي بصوت عالٍ :
اكتشف ابن النفيس الدورة الدمويه الصغرى و أثبت أن الدم يتنقى داخل الرئتين، وقد تم اكتشافه من خلال تتبعه لمسار الدم في العروق وملاحظة سريانه داخل الجسم.
و قد توصل إلى إن إتجاه الدم ثابت، وأنه يمر من التجويف القلبي الأيمن إلى الرئة حيث يخالط الهواء. ومن الرئة عن طريق الشريان الوريدي– إلى التجويف الأيسر إلى الرئه …
و ذلك يخالف ما كان يظنه العلماء السابقين إن الدم يأتى من الكبد، و بالتالى يعد ابن النفيس هو أول عالم يكتشف الدوره الدمويه الصغرى فى العالم …
كما أنه أول من أكتشف الدوره الدمويه الكبرى
و الغريب إن معلومة إن ابن النفيس هو أول من إكتشف الدوره الدمويه الصغرى، تم بمحض الصدفه من خلال باحث مصرى اسمه “محيى الدين التطاوى” …و هو باحث فى تاريخ الطب العربى، قام بإكتشاف مخطوطه بالصدفه فى جامعة برلين، و ذلك عند اعداده لرسالة دكتوراه توضح أن ابن النفيس هو أول عالم قام بإكتشاف الدوره الدمويه الصغرى و ليس العالم الإنجليزى هارفى مثلما كان معروف وقتها.
وهذا أدى إلى أن يبحث المستشرق الألمانى ماكس مايرهوف فى صحة هذه المخطوطه، و بعد إثبات صحتها قام المؤرخ “جورج سارتون” بنشر الخبر و صوره من المخطوطه فى اّخر جزء من كتابه “مقدمه إلى تاريخ العلوم “.
كما كان ابن النفيس أول من حذّر مرضاه من الزياده فى تناول الملح، و كتب كتاب كامل عن الملح و أضراره على الجسم و النبض.
كما أبدع فى تشريح الحنجره و الجهاز التنفسى و الشرايين، و كان له أكثر من كتاب و مخطوطه تصف وظائف كل عضو قام بتشريحه … و وظيفة كل شريان داخل الجسم. و بهذا يكون قد أثبت خظأ العديد من نظريات كلا من ابن سينا و ارسطو و جالينوس …
ابن النفيس ساعد أيضا فى فهم عمليه الإبصار، فقد أدرك أن العين أداة للإبصار و دور الدماغ يكون فى عملية الإدراك البصرى .
كما أن ابن النفيس أول من أثبت أن القلب و عضلاته يتغذون على الدم الموجود
داخل الأوعيه الدمويه فى القلب و ليس الدم الموجود داخل القلب نفسه.
بعد ذلك نظر إلي ابني وقال :
فعلا إنه عالم يستحق التقدير ، لقد أعطانا وأعطى العالم الكثير …
أنا :
نعم يابني ،وبحقٍّ كان مثالاً للعالم الورع التقي المنقطع إلى العلم، وواحدًا من أكبر الأطباء العرب والمسلمين الذين حققوا اكتشافات عظيمة وجليلة، يفتخر بها الطب الإسلامي و الحضارة الإسلامية إلى يومنا هذا.
لذلك يستحقون منا ومن العالم كل التقدير ، ومهما فعلنا لن نوفي ابن النفيس وغيره حقهم ، فقد ترك لنا الكثير من المؤلفات التي يحتفظ الغرب بنسخها الأصلية في جامعاته ….
وتابعنا القراءة :
من أشهر مؤلفات ابن النفيس :
-(شرح تشريح القانون)، وهو من أهم كتب ابن النفيس، وقد نشر في القاهرة سنة 1408هـ – 1988م بتحقيق الدكتور سلمان قطابة، وتبرز قيمته في وصفه للدورة الدموية الصغرى، واكتشافه أن عضلات القلب تتغذى من الأوعية المبثوثة في داخلها لا من الدم الموجود في جوفه، كما يظهر في الكتاب ثقة ابن النفيس في علمه؛ حيث نقض كلام أعظم طبيبين عرفهما العرب في ذلك الوقت، وهما: جالينوس، وابن سينا.
2– (الشامل في الصناعة الطبية)، ويُعَد أعظم مؤلفاته، كما يعتبر أضخم موسوعة طبية يكتبها شخص واحد في التاريخ الإنساني، وكان ابن النفيس قد عكف على إعداد هذه الموسوعة وهو ينوي أن يجعلها مرجعًا طبيًا شاملاً، لولا أن وافته المنية بعد أن أعدَّ منها ثمانين جزءًا، وهي تمثل صياغة علمية لجهود المسلمين في الطب والصيدلة على مدى خمسة قرون من العمل المتواصل.
3- (الموجز في الطب)، ويعتبر هذا الكتاب مرجعًا لكل من أراد دراسة الطب، وممارسة هذه المهنة العظيمة، وقد تناقله العلماء بعضهم من بعض، وكَثُرَت شروحُه والتعليقات عليه لما نال من منزلة بين علماء العصور كلها حتى يومنا هذا،
الجدير بالذكر أنه يوجد نسخ منه على شكل مخطوط في كل من باريس وأكسفورد وفلورنسا وميونيخ والأسكوريال، ويقع (الموجز في الطب) في أربعة أجزاء، وقد نال تقدير وإجلال أطباء العالم؛ لذا فقد كثُرَت ترجمته إلى اللغات الأجنبية وتعدَّدت التعليقات عليه..
4– (شرح فصول أبقراط)، وقد طبع في بيروت سنة 1409هـ – 1988م، بتحقيق ماهر عبد القادر ويوسف زيدان.
5- (المهذَّب في الكُحل المجرب)، ونشر في الرباط سنة 1407هـ – 1986م، بتحقيق ظافر الوفائي ومحمد رواس قلعة جي.
6– (المختصر في أصول علم الحديث)، ونشر بالقاهرة سنة 1412هـ – 1991م بتحقيق يوسف زيدان…
ولا شك أنَّ لكتب ابن النفيس قيمةً كبيرة بالنسبة لتاريخ الطب العربي والغربي على حدٍّ سواء, وإضافةً إلى ذلك فإنه ألَّف في السيرة وعلم الحديث والنحو والفلسفة والمنطق ..
قال ابني وهو يبتسم :
شكرا لك يا ابن النفيس ، وشكرا لما أعطيت لنا ، سنظل نفخر بك كعالم وباحث ولغوي يستحق التقدير …
المراجع :