العيديّة

تقاليد مُتوارثة بين أبناء الوطن
العيد في الإمارات… عساكُم مِن عُوّادَه

الأعيادُ الإسلاميّة التي وردت في الشريعة السمحاء اثنان: عِيْدُ الفطرِ، وعِيْدُ الأضحى. وهناك أعيادٌ أخرى جليلة القدرِ. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قصة الجاريتين اللتين كانتا تُغنيان عنده عليه الصلاة والسلام: «دعهُما فإنّ لكل قوم عيداً وهذا عيدنا» رواه الإمام البخاري، وعن عقبة بن عامر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يوم عرفة وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام».

وقد سُمِي العِيدُ عِيْداً لأنّهُ يَعُودُ كلّ سنةٍ بفَرَحٍ مُجَدَّدٍ. وللمُسلمين في كُلٍ مِن هذهِ الأعياد، رُسُوم وقواعد يَبْذِلُونَ فيها الأموال، ويُوزِّعُونَ الصدقات، ويَهدُونَ الهَدايا الوافرة. وقد كانَ الاحتفالُ بالعِيْدَيْنِ الكَبِيْرَيْنِ، في العصور الإسلاميّة السَالفة، على جانبٍ كبيرٍ مِنِ الرّوعةِ والأُبَّهَة في ديارِ المَشرقِ، ولا سيما في العراق والحجاز والشام ومِصْرَ.

العيديّة… الرسوم في الأضابير

قبل أن نُعرّج على حكاية العيد في دولة الإمارات لا بُدّ من وقفة قصيرة مع العيد في الإسلام. فلفظة «العيديّة» كما يقول د. أحمد الصاوي في «رمضان زمان»: لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة من نقود في موسمي «عيد الفطر» و»عيد الأضحى» كتوسعة على أرباب الوظائف، وكانت هذه «العيديّة» تُعرَف بالرسوم في أضابير الدواوين ويُطلق عليها اسم «التوسعة» في وثائق الأوقاف. وكانت «العيديّة مَدِينَة بظهورها كحقّ مُكتسب لموظفي الدولة في مصر، إذ يُؤثر عن الخليفة المُعز لدين الله الفاطميّ أنّه عندما دخل مصر بعد فتحها على يدّ قائده جوهر الصقليّ، وجد الناس في مصر بين مُؤيد ومُشكك في صحة نسبه إلى البيت النبويّ الشريف، ووجد الجدل والنقاش قد أخذا مأخذهُما، فوقف وسط الناس وقد لوّح لهم بسيفه قائلاً «هذا نسبي»، ثم أخرج بعضاً من الذهب وهو يصيح «وهذا حسبي»! وقد حرص الخلفاء الفاطميون بمصر على توزيع «العيديّة» مع كِسْوَة العيد فضلاً عمّا كان يُوزع على الفقهاء والمُقرئين بمناسبة ختم القرآن الكريم ليلة عيد الفطر المبارك من الدراهم الفضيّة، وعندما كان الناسُ يذهبون إلى قصر الخليفة صباح يوم العيد للتهنئة، كان ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبيّة من مَنظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة في القاهرة. وكانت النقود التي تُعرف بالعيديّة محصورة في ثلاثة أنواع هي: الدنانير الذهبيّة والدراهم الفضيّة والفلوس النحاسيّة وأجزاؤها من ألأنصاف والأرباع. ثم كان أن توقفت الدولة عن صرف «العيديّة» للمدنيين والعسكريين على السواء.. ولكن ما لبثت أن ظهرت عادة توزيع «العيديّة» من الآباء على أبنائهم ومن الكبار للصغار. وبعد انتهاء حُكم الفاطميين توقفت الدول المُتعاقبة على حُكم مصر عن صرف «العيديّة» أو الرسوم لأرباب الوظائف المدنيّة واكتفت بصرفها للجنود من المماليك، وبصفة خاصة في عيد الأضحى كما كان الحال زمن الفاطميين، وكثيراً ما تعرّض بعض السلاطين لاعتداءات المماليك بسبب قلّة أو تأخر نفقة العيد، وربّما أدّى تذّمر المماليك إلى عزل السلطان عند عجزه عن إرضاء رغبات مماليكه.

ليس في العيد كرم؟

بعد تلك السياحة التراثيّة مع «العيديّة»، فإننا نجد بأنّ ملامح العيد تكاد أن تتشابه في دول الخليج العربيّ فهي لا تختلف إلاّ في تفاصيل دقيقة، فأوّل ما يهتم به الناس هنا صلاة العيد في الأماكن المفتوحة… ثم العودة إلى المنازل وتهيئة الأهل، لاستقبال المهنئين، وغالباً ما تبدأ زيارة الأقارب والأرحام خاصة بعد الظهر إذا كانوا يقيمون بعيداً أو في أماكن أو مدن أخرى، لكنّ هناك طقوساً معينة تبدأ فيها الاستعدادات للعيد قبل وصوله، ويختلف الأمر في القرى عن المدن. وللعيد في دولة الإمارات طعمه الخاص في الماضي، فقد كان أفقر الناس ربما يكون أكثر سعادة عند قدوم العيد، حيث لا يحملُ الإنسان همّاً فالعيد كريم ويُقال «ليس في العيد كرم»، لأنّ الخير يتوفر ومَن لا يملك تفصيل ثوب للعيد ـ كَنْدُوْرَة ـ كان في العادة يحتفظ بثوب العيد من أعياد سابقة في صندوق الملابس ـ المَندُوس ـ لا يمسها وإن لونها قد تغيّر من الأبيض إلى الأصفر من عوامل الزمن، فيلجأ الناس لصبغ الثياب قبل حلول العيد. وغالباً ما كانت النساء في الإمارات يستعدنّ منذ شهر شعبان عندما يرجع رجالهنّ حاملين معهم مؤونة شهر رمضان، وأيضاً يحضرون المواد الغذائيّة التي قد تُستخدم للعيد ويأتون بقطع القماش والعطور الخاصة.

النُوق لنقل البضائع

وقديماً كانت الطرق والدروب صعبة ولم تتوفر وسائل النقل الحديثة بعد، وكانت المسافة بين كلّ إمارة ومدينة بعيدة ونائية عن بعضها البعض، ولم يكن الغالبية يملكون المبالغ اللازمة لشراء دابة للذهاب إلى منطقة ما للتبضع وشراء مستلزمات الحياة من المواد والطعام اللازم للأسرة. لذلك كان الناس يجتمعون في قافلة تتألف من خمسة رجال أو أكثر، ويستأجرون النٌوق من مالكي المَطايا التي تستخدم للسفر والترحال، ويكون راعي الإبل برفقتهم، فيحملون ما لديهم من بضائع ومواد غذائيّة يستطيعون بيعها في المدن، ومَن كان يدخر شيئاً من المال يحمل نقوده معه، فيسافرون مسيرة أيام لأقرب منطقة تعتبر آنذاك البلاد، ويعني اليوم «المدينة» حيث تتوفر جميع البضائع التي تأتي بها السفن من الدول المجاورة، وهناك يتمّ بيع ما لديهم من منتجات والتي عُملت في البيوت أو الحطب ليستخدمه أهل المدينة كوقود، كما يبيع البعض ما لديه من صغار الماعز والغنم التي تُستخدم لحومها خلال شهر رمضان الكريم أو تبقى إلى العيد حيث تشتريها بعض الأسر المُوسرة أو متوسطة الحال، ولا شكّ أنّ الفقراء ينالون نصيبهم من ذلك الخير، فلا يوجد رجل يرضى على نفسه أن يذبح ذبيحة ويأكل دون أن يُطعِم جاره خاصة في رمضان والعيدين الفطر والأضحى.

استعدادات النساء للعيد

وقبل حلول العيد كانت النساء يستعدنّ لتنظيف البيت، ويجتمعنّ لتفصيل ملابس العيد وبشكل جماعي. بينما كانت النساء الأقلّ مستوى يحضرنّ ملابس الرجال التي أصيبت باللون الأصفر ليتمّ صبغها بأصباغ مُشتقة من أعشاب أو فواكه، مثل مغلي قشور الرمان، لأنّ الرجل المتوسط الحال يُفصِّل مرّة واحدة في العام والمقتدر مرتين، كسوة للشتاء وأخرى للصيف. كما كانت نساء الإمارات يقطفنّ أوراق الحنّاء قبل شهر أو شهرين من قدوم العيد ليتمّ تجفيف تلك الأوراق ثم سحقها ونخلها وتبقى حتى ما قبل العيد بأسبوع، حيث تُعجن الحنّاء بمغلي الليمون المُجفف، لكي تتم عملية النقش على كفين اليدين ويُعاد عليها على مدى يومين حتى تصبح ذات لون أحمر قاني. أمّا بالنسبة للعطور فكانت هناك امرأة مختصّة بخلط العطور وصنع أقراص البخور، وكانت الكثيرات من النساء وقتذاك يلجأن لفعل ذلك بأنفُسهنّ دون الحاجة لامرأة أخرى مختصة بالعطور. ومن العادات الجميلة والحميدة بين أبناء الدولة أنّ العيد لا يأتي وهناك متخاصمان اثنان أو من ذوي القربى إلاّ وتصالحا، وتتمّ المصافحة وتبادل التهنئة عقب صلاة العيد. ونجد صورة عيد الفطر السعيد في الإمارات من خلال اهتمام أبنائها بأداء صلاة العيد في مصليات العيد في الأماكن المفتوحة والساحات، وإثر الانتهاء من الصلاة يعودون إلى المنازل ويُهنئون الأهل، ويستعدون لاستقبال المهنئين، وغالباً ما تبدأ زيارة الأقارب والأرحام خاصة بعد الظهر إذا كانوا يقيمون بعيداً أو في أماكن أو مدن أخرى، لكنّ هناك طقوساً معينة تبدأ فيها الاستعدادات للعيد قبل وصوله، ويختلف الأمر في القرى عن المدن. وأهم ما كان يميز العيد في الماضي، تلك الفرحة التي تزدان بها نفوس المُهنئين، نتيجة اهتمامهم بالعلاقات الاجتماعيّة والروابط الأُسريّة بين الأفراد والأسرة والمجتمع حولها.

تحريّ هلال شوال

كان لابُدّ من تحري هلال شهر شوال في أواخر أيام شهر الصيام فكان الرجال يجتمعون من قبل أذان المغرب لأنّ الهلال لا يبقى في كَبَد السّماء إلاّ للحظات وعندما تتمّ رؤية هلال شوال تُطلق الأعيرة الناريّة ابتهاجاً بحلول عيد الفطر السعيد، وإعلاناً لكلّ الناس الذين ينتظرون سماع تلك الاطلاقات. وعقب أداء صلاة العيد عادة ما يذهب الرجال لتهنئة أهلهم أولاً ثم ذهابهم في مجموعات لرئيس القوم أو القبيلة ويخرجون من بيته وهم قد تمّت دعوتهم من أحد الحضور للتناول القهوة في بيته، ويعني ذلك الفوالَه وهي الحلويات، الهريس، أو قد يكون قد ذبح لهم خروفاً وأولم لهم بالأرز واللحم، وقد يكون في بيت آخر ثريد على لحم ودجاج حسب حالة أهل البيت. أما في أول أيام العيد فلا يتمّ طبخ وجبة الغداء لأنّ الناس يكونون قد شبعوا، لذلك يرتاح الكبار أثناء الزيارات الكثيرة التي تتمّ غالباً سيراً على الأقدام، ويبقى الصغار يلعبون ويعدون النقود التي أُعطيت لهم كعيدية. وبعدما يؤدون صلاة العصر في أول أيام العيد تقام حلقات التراث الشعبيّ مثل اليولة والرزفة وغيرها حسب القبائل ومكان تواجدهم، وهي تُمارس من قِبَل الرجال ويحضرها الناس من كلّ مكان فرحة بالعيد السعيد. وتستعد ربّات البيوت في الإمارات بإعداد المنزل وتنظيفه وترتيبه رغم أنّه في الغالب يكون مُرتباً.. لكن من ضروريات العيد أن يتم إعادة ترتيب البيت، وتوضع الحناء على أيدي البنات والسيدات أيضا، ويتم تجهيز الملابس الجديدة للأطفال خاصة والجميع بشكل عام، ويتم تجهيز طعام العيد خاصة اللقيمات والبلاليط وغيرها.. ثم بعض الحلويات وكميات من الفواكه توضع في المجالس لاستقبال الضيوف، وفي مقدمة ذلك كله التمر والقهوة والشاي.

في مصلّى العيد

ويبدأ العيد في القرى بأداء صلاة العيد في الأماكن المفتوحة وفي الساحات العامة أي في مصلّى العيد، وغالباً ما يكون الرجال في كامل زينتهم من الملابس الجديدة، وقد يكون هناك إطلاق نار في الهواء تعبيراً عن الفرح، ويشارك الرجال في أداء الرقصة الشعبية الرزفة تعبيراً عن الفرح بحلول عيد الفطر السعيد. أما في المدن الإماراتية فالاستعدادات تكاد أن تتشابه فيها.. وتؤدى الصلاة فيها في مصلّى العيد، وينطلق المصلون بعد الصلاة لتهنئة الأهل والأقارب بحلول العيد، وعقب صلاة الظهر ينطلق الأطفال والأسر بشكل عام نحو الحدائق والمتنزهات للابتهاج بهذا اليوم الجميل.. وتكون عبارة التهنئة المعتادة: مبروك عليكم العيد.. عساكم من عوّاده.

العيديّة والمريحان

وقد أبتكر أطفال الإمارات المدافع التي استخدموها في أيام الأعياد لتشاركهم فرحتهم بهذه الأيام السعيدة، فكانوا يأتون بقطعة أنبوب المياه بطول 15 ـ 20 سم وبقطر 1 سم، وبعد أن يثنوا أحد طرفي القطعة بحيث تكون مُغلقة تماماً يقومون بثقب القطعة ثقباً صغيراً، ويضعون كمية من البارود ـ أعواد الثقاب ـ ويحشون الأنبوب بكمية من القطن والقماش القديم، ثم يضعون في الثقب فتيلاً وفي المساحة المعروفة بالبراحة يدفنون مدفعهم داخل الأرض ولا يظهر منه سوى الفتيلة، وما هي إلاّ لحظات حتى يُسمع صوت واضح في المنطقة، لتظهر الفرحة والسرور على وجوه هؤلاء الأولاد. وكان أبناء المجتمع في الماضي يقدمون الروبية أو الآنه والبيزة للأطفال في العيد، أو يمنحونهم أصابع الحلوى وكوبا من اللبن، وكان الصبيان يطوفون في الفريج ـ الحيّ ـ من أوله إلى آخره لجمع العيدية من الأقارب. وكانت البنات يخرجنّ لتحصيل العيدية من أعمامهنّ وأخوالهنّ، وبعد عملية الجمع يهرولون إلى أماكن اللعب التي تُنصب في يوم العيد وتعلق فيها المراجيج ـ المريحان ـ أو الدرفانة، وتُرصّ حولها الدواليب التي تُباع فيها الحلوى وتُنظم الرقصات الشعبية ليفرح بها الجميع أيام العيد السعيد.

في القصيد…

حفلت صورة فرحة العيد بقصائد وافرات في القصيد لشعراء من الإمارات. فكتب الشاعر إبراهيم بن محمّد الحديدي قصيدة «فَرحَة مْعَيِّد عِقْب صُومَه»، في ديوانه «جارف الشوق» الصادر عن لجنة الشعر الشعبيّ في نادي تراث الإمارات، وجاءت القصيدة مشاكاة إلى الشاعر خليفة بن مترف الجابريّ النعيميّ، ويقول فيها:

يا فَرِحْتي يوم لا قيته

فَرْحِةْ مْعَيِّد، عِقْبْ صُومَهْ

مِ السّعادة الثْوب شَقّيته

والمولّع مَحّد يْلومَه

إن طلبْتْ الوَصْل ما ريته

صعب وصله ما حدِ يْرُومهْ

كَمْ عِذّلْت القلب وَانْهيته

دايم يراجي على الحومَهْ

بالعَبا والعقل نابيته

غير عيّا يَتْرك عْلُومَهْ

لآدمي ما يَهْدِمَهْ بيته

كيف طاوع عقلك الشُّومهْ

انْكِسَرْ جيشي ورَدّيته

خَاذِلِنّه قَلبْ بِهْمومَهْ

بو محمد حلّي أرجِيته

قصّة مْعَيِّد بَعَدْ صثومَهْ

لأنّي أعْرِفْ وْصيته

كُود رايك يَشْفِي هْمُومَهْ

ولأنّ العيد فرحة للجميع، فها هو الشاعر خلف بن حمد بن ثاني الشامسيّ كتب بهذه المناسبة العزيزة قصيدة «العيد عاد» التي يقول فيها:

العيد عاد ونايف القَدّ ما عادْ

من عادته يلفي عليّه مصابيحْ

عيني تِرابي باب يا ناس لَيْواد

وارقُب وصوله كل صبح ومْراويح

لَوّل غناتي كان في العيد معتاد

واليوم صار بْوصله العادِيِ شْحيح

ما أدري هجر والاّ من أقوال حسّاد

باع الوداد ابْلا خَطِيّه وتوضيح

بعد المودّة يا مَلا صارت أبعاد

ادعَى عيوني بالمدامع مناضيح

سهران ليلي محتِرم طيب لِرْقَاد

لا لَذّ شربٍ ولا قوتٍ يْسيح

وَاشتاق شوفه بو وَجن طلعة أوراد

رويان عوده بالندَى يابَه الريح

يْميل بالنسمه وما بين لَعْواد

شوفه حبيبي يِسْعد القلب ويريح

ليته يْعود ويسعف القلب بَاسْعَاد

وارتاح من بعد العَنَا والتباريح


__________________

عن Kuran Renai

شاهد أيضاً

اول تصميم لي …… ابتسم لون المسا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شلونكم يا فراشات اليوم كنت قاعده ومتملله وزهقانه قلت الفوتوشوب …