السحر وأثره في العقيدة – 2
الوقاية والعلاج من السحر :
كذلك أيضا يذكر كثير ممن وقعوا في هذا العمل، أو ابتلوا بهذا السحر،
كيف نعالج هذا السحر؟ وكيف نتحصن منه؟
فنقول: أولا- التحصن هو يكون بالعبادة
الصالحة، وبالأعمال الصالحة وبالدعوات وبالقراءة وبالذكر؛ وذلك مما يحفظ
الله تعالى به عبده. ورد في حديث: «أن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه
سورة البقرة» وورد في وصف سورة البقرة قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا
تستطيعها البطلة»؛ أي لا تستطيعها السحرة، لا يستطيعون أن يعملوا فيمن
يقرأها أو من تقرأ عنده.
فتعتبر هذه حصنا من الشياطين ومن ضرر السحرة
ونحوهم قراءة هذه السورة؛
وذلك لما فيها من الآيات والأحكام ونحوها،
افتتحها الله تعالى بصفات المؤمنين:
[الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ] وختمها بالأدعية بقوله: [ رَبَّنَا لا
تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ] إلى آخر السورة، وذكر في أثنائها عمل السحرة
وهو قوله: [وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ] فتعتبر حصنا من
_أضرار السحرة :
وهكذا أيضا كثرة قراءة القرآن تعتبر حماية للمؤمن الذي يكثر قراءة القرآن،
يذكر بعض الذين يقرءون على أولئك المصابين بالسحر
والمصابين بمس الجن
أن الجني الذي يلابس الإنسان يقول: ما لابسته إلا بتسليط من الساحر الفلاني،
هو الذي سلطني، وهو الذي كلفني في أن ألابس هذا الرجل. ويقال: يسأل كيف
لا تلابس فلانا وفلانا؟ فيقول: إنهم يتحصنون بالأدعية، وبالأعمال الصالحة.
لما أن بعض القراء قرأ علي شيطان أو جني في امرأة قال له القارئ: لا أخلي
سبيلك إلا إذا دخلت في فلان أو في فلانة. فقال: إني لا أستطيع، إن فلانا
يتحصن بالذكر، يتحصن بالقراءة، يقرأ الأوراد في كل صباح، يقرأه في كل
مساء، كذلك عبد صالح؛ فعرف بهذا أن العبد الصالح التقي النقي، المؤمن بالله
تعالى، المحافظ على الصلوات، والمحافظ على الأوراد، وعلى أذكار الصباح
والمساء، وعلى الأعمال الصالحة، والبعيد عن الشبهات، وعن المحرمات -أن
الله تعالى يحرسه ويحفظه من ضرر هؤلاء الشياطين ومردة الجن والسحرة،
وأنهم لا يستطيعونه؛ بحيث أنهم يهربون منه.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «والذي نفسي بيده ما
رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك»
وقال أيضا: إن الشيطان يهرب
من ظل عمر رضي الله عنه، لماذا؟ لأن قلبه
ممتلئ بالإيمان، قلبه ممتلئ باليقين
وبالعمل الصالح ولأنه يتبع القول بالعمل؛
ولأنه مستظهر لكتاب الله تعالى يقرأه
ويتحصن به.
فكتاب الله حصن حصين يحفظك إذا حفظته، ويحرسك الله تعالى به، ويحول
بينك وبين مردة الجن والشياطين، لا يستطيعون أن يعملوا أية عمل؛ ولهذا
يشاهد أن هؤلاء ما يتسلطون إلا على العصاة وأهل ضعف الإيمان. وكذلك
أيضا على من يفرط في قراءة الأذكار. فنوصيك بأن تحافظ على الأذكار في
أول النهار وفي آخره، مثل قول:
«أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ومن
شر شيطان وهامة ومن شر عين لامة ومن شر مخلوقات الله كلها عامة».
وكذا نوصيك بقراءة المعوذتين: [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ] و [ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ] فقد ورد ما يدل على أن الشياطين لا يقدرون على من قرأ هذه الآيات
والأحاديث والأدعية ونحوها.
وإذا قيل: كيف توصل ذلك الساحر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في
الصحيح: قالت عائشة: «سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى كان يخيل
إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله»؟! فيقال: ذلك السحر لم يؤثر في بدنه، فهو
مستقيم البدن، ولم يؤثر في عقله، فعقله مستقيم أيضا.
وكذلك لم يؤثر في سمعه ولا في بصره ولا في جسمه ولا غير ذلك؛ إلا أن ذلك
الساحر توصل إلى أنه يحول بينه وبين إتيان بعض نسائه؛
بحيث إنه يخيل إليه
أنه يأتي النساء وما يأتيهن، فهذا مما قد يتسلط به الشيطان؛
بحيث لا يقدر على
الوطء. يحبس الرجل عن امرأته؛ ولكن مع ذلك سأل ربه فأعانه وأنجاه ودله
على موضع ذلك السحر. أخبر بأن ذلك الساحر يهودي يقال له: لبيد بن الأعصم
وأنه أخذ شيئا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في مشط.
والمشط الذي يمشط بها الرأس،ومشاطة: يعني بعض من الشعر. وجعله في
جوف نخلة، وألقاه في بئر يقال لها: بئر ذروان فيقول صلى الله عليه وسلم لما
أتى على تلك البئر: «وإذا ماؤها مثل نقاعة الحناء، وإذا نخلها مثل رؤوس
الشياطين» فاستخرج ذلك السحر، فبطل عمل ذلك السحر بأمر الله تعالى؛ مع
أنه لم يؤثر في عمل من أعماله صلى الله عليه وسلم.
هذا قد يحدث أن بعض الشياطين يكره للإنسان زوجته أو يحول بينه وبين
وطئها؛ بحيث إنه إذا قرب من امرأته بطلت حركته
ولم يستطع وطأها، وهو في
العادة بخلاف ذلك، أعني أنه يكون معه شهوة ومعه قوة؛ ولكن متى قرب من
امرأته بطلت حركته، وبطلت شهوته، وصار لا يقدر على الوطء. لا شك أن
هذا أيضا من عمل السحرة، وله علاج. علاجه مثل ما ورد أو ذكر بعض
القراء ونحوهم بالأدعية وما أشبهها، وبقراءة الآيات التي فيها إبطال السحر.
مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا
هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا
صَاغِرِينَ] بطل ما كانوا يعملون، ومثل قوله في سورة يونس: [فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ
مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ
اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ] ومثل قوله في سورة طه: [قُلْنَا لا تَخَفْ
إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا
يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى]
ومثل قوله تعالى: [وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ]
[قُلْ جَاءَ الْحَقُّ
وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ] ومثل قوله تعالى: [بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ
فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ] وكقراءة أول سورة الصافات
وفيها قوله تعالى في صفة عمل الشياطين:
[إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ
ثَاقِبٌ] وقوله تعالى في سورة الحجر: [وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا
لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ
مُبِينٌ ] وأشباه ذلك.
التداوي بالسحر :
كذلك أيضا نقول: لا يجوز الذهاب إلى السحرة لحل هذه الأعمال الشيطانية. إذا عرفنا
أن الساحر حكمه أنه كافر. فلا يجوز أن نستعين بهم، ونقول: إن فلانا مسحور فكيف
تعالجونه؟ لأن علاجهم بسحر؛ ولذلك ورد في حديث جابر:«أنه صلى الله عليه وسلم
سئل عن النشرة، فقال: هي من عمل الشيطان»؛ يعني علاج السحر بالسحر من عمل
الشيطان؛ فكما أن عقد السحر يعتبر من عمل الشيطان فكذلك أيضا النشرة التي هي من
عمل الساحر أيضا من عمل الشيطان.
وروي عن الحسن رضي الله عنه الحسن البصري قال: لا يحل السحر إلا ساحر؛ بمعنى
أنه لا يعالجه إلا ساحر مثله؛ ولكن ذكر في صحيح البخاري عن قتادة قال: سألت سعيد
بن المسيب أو سئل فقيل له: رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟
فقال: لا بأس بذلك؛ إنما يقصدون به الإصلاح. يقول: فأما ما ينفع فلا ينهى عنه، وهذا
يراد به الحل بالرقية وبالقراءة.
قد وفق الله تعالى بعض القراء المخلصين إلى أن يستعملوا رقية نافعة يبطل بها عمل
السحر، يبطل بها عمل الشياطين، فيقرءون هذه الآيات التي ذكرنا، ويقرءون آيات
أخرى مثل المعوذتين، وسورة الإخلاص وآية الكرسي ويكررونها، فيقرءون الآيات
التي فيها توحيد الله تعالى وفيها تمجيده وتعظيمه، وكذلك أيضا يعالجونه بما يتيسر
علاجه به؛ فمثل هذا يعتبر حلا مفيدا.
_ ذكر ابن القيم رحمه الله أنه قال: النشرة قسمان أو نوعان:
الأول- حل السحر بسحر مثله:
وصفته :
_أن يتقرب الساحر والمسحور إلى الشيطان بما يحب؛ حتى يبطل عمله عن
المسحور، فيتقربون إلى الشيطان؛ فالساحر يتقرب إلى الشيطان بما يحب
والمسحور تضعف نفسه، ويصدق ذلك الساحر بأنه يقدر،
وبأن عنده قدرة، وبأن
عنده تمكن، فتضعف نفسه فيكون أيضا متذللا للشيطان، والشيطان إذا أطاعه
هذا وأطاعه هذا تنزل على رغبته، فيبطل عمله الذي عمله لذلك المسحور. فلا
شك أن هذا يعتبر عملا شيطانيا، فلا يجوز أن يوافق عليه.
الثاني: علاجه بالرقية، وبالأدوية النافعة، وبالأدعية المفيدة؛ فإن
ذلك جائز مفيد.
فنقول: لا يجوز لمن وقع به شيء من هذا، أو ابتلي به أن يذهب إلى السحرة،
ويقول: حلوا هذا السحر -فإن في هذا إقرار لهم؛
بل متى علم أن فلانا ساحر، أو
أن في آل فلان ساحر أو ساحرة أو كاهن أو كاهنة فلا يجوز إقرارهم؛ بل يرفع
أمرهم إلى المحاكم وإلى ولاة الأمور؛ حتى ينفذوا فيهم حكم الله تعالى؛ ألا وهو
قتلهم كما ذكرنا عن الصحابة رضي الله عنهم الذين أمروا
بقتلهم فيستريح منهم
العباد والبلاد.
_لا شك أن تأثير السحر على العقيدة أنه يعتبر
مفسدا للعقيدة ومنقصا للتوحيد،
ومنقصا للإيمان؛ وذلك لما ذكرنا من أنه عبد للشيطان
وعابد له، ولا شك أن من
عبد غير الله فإنه قد أشرك، وأنه يدعو غير الله بمعنى أنه يدعو ذلك الشيطان
باسمه فيكون بذلك كافرا مشركا والعياذ بالله. فعلى المسلمين أن يحرصوا على
التحصن من هؤلاء الشياطين، ومن أعوانهم؛ حتى يحرزوا دينهم وعقيدتهم.