أحسن الخالقين … الروح.. مستودع أسرار الخلاق العليم

الروح سر من أسرار الله الخلاق العليم لا يعلمها إلا هو “ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”، (الاسراء: 85) إذ هي من اختصاص الله وحده.

وأحد مظاهر تكريم الله للانسان أن جعل فيه نفحة من روح الله، لا نعلم كنهها، وهي التي أحيت جسد آدم “عليه السلام” من الطين، فاستحق بهذه الخلقة المتميزة إسجاد الملائكة له “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين”، (الحجر:29). والروح فطرة كامنة محكمة في كل إنسان، ليكون على صلة دائمة بربه، منذ أن قدر الله خلقه، وقبل أن يكون نطفة في الأرحام، “وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا..”، (الأعراف: 172).

د. عابد توفيق الهاشمي

نظام فطري

وللروح نظامها الفطري في الجنس الانساني، لها غذاؤها الذي تنتعش به وتسعد، وعند حرمانها منه تذوى وتهزل وتشقى وتنكد، وهذا النظام هو الذي يربطها برباط النعيم بقربها وصلتها الوثيقة بربها، وهذا النظام الروحي في الاسلام تجمعه الفوائد العملية الكامنة في (الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وقراءة القرآن بخشوع ووعي وحفظه، والعمل به والدعوة إليه، قدوة، ولساناً وقلماً، وذكر الله بانابة وتعظيم له عز وجل، واستغفار وتوبة ومحاسبة للنفس على نواياها وأعمالها وصلاتها بالناس يميزان منهاجها الرباني، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والانبياء جميعاً من قبله، والاستحياء من الملائكة الكاتبين لسلوكه والمراقبين له طول حياته…)

هذه المناهج السلوكية للنظام الروحي، التي تثمر صدق الصلة الوثيقة بالله فتستقيم بها شخصية المسلم، وتطمئن نفسه، ويستشعر بغمران السعادة النادر التي لا تضاهيها سعادة، خالق الكون قريب منها، بل معها “أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه”! وحين يدرك المسلم حقيقة هذا القرب منه عز وجل، يملك به الدنيا ويفيض عليها يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا، تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”، “عبدي أمشى إليّ أهرول إليك”.

منهاج الله

أي نعيم هذا بهذه الصلة الروحية لهذا الانسان الذي يلتزم بمنهاج الله الروحي الذي يسعده، ويحيل دنياه إلى جنة، قبل جنة الآخرة، فيستشعر نصر الله وتأييده، وتثبيته “وكفى بربك هادياً ونصيراً”، (الفرقان:31)، وماذا يريد الانسان أكثر من الهداية فكراً وعقيدة، والنصر ثمرة لها؟

وان استشعاره برضوان الله عليه يعدل جميع النعم، بل يفيض عليها وعلى نعيم الجنة في دار الخلد “ورضوان من الله أكبر، ذلك هو الفوز العظيم”، (التوبة: 72).

One thought on “أحسن الخالقين … الروح.. مستودع أسرار الخلاق العليم

Comments are closed.