الإمارات تحيي الذكرى الرابعة لوفاة زايد الخير
أربع سنوات على رحيل زايد الخير

أربع سنوات منذ وداع ”زايد الخير”.. ”مرّ الوقت سريعاً!!”، تتردد هذه العبارة على ألسنة الملايين من المواطنين وغيرهم ممن كان لـ”الوالد” فضل عليهم، وما أكثر أفضاله..

أربع سنوات وما يزال الفقد موجعاً.. وما تزال كلمات سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء في رثاء ”والدنا” حيةً كأنما جادت بها قريحته الساعة..

”ألا يا عين عليك الله صيحي وجودي بالدموع ولا تملّي”.. فالدموع ما تزال رقراقة في المآقي، وجرح القلب ما برح ينزف فقدان قائد المسيرة الوحدوي الموحد..

أول فصول رواية الخير كتبت في أحد أيام العام ،1918 عندما استقبلت الدنيا زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة في قلعة الحصن.. في زمان تلبّدت سماؤه بأعاصير السياسة.. وحفّت أنواؤها بالمنطقة بعد رحيل زايد الكبير أمير بني ياس وحاكم أبوظبي الذي استلهم حفيده سيرته في رفعة البلاد والعباد.

نهل من معين الكتاتيب كغيره من أبناء ساحل عمان آنذاك، كان القرآن الكريم أول زاده، تلذذ لسانه بفنون اللغة العربية من شعر ونثر، دون أن يقف به حب العلم عند هذا الحد، فاتخذ مجلس والده الحاكم مدرسة للسياسة وللتقاليد وعظيم الموروث وقصص الأسلاف…

وعلى الرغم من كونه ابناً للحاكم، عاش ”زايد” شظف الحياة الذي كان سمة تلك المرحلة، خَبِرَ الصحراء، وتماهت روحه مع صفائها وهدوئها، كما اشتد عوده في مواجهة حرها وزمهريرها.. تقاسم الزاد البسيط مع البدوي دون أن ينسى ابن البحر، فأحبه الاثنان بإخلاص وولاء لم تنفك عراهما حتى اللحظة..

وصفه الرحالة البريطاني تسيجر بعد أن التقاه عام 1948: ”.. كنت مشتاقاً لرؤية زايد لما يتمتع به من شهرة لدى البدو، فهم يحبونه لأنه بسيط معهم، ودود وهم يحترمون شخصيته وذكاءه وقوته البدنية. وهم يرددون باعتزاز: زايد رجل بدوي، لأنه يعرف الكثير عن الجمال، كما يجيد ركوب الخيل مثل واحد منا، كما أنه يطلق النار بمهارة، ويعرف كيف يقاتل”.

البندقية والصقر كانا رفيقيه في الصحراء، حتى ذلك اليوم المشهود. روى رحمه الله: ”ذات يوم ذهبت في رحلة صيد في البراري، وكانت الطرائد قطيعاً وافراً من الظباء يملأ المكان من كل ناحية، فجعلت أطارد الظباء وأرميها، وبعد حوالي ثلاث ساعات، قمت أعد ما رميت، فوجدته أربعة عشر ظبياً، عندئذٍ فكرت في الأمر طويلاً، وأحسست أن الصيد بالبندقية، إنما هو حملة على الحيوان، وسبب سريع يؤدي إلى انقراضه، فعدلت عن الأمر واكتفيت بالصيد بالصقور”.

ميله للسلم وحب الحياة دفعه إلى أن يشمر عن ساعديه لبناء حلم، بدأت تباشير تحقيقه بالظهور في العين التي كان زايد حاكماً لها، هناك امتلك ”الشاب اليافع” مفاتيح القلوب بكلمتي العدل والتواضع، دون أن يدع شح الإمكانيات آنذاك يقف عائقاً أمام طموحه، مديراً ظهره للمخذّلين، لاغياً من قاموسه كلمة اليأس.

قال المغفور له بإذن الله عن تلك المرحلة: ”إن بعض خبراء الزراعة قالوا لنا في السابق إن أرضنا لا تصلح للزراعة، ونصحونا بعدم المحاولة، ولكننا حاولنا ونجحنا..”.

وحمل يوم السادس من أغسطس في العام 1966 بشارة الخير بتبوؤ الشيخ زايد بن سلطان كرسي إمارة أبوظبي، ليصبح الرابع عشر في سلسلة حكامها، لتدور عجلة التنمية بشكل متسارع، ويكتمل حلم ”الحكيم الشجاع” بعد خمس سنوات بالتفاف ست من درر الخليج العربي حوله، لتولد دولة الإمارات العربية المتحدة.

تحقق حلم الاتحاد لم يدعه يغفل عن باقي أعضاء الجسد العربي، فأوجاع أبناء لغة الضاد التي تجمع بين المحيط والخليج كانت أوجاعه، ”فالبترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي”، لذلك لم يتردد في تفرده بقرار وقف إمداد النفط في نكسة ،1967 ومبادرته في أكتوبر .1973 قال رحمه الله: ”لقد أصدرت قرار قطع البترول ووقف إنتاجه خلال حرب أكتوبر، ولم أكن أنتظر كل هذا التأييد، ولم أكن أتطلع إليه لحظة واحدة، لقد أصدرت قرار قطع البترول لإيماني بأنني أؤدي واجبي كاملاً تجاه أهلي وقومي”.

وعندما انحدرت شمس القومية العربية إلى الغروب، وقد ادلهمت الخطوب، وأطلت الفتنة برأسها بين الأشقاء، استمات ”الشيخ الحكيم” لرأب الصدع، وجمع العرب على قلب رجل واحد. قال طيب الله ثراه: ”إنني منذ بداية الخلافات العربية- العربية إلى يومنا هذا، لم أبت ليلة واحدة مسروراً، وأسعى دائماً وأود أن أبذل الجهد وأصرف المال من أجل ألا يختلف شقيق مع شقيقه”.

صعوبة تأليف قلوب الساسة، لم تعجزه عن اجتذاب قلوب الرعايا، فعلى تراب بلاده، تلاقى الأضداد من شتى البلدان؛ سواعدهم متحدة خدمة للبلد الذي احتضنهم، وألسنتهم تلهج بشكر ”زايد الخير”، ليعمل الإماراتي والعربي والآسيوي والأجنبي جنباً إلى جنب، مكللين بالأمن والأمان، لا يضيع لهم حق.

صبّ ”الشيخ الوالد” اهتمامه على الإنسان، فـ”الثروة ليست ثروة المال، بل هي ثروة الرجال”. فذلّل وسائل العلم طيعةً لأبناء الإمارات، وفتح أبواب التحديث على مصراعيها، بما لا يمس الهوية. قال رحمه الله: ”عندما اتبع العرب تعاليم الدين فإنهم سادوا العالم وحققوا الأمجاد. وديننا حافل بالتعاليم العظيمة، ولا يجب أن تجذبنا قشور المدنية”.

ولم ينس ”والدنا زايد” المرأة، فهي الأم والزوجة والأخت والابنة، فنفض عنها العادات البالية، وأحاطها بما تستحق من عناية، موسعاً أمامها آفاق العلم والعمل. قال رحمه الله: ”إن المرأة ليست فقط نصف المجتمع من الناحية العددية، بل هي كذلك من حيث مشاركتها في مسؤولية تهيئة الأجيال الصاعدة وتربيتها تربية سليمة متكاملة”.

”وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر”

فمساء الثلاثاء الثاني من نوفمبر في العام ،2004 وفي ساعة كان الصائمون يتحلقون حول موائد إفطار اليوم التاسع عشر من رمضان، جاء النبأ الأليم. رحل زايد بن سلطان إلى بارئه، بعد أن أضاء ستة وثمانين شمعة من عمره في سبيل رفعة الإمارات ونهضتها.

رحل زايد، بعد أن زاد الخير والكرم الذي عمّ القاصي والداني..

رحل زايد تاركاً الإمارات تتربع على عرش الأصالة الممزوجة بالعصرنة، جنباً إلى جنب مع الأمم الراقية..

رحل زايد، ليعتصر الحزن القلوب، وتذرف العيون دموعاً لا تجف، وترتفع الأكف إلى السماء، ضارعة إلى المولى بإسباغ رحمته على من حلّ ضيفاً عليه..

يا أبا خليفة..

أحببتنا فأحببناك، وصدقتنا الوعد فأخلصنا لك، وعهد مع الله لن ننساك..

أربع سنوات مرت منذ رحل”زايد”، لكن ”الخير” الذي غمر القريب والبعيد في حياته، لا يزال متدفقاً بذكراه، والهدي الذي رسمه ”زايد” سيبقى نهجاً لخليفته

8 thoughts on “أربع سنوات على رحيل زايد الخير

  1. الله يغفرله ويرحمه
    ويجعل قبره روضة من رياض الجنه

    ويبعث الخير في عياله الشيوخ

    اللهم امين

Comments are closed.