…
أزمة ديون مؤسسة الرهن العقاري في الولايات المتحدة إلى تفاعل، وآثارها السلبية تخطت الحدود السياسية والجغرافية لتطاول العالم. إنها العولمة المالية التي وجدت إطارها القانوني في منظمة التجارة العالمية، وإطارها السياسي في مجموعة الدول الصناعية الثماني (G8) التي تمسك بمقاليد النظام الاقتصادي الدولي.قبل هذه الأزمة، وقعت أزمات مالية واقتصادية في غير منطقة.
وبدت العولمة الاقتصادية شاخصة بحيث صارت مراكز القوى الاقتصادية في العالم متحكمة بالأسواق، والعملات، وفرص العمل والانتاج، فالأزمة الاقتصادية في جنوب آسيا سنة 1997 لم تنحصر بنتائجها في دول النمور، بل تعدتها إلى أوروبا وأمريكا، وأجزاء واسعة من العالم النامي.
ما طبيعة أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة؟ وكيف تبدو آثارها السلبية في إطار العولمة الزاحفة؟
برزت الأزمة المالية لمؤسسة الرهن العقاري في شهر أغسطس/آب مع اهتزاز الثقة المالية بالقطاع العقاري الأمريكي، وتصاعد الحديث عن غياب الشفافية، وتفشي المضاربات المالية، وأفادت المعلومات ان أكثر من 5200 وظيفة في هذا القطاع باتت في حكم الملغاة، على رغم تدخل (بنك أوف أمريكا) بضخ بليوني دولار في مؤسسة الرهن العقاري، لدعم وضعها المالي، وتهدئة المخاوف المسيطرة على السوق بيد أن الأزمة المالية هذه لم تقتصر على الولايات المتحدة.
أكثر من أربعمائة بليون دولار ضخت في الأسواق العالمية خلال فترة وجيزة لا تصل إلى ثلاثة أسابيع، من الولايات المتحدة، إلى أوروبا، إلى اليابان، واستراليا ونيوزيلاندا، فيما يتدخل البنك الدولي لطمأنة الأسواق بأن السيولة جاهزة للاستثمار في الأسواق المالية، ومصدرها الأساسي فائض الادخار لدى الدول المتقدمة اقتصادياً، وفي طليعتها الصين. وبينما يتوقع البنك الدولي أن يستعيد الاقتصاد العالمي عافيته في وقت قريب، ويتعمق التعاون المالي الياباني – الأمريكي لمواجهة الأزمة، وتستنفر البنوك المركزية في الدول الصناعية قدرتها على التدخل في حركة الأسواق بضخ مزيد من السيولة، لا يستطيع المراقب ان يتجاهل مجموعة سلبيات متلاحقة.
سحبت أموال المستثمرين والمضاربين من سوق النفط لتغطية الخسائر المالية، وطرح سؤال حول مدى تأثير الأزمة في أسواق النفط العالمية؟
بالتزامن مع هذا المعطى، تدهورت العلاقات الأمريكية – الايرانية مع وضع الحرس الثوري الايراني على لائحة الارهاب، وهو الذي يسيطر على شركات نفطية منتجة، هذا مع تدهور قطاع النفط العراقي في بنيته التحتية مع تراجع
الصيانة، وانتشار الحرائق، وسيطرة القرصنة التجارية على جزء منه.
في هذا الإطار السلبي، نشطت الاتصالات بين الدول المصدرة للنفط في منظمة (أوبك)، واتجهت لدراسة خياراتها وبدائلها الممكنة، قبيل انعقاد القمة الثالثة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وستكون هذه القمة بلا شك مهمة بعد مرور وقت طويل على انعقاد القمة الأولى في الجزائر سنة ،1975 والقمة الثانية في فنزويلا سنة ،2000 وهي تأتي بعد الأزمة المالية العالمية الراهنة، وبعدما ارتفعت أسعار النفط عالمياً في السنوات الأخيرة، مع الإشارة إلى أن هذه الأزمة أدت إلى انخفاض سعر البرميل لنفط بحر الشمال إلى 68 دولاراً، بعدما وصل سابقاً إلى نحو 78 دولاراً.
هناك سلبيات أخرى قد تتضح في منطقة الشرق الأوسط، حيث الاحتياط الاستراتيجي الأول للنفط، ووجود علاقات تجارية واسعة بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الصديقة، لقد خسرت أسواق المال في دولة الإمارات – على سبيل المثال – خلال يوم واحد 2،6 بليون دولار، بينما سعت مصر والسعودية وغيرهما للسيطرة على الأسواق من دون متغيرات لافتة.
في مواجهة هذه السلبيات، أتى إعصار (دين) في الشواطئ الجنوبية للولايات المتحدة والمكسيك ليحافظ على سعر النفط نسبياً، حيث تعرضت بعض المنشآت النفطية الكبرى لأضرار بيئية واسعة، وتدخلت الطبيعة للحد من انهيار سعر برميل النفط، أو سيطرة الحكمة المعروفة: “رب ضارة نافعة”.
في مجمل الأحوال، لا يمكن تجاهل الضغوط المتزايدة على الائتمان، وسيطرة الغموض المالي، ما يحدّ من النمو الاقتصادي، فالدولار الأمريكي تراجع أمام العملة الأوروبية الموحدة (يورو)، وانخفضت مؤشرات أسواق المال العالمية، بما فيها الأسواق الأوروبية، وهذا في مجمله يعيدنا إلى طبيعة العولمة المالية، من حيث هي ترابط محكم بين الأسواق تصنعه القوى المالية المسيطرة، وبقدر ما تتضرر هذه القوى من نتائج اي أزمة طارئة أو متوقعة بقدر ما تشتغل آليات العولمة لاستعادة السيطرة والانطلاق.
بالطبع سوف يسقط ضحايا من جراء هذه الآليات، ومعظمهم من الدول النامية التي تفتقد القدرة على مواكبة المتغيرات المالية في العالم، والقدرة المالية، والقدرة الاقتصادية، والقدرة التكنولوجية، والقدرة السياسية والإدارية.
دول مجلس التعاون الخليجي معنية بمواكبة المتغيرات المذكورة، وبعضها في عضوية منظمة (أوبك)، وهي متفاعلة مع الاقتصادات الأوروبية والأمريكية، ناهيك عن تأثرها المباشر بتدهور الوضع العراقي، وبسخونة الملف النووي الإيراني، وبالتدخلات الدولية المباشرة، والدول العربية بوجه عام مطالبة بإعطاء خبراء المال والاقتصاد فرصة وضع السياسات الرشيدة تجاه هذه الأزمة، وغيرها من الأزمات العالمية، لقد بتنا في حاجة إلى أن تتبع السياسة الرسمية حقائق العلوم والتكنولوجيا بعيداً من الانفعال، وردود الأفعال: هل تعتمد الدول العربية، والحال هذه، سياسة موحدة حيال الأزمة المالية الراهنة؟ وكيف ستفعّل هذه الدول دورها في قمة فيينا المقبلة لدول أوبك في ضوء مصالحها، والاستقرار الاقتصادي المنشود على مستوى العالم؟
د. عدنان السيد حسين /جريدة الخليج 2007-09-04
فعلا أمة الائتمان العقاري افتعلت ضجه عالميه وحيره حول مستقبل الاقتصاد العالمي الجميع نعلم انا دول الخليج من دخوله 16 دولار يستثمر في امريكا ودولار يستثمر في موطنها الاصلى والمشاكل الماليه الامريكه لاتؤثر فقط في امريكا انما تؤثر ايضاً على اقتصاد العالمي ككل