د. محمد إبراهيم الرميثي
http://www.alarabiya.net/staging/portal/Archive/Media/2004/12/13/1837441.jpg
تختلف أسواق الأسهم عن الأسواق الأخرى (كسوق السندات وسوق الذهب والفضة مثلاً) في جوانب كثيرة. حيث إن الطفرات المفاجئة وفترات الرواج المفاجئة في الغالب قد لا تستمر إلا لفترات قصيرة تعقبها فترات ركود قد تطيح بكثير من المضاربين، فتصبح معها فترات الرواج سوقاً تاريخياً قام ثم انفض ليربح فيه البعض ويخسر فيه البعض الآخر. فما هي أسباب ومبررات هذه الطفرات؟ وما هي آثارها الاقتصادية؟ وكيف يمكن تجنب مخاطرها وآثارها السلبية؟
لقد شهد النصف الأخير من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 طفرة غير طبيعية في أسواق الأسهم المحلية (في سوقي أبوظبي ودبي معاً). ففي حين بلغ إجمالي قيمة الأسهم المتداولة في السوقين خلال شهر أكتوبر/ تشرين الاول 4.53 مليار درهم (الدولار يعادل 3.68 درهم) نجدها تقفز إلى 4.35 مليار درهم خلال أسبوع واحد فقط في شهر نوفمبر (13-19 نوفمبر)، وإلى 4.21 مليار درهم خلال الأسبوع الذي يليه (20-26 نوفمبر)، حيث سجل يوم 24 نوفمبر قيمةً قياسيةً للتداول بلغت 1.122 مليار درهم في سوق دبي و 87.4 مليون درهم في سوق أبوظبي.
وخلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر بدأت الطفرة تهدأ والسوق تتراجع، ففي 5 ديسمبر/ كانون الاول بلغت 514.281 مليون درهم، منها 381.139 مليون درهم في سوق دبي و 133.142 مليون درهم في سوق ابوظبي. ثم تراجعت في يوم 6 ديسمبر إلى 359.082 مليون درهم، منها 237.229 مليون درهم في سوق دبي، و121.853 مليون درهم في سوق أبوظبي. ثم عاودت كرة الصعود من جديد لتصل يوم 8 ديسمبر إلى 1.084 مليار درهم منها 891.004 مليون درهم تداولات سوق دبي المالي (منها 547 مليون درهم تداولات على سهم شركة إعمار فقط، شملت 51.128 مليون سهم)، في حين بلغت قيمة الأسهم المتداولة في سوق أبوظبي 193.514 مليون درهم، واستمر يوم 9 ديسمبر متجاوزاً المليار درهم أيضاً.
والحقيقة أن الطفرات المفاجئة في أسواق الأسهم غالباً ما تلحق أضراراً كبيرةً في بعض المضاربين المحبين للمغامرات والمجازفات. كما أنها قد تلحق أضراراً اقتصادية، وخاصةً إذا لم تكن فترات الرواج والطفرة مبنيةً على نمو اقتصادي حقيقي، ومعلومات مؤكدة عن أداء الشركات ومشاريعها الحاضرة والمستقبلية، ومعلومات محاسبية موثوقة عن القيمة الحقيقية للأسهم وحقوق المساهمين في سجلات الشركات. حيث تؤثر تلك الطفرات في توجه حركة السيولة النقدية وتركزها في قطاعات معينة، بل وفي بنوك معينة على حساب القطاعات والبنوك الأخرى، كما تؤدي إلى حدوث تغيرات مفاجئة في العرض الكلي والطلب الكلي على السلع والخدمات، وقد تلحق أضراراً بسمعة الأسواق المالية ذاتها. وقد تكمن الأسباب المباشرة وغير المباشرة لطفرة نوفمبر/ ديسمبر 2004 في سوق الأسهم الإماراتي في الآتي:
1- يربط بعض المحللين بين طفرة أسواق الأسهم من ناحية والاكتتاب في شركة “الدار العقارية” من ناحية أخرى، وذلك نظراً لتزامن الحدثين معاً. حيث يرون أن كثيراً من المستثمرين أقبلوا على بيع ما لديهم من أسهم من أجل الحصول على سيولة نقدية لتمويل اكتتاباتهم في شركة “الدار العقارية”.
وقد يكون في هذا التحليل شيء من الصواب من حيث تأثيره على الحالة النفسية للمستثمرين فقط. بيد أنه يبقى غير كافً لتبرير الطفرة التي حدثت فجأةً في السوق. فإذا أقبل المستثمرون على عمليات بيع مكثفة للأسهم، بغرض توفير السيولة، فإن الأسعار سوف تنخفض بسبب زيادة العرض وانخفاض الطلب، بيد أن ما حدث هو العكس تماماً فالأسعار ارتفعت إلى أرقام قياسية. وعندما قررت البنوك تقديم تسهيلات مصرفية للمستثمرين في الاكتتاب بالدار العقارية بواقع 10 أضعاف ما لدى المستثمر من رصيد يود الاكتتاب به فإنها قد أثبتت للمستثمرين بأن السيولة متوفرة وأن التسهيلات المصرفية متوفرة وأنه لا يوجد ضرورة لتسييل ما لديهم من أسهم.
وها نحن اليوم نشهد استمرار رواج أسواق الأسهم في الوقت الذي لم تتم فيه بعد تخصيصات شركة “الدار العقارية”، فمن أين للمستثمرين هذه السيولة النقدية الزائدة التي تؤدي إلى زيادة الطلب بشكل كبير. ثم إن شركة “الدار” قد تم إنشاؤها في أبوظبي، في حين نجد أن الرواج يتركز في سوق دبي المالي، بل وبالتحديد في شركة “إعمار”، التي أصبحت علماً بارزاً في سوق دبي للأوراق المالية وتجر وراءها باقي الشركات.
2- يرى بعض المحللين أن الطفرة الحالية في أسواق الأسهم قد يرجع سببها المباشر إلى شركة “إعمار”، التي أعلنت عن مشاريع عقارية عملاقة حقيقية ملموسة مثل قيامها بتسليم 5000 وحدة سكنية لأصحابها الذين اشتروها من “إعمار” من مختلف الجنسيات، وقد يصل عدد الوحدات السكنية المسلمة بالفعل إلى أصحابها إلى 8000 وحدة مع نهاية العام، من أصل 15000 وحدة بعضها قيد الإنشاء في مشاريع إعمار المشهورة وهي (الينابيع، والروضة، ومرسى دبي، وأبراج إعمار، والسهول)، والتي أدت إلى استقطاب العديد من المستثمرين. كما أطلقت إعمار العديد من المشاريع العقارية مثل المجمعات السكنية (فلل هتان، ومجمع المهرة، ومجمع تيرا نوفا، والغزلان في مشروع المرابع العربية).
وقامت الشركة بالتخطيط الفعلي لإقامة العديد من الأبراج والمجمعات والعمران العقاري والذي يتطلب معه تحريك قطاع المقاولات والتشييد والبناء وقطاع الخدمات وقطاع التجارة وقطاع السياحة والسفر والفندقة وكافة القطاعات الأخرى المرتبطة به، والتي بلا شك تستفيد من الرواج الذي يشهده قطاع العقارات. كما قامت الشركة بالإعلان عن خططها المستقبلية للتوسع الإقليمي الفعلي ودخول الأسواق المجاورة، وبناء شركات إقليمية تابعة وإدراج أسهم الشركة في بعض الأسواق المالية الإقليمية. فلقد أدى ذلك بالفعل في خلق سبب مباشر حقيقي لرواج التداول في أسهم الشركة.
3- رواج القطاعين العقاري والسياحي بشكل خاص، والقطاعات الأخرى بشكل عام. والمشاريع العملاقة التي يعلن عنها في دبي مثل (أساطير دبي لاند، والنخلة ديرة، والنخلة جميرا، والنخلة جبل علي، وبرج دبي، وغيرها). وإنشاء المدن المتخصصة في الأنشطة الاقتصادية. إضافة إلى تطلع دبي للحصول على دور إقليمي، بل ودور عالمي أكبر في المنطقة في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
4- النتائج الممتازة التي ظهرت لأغلب الشركات والبنوك، والتي تخلق بدورها جواً مفعماً بروح التفاؤل في المستقبل.
5- التوسع والنجاح الإقليمي الذي تقوم به مؤسسة اتصالات، وخصوصاً في أسواق السعودية. وإعلانها عن خطتها الاستراتيجية الطموحة حتى عام 2008، والتي تتطلع من خلالها للعب أدوار إقليمية وعالمية.
6- زيادة رؤوس أموال بعض الشركات المساهمة العامة والبنوك، عن طريق الإصدارات الجديدة، والذي يخلق بدوره زيادةً في عرض الأسهم.
7- تجزئة الأسهم إلى أجزاء صغيرة، والتي تخلق بدورها زيادةً في عرض الأسهم وتساهم في رواج الطلب، لأسباب تعود إلى نفسيات المضاربين، الذين ينظرون إلى السهم المجزأ على أنه أسهل في التداول.
8- الإعلان عن خطط لإنشاء عدة شركات مساهمة عامة متعاقبة في القطاعات العقارية والسياحية وما يرتبط بها في مختلف إمارات الدولة.
9- دخول النساء إلى أسواق الأسهم بشكل غير مسبوق، وتميزهن بميلهن الشديد إلى حب المضاربة والمجازفة.
10- الإعلان عن قرب صدور القانون العقاري الاتحادي.
11- استمرار انخفاض سعر الفائدة، والذي يؤدي بدوره إلى ضيق فرص توظيف الأموال في ودائع مصرفية من ناحية، كما أنه يؤدي إلى زيادة عرض التسهيلات الائتمانية المصرفية.