أسواق الخليج تصيب أعصاب المتداولين وتتجاهل الأساسيات القوية
الاقتصادية- روث سوليفان 30/10/2008
نذر العاصفة تتجمع في سماء الشرق الأوسط: أسعار النفط في حالة هبوط، شح السيولة في المنطقة، والمستثمرون يهربون عن أسواق الأسهم المتهاوية، في الوقت الذي تبدأ فيه المنطقة إدراك أنها ليست بمنجى من جيشان أسواق المال العالمية.
لكن على الرغم من تغير المشهد في الساحة، لايزال مديرو الصناديق يرون أن الآفاق جيدة بالنسبة للنمو في الإيرادات وفرص الشراء.
يقول عمرو سيف، مدير المحافظ لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا لدى شركة إنفستك أست مانيجمنت Investec Asset Management: “في الوقت الحاضر العائد على حقوق الملكية والنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا أفضل مما عليه الحال في الأسواق الناشئة الأخرى. الشركات في المنطقة تتمتع بقدر من النمو في أرباحها أكبر مما تشهده البلدان المناظرة، مثل روسيا وأوروبا الشرقية“.
ويرى سيف أن مشاريع البنية التحتية، مثل محطات معالجة المياه ومشروعات الإسكان للمساكن ذات التكلفة المتوسطة إلى المتدنية، من بين القطاعات التي ستحرك العوائد في المستقبل، وهو ينظر إلى المنطقة ككتلة واحدة وليس على أساس كل بلد على حدة.
كذلك يستطيع المستثمرون الاطمئنان بسبب التقرير الربعي الذي ينشره صندوق النقد الدولي حول الآفاق الاقتصادية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ويتوقع التقرير أن يتراجع النمو قليلاً في السنة المقبلة بسبب انخفاض أسعار النفط، لكنه سيكون إلى حد كبير متكيفا مع الجيشان في الاقتصاد العالمي. وقد عدل الصندوق توقعاته بالنسبة لآفاق النمو في الناتج المحلي الإجمالي للشرق الأوسط وشمالي إفريقيا من 6.3 في المائة لهذا العام إلى 5.9 في المائة عام 2009.
يقول أندريا نانيني، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا لدى بنك إتش إس بي سي جلوبال أست مانيجمنت HSBC Global Asset Management، إن أسواق منطقة الخليج يُنظَر إليها الآن على أنها أكثر ارتباطاً بالأسواق الغربية مما كان عليه الحال قبل بضعة أشهر. ويضيف: “خلال الأشهر الأخيرة كان الشرق الأوسط يهبط من معدلات الذروة ويقوم بتصحيحات، وسنشهد قدراً أبطأ من النمو وقدراً أقل من السيولة في الاقتصاد. لكن أداءه لا يزال جيدا نسبياً”. وعلى الرغم من التوقعات التي من هذا القبيل، إلا أن الاستثمار في الأسواق الناشئة والأسواق الواعدة الأخرى ليس لضعاف القلوب، على اعتبار أن أسواق منطقة الخليج شهدت حالات من الهبوط الحاد من الأعالي في أواخر عام 2007 وأوائل هذا العام.
وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، شهدت الصناديق 11 أسبوعاً متوالية من صافي التدفقات الخارجة حتى هذا التاريخ، وتم سحب 823 مليون دولار من الصناديق منذ 13 آب (أغسطس)، وفقاً لمؤسسة إي بي إف آر جلوبال EPFR Global ـ مقرها الولايات المتحدة ـ المتخصصة في متابعة نشاط الصناديق. لكن النقطة المشرقة في الموضوع هي أن الصناديق تواصل المحافظة على صافي التدفقات الداخلة بمقدار 1.4 مليار دولار في السنة حتى هذا التاريخ.
ويقول براد ديرام، المدير الإداري لشركة إي بي إف آر جلوبال: “المستثمرون يسحبون أموالهم بالدرجة الأولى بسبب الخوف والهلع من مطالبات شركات الوساطة المالية بتسديد المبالغ المستحقة على الحسابات، وهذا يضطر المستثمرين إلى سحب أموالهم دون تمييز من معظم الأسواق”.
“هناك قلق حول هبوط أسعار النفط، وفي بعض الحالات انكشاف القطاع البنكي أمام أسواق العقارات المحلية التي تشهد تراجعاً في الوقت الحاضر، مثل الإمارات. لكن لأن معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي لبلدان منطقة الخليج يتوقع لها أن تبلغ 6 في المائة هذا العام، فإن المنطقة تولد بعضاً من أقوى معدلات النمو في العالم“، بحسب ديرام.
وهو يرى أن أرباح الشركات صامدة هي الأخرى في المنطقة، وهي تراوح عند مستوى متدن تاريخيا عند 9 إلى 12 مرة من مضاعفات سعر السهم إلى الربح. “لذلك أغلب ظني أنه حين تهدأ أعصاب المستثمرين المتوترة ستعود حركة الأموال القوية إلى هذه الأسواق“.
جرانت بيلي، الرئيس التنفيذي لشركة آي إن جي لإدارة الاستثمار في الشرق الأوسط ING Investment Management in the Middle East الذي يوجد مقره في دبي، يتفق مع نانيني بأن قسماً لا بأس به من جاذبية الشرق الأوسط لدى المستثمرين يعود إلى عدم وجود ارتباط واقتران مع الأسواق الغربية. وقال: “كل هذا تغير خلال الأسابيع الستة الماضية”. لكنه يرى أن هناك نظرة تتسم بقدر أكبر من الثقة في المنطقة من داخلها أكثر من الثقة حين ننظر إليها من لندن أو نيويورك.
“الدول في المنطقة لا تزال تتمتع بأساسيات قوية، وهي توازن ميزانياتها على سعر للنفط يقع كثيراً دون 70 دولاراً للبرميل، وبعض الدول تحتسب عند وضع ميزانياتها سعراً متدنياً في حدود 35 دولاراً للبرميل. وأي ارتفاع في السعر عن هذا المبلغ سيكون ثروة تهبط من السماء”، وفقا لبيلي. ويقدر صندوق النقد الدولي أن دول منطقة الخليج يرجح لها أن تحتسب سعراً للنفط في حدود 57 دولاراً للبرميل حين تضع ميزانياتها هذا العام.
ويرى بيلي أن المنطقة تنطوي على إمكانيات جيدة بالنسبة للمستثمرين في المناخ الحالي، إلى درجة جعلته يطلق أول صندوق للأسهم تابع لشركة آي إن جي في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، الذي سيبدأ الشهر المقبل. وهو يتوقع معدلاً من اهتمام المستثمرين بالصندوق المفتوح ـ مقره لوكسمبورج ـ يكون أبطأ من المتوقع، لكنه يرى أن المنطقة “لا تزال قابلة للنمو على المديين المتوسط والطويل”.
ويرى بيلي قيمة جيدة في بعض الشركات في القطاع المالي وقطاع الإنشاءات والعقارات في جميع بلدان المنطقة، ويقول إنه لن يجد صعوبة في إنشاء أول محفظة تتألف من 30 سهماً من الأسهم الجذابة.
ورغم تراجع الشهية لدى المستثمرين من أمريكا الشمالية وآسيا وأوروبا، إلا أنه يتوقع أن يكون هناك اهتمام من المستثمرين المحليين وصناديق الثروات السيادية. كذلك تعتزم آي إن جي إنشاء صناديق أخرى، بما في ذلك صندوق للدخل الثابت للوفاء بالطلب في المنطقة.
لكن نانيني يتبع منهجاً أكثر حذراً، فهو سيؤجل إطلاق أحد صناديق الأسهم الذي كان قيد الإعداد في المنطقة. ويقول: “نحن بانتظار استقرار الأسواق أولاً”. أما قسم إتش إس بي سي أست مانجمنت، الذي يدير موجودات في الشرق الأوسط تبلغ قيمتها ستة مليارات دولار، فإنه على استعداد للانتظار على الأقل حتى نهاية هذا العام. وقال: “هذه الأسواق تتحرك بسرعة، على اعتبار أن مستثمري التجزئة المحليين يدخلون في الاستثمارات ويخرجون منها بسرعة. وكثير من مستثمري الأجل القصير، خصوصاً صناديق التحوط، أخذوا أموالهم وخرجوا”. المستثمرون الذين يشعرون بالقلق حول إصابة المنطقة بالمزيد من العدوى من أزمة الائتمان العالمية وفقدان السيولة في المنطقة المدفوعة بالعائدات النفطية، ربما تزداد ثقتهم بفعل القرارات الحكومية الأخيرة في الخليج لتقوية الأنظمة البنكية الخليجية. لكن على الرغم من هذه الإجراءات، ستظل هناك حاجة إلى قوة القلب وتعديل النظرة العامة إلى المنطقة.