يبدو أن أسواق العقارات في معظم دول المنطقة وصلت إلى الذروة بعد ثلاث سنوات من الانتعاش المتواصل، حيث ارتفعت الأسعار أكثر من الضعف في العديد من المدن العربية الرئيسية. ويعود هذا الارتفاع إلى أسباب عدة أهمها النمو الاقتصادي القوي الذي سجلته دول المنطقة وخصوصاً الخليجية منها، وزيادة إنفاق الحكومات على مشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى الثقة بأن الانتعاش الاقتصادي سيستمر، ووجود هياكل قانونية وتنظيمية سمحت للأجانب في بعض دول الخليج بامتلاك العقارات، وارتفاع معدل النمو السكاني ونسبة التمدن، وتدني أسعار الفائدة المصرفية وارتفاع أحجام السيولة الفائضة في دول المنطقة التي تبحث عن فرص استثمارية واعدة.

إن بعض هذه العوامل تعكس تغييرات هيكلية تشهدها دول المنطقة وأسواقها العقارية وسيبقى تأثيرها في الأسعار ايجابياً على المدى المتوسط، غير أن هناك عوامل أخرى قد تعيق نمو هذا القطاع وتحد من ارتفاع الأسعار في عدد من مدن المنطقة والتي لا بد للمستثمر من أخذها بالاعتبار.

فالمستويات الحالية المرتفعة في معظم مدن المنطقة ستؤدي إلى ظهور عدم التوازن بين العرض والطلب، ومع الوقت سيصبح فائض العقارات المعروضة في السوق أكثر وضوحاً.

وفي كثير من الدول التي تشهد حالات عدم التوازن في سوقها العقاري تبدأ عملية التصحيح تأخذ مجراها من دون أن تكون بالضرورة هذه العملية واضحة للعيان وقد تبقى على هذا الحال لفترة زمنية قد تصل الى سنة على الأقل.

ويعتبر نشاط سوق العقار ايجابياً عند النظر اليه كمؤشر من مؤشرات حركة الاقتصاد المحلي، خصوصاً ان له علاقة مباشرة بقطاع الانشاءات الذي يوفر فرص العمل للكثير من الأيدي العاملة المدربة، بالإضافة إلى تحفيز الطلب على مواد البناء المنتجة محلياً وما للنشاط العقاري من تأثير في العديد من مشاريع البنية التحتية من كهرباء وماء واتصالات.

وبالمقابل يصاحب التضخم الكبير في أسعار العقارات عناصر سلبية متمثلة في إضعاف القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود وزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

وبشكل عام فإن أسعار العقارات تتذبذب بنسب أقل من تلك التي تسجلها أسعار الأسهم، فبينما يمكن ان يطرأ انخفاض على أسعار الأسهم بنسبة 5% في اليوم الواحد و20% خلال أسابيع عدة، تبقى أسعار الشقق والأراضي مرتفعة حتى بعد ابتداء عملية التصحيح، فالمؤشر إلى انتهاء الطفرة العقارية لن يكون بالضرورة على شكل انخفاض كبير بالأسعار، بل سيظهر بشكل زيادة المعروض على ما هو مطلوب في السوق.

وسيحاول أصحاب العقارات بيع ممتلكاتهم بأسعار تفوق ما يرغب المشترون في دفعها، وهذا سينعكس على حجم الطلب في السوق ويؤدي الى تكدس الفائض من العقارات المعروضة للبيع.

وصلت أسعار الشقق والمنازل في العديد من مدن المنطقة وخصوصاً في الأحياء الراقية منها إلى مستويات قياسية مرتفعة مقارنة مع الإيجارات المتحققة من هذه العقارات. فمكرر سعر العقار إلى الإيجار السنوي هو مؤشر يعكس مستوى المغالاة في هذه العقارات وهو شبيه بمؤشر مكرر سعر السهم إلى العائد والذي يعكس المغالاة إن وجدت في أسواق الأسهم.

ومثلما يجب أن يساوي سعر سهم شركة مدرجة القيمة الحالية للأرباح المستقبلية لهذه الشركة، فلا بد أيضا لسعر العقار أن يساوي القيمة الحالية للإيجار الذي سيحققه هذا العقار للمستثمر لسنوات مقبلة. ولكي يكون مكرر سعر العقار إلى الإيجار المتحقق عند معدلات مقبولة، لا بد أن يرتفع الإيجار بشكل واضح أو أن ينخفض السعر الحالي للعقار.

وإذا ما تم السماح برفع الإيجارات، فهذا سيؤدي إلى زيادة في معدلات التضخم، حيث ان الإيجارات تشكل نحو 30% من مؤشر غلاء المعيشة في العديد من دول المنطقة. وقد يؤدي ارتفاع معدلات التضخم إلى إجبار العديد من البنوك المركزية العربية إلى اتباع سياسة نقدية أكثر تشدداً والسماح لأسعار الفائدة على العملات المحلية بالارتفاع بأسرع مما هو متوقع، ومثل هذه السياسة قد تؤدي إلى تراجع الأسعار بشكل عام بما فيها أسعار العقارات. أما إذا حافظت الإيجارات على معدلات نموها السنوي التي سجلتها أخيراً والتي هي في حدود 10% إلى 15%، فيجب عندها أن تبقى أسعار المنازل حول مستوياتها الحالية لسنوات عدة لكي يعود مكرر سعر العقار إلى الإيجار إلى المعدلات المقبولة.

ونلاحظ أن الطفرة في سوق العقارات خلال السنوات الثلاث الماضية تزامنت مع الفترة التي سجلت فيها أسعار الأسهم العربية ارتفاعاً متواصلاً هي الأخرى، وشهدت خلالها أسعار الفائدة على القروض السكنية انخفاضاً واضحاً. وقامت البنوك باتباع سياسة توسعية في عملية الاقراض لقطاع العقارات وسهلت على الكثير من عملائها شراء شقق ومنازل لم يكن بمقدورهم امتلاكها من دون قروض مصرفية، مما ساعد أيضاً على زيادة الطفرة في سوق العقارات.

إن ارتفاع أسعار العقارات قلّص من قدرة العديد من المواطنين على شراء المنازل والشقق السكنية، كما أن ارتفاع كلفة التشييد وأسعار مواد البناء واليد العاملة المدربة جعل الاستمرار في التوسع في عمليات البناء أصعب على المقاولين.

وهناك دلائل أوّلية تشير الى ان الطفرة التي طرأت على أسواق الأسهم العربية خلال السنوات الثلاث الماضية تمر الآن بعملية تصحيح قد تقصر او تطول. وسيشعر المواطن ان قيمة محفظته الاستثمارية قد تراجعت من جراء عملية التصحيح هذه مع ما لتقليص الثروة من أثر سلبي في قراراته الاستهلاكية والاستثمارية في قطاع العقارات.

وطرأ ارتفاع أيضاً على أسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة الماضية، اذ قامت البنوك المركزية العربية أخيراً بزيادة الفائدة قصيرة الأجل لتصل أسعار الفائدة على الودائع الشهرية الى نحو 4%، أي ضعف ما كانت عليه في بداية العام. كما سجلت أسعار الفائدة على السندات التي تصدرها الحكومات ذات فترة استحقاق خمس سنوات ارتفاعاً ليتراوح الآن بين 6.5% و7.5% وأدى ذلك إلى زيادة أسعار الفائدة على القروض السكنية مع ما له من اثر سلبي في حجم الائتمان المقدم لهذا القطاع. ويتوقع أن يستمر ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل خلال الاسابيع والشهور القليلة المقبلة، خصوصاً إذا ما حافظت أسعار الفائدة على الدولار على نهجها التصاعدي وأصبحت الضغوط التضخمية في دول المنطقة أكثر وضوحاً.

وتشير الأدبيات الاقتصادية الى ان الفقاعات في أسواق الأسهم أو العقارات غالباً ما تنشأ بسبب وجود فائض في حجم السيوله النقدية، لذا فإنه من المطمئن أن نرى البنوك المركزية لدول المنطقة قد بدأت في وضع إجراءات تصحيحية موضع التنفيذ لمواجهة اي ارتفاع متوقع في معدلات التضخم والحد من المضاربة ومن عملية “تحجير السيولة” عن طريق رفع أسعار الفائدة على العملات المحلية واتباع سياسة نقدية أكثر تشدداً.

والاقتراض لشراء الأسهم على الهامش يختلف بشكل جذري عن الاقتراض لشراء العقارات. فأي انخفاض يطرأ على أسعار الأسهم قد يتطلب من المقترض إما تعزيز المبلغ المستثمر أو الاضطرار الى بيع الأسهم التي دفع فقط جزء من قيمتها. وقد يؤدي هذا البيع الإجباري الى حدوث المزيد من التراجع في الأسعار.

أما القروض السكنية، فهي على العكس من ذلك لا تصبح واجبة البيع مع انخفاض قيمة العقار حتى لو أصبح سعر المنزل أقل من قيمة القرض المتوجب سداده عند تاريخ الاستحقاق ما دام المقترض يسدد الاقساط الشهرية بانتظام. ويتم تسعير معظم القروض السكنية بأسعار فائدة متغيرة مرتبطة بالتوجه العام لأسعار الفائدة المحلية.

وحتى عندما تبدأ عملية التصحيح فسيبقى هناك طلب على الشقق والمنازل ذات التسعير المقبول، فهيكل السكان الفتي لدول المنطقة، حيث ان نحو 60% من المواطنين هم دون سن الخامسة عشرة، كما ان النمو الاقتصادي القوي سيحافظ على زخم الطلب في السوق العقاري، أضف الى ذلك ان العقار التجاري بشكل عام مازال بحاجة إلى المزيد من التوسع والتطور.

أما المضاربون الذين يرفضون بيع العقارات إلا بأسعار مضخمة عن تلك التي دفعوها عند الشراء قبل أشهر قليلة، فهؤلاء سيجدون صعوبة في إيجاد مشترين وقد يضطرون إلى إعادة النظر في خططهم التمويلية والشرائية، وقد يدرك العديد منهم أن أيام الربح السريع انتهت وبالتالي فإن عمليات المضاربة بالعقار لن تكون ذات نفع عليهم.

منقول

ارباب

One thought on “أسواق العقارات في معظم دول المنطقة وصلت إلى الذروة

  1. نفس الكلام كل سنه مستوين عرافين
    كل سنه كلامهم يطلع العكس والعقارات سنه عن سنه تزيد

Comments are closed.