بقلم – عبدالخالق عبدالله

تحدثت “أم أحمد” إلى برنامج البث المباشر بنبرة حزينة تظهر أن الدنيا انسدت في وجهها، وأنها لا تملك خبز يومها، ولم تعد تطيق حياتها وأصبحت غير قادرة على تحمل مسؤولية تربية أطفالها. قالت أم أحمد إنها إماراتية أباً عن جد لكنها لا تشعر بأنها تسكن في إمارة هي من أغنى الإمارات، وفي دولة هي من أغنى الدول في العالم.

قالت “أم أحمد” وهي تبكي بحسرة إنها مطلقة وتعيش مع أطفالها بمساعدة شهرية من وزارة الشؤون الاجتماعية، وتسكن في حجرة واحدة ضمن منزل لورثة يطالبونها بمغادرته، وكل ما تطلبه الآن هو الستر، وأخذت تكرر “يا الله الستر.. يا الله الستر… يا الله الرحمة”. كل من سمع هذه المكالمة تأثر كثيرا وشعر بالغصة عندما ذكرت “أم أحمد” أنها تعيش لمجرد أنها غير قادرة على الموت.

تمثل “أم أحمد” حالة واحدة من حالات فقراء الإمارات المنسيين والذين يزدادون فقراً بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع تكلفة الحياة، وتواضع الدخل، وعدم الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة، وارتفاع حجم الديون الشخصية المرهقة، وصعوبة مجاراة متطلبات الحياة الكريمة وفق المستويات المعيشية الجديدة والمرهقة في الإمارات.

لم يكن أحد يتحدث عن الفقر ووجود مواطنين يعيشون تحت خط الفقر كحالة “أم أحمد” في الإمارات. كان الجميع يرفض فكرة وجود فقراء في دولة غنية بلغ دخلها عام 2008 من النفط 292 مليار درهم، وإجمالي ناتجها المحلي 929 مليار درهم، وكان اقتصادها ينمو بمعدلات تصل إلى 7% سنويا، وارتفع معدل دخل الفرد فيها إلى 144 ألف درهم سنوياً على مستوى الدولة، وهو من بين أعلى معدلات دخل الفرد في العالم.

ما زالت صورة الإمارات مشرقة، فهي دولة نفطية وغنية ومن بين أكثر الدول رفاهية وسخاء مع سكانها، ومن بين أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة العربية. لكن استمرار فجوة الدخل بين إمارات الدولة، واختلال موازين توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء، وتحول جزء مهم من الثروة للوافدين في القطاع الخاص، وتجاهل مبدأ العدالة، كل ذلك قد يؤدي إلى بروز حالة جديدة وصورة مختلفة وحقائق غير مريحة للنفس وتصبح الإمارات دولة فقراء بقدر ما هي دولة أغنياء.

لقد اختلت كثيراً الفجوة بين من هم أفضل حالاً وأسوأ حالاً مادياً في دولة الإمارات في السنوات الأخيرة. ففي الوقت الذي كان الاقتصاد الوطني يتمدد شرقاً وغرباً، وينمو بمعدلات استثنائية، ويتحول إلى ثاني أكبر اقتصاد عربي، أخذت الثروة تتكدس لدى أعداد صغيرة من الأغنياء. كما بدأت الفجوة تتسع كثيراً بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وبين العدد الصغير الذين استفادوا من التمدد الاقتصادي وتمكنوا بسهولة وسرعة تقارب سرعة الضو، من ارتقاء سلم الثروة، وبين العدد الكبير من المواطنين الذين غلبتهم الحياة، وتجاوزتهم الفرص الاستثمارية وأصبحوا يعيشون على هامش الثروة ويدفعون دفعاً نحو هامش المجتمع وفي اتجاه قاع الفقر.

تشير الوقائع بوضوح شديد إلى أن الاثرياء يزدادون ثراء وفقراء الإمارات يزداودن فقراً. هذه المعادلة غير مطمئنة ويجب ألا تستمر طويلاً، ومن المهم معالجتها سريعاً، وهي قريبة جداً من نفس المعادلة المختلة القائمة على الصعيد العالمي حيث 20% من سكان الأرض يملكون 80% من الثروات و80% من سكانها يعيشون على ما تبقى من الفتات. هذه المعادلة العالمية ظالمة، وهي سبب مهم من أسباب عدم الاستقرار السياسي في العالم ولا ينبغي أن تتكرر في مجتمع آمن ومستقر كمجتمع الإمارات يؤمن بعدالة توزيع الدخل.

أثرياء الإمارات يتصدرون اليوم قائمة الأثرياء العرب. فوفق تقرير للثراء في العالم أعده مصرف “ميريل لينش” بلغ عدد الاثرياء في الإمارات 79 ألفا، أي نحو 10% من اجمالي عدد المواطنين. ويملك كل واحد من هؤلاء أكثر من مليون دولار نقداً من دون احتساب مساكنهم. واللافت أن الإمارات حققت أعلى معدلات في نمو عدد أصحاب الثروات في المنطقة العربية وبنسبة 16،1% حيث بلغ مجموع ثرواتهم 334 مليار درهم عام 2008.

وجود هذا العدد الكبير من الأثرياء دليل صحة وعافية ومصدر فخر واعتزاز لدولة الإمارات، ويؤكد الانطباع السائد أن الإمارات دولة غنية وهي أرض الأغنياء وستظل أرض الفرص الواعدة للمواطنين والوافدين لسنوات طويلة قادمة. لكن الحديث عن الأغنياء تراجع مؤخراً بسبب الأزمة المالية وانهيار سوق الأسهم وإفلاس العديد من الشركات ودخول الاقتصاد العالمي والعربي والإماراتي في حالة الانكماش الذي يتوقع ان يستمر خلال عامي 2009 و2010.

لذلك، وفي الوقت الذي تراجع فيه الحديث عن الأغنياء برز التركيز على وضع الفقراء في الإمارات. وجاءت دراسة لوزارة الشؤون الاجتماعية تشير إلى ارتفاع عدد حالات المواطنين المستفيدين من المساعدات الحكومية الشهرية من 31 ألف حالة عام 2001 إلى نحو 38 ألف حالة عام 2007. أي أن نسبة حالات متلقي الدعم الحكومي الذي يبلغ 4 آلاف درهم في الشهر، والمخصص للفقراء والمحتاجين وللحالات الانسانية الصعبة كحالة “أم أحمد”، ارتفعت بنسبة 18% خلال السنوات الست الأخيرة. لقد كان من المتوقع تراجع هذه الحالات الاجتماعية الصعبة وليس ارتفاعها سنة بعد سنة منذ تأسيس الدولة الاتحادية.

ثم جاءت دراسة أخرى جريئة وموثقة ومعتمدة على بيانات رسمية تؤكد أن فجوة الدخل بين أكثر الناس فقراً وأكثرهم غنى ضخمة، وهي أكثر ضخامة في الإمارات الغنية. ووفق هذه الدراسة التي أعدها مجلس دبي الاقتصادي، فإن 7،2%، أي نحو 60 ألف مواطن، يعيشون تحت خط الفقر النسبي وتحت مستوى أدنى من متوسط الرفاهية السائد في مجتمع الإمارات. وجود فقير واحد وحالة واحدة كحالة أم أحمد، في دولة غنية، عيب، أما وجود أكثر من 60 ألف فقير فهو 60 ألف عيب وعيب، ويؤكد أن دولة الإمارات بقدر ما هي دولة أغنياء هي أيضا دولة فقراء.

من المهم مراجعة البيانات والتدقيق في صحتها، لكن الأهم هو مراجعة السياسات التنموية والاجتماعية كي لا تؤدي إلى زيادة فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء. فلا يليق بدولة الإمارات المعطاءة وجود حالة إنسانية صعبة واحدة كحالة “أم أحمد” “انسدت الدنيا في وجهها” واضطرت للبكاء بمرارة على الهواء مباشرة.

كلما اسرعت الإمارات في انهاء ملف الفقر والفقراء، كانت أسعد حالاً وأكثر إشراقاً. فالاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي مرتبطان أشد الارتباط بعدالة توزيع الثروة وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهذا ليس بكثير على دولة الإمارات السخية والتي تضع سعادة مواطنيها على رأس اهتماماتها الوطنية والتنموية.

* نقلاً عن صحيفة الخليج

رحمك الله يا شيخنا و أبونا زايد و أسكنك فسيح جناته ..

اذا الموضوع مكرر شوفوا شغلكم ..

9 thoughts on “أغنياء وفقراء الإمارات

  1. الدولة والدولة

    الدولة ماقصرت وتخطط بشكل سليم وعطت المواطنين كلهم بيوت بس المشكله وين

    المشكله في بعض المواطنين اللي مايخططون لحياتهم ويمشون على عماهم ويعقون اللوم على

    الدولة من يومين مظهرين حرمه ويابنتها !! أونه ماعندهم مسكن !!! هذا منظر ينحط في الجريدة

    لا والام ماتبا تسكن الا في دبي !!!

    زين ادخل سعادة خليفه سليمان وحل الموضوع يزاه الله خير ووفر لهم شقة لين مايحصلون سكن ثاني

    يطيحون ضحايا بسبب المشكلات العائليه اللي أخوها رايغنها اللي ريلها مطلقنها وفارنها في السكه

    اللي ريلها مسلف من البنك وعقها هي وعيالها في الديون واللي واللي وين

    أيام قبل وين هذيج الايام اللي الابو والام واليد واليده والخال والعم والعمه كلهم ساكنين في بيت

    واحد وياكلون على مائده وحده شو صار في الدنيا كل واحد يبا يستقل في حياته على حساب أخوانه

    والا امه والا ابوه والا فارنهم في مستشفى العجزة شو هذا الزمن العجيب الغريب

    بالرغم من أنهم قادوا نفسهم إلى طريق مظلم ولكن الدولة تحاول بشتى الطرق أن تنير لهم طريقهم

    عل وعسى يتعلمون من أخطائهم ويفكرون صح

    الفقر والفقر وين الفقر ماشوف فقر أنا

    أنا اشوف البطرة الزايدة وحب المظاهر هي الطاعون اللي منتشر في البلد مب الفقر

  2. من باب البطالة…

    موضوع التوطين اللي نسمع عنه 100% خرطي….

    والدليل المكان اللي اشتغل فيه… مواطن واحد = 10 جنسيات آخرى…

  3. موضوع مهم منك اخوي يوسف وبارك لله فيك

    هذه الموضوع يباله سرد جيد وان شاء الله بنرد له من نظهر من الدوام

    ارباب

  4. موضوع ذات صلة ..

    البطالة.. إحدى ظواهر البعثرة

    بقلم – مرعي الحليان

    كنا نقول بالأمس ان البعثرة التي نعيشها وغياب التنسيق وكل يفتي حسب ما يراه، والثغرات التي تفتح أفواهها لمرور السالب، وتشكل ظواهر تعرقل التحديث والتطوير وتعمل على توطين تلك الظواهر السالبة تحتاج إلى وقفات وليس وقفة واحدة، فبعد عقود من الزمن على بقاء مثل هذه الظواهر يصبح من الضروري السؤال عن السبب الذي حولها إلى ظواهر مزمنة، لأنه من المنطقي والطبيعي ان يصاب أي مجتمع بظواهر ايجابية وأخرى سالبة خصوصا اذا ما كان مجتمعا فتيا ويمر بمراحل انتقالية كبيرة بغرض التطور والتنمية، لكن ان تتزامن بعض الظواهر وتصبح واقعا لا حول ولا قوة أمامها، فهذا يعني انها مصحوبة بخلل كبير ومزمن مثلها.

    ظاهرة بطالة المواطنين، أمر لا يمكن ان يصدقه احد لو قيل له ان بلدا يستقطب أكثر من 5.5 ملايين مقيم ووافد ويمنح فرص عمل في قطاعه الخاص لأكثر من ثلاثة ملايين أجنبي لا يمكنه استيعاب أربعين ألفا من أبنائه!! وبطالة الإماراتيين في بلدهم أصلاً جملة لا يمكن بلعها، ولو قلت هذا في محفل عالمي لقيل انك دجال، اذ لا يعقل ان يصاب بلد تتوفر فيه الموارد والثروات ويوفر تعليما مجانيا ومنفتح ومتحضر بهذا الداء.

    الدكتور سليمان الجاسم مدير جامعة زايد وفي ورقته التي ناقشها مؤتمر البيان السنوي الخامس التي شرح فيها أزمة بطالة المواطنين عندنا وذكر ان البطالة المواطنة في المجتمع تبلغ 12 ألف باحث عن العمل حسب الإحصاء الرسمي، و40 ألف مواطن حسب التقديرات غير الرسمية، أكد على غياب التنسيق وأوضح أن إحدى أهم المشكلات تتمثل في عدم وجود جهة مركزية تتولى متابعة تخطيط وإدارة شؤون القوى العاملة بالدولة.

    حيث أن هذه المسؤولية موزعة على عدد من الهيئات والوزارات والدوائر الاتحادية والمحلية، دون أن يكون هناك جهة مركزية للتنسيق بين جهود هذه الجهات ووضع خطة شاملة للقوى العاملة بالدولة ومتابعة تنفيذها.

    وأشار إلى أن القضاء على ظاهرة البطالة بين المواطنين يستلزم العمل الجاد على رفع نسبتهم في وظائف القطاع الخاص، الأمر الذي يتطلب تنسيقا وتعاونا أفضل مع القطاع الخاص، والأخذ بنظم وإجراءات وتشريعات تحقق زيادة نسبة المواطنين تدريجيا في القطاع الخاص.

    غياب المركزية، غياب الجهة، هي البعثرة التي نعنيها ونقصدها، هو الأمر ذاته الذي نقول انه أس المصاعب التي يعانيها المجتمع. لأننا وبصراحة ما زلنا وبرغم كل جهود الربط والتعاون والإذعان بأننا أمام مصير واحد ما زلنا في الواقع العملي لا نتحرك بصفة جماعية.. أيضا في هذا الأمر هناك من يقول »آه راسي« وآخر يقول »آه عيني«.. بعد عقود من الزمن على وجود ظاهرة مثل هذا النوع لا يمكن القول إلا أننا عاجزون عن الحل. والاعتراف بالحق فضيلة! فهل يشفع لنا هذا الاعتراف أيضاً؟

    * نقلاً عن صحيفة البيان .

Comments are closed.