.

.

السادة الكرام/ أعضاء أو زوار
هذه قصة جديدة انتهيت من كتابتها وطباعتها بالأمس

يعاتبني البعض على نهاياتي الحزينة

لكن في هذه القصة النهاية لن تكون كذلك

أتمنى أن تنال الاستحسان
ودعواتكم لنا بالتوفيق وتسهيل الأمور

كل الأمنيات بقضاء وقتا طيبا مع مداد قلمي

وفاء

39 thoughts on “.: أوراق الأمل :: قصتي الجديدة :.

  1. .

    ارتسمت ملامح الفرح على وجه منصور للحظات حين شاهد أمل، وما لبث أن عاد إلى صمته وتجهمه.

    سامحونا على انقطاع زيارتنا.
    عذركم معكم يا أبا عمر.
    سيدتي يجب أن نحسم أمر أبنائنا بعد الذي حدث.
    كنت واثقا أننا سنفترق. “هكذا رد منصور”.

    اقتربت منه أمل ووضعت يدها في يده، وضغطت عليها قائلة:
    ومن قال إننا سنفترق؟!

    أطبق السكون على الغرفة. نظرت أمل إلى منصور نظرة دامعة مملوءة بالمشاعر! ومع هذا تفادى النظر إليها! ثم قطع السكون صوته.

    لقد خسرت من وراء هذا الحادث الكثير.
    لا تقل شيئا يا منصور. إن ما حدث لك ابتلاء من عند الله، ولا تنسوا أنني أب لشاب يقاربك في السن، وما حدث لك كان من الممكن أن يحدث له.

    إنني بحاجة إلى ممرضة لا إلى زوجة!
    سألته أمل بصوت خافت: ما كل هذا اليأس؟!
    سحب منصور يده من يدها.

    وما حاجتك بإنسان عاجز سيكون أسيراً لمقعد ما بقي له من العمر؟!
    أين تفاؤلك وابتسامتك؟ أين مرحك؟
    هنا انفعل منصور وقال وهو يرتجف:

    لماذا تصرين على الارتباط بمقعد؟!
    ثم عاد إلى هدوئه.
    الحياة أمامكِ…

    الحياة لا طعم ولا قيمة لها حين لا نجد روحا نرتاح لها وترتاح إلينا، نسكن فيها وتسكننا.

    وأمسكت بيده من جديد، وقالت:

    لن أسمح لأخرى أن تسلبك مني.

    لقد قام ذلك الحديث وتلك المشاعر بإذابة الرواسب التي خلفها الحادث في نفس منصور، وعاد التفاؤل إليه بعد أن قرر استكمال علاجه.

    سافر منصور برفقة والدته للعلاج في الخارج. هناك أخبره أكثر من طبيب أن عودة رجله إلى سابق عهدها أمر مستحيل.

    وهل سأظل أسيراً للكرسي المتحرك طوال حياتي؟!
    بالطبع لا. بعد انتهائك من العمليات الجراحية ستبدأ مرحلة العلاج الطبيعي لكن في مستشفى آخر ومن بعدها قد تتمكن من السير لكن بصحبة عكاز طبي.

    وبعد عشرة أشهر تخلّى منصور عن كرسيه المتحرك، واستبدله بعكاز يلازمه أينما ذهب.

    وحان موعد العودة واقترب اللقاء وتجدد الأمل.

  2. .

    قبل موعد الزفاف بأيام تعرض منصور لحادث مؤلم

    كاد أن يفقد حياته فيه. لقد نجا بأعجوبة، والأطباء ردّدوا بأن العناية الإلهية هي التي أنقذته من موت محقق.

    ظلّ عدة أسابيع في العناية المركزة ولم تنقطع عنه الزيارات سواء من أهله أو من أهل أمل حتى تعدى مرحلة الخطر وخرج منها إنسانا آخر. إنسانا مقعداً! كانت أسياخ الحديد مثبتة في رجله المغطاة كاملة بالجبس.

    لاحظ الجميع أن الحادث خلف وراءه أمور أخرى! وبعد أن كان منصور دائم الضحك والمرح أصبح دائم الحزن والاكتئاب على الرغم من وجود والدته وأمل إلى جواره دائما!

    كانت والدته شديدة الخوف عليه، أمّا أمل فقد سعت إلى مواساته في محنته لكنها لم تجد منه إلا الجفاء والنظرات التي تكاد أن تنطق! “ترى هل ستبقين إلى جانبي بعد أن أصبحت إنسانا مقعدا؟!”.

    مع ذلك لم تنقطع عن زيارته أو الاهتمام به وهو في المستشفى حتى دار حوار خاص بين والدة منصور ووالدة أمل في غرفة الزوار.

    في المنزل أخبرت والدة أمل ابنتها بأنها لو رغبت في الانفصال عن منصور فسيكون لها ما أرادت دون حرج وسيعذرونها.

    – لا مفر من الفراق يا ابنتي!
    – ولماذا نفترق؟! أمي أنتِ بحديثك هذا تقتلين الفرح الذي في قلبي.

    وعقدت الصدمة لسانها ولم تتمكن من مواصلة حديثها. تركتها وأسرعت إلى غرفتها لتختلي بآلامها ودموعها.

    في المساء وحين عاد الوالد إلى المنزل انهمرت دموع أمل أمامه، ودار حوار حكيم بينهما حول الموقف الصعب الذي وجدوا أنفسهم أمامه. إن ما حدث لمنصور لا ذنب له فيه، لذلك طلب الوالد منها أن تتمهل في اتخاذ قرارها.

    توقفت زيارات أمل لمنصور، وبعد أسبوع قررت أن تحسم الأمر.

    أخذها والدها إلى المستشفى ليكون شاهدا على قرارها الذي اقتنعت به.

  3. .
    – منصور. ألا تفكّر في استكمال دراستك؟!
    – لا أحب الدراسة!
    – كم كانت نسبتك في الثانوية العامة؟!
    – دعيكِ منّي ولننتقل إليكِ. كم كانت نسبتكِ في الثانوية العامة؟!

    – نسبتي مطابقة لآخر رقمين من سنة ميلادي.
    – أفهم أنكِ من مواليد 1962م ونسبتك 62%.
    – لاااااااا. هل يعقل أن يكون عمري الآن 48 عاماً؟! ألا تعرف سنة ميلادي؟! خطيبتك من مواليد 1989م، وذلك يعني أن نسبتي 89%.
    – الآن عرفت من كان يستولي على “براشيم” المكتبات!

    – الحمد لله لقد حققت تلك النسبة دون غش. مادة الرياضيات هي التي رفعت من علاماتي.
    – إذن أنتِ عبقرية بدون آلة حاسبة.
    – إلى حدٍ ما.
    – سأسألك سؤالاً أختبر فيه قدراتك الدهنية.

    – الدهنية؟!!
    – أقصد قدراتك الذهنية. ركّزي معي. لدينا باص فيه 10 أشخاص. عند المحطة الأولى وقف وركب فيه 3 ركاب. في المحطة الثانية نزل منه 7 ركاب وركب فيه 13 راكب. أكمل الطريق ووصل عند محطة للبترول. نزل منه 5 ركاب ولم يرجعوا…

    قاطعته: انتظر قليلاً لأجلب قلماً وورقة.
    وبدأت أمل تسجل عدد الركاب. من نزل، ومن صعد حتى قال: والآن السؤال…

    – لحظة لقد عرفت كم عدد الذين ظلوا في الباص.
    – ومن قال أني أريد العدد؟! إن الأحجية هي: ما اسم سائق الباص؟!

    احمّر وجه أمل واحتقن. كان منصور ينظر إليها مبتسماً ومنتشياً.
    – أظن والله أعلم أن الحرب العالمية على وشك البدء.
    لم ترد عليه، وعاد إلى حديثه: يجب أن أؤمّن على نفسي. لو حدث لي مكروه ستجن أمي.
    – عن أي حرب تتحدث؟!
    – من الواضح أن أحجيتي قد أغضبتكِ. إنّها من فئران أفكاري.
    هنا لم تتمالك أمل نفسها وانفجرت ضاحكة على تعليقاته.
    شيئاً فشيئاً رقّ قلب أمل لمنصور، وبدأت ترى فيه سعادتها المنتظرة. توالت الزيارات والمكالمات.

    – هل تعرف ما هو أكثر شيء يميزك؟!
    – ما هو؟!
    – إنه بساطة أحاديثك وجمال روحك المفعمة بالتفاؤل والمرح.
    – تلك هي شخصيتي.

    – أأصارحك بأمر آخر دون حرج؟!
    – تحدّثي يا أمل بلا تردّد.
    – تعلّمت في هذه الحياة أن من يحمل ابتسامة دائمة يحمل معها حزنا دفينا في قلبه. من يجلس معك ويعرفك قد يظن أنك بلا هموم!

    سكت منصور للحظات ثم قال: حين أسلم والدي الروح فجأة اهتزت أسرتنا لفقده. كان دائم المرح واللعب معي، وطالما اصطحبني معه حين يخرج ليغمرني بالألعاب والحلوى. حين غاب غابت الضحكة عن وجوهنا فترة طويلة ثم بدأ حزننا عليه يخف مع الأيام.

    – آسفة إن أثرت شجونك.
    – بل أنا من يعتذر على تعليقاتي المتواصلة. لقد أثرتُ غضبك بسبب أحجية الباص.

    ردّت أمل ضاحكة: في البداية غضبت لكني في المساء جمعت جميع أفراد الأسرة وأخبرتهم بها. لو شاهدتهم كل واحد منهم ممسك بقلم وورقة يجمع ويطرح، وأخي أصر على استخدام الآلة الحاسبة، وحين عرفوا السؤال كادوا أن يفتكوا بي!
    اقترب موعد الزفاف، واقتربت القلوب، وحل الوئام. كانا سعيدين فكل منهما وجد نصفه في الآخر، لكن الأقدار شاءت لهما شيئا آخر.

  4. .

    في نهاية الأسبوع أعدّت أسرة أمل احتفالاً عائلياً بسيطاً بمناسبة عقد القران، ووسط فرحة الجميع كانت أمل عروس ونجمة الحفل. ابتسامتها بهية وملامحها مشرقة. شعرها تزيّن بورود بيضاء طبيعية صغيرة وفستانها زادها جمالاً وأناقة.

    حين قدم منصور ارتبكت بعض الشيء. ازدادت نبضات قلبها، وأطرقت بنظرها إلى الأرض. اقترب منها وسلّم عليها بصوت خفيف، وردّت عليه السلام بصوت أخف. جلس إلى جانبها ثم مال قليلا تجاهها، وسألها:
    – أنتِ أمل؟!
    كادت أن تضحك بصوت عالٍ لكنها تمالكت نفسها.

    ألقى بعدها مجموعة من التعليقات لكنه لم يفلح في إضحاكها، وكل ما تمكّن منه هو رسم ابتسامة على شفتيها.

    قبل أن يخرج منصور عنهم قال له صهره:
    – إن بيتي قد صار بيتك، وبإمكانك أن تزورنا متى تشاء.
    لقد أصبحت أحد أبنائي يا منصور.

    في ذلك الحفل لم يتمكّنا من التعرف على بعضهما لذلك بدأت الاتصالات بينهما. كانت تسأله عن حياته وهواياته وأحلامه واهتماماته. ماذا يحب؟! وماذا يكره؟! ثم جاءت زياراته المنتظمة لها.

    كانا يجلسان في صالة المنزل حيث والدتها وأخوتها الصغار يتحركون بالقرب منهم ولا يتضايقون من زياراته، ومع الأيام اكتشفت أمل أن منصور يملك روحا عالية وابتسامة بهيّة.

  5. .

    أوراق الأمل

    حول التلفاز اجتمعت الأخوات. كان الجميع مسروراً ومتلهفاً لحفل تخرّج أخيهم منصور.

    – هيّا يا أمي أسرعي. لقد بدأ الحفل.
    أسرعت الأم تجاه المجلس وعيونها صوب التلفاز.
    – هل رأيتن منصور؟

    أجابتها ميثاء ضاحكة: لا يا أمي لم نشاهده، وكأن الحفل قد خُصّص لأخي فقط!
    – ليت والدكن على قيد الحياة ليفخر بابنه في هذا اليوم.
    قالت الأم تلك الكلمات وتساقطت دموعها.

    تحلّقت الأخوات حولها، وبدأن في مواساتها: لا داعي للبكاء يا أمي.
    – إنّ أبي لا يستحق إلاّ الدعاء الطيب. لقد كان صالحاً كريماً يخاف الله.
    – لقد ملأ هذا البيت بالمودة والرحمة والحنان.

    – وما يزال هذا البيت عامراً بالمودة وأنتِ بيننا.

    تخرّج منصور أخيراً، وبدأت الأم تلح عليه كي يتزوج. كانت تخاف أن يخطفها الموت قبل أن تشاهد ذريته.

    أمورك الآن على خير ما يرام في العمل. وظيفة، رتبة ومنصب. أيضاً أمورك المادية ممتازة هذا إلى جانب ميراث أبيك. كل ذلك يهيِّئ لك الزواج بكل سهولة.
    لكنّنا حتى الآن لم نجد الفتاة المناسبة.
    هل تود الارتباط بملكة جمال؟!
    لا. لا أريد ملكة جمال. أريد فتاة طيبة متسامحة مثلكِ يا أمي.
    ما رأيك في أمل؟!
    ومن هي أمل؟!
    إنها ابنة أعز صديقاتي. طالبة تدرس في كلية الآداب في جامعة الشارقة. إنّها تقاربك في السن، وأظنها على وشك التخرج.
    وماذا غير؟!!
    ملامحها هادئة وناعمة. طيبة ولبقة في حديثها، وفوق هذا بشوشة والابتسامة لا تفارق محيّاها.

    فاتحت الأم صديقتها المقربة برغبتها في التقدم لخطبة ابنتها أمل. طلبت منها مهلة قبل الرد. سأل والد أمل عن منصور فعرف أنه محافظ على فروضه في المسجد ودمث الخلق، وناجح في عمله.

Comments are closed.