قصة ليست من نسج الخيال، ولم يخطّها يوماً قلم مؤلّف روائي، بل هي من صميم الواقع اللبناني، إذ دارت تفاصيلها ما بين بلدة بيصور (قضاء جزين) ومحلّة الأشرفية في بيروت، وصولاً إلى محلّة قصقص المتاخمة لحرج بيروت (أطراف الضاحية الجنوبية للعاصمة).
القصة أغرب من الخيال، وتتلخّص بكون أشخاص أوهموا فتاة صغيرة بأنّ أهلها قد ماتوا لتعمل في خدمتهم بالسخرة مدّة 50 عاماً.. وبعد اكتشافها الحقيقة، وبعدما وضع القضاء يده على القضية، تدهورت صحتها، وفارقت الحياة منذ نحو أسبوعين قبل أن تسمع حكم العدالة، ولو أن العبارة التي ردّدتها قبل موتها بصوت متعَب أمام قاضي التحقيق: «بدّي حقّي، مش أكتر» (أريد حقّي لا أكثر) تصلح، ربما، عنواناً لرواية.
وقصة سعدى سليم (مواليد 1942/ بيصور) تعود إلى أواخر عام ,1957. يومها، أُجبِر والدها المزارع البسيط على إرسالها من جزين، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، للعمل خادمة لدى سيدة فرنسية في محلّة الأشرفية في بيروت، لكي تعيله على تربية أخوتها الثمانية الأصغر منها سناً، فعملت لديها ثلاثة أشهر فقط، بسبب قرار اتخذته السيدة وقضى بمغادرتها لبنان والتوجّه للاستقرار في بلادها.
وأثناء محاولتها التوجّه نحو بلدتها، دخلت إلى دكان في محلّة قصقص، لتستفسر عن «بوسطة» تقلّها.. وهناك التقت صدفة بالمدعو (ف ع) وزوجته، فاستبقياها في منزلهما للعمل لديهما، بعدما أوهماها بأن بلدتها قد دمِّرت بالكامل، بما فيها الكنيسة، خلال الأحداث التي شهدها لبنان في مطلع عام 1958، وأن أفراد عائلتها فارقوا الحياة جميعاً.. ولم يكتفيا بذلك، إذ أطلقا عليها اسم مريم، رغم أنها أخبرتهما بأنها تُعرف في قريتها باسم لوسيا، وبأنها مسجّلة في دوائر النفوس باسم سعدى سليم.
بقيت «مريم» تعمل في منزل (ف ع) وزوجته من دون أجر، لمدة تجاوزت العشرين عاماً، إلى أن توفيا، فظنّت سعدى أن كابوس غربتها قد دفن معهما، لكن ظنّها قد خاب بعدما قرّرت ابنتا المتوفيَين (ف ع). و(ن ع) «توارث الخادمة»، فأخذتا تستخدمانها كلّ في منزلها، بل أكثر من ذلك، صارتا تعيرانها إلى بقية الأقارب لتعمل في منازلهم دون أجر.
وحين تقدّمت سعدى في العمر (65 عاماً)، اشتدّ عليها المرض وأصبحت بحاجة مستمرّة للرعاية والطبابة، فقرّرت الشقيقتان (ف ع) و(ن ع) التخلّص منها و«رميها» في مأوى للعجزة، ما استدعى الإستحصال على مستندات ثبوتية لها، فاستندتا إلى جواز سفر وبيان قيد إفرادي قديمَي العهد يعودان إلى عام 1982، نظمهما والدهما (ف ع) باسم شقيقة سعدى، المدعوّة مريم سليم.
أرسلت (ف ع) المستندات بواسطة «ليبان بوست» إلى دائرة نفوس جزين، فأعيدت المعاملة ل«عدم مطابقة الصور الشمسية على الاسم»، وعندها توجّهت الشقيقتان برفقة سعدى إلى دائرة نفوس جزين في 22 مارس 2007، حيث طلب منهنّ مأمور النفوس الذي ارتاب بالأمر التوجّه إلى بلدة عين المير المحاذية لبلدة بيصور، كون مختار البلدة الأخيرة كان في الولايات المتحدة الأميركية، ولكون مختار عين المير هو الشاهد (ن ع) ابن شقيقة سعدى..
وهناك حصل اللقاء الأول بين المدعية وأشقائها وشقيقاتها للمرة الأولى منذ عام 1957، والذين تعرّفوا عليها بسبب الشبه الكبير بينها وبين المرحوم والدها، وبقيت سعدى في منزل شقيقها خليل.
ولم تقتصر مأساة سعدى على ما مرّ ذكره، فقد أوردت في سياق التحقيقات أن زوج إحدى السيدتين اللتين عملت لديهما قد اعتدى عليها جنسياً 4 مرات، وأن زوجته وشقيقتها كانتا على علم بهويتها الحقيقية، وأنها كانت ترغب بالعودة إلى أهلها لكنهم منعوها من ذلك وهدّدوها بالسجن، فضلاً عن كونها لم تكن تعرف الطريق إلى المكان الذي ستغادر إليه، إضافة إلى عدم حيازتها المال اللازم.
وبناءً على ما تقدّم، أصدر قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي قراراً ظنياً في قضية حجز حرية المواطنة سعدى خمسين سنة، فأحال بموجبه الشقيقتان وزوجيهما وابنة عمتهما على المحاكمة أمام محكمة الجنايات في بيروت، استناداً للمادة 569 عقوبات، والتي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقّة المؤبّدة.
وبنتيجة التحقيقات، ادّعت النيابة العامة على الأشخاص الخمسة، وبقيت القضية قيد المتابعة في القضاء لمدة ثلاث سنوات، دون أن يجري توقيف أي من المدّعى عليهم، إلى أن صدر قبل نحو شهر قرار الهيئة الاتهامية في بيروت، وقضى بإصدار مذكرة إلقاء قبض بحق المدّعى عليهم الخمسة، وسوقهم إلى محل التوقيف التابع لمحكمة جنايات بيروت لمحاكمتهم أمامها.
وبعد صدور القرار القضائي المذكور وإحالة القضية إلى محكمة الجنايات لإعلان الحكم النهائي، لم يتسنَّ لسعدى أن تقف تحت قوس المحكمة وتشهد على النطق بالعدالة، إذ توفيت قبل نحو أسبوعين نتيجة تعرّضها لذبحة قلبيّة، بعد معاناة طويلة مع المرض.
محاميتها نادين موسى تشيد ب«بشجاعة وإنصاف» قرار الهيئة الاتهامية، مع تأكيدها على متابعة القضية حتى النهاية بما يضمن لموكّلتها الراحلة «معاقبة الفاعلين»، لكن أهمّ ما تضمّنته قصة سعدى أنها، وقبل أن تفارق الحياة، أوصت بأن توهَب عيناها إلى أحد المحتاجين، وهذا ما حصل بالفعل..
ويبقى السؤال معلّقاً إلى أجل غير مسمّى: هل حاولت سعدى، من خلال وصيّتها، أن يكون «المحتاج» الذي منحته عينيها شاهداً على حياة امرأة نشأت غريبة وعاشت غريبة ورحلت غريبة؟!
لا حول ولا قوة إلا بالله
الله يرحمهــــــا
يــــــــــــاويل حالي هذا موت الحسرة
حسبي الله عليهم المفروض يعزرونهم
شــــــــــــــــــــكرا للنقل
حسبي الله ونعم الوكيل
حقيقة قد قرات الموضوع صباحا و يقي هذا الامر عالقا في الذهن …لا اعلم ..هل يكفي الاعدام لعائلة انتزعت الرحمة من قلبها بكاملها !!! هل يعقل ان يكون هناك قلوب متحجرة لهذه الدرجة…. عندما اتذكر قصة هذه المراءة اشعر بحرقة في قلبي ! كيف طاوعت نفس هؤلاء الشرذمة ان يتجنوا و يسلبوا انسان ليس فقط حياته بل عمره بكامله ز يتم استعباده و ذله و عندما ينتهي به العمر يرموه بهذه المهانة !!!
لست بفادر على تخيل هذا الفظاعة.
اللهم ارحمنا
رولكس
يستاهلون اعدام بالسيف