من بغداد إلى بيروت.. إيران ترتب أوراقها من جديد
إيران اليوم، تريد أن تفاوض أمريكا على العراق، وبات يُشد الرحال إلى طهران بين الحين والآخر، والجميع يأمل أن توقف إيران دوامة العنف في العراق، من خلال قبولها بمساومة سياسية، تأمر من خلالها غلمان ميليشياتها التي رعتها عبر سنين الزمن، ليعيدوا سيوفهم في غمادها. ولا شك أن ثمن عودة سيف فارس إلى غمده، مشروع نووي.
مجلة العصر / متى يستفيق الحكام والشعوب العربية، ويبحثون عن أوراقهم الضائعة في مهب اللامبالاة وعدم الاكتراث؟ ..فصراع ترتيب الأوراق المصلحية ومنافع الدول والإمبراطوريات الصاعدة والنازلة، قائم على أشده، وحكام العرب لا يستخدمون الأوراق التي بحوزتهم، فظنوا أن التفرج من فوق التل هو ضمانة بقاء الكراسي.
إيران .. رأس مشروع التشيع العالمي وستاره المذهبي لإعادة بناء إمبراطورية فارس، حلم العمائم السوداء عبر العراق للنفاذ لقلب جزيرة العرب، ها هي ترتب أوراقها من جديد، وفق خط يمتد من بغداد إلى بيروت ويحط رحاله في المنامة، هناك على شاطئ الخليج، ومنها يعرج على البقيع، بعد أن تلوح له الرايات من فوق رمال الإحساء..
أحداث جسام تحركها نواة إمبراطورية الشرق الأصفر، المتأمل تشكلها في غفلة الزمن، فأزمات وحمامات دم إسلامي سني قان في بغداد والعراق، وحزب الله مخلب إيران في قلب الشام، يريد أن يستأثر بموقع يكبر مع مرور الزمن، ليفوق حجمه الحقيقي.
ويبدو أن ثورة الخميني نجحت وصُدرت كما رسم لها في الخطة الخمسينية لآيات الشيعة في إيران، والتي قرأناها ولم نكترث لها قبل عقد من الزمن، لكننا تذكرناها بعد أن مر الماء من تحت أقدامنا، فيا ليت قومي ينتبهون ليشمروا عن ساعد الجد ويوقفوا طوفان الثورة الشيعية المصدرة إلى الأمة قبل فوات الأوان، وسنحاول أن نقف وقفتين أو ثلاثاً، نلمح لهذا الدور المتنامي لإيران، الذي يريد أن يبتلع جزيرة العرب ثم يعبر البحر الأحمر إلى الضفة الأخرى.
* عندما اغتُصبت عذراء العرب بغداد
هناك في فنادق لندن وتحت إشراف رايس، نجحت إيران عبر سماسرتها من الأحزاب الشيعية، كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية (بدر) وحزب الدعوة وحزب الله (الاهوار)، التي دعمتها عشرات السنين وأمدتها بالمال والسلاح والجهد والتخطيط والتفكير، في توقيع عقد اغتصاب بغداد، ويومها كانت تمدهم بعض دول الخليج وتدعمهم فضلا عن إيران، بحجة دعم معارضة عراقية، فزادت الطين بلة.
واستمر المشروع، وأطيح بجمجمة العرب، وضاعت بغداد الرشيد وبكى دجلة وانتحب الفرات، لكن العرب والمسلمين يغطون في سباتهم، وانتفضت فارس الشرق من جديد، ورعت عصابات جيش المهدي وأمدت مقتدى الصدر وجيشه الوحشي بالمال والسلاح، ورعته عبر ثمانية عشر مركزاً، مخابرات إيرانيي داخل العراق، وعاثوا في الأرض فسادا، فحرقت وهدمت مساجد، وتكاد تفرغ بُغداد من أهل السنة، والعرب العاجزون، لم توقظهم قذائف الهاونات ولا صواريخ الكاتيوشا، التي تنال بين يوم وآخر مسجد أبي حنيفة هناك، حيث رمز أهل السنة والجماعة، المنتصب طودا شامخا في بغداد..
إيران اليوم، تريد أن تفاوض أمريكا على العراق، وبات يُشد الرحال إلى طهران بين الحين والآخر، والجميع يأمل أن توقف إيران دوامة العنف في العراق، من خلال قبولها بمساومة سياسية، تأمر من خلالها غلمان ميليشياتها التي رعتها عبر سنين الزمن، ليعيدوا سيوفهم في غمادها. ولا شك أن ثمن عودة سيف فارس إلى غمده، مشروع نووي.
فنجحت إيران في ابتلاع العراق عبر الدور الخياني لمرجعياتهم العليا، وعلى رأسها السيستاني، الداعم الأول لسياسات الاحتلال ورفيق بريمر في مشروع تدمير العراق (أتمنى من كل عربي ومسلم غيور أن يقرا كتاب مذكرات بريمر: عام قضيته في العراق، ليتعرف على الدور الشيعي في تمرير المشروع الأمريكي، وليكتشف دور السيستاني تحديدا).
كل هذه المآسي والعرب، لا فوق التل يتفرجون بل خلفه يلهون غير عابئين بالخطر الداهم الذي سوف يحل يوما ما بعواصمهم، إن لم يتداركوا الموقف ويساندوا أهل السنة في العراق وفي بغداد خصوصا، الذين قبلوا أن يكونوا دروعا بشرية أمام المشروع الصفوي الشيعي الإيراني العالمي التوسعي.
نعم فيا أمتي، رضينا أن نتقي السهام والحراب والطعنات بصدورنا أمامكم، ولكن لا تخذلوا بغداد وتخذلوا أهل السنة، الذين يخوضون معركة المصير في مواجهة المشروع الإيراني نيابة عنكم وعن الأمة.
* إلى عاكف ويكن: لبنان تحتل من جديد
مساكين أبناء أمتنا.. أولئك الذين يجيدون التصفيق والتطبيل والترديد خلف كل ناعق تقف خلفه مخابرات إيران، قائدة مشروع التشيع العالمي. ومما يثير قلق المقاومين لمشروع التشيع هذا الذي يريد أن يبتلع المشرق الإسلامي، ضبابية الرؤية والانخداع بإيران ومشاريعها، وخاصة مشروع حزب الله الوجه اللبناني للمشروع الإيراني في قلب الشام.
إن ما حدث من مواجهة بين حزب الله والكيان الصهيوني، لم يكن أكثر من تكتيك إيراني لتصعيد الموقف وتأزيم المنطقة، من أجل إعطاء إيران فرصة لالتقاط أنفاسها وتمرير برنامجها النووي، الذي نتمنى ألا ينخدع العرب والمسلمون به، ويتصورون أنه مشروع إسلامي نووي، بل هو أداة قمع بيد لإمبراطورية فارس العائدة تحت ستار العباءة الشيعية.
إن على الأمة الآن، أن تقرا الحدث والتاريخ استنادا للحقائق، لا اعتمادا على الكلام والعواطف والشعارات، فلو عدنا للمواجهة بين حزب الله والكيان الصهيوني، وقرأناها من خلال آثارها وحقيقة دوافعها ونتائجها، فنجد:
1- أن الحرب كانت في حقيقتها خدمة للمشروع الإيراني، وعامل مساومة للمفاوض الإيراني مع أمريكا وسواها لتحقيق المكاسب على الأرض.
2- أن تلك المواجهة أدت إلى إحداث خراب كبير في البنية التحتية للبنان، قدر بحوالي ست ملايير دولار، وهو رقم كبير على دولة صغيرة ذات موارد محدودة كلبنان، التي لا تتجاوز مساحتها العشرة آلاف كيلومتر مربع.
3- أن ما حاولت الوسائل الإعلامية العربية كشفه عن حقيقة الحرب، كان مغالطة كبيرة، من محاولات إظهار ما حدث، على أنه انتصار كبير، والحقيقة أن حزب الله قد تقهقر وتراجع وأعطى الفرصة للكيان الصهيوني للدخول للأراضي اللبنانية، وتمركزوا فيها ولم يخرجوا منها إلا بعد القرار الأممي، وبعد أن حلت قوات دولية محلها، والتي هي نوع من أنواع الاحتلال الصليبي، ولكن بحلة أخرى.
4- أي نصر هذا، وقد وافق حزب الله على القرار الدولي، والذي ينص على تسليم الأسيرين ونزع سلاح حزب الله من غير قيد أو شرط ؟!!
ولم يمض وقت حتى بانت أهداف حزب الله ومن خلفه المشروع الشيعي العالمي بقيادة إيران، وذلك من خلال محاولة استثمار حزب الله النصر الصوري الوهمي، لإحداث تغيير على الأرض في التركيبة السياسية والسلطوية اللبنانية، وعندها بدأ مسلسل التصعيد وسحب حزب الله وزراءه في الحكومة، واغتيل الوزير بيير الجميل وأنزل نصر الله أتباعه.
كم هو مؤلم أن يخرج المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف، والذي يمثل إحدى أكبر الجماعات الإسلامية في العالم، ليعلن دعمه لحزب الله، ويهدد بعشرة آلاف مقاتلا، من الممكن تجنيدهم لدعم الحزب، في حالة من ثورة العواطف، التي تجافي معطيات العقل والمنطق، ولا تتنبأ بحقيقة الصراع ومآلات الأمر ودوافعه من قبل.
فلم يتعلم السيد المرشد من أحداث العراق، ومن الدور الإيراني التآمري لآيات الله التابعين لها والأحزاب الشيعية المتربية على موائد طهران، ولم ترشد بصيرته المنابر المهدمة والمساجد المحرقة وعمائم المشايخ الأفاضل … نعم كل تلك الشواهد لم ترشد المرشد!
وأين هم العشرة آلاف مقاتل من مساجدنا المهدمة ومن قبة أبي حنيفة النعمان رمز أهل السنة على مر التاريخ؟! أين هم وقد طالتها ومازالت قذائف الهاونات الإيرانية الصنع، التي تطلقها المليشيات الشيعية التابعة لإيران؟!
تفاجأ جند الفتح المؤمل ممن تربوا على كتب فتحي يكن، من موقفه تجاه الأزمة الراهنة في لبنان ومن خطبة جمعته وسط المعتصمين من حزب الله هناك، وما قاله وما أفضى به. فالفرق بين أن تكون وطنيا وبين أن تكون مغررا بك كبير، والبعد شاسع بين الوحدة الوطنية الداخلية وبين خلط الأوراق وغض الطرف عن الدور الداخلي لحزب الله في المشروع الشيعي العالمي. ويا ليت (يكن) لم يكن هناك، ويحاول أن يحطم القناعات التي صنعها أهل السنة في العراق عن حقيقة هذا المشروع الشيعي العالمي، تلك القناعة التي صنعتها دماؤهم وجماجمهم وأشلاؤهم، التي مزقتها جند المرجعية الشيعية العليا وتلك المنابر والمساجد وأعداد المصاحف التي حرقوها هناك في بغداد.
* قبل أن تغرق المنامة في الدوامة:
هنالك على شاطئ الخليج، قرعت للخطر أجراسه، فبعد طنب الصغرى والكبرى وأبي موسى، ها هو المشروع التوسعي ينفذ إلى قلب برلمان البحرين، ويقضم جزءا من مقاعدها الثمانين، ليعكس حقيقة ومدى جدية الخطر المحدق بالمشرق الإسلامي وجزيرة العرب القادم عبر الخليج. وليس هذا فحسب فمقتداهم الصغير، يقف هناك أمام الملك في السعودية يطالب بناء قبور البقيع، في حالة من الرعونة بعدما أغرتهم نشوة التقدم في بغداد والعراق.
فيا ليت أهلنا هناك ينزلون من صهوة جواد الشعارات ولافتات الوحدة البراقة بين طوائف المسلمين، متناسين حقائق الأرض ووقائع التاريخ وآمال ومشاريع التوسع، التي يخطط لها آيات الله في قم وطهران.
بقي أن نقول .. ربما لا يزال في وقت المواجهة متسعا كي يلملم العرب والخليج أوراقهم، ويرصون صفوفهم لمواجهة هذا المشروع، آخذين بنظر الاعتبار ما يجري في العراق وفي لبنان والبحرين، على أنها قضية واحدة تحركها آمال موحدة وطموحات الإمبراطورية الصفراء المتلهفة للعودة من جديد..
عليهم أن يدعموا المرابطين هناك على ثغور المواجهة في بغداد والعراق، حيث الخط الأول المتقدم في ساحة الصراع.
وعلى الشعوب والحكام والدعاة أن يعوا الحقائق وأن يستفيدوا من تجارب أهل خط المواجهة قبل التشدق أمام الكاميرات هنا وهناك..