الأزمة تضع 5 قضايا شائكة على طاولة حكومات العالم
القبس الكويتية الجمعة 27 فبراير 2009 12:15 م
إذا استمر الكساد طويلا.. ستجمع الدول حساباتها في 2009 وتبحث عن المصادر في 2010 وتذهب للحرب في 2011
أصدرت اخيراًً شركة كندا بيزنس هولدينغ تقريراً بعنوان «القضايا الصعبة التي تواجه كل حكومة في العالم»، وتطرقت في تقريرها إلى خمس مسائل هي الأزمة الائتمانية، واضطراب نظام صرف العملات الأجنبية، والحمائية، والزعزعة الاجتماعية، والسلام العالمي.
وحذر التقرير من إمكانية اندلاع حروب في حال لم يتم علاج الأزمة الحالية.
وقال التقرير إن هذا هو الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى اتحاد القادة وأصحاب الرؤى في النواحي التجارية والسياسية لوضع خطط لتجاوز التحديات المتصاعدة التي لا تنحصر بالطاقة أو الاحتباس الحراري فقط، بل هناك الكثير من القضايا الأساسية التي لا بد من حلها.
ومهما كانت البراهين التقنية، فأسباب الأزمة المالية التي أفرزتها إدارة بوش مخفية في نظام القيمة والأخلاقيات التي تحكم عمليات التشغيل في السوق، اذ انه بحضور الجشع، تغيب الأخلاقيات. لكن الوقت قد حان لإدارة الأزمة والتعامل مع النتائج المريرة.
وبرأي التقرير فإن أكثر المخاطر جوهرية تكمن في تقييد الأزمة الائتمانية وليس في مشاكل السيولة، أو عدم انتظام التدفقات النقدية، و عدم توازن توزيع الثروات.
وتوقع التقرير أن تكون الأزمة المقبلة حول عدم انتظام صرف العملات الحالي الذي سيؤثر بدوره في نظام العملات العالمي ويبعث على مزيد من الصدمات في النظام الاقتصادي العالمي.
إضافةًَ إلى ما سبق، سترافق الحمائية جملة الأحداث الحالية، اذ ستقوم معظم البلدان المستهلكة الأساسية بفرضها.
وتشرع حالياً أوروبا وأميركا بإعادة صياغة بعض التنظيمات التجارية لخدمة هذا الغرض.
وفي حال حدث هذا الأمر، ستتضرر اقتصاديات الهند والصين بشدة، ولن تكون العولمة بعد الآن جسراً بين الحضارات.
على العكس من ذلك، سيقود انهيارها إلى زعزعة اجتماعية بين هذه الاقتصادات الرئيسية وستؤدي إلى حروب تجارية دولية.
ولطالما علمنا التاريخ أن التجارة أداة للسلام العالمي. والبديل عن التجارة هو الحرب.
لكن لحسن الحظ، لا يزال أمامنا متسع من الوقت كي نقوم بما يجب فعله الآن، والحاجة تستدعي في الوقت الراهن المزيد من المصادر والتعاون الأفضل بين القادة الحقيقيين.
1ـ الأزمة الائتمانية
لا تواجه الولايات المتحدة وحدها الأزمة الاقتصادية العميقة، بل كل أمة على وجه الأرض. ولهذا السبب ورغم بعض خطط الإنقاذ المختلف عليها والمتصاعدة في كل بلد على حدة، توجد ضرورة مستعجلة لمزيد من التعاون بين دول العالم. ومثل هذا التعاون لا بد أن يستهدف إيقاف نزيف اقتصادات العالم، وتوفير الغذاء لملايين العاطلين عن العمل والفقراء والمحتاجين.
كما لا بد من تضافر جهود القادة السياسيين لوضع نموذج لدور الريادة وإظهار بعض المبادرات، والكثير من المسؤولية تجاه مواطنيهم والعالم. وفي الولايات المتحدة الأميركية، اضطر الانهيار المالي في المؤسسات المصرفية الحكومة الفدرالية الى العمل على إعادة إنعاش الاقتصاد الميت. وفي حال فشلت الحكومة في معالجة اقتصادها، فستتعرض كل حكومة أخرى على كوكب الأرض للفشل ذاته. كما ستتسبب الأزمة الائتمانية في شح الأموال النقدية، التي ستقتل ندرتها كل سمة للنشاط البشري. وفي هذا الظرف الراهن، لا يمكن لأحد الاعتماد على المقايضة لبناء ونمو اقتصادات أو تكاملها على الصعيد الدولي من خلال بيئة تجارية عالمية.
على الصعيد ذاته، تشهد دول العالم يوماً بعد يوم نمو حجم ونطاق الأزمة الائتمانية. وضخ الأموال في الاقتصاد من دون ميكانيكية مناسبة للتحكم والتدقيق المحاسبي، يعتبر وصفة مضمونة للانتحار الاقتصادي.
وبالنسبة لبعض البلدان، سيكون الكساد قصيراً ومريراً. أما بالنسبة للآخرين، فستطول مرارة هذا الكساد وقساوته لأعوام كثيرة. من جانبها، استطاعت هذه الأزمة المستفحلة من تعميق الفجوة الموجودة بين الأمم الغنية وتلك الفقيرة. وبناء على ما سبق، سيكون هذا العام امتحاناً صعباً للاقتصاد العالمي.
2ـ اضطراب نظام الصرف
ستتوجه الضربات التي نتجت عن الأزمة الائتمانية مباشرة لتصيب نظام صرف العملات الأجنبية. ومن المرجح أن يحدث هذا السيناريو في الربعين الثالث والأخير من هذا العام. ولهذا لا بد لاتجاه الدولار الأميركي من ضبط اضطراب العملات العالمية الرئيسية.
وستسلك العملات طريق الدولار أمام اليورو والين الياباني. ووسط خطط التحفيز التي تطالب بضخ المزيد من الأموال النقدية في الاقتصاد العالمي، يقوم الاحتياطي الفدرالي بإقراض الكثير من الأموال للبنوك والشركات المتعثرة للحفاظ على الوظائف. الأمر الذي قاد كبار الاقتصاديين الأميركيين الى تحذير الفدرالي من أن طباعته للأموال لا يحمل قيمة حقيقية.
وقال الاقتصاديون ان فاتورة بمائة دولار ليست بالضرورة أن تستحق قيمتها الاسمية. هذا السؤال أيضاً يستهدف اليورو والين في المناطق التي تشهد فيها الاقتصادات مشاكلَ. ومثل هذا اللغز يفتح الأبواب على مصراعيها أمام جدل حول معدل صرف العملات الأجنبية.
أما الأمر الآخر فسيكون اضطرابًا في صرف العملات. وفي الاقتصاد العالمي، حيث يهيمن الدولار الأميركي، وحتى في بلدان مثل روسيا والبلدان التي تربط عملتها بالدولار وهي كثيرة، سيؤدي أي عدم انتظام إلى حالة فوضى.
كما أن أي اختلال في نظام صرف العملات قد يشكل ضربة لأساسيات الأنشطة التجارية الدولية التي أسست ما بعد الحرب العالمية الثانية.
كما قد يفتح هذا الاختلال الأبواب أمام المزيد من القيود السياسية بين الأمم على الأموال والمصادر والطاقة. وعلى الرغم من الاستقرار المؤقت في الظروف الاقتصادية السيئة في أسواق العالم، لا توجد ضمانات على تحسن الوضع.
بل هناك ضغوط تشير إلى انخفاض أسعار النفط والذهب والدقيق والذرة، وسلع استراتيجية أخرى. ومثل هذا الانخفاض في الأسعار قد يشكل ضربة لعوائد دول العالم ويردع المستثمرين من تطوير مشاريعهم المستقبلية في قطاعي الطاقة والزراعة.
3- الحمائية التجارية
قد تكون الحملة الجديدة التي يطلق عليها «اشتري الأميركي» دعوة للحمائية. وفي حال نجحت، فسوق تضطرب العلاقات التجارية الأميركية بين بلدان مثل الصين والهند. وربما تكون ردة فعلهم مماثلة مما قد تفعله أميركا.
الى هذا تعرف «ويكبيديا» الحمائية على «أنها سياسة اقتصادية تقيد التجارة بين الدول، من خلال نظريات مثل فرض الضرائب على البضائع المستوردة، والحصص التقييدية، وسلسلة من التشريعات الحكومية الصارمة الأخرى المصممة لتثبيط الواردات ومنع الاستحواذ الأجنبي على الشركات والأسواق المحلية».
ويبدو أن هذا ما يتجه العالم اليه الآن. كذلك مما يلوح في الأفق أن العولمة باتت تواجه ضغوطاً متزايدة بعد التراجع عن التجارة الحرة، والتدخل الحكومي في الأنشطة التجارية، والتأميم. الى هذا تحمي الحمائية الأنشطة التجارية والعاملين في بلد واحد من خلال تقييد أو تنظيم التجارة بين الدول الأجنبية.
لكنها على المدى الطويل تتسبب بفقدان الوظائف، وارتفاع الأسعار، وزيادة الضرائب وأزمة الديون.
وبالتالي، فهي حل جيد للخروج سالمين من الأزمة المستفحلة. غير أنها وعلى المستوى التاريخي، تشكل تهديداً للسلام العالمي، اذ تحفز على الحروب. وكانت أوروبا عانت من حروب متواصلة تقريباًً في القرنين السابع عشر والثامن عشر، من خلال «المركنتلية» وهي سياسة تجارية صارمة كانت موجودة آنذاك، وكانت الحكومات المتنافسة تتصارع فيما بينها لتوسيع امبراطورياتها واستغلال الأسواق التي تحت سيطرتها.
4- الزعزعة الاجتماعية
توقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض النمو الاقتصادي في العالم الى 0.5 في المائة في 2009، وهو أدنى معدل منذ ستين عاماً.
وكرد فعل تجاه الاقتصادات المتعثرة، أصدر صندوق النقد الدولي قروضا طارئة بقيمة 49 مليار دولار لدول تشمل باكستان، وهنغاريا، وأوكرانيا، ولاتفيا، وآيسلندا.
ولا يمكن تجنب رؤية العمالة والمزارعين يضرمون احتجاجات تطالب بالعدالة. وقد تكون نداءات الأجيال الشابة في بريطانيا وفرنسا مؤشراً على الخوف من المستقبل. وهم غير ملامين، لكن يجب سؤال قادتهم عن خططهم الاقتصادية الاستراتيجية، وادارة الأزمة، وعن الانتعاش. من ناحيتها، شهدت الصين موجات معارضة شديدة من قبل مجموعات حتى في أوقات الرخاء بسبب عدم التوازن الاجتماعي والافتقار الى العدالة بين فئات الشعب. وقد يشهد صيف هذا العام العديد من هذه التظاهرات والاحتجاجات.
5- السلام العالمي
الحفاظ على السلام العالمي في ظل الأزمة الاقتصادية ليس مهمة سهلة. اذ انه وعندما تسوء الأحوال الاقتصادية في العالم، تندلع الحروب. وعندما تستعر المنافسة العالمية على مصادر وأراضي وثروات الأمم، تندلع الحروب أيضاً. وبشكل عام، تحاول بعض الأمم ايجاد سبب للقتال من أجل الحصول على أرض ومصادر ومنفذ على طرق تجارية، وما شابه.
من ناحيته، يحمل التاريخ الكثير من الدروس المستفادة، فالكثير من الأمم غزت أخرى بسبب عدم تكافؤ القوى، الأمر الذي يعطيها ميزة تفاضلية عن غيرها. وكما يقول بعض قادة الحروب «اغز الآن، ولتجد السبب لاحقاً».
ولهذا، سيكون من الصعب الحفاظ على السلام العالمي بعد الكارثة الاقتصادية التي حلت في الأسابيع القليلة الأخيرة من 2008.
وفي حال استمر الركود أو الكساد أو الانخفاض، فسوف تجمع البلدان حساباتها في 2009، وتبحث عن المصادر في 2010، وتذهب للحرب في 2011.
أما البلدان التي لا تزال تتذكر جيداً الحرب العالمية الثانية مثل روسيا والصين، فلن تختار قرار الحرب الا عندما تشعر بتهديد وتتضرر اقتصادياً.
أما الدول الأخرى التي لديها سبب لشن حرب مثل الهند وباكستان، فسيكون مبررها الأرض والمجد الوطني.
ان الأجواء السياسية والاقتصادية العالمية التي خلقتها الادارة الأميركية السابقة في الفترة ما بين 2001 و2008، جعلت العالم بؤرة خطرة، اذ أدت هذه الأجواء الى تفاقم التهديدات في العالم بجميع أنواعها، ومصادرة الحريات، وتعزيز الانقسام الطبقي الاجتماعي بشكل أكبر في كل بلد. ولهذا على الرئيس الأميركي الجديد وقادة العالم الحر، والأمم المتحدة أن يعملوا معاً لاخماد اللهب الذي يشتعل تحت حطام الاقتصاد العالمي. وقد يكون من غير الانصاف أن نقف متفرجين أمام أي أحد يتسبب بكارثة من دون مساءلته.
جزاك الله خير اخوي
جزاك الله خير