~~~
مدينة ، كـ سائر المدن ، بها الغني والفقير ، والقوي والضعيف ، والصحيح والسقيم ، واشتهرت بـ بائع متجول كان يطوف على المنازل والحارات ، لكي يبيع بضاعة بسيطة يقتات من مدخولها وليكمل مسيرة حياته وحيداً كما كان .
الأعرج ، أو كما كان يطلق عليه ، فـ هذا البائع ، قد أصابه حادث سبب له عاهة مستديمة في إحدى قدميه ، وأثرت على قدرته على المشي ، ولقب بسببها بـ الأعرج ، وتمر الأيام ، حتى تناسى الناس إسمه الحقيقي ، وأصبحوا ينادونه بهذا الإسم .
استيقظت صباحاً لأرى الساعة قد قاربت على التاسعة صباحاً !! كيف لم أنتبه على الوقت !! ماذا سأقول لمدير القسم بعد أن أصل متأخراً على غير العادة !!
نهضت مسرعاً وأنا لا أعلم ما الذي جعلني أتأخر في هذا اليوم بالذات !! خرجت من منزلي وأنا أركض !! لـ علي أجد حافلة تقلني إلى العمل في هذا الوقت ..
لمحت إحداها من بعيد !! وهممت أن أقطع الشارع لكي أصل إليها .. ولكن كان الأعرج أمامي !! ويمشي ببطء وهو يجر تلك العربة من خلفه !!
لم أكلف نفسي عناء مساعدته ، بل كنت خلفه أمشي ببطء وأنا أراقب الساعة وأتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه لكي أتمكن من عبور الشارع بسرعة !!
وصلت إلى المحطة .. ولكن ، تحركت الحافلة !!
اضطررت إلى الذهاب إلى عملي ماشياً ، ووجدت مدير القسم في انتظاري مع سيل من التحذيرات والتهديدات بحرماني من العمل وانتهى يومي بخصم جزء من راتبي جراء هذا التأخير !!
خرجت من العمل وأنا أمشي بخطى متثاقلة !! وأفكر بما حدث لي اليوم !! فلولا ذاك الأعرج !! لما كنت قد تأخرت بشكل كبير !! ولكن الأعرج هو السبب ..
كانت السماء ملبدة بالغيوم .. مشيت في طريق عودتي للمنزل وأنا مشتت الذهن ، والوقت يمر ببطء .. وما هي إلا لحظات وقد بدأ المطر بالهطول ..
أسرعت في خطواتي وما إن اقتربت لأعبر الشارع ، وجدت ذلك الأعرج مرة أخرى أمامي !!
بدأنا بالعبور والمطر يهطل ، وهو يمشي ببطء وقطرات المطر تتسارع .. وأنا خلفه وقد ثارت نارٌ في جوفي وتذكرت ما حدث في الصباح ..
.. لم أتمالك نفسي .. دفعت العربة التي أمامي بكل ما أوتيت من قوة .. وسقطت .. بعد أن تبعثرت محتوياتها على الشارع .. وبللها المطر ..
أكملت مسيري ولم آبه بصراخ الماره وصراخ ذلك الأعرج .. وتسارعت خطواتي مع هطول قطرات المطر إلى أن وصلت إلى منزلي .. وأغلقت ذلك الباب ..
أخذت حماماً لكي أستعيد نشاطي ، ومضى الوقت سريعاً .. شعرت بالجوع .. وهممت أن أخرج لكي أتناول طعام العشاء مع أحد أصدقائي ..
لبست ثيابي وبحثت عن محفظة النقود .. ولكن !! لم أجدها ..!!
أين هي ؟؟ بحثت واستغرق بحثي مدة طويلة .. ولكن لم أجدها !!
وفجأة ، مرت في ذاكرتي حادثة دفعي لعربة ذلك الأعرج ، وربما سقطت مني المحفظة بعد أن دفعت تلك العربة بقوة وسقطت جراء قوة الدفعة !!
اتجهت نحو بابي لأخرج ، وما إن هممت بالخروج ، وجدت محفظتي موضوعة على عتبة الباب ، وبجانبها ورقة قد كتب فيها :
“سيدي الكريم ، سقطت منك بعد أن دفعت عربتي ، وتمكنت بعد السؤال عنك أن أجد منزلك ، ولكن لم أرد أن أطرق عليك الباب خوفاً أن لا تكون راغباً في رؤيتي” ..
أمسكت بالمحفظة ، وتفقدتها ووجدتها كاملة ولم ينقص من محتوياتها شيء !!
ياللعجب !! بعد الذي حدث !! يبحث عني ليعيد إلي محفظتي !!
تناولت ترك الورقة ، وأغلقت باب المنزل وخرجت لأبحث عنه ..
سألت عنه أصحاب المحلات !! ولكن لم يكن أحد يعلم عن مكان إقامته شيئاً !! إلى أن أخبرني أحدهم أنه بلا مأوى وينام على كرسي للجلوس في الحديقة العامة ..
اتجهت إلى الحديقة مباشرة ، وما أن وطأت قدماي عشب تلك الحديقة ، حتى لمحت ظهره من بعيد وهو مستلقي على كرسي قديم في طرفها ..
اقتربت منه وتهيأ لي أنه نائم ، ولكن لم أكن قادراً على رؤية وجهه خوفاً من مواجهته بعد الذي حدث ..
وقفت خلفه وهو مستلقي على جنب .. وبدأت في الاعتذار وبينت له أن ماحدث كان بسبب حادثة التأخير والضيق الذي أصابني .. ولم أكن أقصد أن أدفع عربته لتسقط .. بل كنت أريد أن أزيحها قليلاً لكي أتمكن من العبور ..
توقفت عن الكلام .. ولكن الأعرج .. لم يلتفت ولم يحرك ساكناً .. فـ له الحق أن لا يقبل اعتذاري وحججي الواهية ..
تقدمت ووقفت أمامه .. وجدته نائماً .. قررت أن أوقظه لكي أدعوه لزيارتي في المنزل وينام عندي اليوم جزاء لـ أمانته ..
حركته قليلاً ولكن لم يستيقظ .. وحركته بقوة لكي أوقظه .. ولكن سقط على الأرض ..
حينها .. أدركت أن صمته لم يكن بسبب ضيقه وحزنه ..
بل .. غــيّــب الموت صمته …
~~~~
شـتـّـان .. ما بين شخص قد أنهى حياته بظلم الآخرين .. وشخص أنهى حياته بالصفح عنهم ..
مناسبة سعيدة ، حلت علينا قبل أيام ..
عيد الأضحى المبارك .. وكم من أشخاص فقدناهم .. وسنفقدهم بعد هذا العيد ..
البعض منا لا يزال مقاطعاً لـ شخص .. سواء أكان هذا الشخص قريباً أم صديقاً ..
ظالماً أم مظلوماً ..
بــادر بالصفح .. فأنت لا تعلم .. قد لا يمر هذا الشهر إلا وقد غيب الموت هذه القطيعة ..
بادر بالصفح .. إن كنت ظالماً .. فـ اعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وحاول أن تصلح ما بينك وبين من ظلمته ، لعل هذا الصلح يكون منجاة لك من تلك الظلمات ..
بادر بالصفح .. إن كنت مظلوماً .. فـ اعلم أن صفحك هذا قد يكون منجاة لك من ظلمات أخرى في يوم القيامة ، وقد يكون سبباً في منجاتك وعتقك من النار ..
وإني .. أعتذر لكل شخص في المنتدى قد أسأت في حقه خلال فترة تواجدي من بينكم .. وأطلب منه أن يسامحني إذا كنت قد ظلمته أو قد أخطأت في حقه ..
وإني .. قد سامحت كل إنسان قد أخطأ في حقي أو ظلمني في يوم ٍ ما .. وليس في قلبي عليه شيء إلا محبة خالصة لوجهه الكريم ..
والسموحة ..
تنويه : جميع الشخصيات والأحداث في القصة التي ذكرت في بداية الموضوع لا تمت للواقع بـ صلة .. والسموحة ..
الدنيا بعدها بخير أختي عذبة الروح .. وهناك الكثير من الأشخاص في حياتنا .. مثل الأعرج وغيره ..
تسلمين على حضورج وتواجدج .. وشاكر لج مرورج الجميل على الموضوع ..
ولي شرف حضورك في موضوعي ..
في انتظار عودتك أخي فارس .. وتسلم على مرورك ..
ما شاء الله عليك اخوي
مقال اقل ما يقال عنه انه مذهل ..
سلمت يداك اخي الكريم
اخوي العميمي انت انسان شفاف هذا اقل شيئ في حقك