علـى مرّ العصــور كانت و لا زالت الأمم البشرية تكـرّم معنويّـا و مـاديّـا أبناءهـا – ذكـورا أو إناثـا – الذين يتواجدون في الخطـوط الأمـامية لجبهاتها و معاركهـا ، و مثل هذا التكريـم أمر بديهـي جدّا و أسـاسي لأنه قديمـاً كانت أغلب المعارك التي تخـوضها الأمم معارك قتالية و حربية ، و كان كثيـر من هـؤلاء الذين يقفون في الخطـوط الأمـامية تذهب أجسـادهم و أرواحهـم وقودا و ضريبة لتحقيق النصـر و جلب الأمجـاد لأمـمهم ، فلذلك كان هؤلاء “الأَمـاميون” – بفتح الهمزة – يظفرون بأكبر نصيب من الرواتب والغنائم و الهدايا ، و هم الأكثـر غنـىً و عـزّاً في أوسـاطهم ، و ذلك بمباركة سامية من قيادات الشعـوب.

أغلـب الأمـم البشرية في الحـاضر قلّمـا – و لله الحمد – تخوض معارك حربية و قتـالية ، بل اتخذت معارك اليوم أشكـالا جديدة و صورا مغايرة عما كانت عليه من قبل ، فهذه أمة تخـوض معركة اقتصـادية ضد الفقر ، و تلك تعارك و تحارب الجهـل و التخلف ، و أخـرى تحـاول أن تثبت وجودها بين الأمم بالصنـاعة و التنمية ، وأمـة تقاتل ظروفها الطبيعية و جغرافيتها القاسيـة لاستخراج مكنون أرضها من الثروات و الكنوز، و غير ذلك من المعارك التي لا تكاد أمة في واقعنـا اليوم إلا و قد انشغلت بمعركة منها أو أكثر من معركة بحسب حالهـا ، و لكنّـه بالرغم من تنوع هذه المعارك إلاّ أن أبنـاء الأمة الذين يقفون في مقدمة هذه المعارك مباشرة – و الذين اصطلحنـا أن نسميهم “الأَمــاميّين” – من مفكرين و معلمين و اقتصاديين و علماء و مهندسين و فنيين و عمّـالا …الخ لا يزالون يستحقون الإكـرام و التمجيد “الأكثر امتيازا” مثل الذي كان يستحقه أولئك الذين يباشرون القتال في الحروب في الزمن القديم كما وصفنـا سـابقـا ، و لا أظن أن هذا من ما يختلف عليه ، لأن كل تحفيز يجده “الأمـاميون” سيترجـم في مزيد من العطـاء و الإنتاج من قبلهم ، و سينعكس ذلك جليا علـى مصـالح الأمة و خيراتها.

إذن فأنّ “الأماميين” في أي أمة هم الفئة الأكثـر استحقاقا في التكريم و التمجيد ، فإذا ما كانت الأمـة أو الدولـة عسكرية ، فضباطها و أركانها هم نخبة المجتمع ، و إذا ما كانت الأمـة منشغلـة بالصنـاعة و الإنتاج كان صنـاعيوها من علماء و تقنيين و أصحاب المصانع هم أماجدهـا ، و هكذا في كل الأمـم و المجتمعـات ، و أذكِّــر مرة أخـرى أن مثل هذا الحق لهؤلاء بديهي و أساسي.

كل ما سبق أعلاه قد يدفعنـا للتسـاؤل من هم “الأَمـاميـون” في أمتنا أو بالأخص في حبيبة قلـوبنـا “أبوظبـي”؟ لا شك أن الأجـوبة عن هذا التسـاؤل ستتنـوع و ستتبـاين ، و ذلك لأن “الأَمـاميين” كما قلنـا هم الذين يكونون في الخط الأمـامي في جبهات المعارك ، و كلنـا يعرف أن “أبـوظبـي” اليوم تخـوض معارك متنوعة و كثيرة ، فهنـاك الطفـرة العقارية و التعميـرية و هنـاك التنمية الاقتصـادية و كذلك هنـاك التطـوير الصنـاعي والزراعي و الإعلامي و الثقافي و الرياضي .. الخ. ، و نجد أن ” أبوظبـي” تحقق النجاح تلو الآخر و الانتصـار الساحق في كل هذه الجبهات مما جعلهـا اليوم تتبوأ مكـانة عالية جدا بين كل أمم العالم كرمز للانتصار و النجـاح ، و كلنـا يرى أن “الأماميون” في هذه النجـاحات قد تم تكريمهم بسخـاء واضح غالبا ، فهـاهم الأكثر رواتبا و المتفوقون في امتيازاتهم ، و الأكثر ظهورا كذلك في وسـائل الإعلام و ساحات الشهـرة ، و ذاك حق مشروع لهم و لا شك لأنهم من “الأَمـاميين”.

لكن ، هنـاك شريحـة من “الأمـاميين” في معشوقتنـا “أبوظبـي” لم يعاملـوا –في ظنّـي- ولم يكرمـوا كغيرهم ، إنهم الذين يقفون في الخط الأمـامي في معـركة دائمــة لترضيخ و تسخيـر كنز من كنوزها ، كنـز ليس كأي كنز ، كنز شرس لا يعرف الشفقة و لا يعرف الرحمة ، كنز ينتظر من الذي يصارعه خطـأً واحداً فيسوقه للفنـاء أو إلى تدمير شديد في جسده أو عقله ، هل عرفتم من هم..؟

إنهـم أبطالنا في غيـاهب الصحـاري و البحـار ، الذين يصلون إلى جبهاتهم و خطوطهم الأمـامية بركوب المجنحات أو العاموديات أو الفلك التي تجري في البحـر ، مفارقين فلذات أكبـادهم لأيام و أحيانا لأسابيع تمر عليهم كالدهـور ، فإذا مـا وصلـوا لمواقعهم ، لبسـوا “الأوفرول” و كأنهـا لأمة حرب ، و تسلحوا بمعداتهم و أجهزتهم ، و اجتمعوا برفـاقهم الآخرين من “الأماميين” ، يتذاكرون معاً تعليمـات الأمن و السلامـة ، و كأنهم يرتلون ذكرا مقدسـا ، و يبـاشرون بعد ذلك الصراع مع ذاك “المكنوز” الطائش عديم الرحمة ، و هم في أثنـاء ذلك يصيبهم من حر ذاك المكنوز و نفثاته الخانقة من ما تطاير منه ، فيستنشقونه و يتنفسونه و لسان حالهم يقول “سأستنشقك عبيرا و ريحانا فداء لواجبي” ، و إذا ما أنهى أحدهم يوما من ذاك الصراع ، و آن وقت استراحته ، مضـى لمهجع قد يكون أحيـانا شبيهـا بعلبة “سردين” ضمن علب وضعت بعضها فوق بعض ، و استقرت فوق أرجل من حديد في عرض البحـر!!

إن هؤلاء “الأماميون” قد غفل النـاس عنهـم لأنهم بعيدون عن الأعين ، بعيدون عن الإعلام ، و مناطقهم محظورة لغيرهم ، و لكن لا يختلـف اثنان أن معركتهم هي المعركة الأساسية ، و أنها “أم المعارك” لديرتنا ، و أن كل ما يسطر من نجاح و مجد في ديرتنا اليوم ما هو إلا امتداد لنجـاحهم و انتصارهم على تسخير ذلك “المكنـوز” من أجل الوطن ، فهلاّ التفتت الأعين لهم ؟ و هلاّ أخذ هؤلاء “الأَمـاميون” حقهم من التكريم و “السخـاء” كغيرهم من “أماميي” الديـرة؟؟ وهل عرفتم من أعنـي…؟؟

عـوض الصيعـــري
أبــــوظبــــي

8 thoughts on ““الأَمــاميّـــــون” في ديرتنـا

  1. الشباب فى حقول البترول

    عالم غامض لا نعرف عنه الكثير

    زيدونا من علومهم يا اخوان

    شكـــراً أخـــي أصيـــــل الإمـــارات

    و أتمنـى أن يتفـاعل معك شبـاب حقـول البترول ، و أن يوصفـوا لنا عالمهم

  2. أخي الصيعيري ..

    كل قطاع أمسكت به شركة صار به ما هو أدهى وأمر

    البترول .. الاعلام .. مدينة خليفة الطبية .. وغيرها من القطاعات التي صار “الاماميون ” فيها أناس غربيو القلب واللسان

    هناك مثل روسي يقول :

    إذا رأيت السلحفاة في قمة جبل .. تأكد أن شخصا ما وضعها هناك

    ليس كل الاماميون .. أماميوون فعلا,,

  3. جزاك الله خير على ما خطته يمينك

    فانا احد هؤلاء الذين ذكرتهم بالمقالة

    تسلـــم علـــى المرور أخـي نجم و بدر

    و أتمنـى أن أكـون قد وفقت في نقل شيء من مشـاعركم!

Comments are closed.