——————————————————————————–
بقلم – د. ملاك فارس
تعتبر الطفرة العقارية التي شهدتها معظم دول منطقة الخليج العربي لا مثيل لها على الأرجح في أي مكان من العالم. وتحافظ العقارات في دول مجلس التعاون الخليجي على مركزها كواحدة من القطاعات الرئيسية مدفوعة إلى حد كبير بالسيولة الهائلة في المنطقة والتي نتجت عن ارتفاع أسعار النفط. واستطاع القطاع العقاري أن يستحوذ على حصة الأسد من الاستثمارات الهائلة التي تدفقت إلى دول المنطقة وكان الأبرز من حيث النمو والأكثر تأثيراً في دعم اقتصاديات هذه الدول.
يمكن أن يتخذ الاستثمار العقاري عدة أشكال: فقد يكون عبارة عن استثمار مباشر في سوق العقار عبر شراء وتملك وحدات عقارية من محال ومكاتب ومخازن ومساكن أو أراض وهذه الطريقة تعتبر الأكثر استقراراً كاستثمار عقاري. ومن الممكن أن يكون استثماراً في التمويل العقاري وبالتالي منح قروض لتمويل شراء عقارات ومشاريع عقارية مقابل رهن هذه العقارات لحين سداد كامل أقساط الدين المؤلفة من أصل المبلغ والفوائد المترتبة عليه. كما يمكن أن يتخذ أشكالاً غير مباشرة كشراء أسهم وحصص في صناديق استثمارية عقارية أو شراء سندات مرتبطة بالتمويل العقاري أنشئت عبر ما يسمى بالتسنيد أو التوريق (securitization) وتكون عوائدها ومخاطرها مرتبطة بعوائد ومخاطر القروض التي أنشئت منها والتي أعطيت لتمويل مشاريع وتملكات عقارية.
ويعتبر العقار أداة استثمارية متدنية المخاطر على أساس منفرد (stand-alone risk) كما أنه لا يرتبط بعلاقة طردية (correlation) قوية مع الأدوات الاستثمارية الأساسية مثل الأسهم والسندات وحتى النقد وبالتالي فإن حركة سعر العقار أو الأدوات الاستثمارية المرتبطة به لا تلحق بشكل موازٍ بحركة أسعار الأسهم والسندات. بالمقابل، ووفقاً للعلاقة العكسية الموجودة بين درجة مخاطر الاستثمار والعائد المتوقع أو المطلوب عليه فإن متوسط عوائد الاستثمار العقاري أقل من عوائد الاستثمار في الأسهم والسندات بشكل عام.
لهذا فنحن نجد أن الاستثمار العقاري يشكل ما بين 10 و 59% من المحافظ المتدنية والمتوسطة المخاطر ويكون موجوداً بنسب قليلة جداً أو حتى غائباً في المحافظ التي تتسم بدرجة مخاطر عالية وعوائد مرتفعة.
ويبقى للاستثمار العقاري بريقه ودوره في محافظ الأفراد والمؤسسات لما له من تأثير على درجة مخاطر المحفظة كونه وسيلة تنويع أو توزيع مخاطر جيدة جداً إذا ما تمّت إضافته لمحفظة من الأسهم والسندات والأصول المالية السائلة كما أنه يمكن أن يؤمن تدفقاً نقدياً شبه ثابت عبر عائدات الإيجار.
وتبقى إحدى أبرز ميزات العقار هي قدرته على حماية القيمة الحقيقية للاستثمار في وجه الآثار السلبية للتضخم.
ونظراً لنسب تضخم الأسعار المرتفعة التي تشهدها الدول الخليجية عامة والإمارات خاصة والتي يصعب إيقافها، بات شراء أصول جامدة مثل شقة أو منزل أفضل وسيلة للتحوّط تجاه التضخم حيث من المعروف أنه في فترات ارتفاع نسبة التضخم تتضاءل القيمة الشرائية للنقود وبهدف التعويض ترتفع الأجور والإيجارات وترتفع أسعار العقارات بدورها.
يبقى السؤال الأساسي: كيف ننظر إلى القطاع العقاري الخليجي حالياً؟
فالتضخم في أسعار العقارات يعتبره البعض غير منطقي وتتوقع بعض الدراسات حدوث تصحيح سعري إن لم يكن قريباً فعلى المدى المتوسط وفي هذا الإطار يبرز التساؤل حول ما إذا كان الارتفاع في أسعار العقارات ناتجاً عن زيادة في الطلب الحقيقي وتفوقه على العرض أم أن الطلب على العقارات هو مدفوع فقط بتدفق السيولة وبحثها عن منافذ استثمارية تكاد تكون محصورة في منطقتنا بسوقي الأسهم والعقار. نضيف إلى كل ذلك مشاكل التمويل العقاري الذي لم يواكب الطفرة العقارية بالمستوى المطلوب والذي لا يزال يعاني من عدة مشاكل من حيث الآلية واحتساب العوائد وغياب التشريعات في بعض دول مجلس التعاون الخليجي لتنظيم قروض الرهن العقاري في الوقت الذي تمر به المنطقة بفورة عقارية هائلة.
هنا قد يرى البعض أن هذه العوامل تضعف من قدرة العقار على القيام بدور الاستثمار الطويل الأجل الذي يؤمن ربحاً رأسماليا جيداً ووسيلة استثمارية أكثر استقراراً وأقل خطورة من الأسهم.
على الجهة المقابلة فان الكثيرين يعتبرون أن الطفرة العقارية لا تزال في بداياتها في عدد من أسواق المنطقة وان الحاجة لأنواع معينة من الوحدات العقارية لا تزال كبيرة، كذلك فان السيولة النفطية مستمرة والتدفق السكاني والاستثماري على المنطقة مستمر وبالتالي فان قيمة العقارات سوف تشهد مزيداً من الارتفاع.
المهم هو أن يختار المستثمر ما يناسبه استناداً لما تحدده الأهداف المرجوة من الاستثمار والشروط التي تحدد مدته ونوعيته وهذه العوامل تحددها عناصر متعددة أبرزها العائد المطلوب، والقدرة على تحمل المخاطر، الحاجة إلى السيولة، المعطيات الضريبية والقانونية والتشريعية وأي ظروف خاصة بالمستثمر.
ومن المفيد ألا ننسى القاعدة القديمة الجديدة والتي تنصح بعدم وضع جميع البيض في سلة واحدة.