أصدرت هيلجا رئيسة حزب الحقوق المدنية والتضامن في ألمانيا (BUESO)، الذي يخوض حملة انتخابات في مقاطعة شمال الراين وويستفاليا (Nordrhein-Westfalen) وهي الأكبر في ألمانيا، بيانا حول الأزمة المالية والاقتصادية العالمية والبدائل لانهيار نظام العملة الاوربية الموحدة ويتم توزيعه على نطاق واسع في تلك الولاية وباقي أنحاء ألمانيا قبل حلول موعد الانتخابات يوم 9 مايو الجاري.
وشددت هيلجازوجة عالم الاقتصاد الامريكي على أن مصطلح “أزمة يونانية” زائف ومضلل لأن كل دول اليورو وحتى باقي دول الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة مفلسة مثلها مثل اليونان وربما أكثر. ووضحت هيلجا لاروش أن “ديون اليونان ودول منطقة اليورو الجنوب اوربية تدين لألمانيا وحدها بـ 520 مليار يورو، وتدين باقي دول المنطقة بكمية مقابلة لألمانيا أيضا. لكن اسبانيا تعد مشكلة أكبر من اليونان وبنوك بريطانيا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبنوك الاسبانية، وذات الامر ينطبق على البرتغال وايرلندا التي تحتاج كميات هائلة من النقد قريبا لدفع الديون المترتبة عليها. لقد تحولت أزمة الديون السيادية هذه منذ مدة إلى أزمة مصرفية، وفي نهاية المطاف إلى ازمة انهيار لعملة اليورو ذاتها. إننا أمام أزمة انهيار نظام برمته وليس أزمة دولة أو مجموعة دول.
كما أن العلاج المطروح حاليا من قبل صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الاوربي ستؤدي إلى موت المريض الذي هو الاقتصاد العالمي. فحزم الانقاذ النقدي التي هي عمليات طبع نقود ستؤدي إلى تضخم فائق، وأما حزم التقشف الاقتصادي فستؤدي إلى انهيار الاستثمارات في القطاعات الانتاجية للمجتمعات وهي القطاعات التي لا بد من إحياءها في أية عملية إعادة بناء لاقتصاد. وحسب بيان لاروش، يشكل التفكير الاقتصادي بين قيادات اوربا حاليا عدم كفاءة وغباء يصعب تصديقه. فسياسة التقشف المفروضة على اليونان الآن تعني قطع المستوى المعيشي بنسبة 30% وسيدمر ذلك قدرة خلق فرص العمل، ناهيك عن عدم قدرة البلد في الاستثمار في أي من مشاريع البنية التحتية والصناعة على مدى سنين. إن هذه السياسة، تشبه سياسة التقشف التي فرضت على ألمانيا من قبل الحلفاء لدفع تعويضات الحرب العالمية الاولى، وهي تشابه سياسة التقشف التي اتبعتها حكومة برونينج الالمانية في بداية الثلاثينات وأدت إلى تزايد السخط الشعبي وشعبية الحزب النازي.
وتشير هيلجا إلى مهزلة المقترحات بضرورة رفع كمية صادرات اليونان، وتقول إلى أي مدى يستطيع اليونانيون انتاج الزيتون والنبيذ حتى يستطيعوا دفع كل هذه المئات من المليارات، إن هذا عبث. أما قول وزير المالية الالماني بأن دافعي الضرائب الالمان لن يتأثروا إطلاقا لأن اليونان سترجع كل هذه الديون في موعدها تجعله كذابا رخيصا وأنفه سيمتد من برلين إلى أثينا إذا استمر في أكاذيبه هذه، مثل بينوكيو.
وتقول هيلجا أن الساسة الالمان يريدون تمرير هذه الأكاذيب قبل يوم الجمعة 7 مايو، يوم تصويت البرلمان الالماني على حصة ألمانيا من حزمة انقاذ اليونان التي تبلغ 22 مليار يورو، وذلك قبل يومين من موعد التصويت في انتخابات مقاطعة شمال الراين وويستفاليا.
النظام كله قد أفلس
نظرا لوصول الأزمة إلى هذه الدرجة من الحدة، لا بد من القول الآن بوضوح وبقوة: إن أية محاولة للتشبث بالوحدة النقدية الاوربية ومعاهدات الاتحاد الاوربي المختلفة مثل ماستريخت ولشبونة ستغرق أوربا في بحر من الفوضى. وحتى ولو حاولت الأحزاب المختلفة في البرلمان الالماني، التي تخدم بفعلها هذا مصالح الطبقة الاوليجاركية المالية وليس مصالح الشعب، تمرير المصادقة على القانون عنوة يوم الجمعة، فمن المتوقع أن يتم إيقاف القانون في المحكمة الدستورية العليا في كارلسروهه لأن ذلك القانون غير دستوري، ولأن موافقة المحكمة الدستورية الالمانية في أول الأمر على دخول العملة الاوربية الموحدة وإلغاء المارك الالماني كان بشرط عدم انخراط ألمانيا في مثل هذا النوع من عمليات انقاذ اقتصاديات دول اخرى. ويرجح أن تعيد المحكمة القانون إلى البرلمان مجددا لإعادة صياغته أو إلغاءه. ولا يعلم أحد ماذا سيلي ذلك.
ليس نظام اليورو هو وحده الذي أفلس، بل النظام المالي العالمي بأسره، نظام العولمة والمضاربات الذي خلق كل أنواع الاوراق المالية الزائفة لبيعها للمغفلين من الافراد والحكومات، كما تشهد على ذلك فضائح المصارف الامريكية مثل جولدمان ساكس مؤخرا. النظام كله كان في العقود الثلاثة الأخيرة مجرد عملية نصب واحتيال كبرى.
هناك حياة بعد موت اليورو
ولكن تؤكد هيلجا للناخبين والمواطنين الالمان أن هناك حياة بعد نهاية اليورو والنظام العالمي، إذا تم اتخاذ التدابير الصحيحة التي نادت بها عبر السنين. بخلاف ذلك ستغرق اوربا والعالم في فوضى اقتصادية وحروب وعصر ظلام جديد.
وتقترح هيلجا على الشعب الالماني وقادته اتخاذ الاجراءات العاجلة التالية بعد الخرج من اليورو واسترجاع المارك الالماني كعملة وطنية لالمانيا:
– التأسيس الفوري لنظام مصرفي ذو مستويين، الذي سيحمي تلك المصارف المسؤولة عن إصدار الإئتمانات للشركات الصناعية والزراعة والتجارة، وبناء جدار عازل سميك بينها وبين بيوت الاستثمار أي البنوك الضالعة في التجارة بالأوراق المالية حيث عليها أن تصارع من أجل البقاء بدون دعم او ضمانات او تعويضات من قبل الدولة.
– حماية وصيانة جميع الأموال المرتبطة بالمصلحة العامة للشعب خاصة معاشات الموظفين والعمال والتقاعد والمدخرات الشخصية للأفراد ومدخرات مؤسسات الرعاية الاجتماعية وغيرها.
– إلغاء جميع أنواع الاوراق المالية “الخلاقة” المبتدعة من الحسابات. نحن لسنا بحاجة لصناديق تحوط أو شركات قابضة ولا نحتاج عقود مشتقات مالية أو توريق الديون أو “التزامات الديون المضمونة” (CDOs) أو عشرات الانواع الاخرى من اوراق العقود المالية الآخرى التي تباع وتشترى في أسواق المال بلا ارتباط بأي نشاط اقتصادي حقيقي.
– بدلا من “الوظائف الخضراء” والاستثمارات في “الطاقة البديلة” الجنونية وغير الاقتصادية اطلاقا، علينا بالاستثمار في التقنيات المتقدمة التي تم تطويرها في المانيا من قبل ولكن لا يتم بناءها الآن إلا في آسيا مثل مفاعلات الطاقة النووية عالية الحرارة (HTR) وسكك الحديد الممغنطة ماجليف فائقة السرعة ونظام نقل البضائع الحضري عبر الانفاق (Cargocap)، ورحلات الفضاء المأهولة التي ستكون المحرك العلمي والتقني للطفرات الصناعية الكبرى.
– باسترجاع الهوية الوطنية الالمانية الحقيقية باعتبارها أمة للعلماء والشعراء والموسيقيين والمخترعين، فإن قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة التي هي عصب الاقتصاد الالماني ستتمكن (بوجود الائتمانات المصرفية والدعم الحكومي) ليس فقط من إعادة تشغيل العاطلين عن العمل وخلق سوق وطنية رائجة للانتاج الصناعي، بل وأيضا في المساهمة في مشاريع البنية التحتية والمشاريع العلمية الكبرى التي تجري في روسيا والصين والهند وحتى في الولايات المتحدة وأفريقيا.
ودعت هيلجا في ختام بيانها المواطنين الالمان في مقاطعة شمال الراين وويستفاليا للتصويت لحزبها حزب الحقوق المدنية والتضامن، وهو الحزب الوحيد الذي تنبأ بهذه الأزمة والنتائج الكارثية لتأسيس اليورو عملة موحدة لاوربا، كما أنه الحزب الوحيد الذي لديه فكرة حقيقية عن كيفية التغلب على هذه الأزمة العالمية الفتاكة، بنظام ائتمانات وطنية وعالمية، نظام عالمي عادل جديد يحترم سيادة الامم وحقها في التقدم الصناعي والعلمي والاقتصادي.