هي ترجمة للعبارة الإنجليزية Neuro Linguistic Programming NLP ، التي تطلق على علم بـدأ في منتصف السبعينات الميلادية على يد العالمين الأمريكيين الدكتور جون غرندر (عالم لغـويات) و ريتشارد باندلر (عالم رياضيات) ومن دارسي علم النفس السلوكي.

وهو علم يقوم على اكتشاف كثير من قوانين التفاعلات و المحفزات الفكرية والشعورية والسلوكية التي تحكم تصرفات و استجابات الناس على اختلاف أنماطهم الشخصية.

ويمكن القول إنه علم يكشف لنا عالم الإنسان الداخلي و طاقاته الكامنة ويمدنا بأدوات ومهارات نستطيع بها التعرف على شخصية الإنسان، وطريقة تفكيره وسلوكه و أدائه وقيمه، والعوائق التي تقف في طريق إبداعه وتفوقه، كما يمدنا بأدوات وطرائق يمكن بها إحداث التغيير الإيجابي المطلوب في تفكير الإنسان وسلوكه وشعوره، وقدرته على تحقيق أهدافه، كل ذلك وفق قوانين تجريبية يمكن أن تختبر وتقاس .

وقد امتدت تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية في العالم إلى كل شأن يتعلق بالنشاط الإنساني كالتربية والتعليم والصحة النفسية والجسدية والتجارة والأعمال والدعاية والإعلان والتسويق والمهارات والتدريب والجوانب الشخصية والأسرية والعاطفية وحتى الرياضة والألعاب والفنون والتمثيل وغيرها.
و من أهم الميادين التي يمكن أن تفيد المسلمين ميدان الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

موضوعات البرمجة اللغوية العصبية:
البرمجة اللغوية العصبية علم يستند على التجربة والاختبار ويقود إلى نتائج محسوسة ملموسة في
مجالات وموضوعات لا حصر لها، يمكن التمثيل لها بما يلي:

– محتوى الإدراك لدى الإنسان وحدود المدركات: المكان و الزمان والأشياء و الوقائع والغايات و الأهداف و انسجام الإنسان مع نفسه ومع الآخرين.
– الحالة الذهنية: كيف نرصدها ونتعرف عليها وكيف يمكن أن نغيرها. ودور الحواس في تشكيل الحالة الذهنية.
– أنماط التفكير ودورها في عملية التذكر والإبداع، وعلاقة اللغة بالتفكير، وكيف نستخدم حواسنا في عملية التفكير، وكيف نتعرف على طريقة تفكير الآخرين، علاقة الوظائف الجسدية ( الفسيولوجية ) بالتفكير.
– تحقيق الألفة بين الناس كيف تتم، ودور الألفة في التأثير في الآخرين.
– كيف نفهم إيمان الإنسان وقيمه وانتماءه، وارتباط ذلك بقدرات الإنسان وسلوكه وكيفية تغيير المعتقدات السلبية التي تعيق الإنسان وتحد من نشاطه.
– دور اللغة في تحديد أو تقـييد خبرات الإنسان، و كيف يمكن تجاوز تلك الحدود، و كيف يمكن استخدام اللغة للوصول إلى عقل الإنسان وقلبه، لإحداث التغييرات الإيجابية في المعاني والمفاهيم.
– علاج الحالات الفردية كالخوف والوهم والصراع النفسي والوسواس القهري والتحكم بالعادات وتغييرها.
– تنمية المهارات وشحذ الطاقات والقابليات ورفع الأداء الإنساني.

دعائم علم البرمجة اللغوية العصبية:
تعمل البرمجة اللغوية العصبية على أربعة أركان رئيسية هي:

1. الحصيلة أو الهدف ( ماذا نريد ؟ ) ، وهناك آليات كثيرة تساعد الإنسان على معرفة ماذا يريد ، وما هو الأنسب له ، و تزيل بسرعة وسهولة بالغة كل ما يعتري طريق أهدافه من التخوف والتردد والحيرة والصراع النفسي ، وتؤسس عنده حالة شعورية مستقرة تجاه هدفه المأمول ، وتجعله يتصور المستقبل ليستشعر هدفه و يؤمن بإمكانية تحققه ، ويرى بوضوح قراراته وخطواته التي ينبغي أن يتخذها ويرى آثارها و نتائجها المتوقعة .

2. الحواس : و هي منافذ الإدراك وكل ما يدركه الإنسان أو يتعلمه إنما نفذ عن طريق الحواس ، فلذلك تعمل البرمجة اللغوية العصبية على تنمية الحواس و شحذ طاقاتها و قدراتها ، لتكون أكثر كفاءة أفضل أداء في دقة الملاحظة و موضوعيتها ، ضمن الحدود البشرية التي فطر الله الناس عليها . ولا شك أنه كلما ارتقت وسائلنا في الرصد كلما زادت مدركاتنا ووعينا وثقافتنا وتهيأت الفرص بشكل أفضل لتحقيق النجاح، خاصة إذا علمنا أن كلا منا تغلب عليه إحدى هذه الحواس فيركز عليها أكثر من غيرها.

3. المرونة: لأن المرونة هي أساس أي تطور أو تغيير أو نجاح، فما لم نمتلك المرونة في تقبل الأوضاع و البرامج و أنماط الحياة الجديدة فإننا سنبقى حبيسي روتيننا المعتاد، و الشخص الذي يمتلك مرونة عالية في التفكير و السلوك هو الذي يكون لديه سيطرة و تحكم أكبر في كل الأوضاع.

4. المبادرة و العمل: و هي حجر الزاوية الذي لا بد منه، فمالم تصنع شيئا فإنك لن تحقق شيئا.

وهذه الأركان الأربعة لا بد منها مجتمعة، إذ لا يستغني بعضها عن بعض، ولذلك تعمل البرمجة اللغوية العصبية على هذه الجوانب جميعا بطريقة تكاملية متوازية.

فائدة علم البرمجة اللغوية العصبية:
يمكن تلخيص أهم الفوائد من علم البرمجة اللغوية العصبية فيما يلي:
فوائد ذاتية – اكتشاف الذات وتنمية القدرات.
صياغة الأهداف و التخطيط السليم لها.
بناء العلاقات و تحقيق الألفة مع الآخرين.
اكتشاف البرامج الذاتية والعادات الشخصية و تعديلها نحو الأفضل تحقيق التوازن النفسي خاصة فيما يتعلق بالأدوار المختلفة للإنسان.

ماذا نتعلم في البرمجة اللغوية العصبية:
يمكن تلخيص أهم م نتعلمه من هذا العلم فيما يلي:
‌أ-أنماط الناس الغالبة:
تصنف البرمجة اللغوية العصبية الناس إلى أصناف باعتبارات مختلفة لكل منهم استراتيجية معينة في التفاعل و الاستجابة للمؤثرات الداخلية و الخارجية و بالتالي يمكن أن نعي منبع تصرفات الناس و نعرف أقرب الطرق لتحقيق الألفة معهم وكسبهم و التأثير الإيجابي فيهم، و من هذه التصنيفات:

– تصنيف الناس بحسب جوانب الإنسان الثلاثة إلى ( فكري و سلوكي و شعوري)
– تصنيفهم بحسب تغليب الحواس لديهم إلى ( صوري وسمعي و حسي )
– تصنيفهم بحسب إدراكهم للزمن وتفاعلهم معه إلى ( في الزمن و خلال الزمن)
– تصنيفهم بحسب أنماط الاهتمامات لديهم إلى سبعة أنماط ( من يهتم بالناس – ومن يهتم بالنشاطات – ومن يهتم بالأماكن – ومن يهتم بالأشياء – ومن يهتم بالمعلومات – ومن يهتم بالوقت – ومن يهتم بالمال ).

تصنيفهم بحسب مواقع الإدراك إلى ( من يعيش في موقع الذات – ومن يعيش في موقع المقابل – ومن يعيش في موقع المراقب).
– تصنيفهم بحسب الأنماط السلوكية إلى ( اللوام – المسترضي – الواقعي – العقلاني – المشتت ).
– تصنيف الناس بحسب البرامج العقلية إلى ( من يميل إلى الاقتراب ومن يميل إلى الابتعاد – وصاحب المرجعية الداخلية وصاحب المرجعية الخارجية – ومن يبحث عن العائد الداخلي و من يبحث عن العائد الخارجي – ومن يميل إلى الإجمال و من يميل إلى التفصيل – وصاحب دافع الإمكان و صاحب دافع الضرورة – ومن يفضل الخيارات المفتوحة ومن يفضل الطرق المحددة – و من يعيش في الماضي أو الحاضر أو المستقبل).
ولكل نمط من هذه الأنماط مؤشرات مختلفة تدلنا عليه، من أبرزها: السمات الجسدية والسلوكية، و اللغة الكلامية، و هما أقوى مؤشرين للتعرف على هذه الأنماط

‌ب- مؤشرات الحالات الذهنية و الشعورية للمقابل:
حيث تعلمنا البرمجة اللغوية أن نستدل على حالة المقابل الذهنية الفكرية والمزاجية الشعورية، من خلال نظرات عينيه و ملامح صورته و حتى نبرة صوته، ونستطيع بحمد الله أن نفرق بين الصورة التي تدور في ذهنك الآن هل هي مستحضرة من الذاكرة أو جديدة منشأة دون معرفة ماهيتها، أي نستطيع أن نعرف هل الشخص المقابل يتذكر أو يتخيل من خلال نظرة عينيه، و نعرف النظام الغالب عليه وهو ما يسمى بنظام التخزين.

نستطيع أن نعرف مفتاح تحفز المقابل لما يعرض عليه وذلك أيضا من خلال نظرة عينيه، و نوظف ذلك في التفاوض معه في أي شيء وهذا ما يسمى بالنظام القائد.

كما نستطيع أن نتعرف على ما يعتبر مفتاح الاستجابة و الموافقة لديه، و هو ما يعرف بالنظام المقارن.
نستطيع أن نوظف الحالة السلوكية الفسيولوجية لخدمة الحالة الذهنية والشعورية و العكس، لأنها نظام متفاعل، و هذا يفيدنا في علاج الاكتئاب و الحزن العميق.

‌ج- استحضار الحالات الإيجابية و إرساؤها:
نستطيع بإذن الله تعالى في البرمجة اللغوية العصبية أن نعلم المتدرب مهارة التحكم في ما يستحضر من ذكريات و نوظف ذلك إيجابيا من خلال ما يسمى بالإرساء، بحيث يستطيع استحضار حالات التحفز و النجاح و الإيجابية و التفوق والسعادة حينما يشاء، فيؤثر ذلك إيجابيا على وضعه الحالي. و يمكن محو الذكريات السلبية و التجارب البائسة من ذاكرته و إضعافها ليزول أو يضعف تأثيرها السلبي عليه، كما يمكن بواسطة هذا علاج كثير من الحالات النفسية الناتجة عن مواقف أو أحداث من تاريخ الماضي.

د – علاج الحالات والمشكلات مثل:
الصراع النفسي – الوسواس القهري – الشعور بالضعف – الخوف الوهمي – الرهبة الاجتماعية – تهيب الأمور – ضعف الحماس – العادات السلوكية السلبية – الذكريات السلبية الحادة – ضعف التحصيل الدراسي – مشكلات العلاقات الأسرية والاجتماعية – المعتقدات المعوقة… وغيرها كثير.

ه – التخطيط العميق للنجاح:
مع التركيز على الأبعاد النفسية لصاحب الهدف التي قد تمكنه من الوصول للهدف أو تعوقه عنه ، و كذلك الأبعاد النفسية للمستفيدين والمتضررين من المحيطين بحيث لا يضمن عدم مقاومتهم فحسب، بل يضمن دعمهم له وتعاونهم معه.

و- النمذجة :
و هي من أهم مهارات البرمجة اللغوية العصبية، حيث نقوم بدراسة نماذج متميزة في مهارة معينة بهدف الوصول إلى المعطيات المشتركة التي ساعدتهم على التميز والنجاح وكونت لديهم هذه الملكة، وبالتالي نستطيع نقل هذه الخبرة عن طريق التدريب للآخرين، و هذه المهارة مفيدة جدا وتستخدم في مجالات متعددة.

مهارات البرمجة اللغوية العصبية في الدعوة إلى الله:
لا شك أن أحوج الناس إلى تعلم هذا العلم الجديد وأكثرهم إفادة منه هم الدعاة إلى الله، ذلك أنهم بهذا العلم سيعرفون أقرب الطرق الموصلة إلى التأثير في قلوب الناس وعقولهم، وسيعرفون الدوافع والمحركات التي تحفز استجاباتهم بهدف إيصال الخير إليهم، كما أن الدعاة بهذا العلم سيتقنون مهارات التلوين في أساليبهم لتناسب الناس جميعا على اختلاف مشاربهم وطرائقهم، و الداعية بمعرفة ذلك كله سيكون نجاحه أكبر وتأثيره أشمل وحكمته أقوى.

مهارات البرمجة اللغوية العصبية في التربية والتعليم:
شريحة المربين و المعلمين هم الفئة الثانية المحتاجة لهذا العلم؛ لأن البرمجة اللغوية العصبية مفيدة جدا في كشف كل ما نحتاجه لنجاح العملية التربوية على اختلاف أنماط و أعمار المستهدفين بها ، ولا شك في أن أساليبنا التي نمارسها تعلم أكثر مما تربي ، وتركز على المعلومة أكثر من المهارة ، وهذا خلل تتجاوزه البرمجة اللغوية العصبية ، فيستطيع دارس البرمجة اللغوية العصبية أن يكون أكثر فاعلية وقدرة على اختيار الأسلوب الأنسب لكل حالة ، نظرا لفهمه للتقلبات والأحوال النفسية المختلفة ، وإتقانه لمهارات واستراتيجيات التعامل مع كل حالة .

مهارات البرمجة اللغوية العصبية في بناء العلاقات :
من أجل ما نستفيده من البرمجة اللغوية العصبية فهم الناس وتحقيق الألفة والإنسجام معهم، وبناء العلاقات الجيدة والروابط المتينة التي نراعي فيها خصوصية كل واحد منهم، ولا شك أن من أهم العلاقات التي يمكن للبرمجة العصبية أن تنميها و تقويها العلاقات الزوجية، فنحن نرى في واقعنا كثيرا من الأسر التي تنهدم أو توشك لأسباب نراها مستعصية جدا، و هي في حقيقتها أسباب يسيرة تكمن في اختلاف الأنماط الشخصية التي تؤدي إلى لون من عدم الألفة وانعدام التفاهم، ولو عرف كل طرف حقيقة الطرف الآخر و أدرك محركات سلوكة وتفسيرات مواقفه لعذره كثيرا أو سعى لمساعدته بهدف الوصول لحالة جيدة من التعايش والتعامل.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة معاهد ومراكز كثيرة تدرب على البرمجة اللغوية العصبية وهي متفاوتة في المعايير التدريبية والأخلاقية، وهذا العلم ككثير من العلوم الأخرى سلاح ذو حدين، يمكن أن يستخدم لأغراض الخير إلى أقصى حد ويمكن أن يستخدم لأغراض الشر كذلك، و كلا الأمرين حاصل في عالم الغرب اليوم، وليس من الحكمة أن نرفض هذا العلم ونغلق دونه أعيننا و قلوبنا لمجرد أن آخرين يستخدمون بعض مهاراته استخداما سيئا، ما دام بإمكاننا نحن أن نستفيد منه فائدة عظيمة في ميادين الخير، والمؤمن كيّس فطن والحكمة ضالته أنى وجدها فهو أولى بها. كانت هذه لمحة مختصرة عن علم البرمجة اللغوية العصبية، و نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا و ينفعنا بما علمنا و يزيدنا علما إنه سميع مجيب..

يتبع…….

25 thoughts on “البرمجة اللغوية العصبية

Comments are closed.