التخطيط للحياة منهج نبوي –
اللهم لك الحمد كله ، لا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، اللهم صل على رسولك وعبدك محمد الذي أرسلته بالهدى ودين الحق وارض عن صحابته الأطهار الذين آزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وعلى من تبعهم على سنن الهدى إلى يوم الدين .
” يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً * إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ” [ لقمان : 33 ]
أما بعد :
أيها السادة :
لا ريب أننا نمر بظروف دقيقة ، ومراحل حاسمة ،الكفر انتفش وطغى واستعلى وتجبر وبقي أن يقول أنا ربكم الأعلى ، العولمة الاستعمار الاقتصادي ،
لا ريب أننا نمر بظروف دقيقة ، ومراحل حاسمة ، تتطلب منا أن نحسن التصرف ونسدد الأداء ، حتى نكون على قدر المسؤولية التي أناطها الله تعالى بنا .
وإذ أردنا النجاة في الآخرة والثناء الجميل في الدنيا ، فلا مناص عن شرع الله .. ! ولا بديل عما ارتضاه لنا من أسوة تتمثل في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
(( ولكم في رسول الله أسوة حسنة ))
إذا أردنا النجاة وجب علينا أن نعود إلى كتاب ربنا وسنة نبينا
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
ولقد صلح الرعيل الأول بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم
يا جند الإسلام :
ما أحوجنا في هذه الآونة إلى أن نكون جبهة واحدة وصفاً قوياً متماسكاً .. !! وكم يعوزنا من روح معنوية عالية تواجه المصاعب ولا تكترث بالأراجيف !
ما هي الطاقة التي تزودنا بسلاح ماض يمنحنا النصر ويحبونا المجد ؟!
هذه التساؤلات كلها .. نجد لها الأجوبة الكافية والأدوية الشافية في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى لنا أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى تخطيط ، وأن بناء الأمة يحتاج هو الآخر إلى تخطيط واستراتيجية ، وأن تسيير الأمة وشؤونها الاجتماعية والاقتصادية والحربية تحتاج إلى تخطيط محكم .بل عبادتك لله تعالى تحتاج إلى تخطيط .
في زمن يعيش فيه المسلم هائما ومنكبا على وجهه ، لا استراتيجية محكمة ، ولا تدبير وتسيير ، سواء على مستوى الفرد ،أو الجماعة ، أو الأمة . وكأننا أمة تعيش على العشوائية .
تسأل الطالب ما خطتك في الدراسة لا شيء
تسأل الزوج الجديد ما خطتك لقد أصبحت الآن زوج وغدا أب وبعدها جد ما خطتك في مواجهة هذه التغيرات لا شيء .
بل تسال مؤسسة دولة عن استراتيجيتها وخطتها تجد أنها تسير بدون خطة ولا استراتيجية
والله تعالى يقول (( أفحسبتموا أنما خلقناكم عبثا ))
فتعالوا بنا نستطلع هذه السيرة العطرة لنجد بغيتنا في موطن ما من المواطن الكثيرة التي حفلت بالكثير من الدروس والعبر ..
1 . لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم وسط مجتمع يسوده الكفر والشرك والمنكرات ، فكان من تخطيط الله تعالى لهذه الدعوة أن يبدأ بالأقرب فالأقرب قال تعالى (( وأنذر عشيرتك الأقربين )) إذ لو بدأ بالناس جميعا من الوهلة الأولى لقضي على الدعوة في مهدها وقبل أن ترى النور .
وما زالت الدعوة سرا حتى اشتد عضد المسلمين بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجاء الأمر بالجهر بالدعوة ( واجهر بما تؤمر )
2 . ثم جاء حدث الهجرة العظيم ، ولم يكن بالأمر الهين ، فأعين قريش وجواسيسهم على محمد صلى الله عليه وسلم لا تنام ، والمؤامرات لقتله تنسج بالليل والنهار ، ومع هذا وذاك استطاع النبي صلى اله عليه وسلم أن يخرج من بينهم سالما غانما معافا ، وكل ذلك بالتخطيط المحكم
لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الترتيبات اللازمة للهجرة ، متى يخرج ومن يخرج معه ، والراحلة القوية ، والزاد ، ومن يتبعهم ليمحوا أثرهم ، ومن يزورهم ليوصل أخبار قريش إليهم ، والوجهة العكسية لمباغتة العدو ……كانت خطة وتخطيطا يعجز عنه خريجوا أكبر معاهد التخطيط العالمية اليوم .
3 . ثم يصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ولكم أن تتصوروا ظروف المدينة ، الأوس والخزرج أعداء الدهر ، والمهاجرين الضيوف لا مال ولا أسرة ، وعلى مشارف المدينة أعين تتربص من وراء حصونها إنهم اليهود بنو قريضة وبنو النضير وبنو قينقاع ، وهنا تظهر مرة أخرى حنكة القائد محمد صلى الله عليه وسلم في التخطيط لاستقرار الجبهة الداخلية والخارجية .
فبنا صلى الله عليه وسلم المسجد وجمع فيه المسلمين من أوس وخزرج الأنصار والمهاجرين وخطبهم خطبة الإيخاء فآخا بينهم ، بين قويهم وضعيفهم ، وقريبهم وبعيدهم ، ولكم أن تقرأوا في الإخاء قصصا عجيبة وعظيمة . فحقق الاستقرار الداخلي
ثم بعدها ربط معاهدات مع اليهود فضمن الاستقرار الخارجي ، لينشغل في بناء الأمة من الداخل .
4 . بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلم هذه الأمة مبدأ الشورى والتشاور وهو الذي كان يستشيرهم ويشاورهم في أمور كثيرة امتثالا لأمر ربه (( وشاورهم في الأمر )) (( وأمرهم شورى بينهم ))
لم يوصي وهو في مرض الموت وكان بإمكانه ذلك ، حتى يدفع الأمة أن تتخذ من الشورى مبدأ شرعيا لا محيد عنه وكان الأمر كذلك من طرف الصحابة رضوان الله عليهم .
قد يقول البعض كيف نخطط اليوم ونحن أمة ضعيفة مقطوعة الجناح مستباحة الأعراض ، مهدورة الدماء ، وهل سيكون لنا بعد هذا الذل والهوان قيمة وعزة وتمكين في الأرض ؟ هل ستقوم لنا قائمة ؟ أقول نعم إنشاء الله ستقوم للإٍسلام القائمة ، وسيعود له العز ، وهذا بوعد الله تعالى وبشارة النبي صلى الله عليه وسلم .
أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطرد ويطارد من مكة ، مختبئا في كهوفها ، ومع ذلك لما تبعه سراقة ووقف بين يديه ، إذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الظرف الحرج يقول له وهو الكافر آن ذاك رضي الله عنه كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى .
ثم انظر إليه ثانية وهو يحفر الخندق مع أصحابه ليحتموا فيها من تجمع الكفر عليهم الاحزاب ، وقد بلغت القلوب الحناجر ، وظن المسلمون الظنون ، ونافق المنافقون ، ومع ذلك ينزل صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ليضرب الحجرة الضخمة التي تعرضتهم ، فيقول : بسم الله أريت لي قصور كسرى والفرس وسيفتحها الله لي .. قمة في التخطيط وقمة في اليقين بنصر الله تعالى .
ثم جاء المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه : هل من شيء نقوله ؟ وقد بنوا الخنادق ، واستعدوا وخططوا ، فقد بلغت القلوب الحناجر .. قال نعم .
(( اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا )) . رواه أحمد .
إن الله لا يقبل الدعاء من متواكل كسول ..
إذا لا يمكن لهذه الأمة أن تنهض بدون تخطيط في جميع مناحي الحياة
الرجل يخطط في بيته مع أولاده وزوجته ، العامل في معمله ، الأستاذ يخطط في عمليته التربوية التي يقوم بها ،
يجب علينا أن نعود أنفسنا هذا المفهوم الذي هو من صلب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ،
قبل أن نقوم بعمل دنيوي أو أخروي من العبادات أو العادات ، من التجارة أو المعاملات من شؤون الدين أو الدنيا ، لا بد أن نخطط له ، هل هذا العمل حلال أم حرام ، هل يقربني إلى الله أم يبعدني عنه ، هل يرضى الله عني أم يسخط علي ،
أيها الإخوة الكرام
يجب علينا جميع أن نعلم أن العصر الذي نعيشه ، هو عصر التنظيم والتخطيط لنجاح كل عمل يريده الإنسان في حياته ، وهو زمان حسن الضبط والتدبير والترشيد للأمور والأعمال أكثر من أي وقت مضى . والدولة الناهضة هي الدولة التي ترصد التوقعات الاجتماعية وتخطط لها بحسن النظر والتدبير ..
وفي إطار موضوع التخطيط والتعاون عليه سيشهد بلدنا بحول الله وقوته ، في مطلع شهر شتنبر المقبل ولغاية اليوم العشرين منه ، عملية هامة وذات فائدة كبيرة في النهوض بالحياة الاجتماعية والاقتصادية للوطن وكافة المواطنين ، ألا وهي عملية الإحصاء العام لجميع السكان ، كبارا وصغارا ، ويستهدف من ورائها خدمة الصالح العام ، لما ينبني عليها من تخطيط دقيق ورسم محكم للحاجيات المستقبلية في جميع الميادين .
علما أيها الإخوة الكرام أن نجاح هذه العملية يتوقف بدرجة كبيرة على مدى وعي كل مواطن ومواطنة بقيمتها وأهميتها في حياته وحياة بلده .
ومن ثم فإن الوازع الديني الذي يدعو إلى التعاون على البر والتقوى يوجب على كل واحد منا أن يسهم في عملية الإحصاء يعفوية وتلقائية وأن يشارك فيها باهتمام وعناية وإخلاص .
والإجابة عن جميع المعلومات والبيانات المطلوبة منه عن نفسه وأسرته وأحواله الإجتماعية بكل صدق ودقة ونصح وأمانة ، وبكل تجاوب مع القائمين بها ، واطمئنان لهم وتقدير لعملهم المفيد.
بارك الله فيك
وشكرا على الموضوع