حكايتى مع التنظير … شكرا أستاذى

بقلم أحمد الجعلي.

أول مرة أسمع هذه الكلمة “التنظير” كنت حينها فى السنة الرابعة من دراستى وكنت حينها فى فريق عمل طلابى، وكانت تطلق هذه الكلمة فى وصف أحد أفراد هذا الفريق بأنه “منظراتى”،
ولا أخفيكم سرا لم أكن أعلم ماذا يعنون بهذه الكلمة ولكن ما استشعرته أنها شيئا ليس جيدا (:

وبمرور الوقت فى هذا الفريق واحتكاكى بهذا “المنظر” ابتدأت أن أعرف معنى كلمة “التنظير” وعرفت حينها لماذا كانت تطلق هذه الكلمة فأستشعر أنها شيئ ليس جيد، فعلى نفس قدر اعجابى بطريقة تفكير “المنظراتى” صديقى وكيفية عرضه للموضوع على قدر ما كان يتملكنى الضيق من أن ما يطرحه –على مثاليته- بعيد عن إمكانيات وقدرات فريق عملنا البسيط المتواضع الإمكانيات المادية والفنية.ومن هنا كانت بداية تعرفى على “التنظير” وتعلمت كثيرا من أستاذى الأول فى التنظير والذى أرفع له يدى تحية وأدعو له الله أن ينفع به، إنه أستاذى الباشمهندس عبد الرحمن الزغيمى والذى يكبرنى فقط ببعض شهور.

خطوط عريضة حول التنظير

1- التنظير كما أفهمه يعنى شرح وتوضيح بعض الامور أو الأفكار أو الأعمال أوالعلوم الغير تجريبية، ويشمل مثلا الكثير من العلوم الإنسانية والاجتماعية كما تعتبر معظم مواد التنمية البشرية والإدارية من قبيل العلوم التنظيرية.
ويعرفه البعض التنظير بأنه القدرة على صياغة النظرية

2- فى ظنى أن كل شيئ – بخلاف العلوم التجريبية- هو قابل للتنظير، الرسم .. الأدب .. الخطابة .. الكتابة .. المشاريع والأعمال … ، كل شيئ من هذه الأمور حتى تلك التى تعتمد على موهبة فطرية لدى صاحبها يمكن تنظيرها وفق مجموعة من الخطوات كما ساورد بعضها لاحقا.

3- اتباع الخطوات التنظيرية فى علم أو أمر ما يجعل متتبع تلك الخطوات قادرا على تأديتها بنسبة قد تصل إلى 70% من الكفاءة، حتى وإن كان بعضها يعتمد فى جزء منه على موهبة فطرية لدى مرتاد هذا المجال.

4- كل العلوم التنظيرية ليست حتميات مسلمة بل على العكس الأولى التفكير فيها بعقلية المتشكك والباحث عن الأفضل، فهذا فى حد ذاته جزء من العملية التنظيرية

أهمية التنظير

1- يلخص تجربة انسانية قد تمثل عمر صاحبها، لتصبح مادة سهلة واضحة المعالم كالكبسولة يمكن للآخرين أن يبتلعوها بمنتهى البساطة

2- يفتح التنظير آفاقا متسعة للتفكير وإدراك جوانب مختلفة للفكرة الواحدة

3- يساعد على تطوير الأفكار والعلوم بما يفتحه من آفاق جديدة

4- يوضح مجموعة من السلبيات والمشاكل التى قد تظهر مستقبلا فى مشروع ما أو أمام فكرة ما مما يجعل صاحبها على استعداد لتلك المشاكل ولديه من الحلول والوسائل ما يعالج به هذه الاشكاليات فور حدوثها

خطوات التنظير

كما قلت قبلا لست أستاذا فى التنظير ولكنى أنظّر للتنظير من بعض ما تعلمته من أساتذتى ومن واقع تجربتى.وأهم خطوات التنظير كما اعرفها هى كالتالى

1- المعرفة
وتعنى محاولة الإلمام بأكبر قدر من المعلومات المتوفرة حول الموضوع محل التنظير، وأبعاد هذا الموضوع من خلال مجموعة من القراءات أو البحث على الإنترنت أو سؤال من لديه خبرة أو سابق تجربة فى الموضوع محل التنظير

2- التحليل
ويعنى تفصيل الموضوع لعناصره الأولية، ولعلكم تذكرون ما كنا نفعله فى مادة الحساب فى المراحل الابتدائية من تحليل للأرقام إلى عوامل أولية. وذلك بكتابة كل العناصر المتعلقة بالموضوع أو المشروع محل التنظير

3- العصف الذهنى
بعد التحليل، تأتى فترة من ترك العنان للخيال والعقل فى التفكير فى أى شيئ له علاقة أو يبدو وكأن له علاقة بالموضوع محل التنظير، وتسجيل تلك العناصر حتى وان بدت غير مترابطة .

4- صيد الخاطر
أن يشغل الشخص فكره بهذا الموضوع لفترة وستظل تشرق فى خاطره أفكار ونقاط لها علاقة بهذا الموضوع محل الدراسة، وعليه أن يسجلها فور أن تومض فى فكره وخاطره قبل أن تشرد بعيدا ولا يستطيع الإمساك بها مرة أخرى.لذا لا تنسى الورقة والقلم معك دوما أينما كنت

5- النقاش والحوار
مناقشة الآخرين حول هذا الموضوع، فبالتأكيد ستجد لدى كل شخص تتكلم معه فى هذا الموضوع بعدا جديدا قد يكون خافيا عنك أو بعيدا عن تفكيرك. وكما يقال أنه فى حال استخدام عقلين فى التفكير فإننا نحصل على أفكار أكبر من مجموع تفكير العقلين.ذلك ان الفكرة فى حال النقاش قد تتطور وتتبلور بشكل أفضل من تفكير كل شخص على حدة فى ذات الموضوع

6- التجربة
وتعنى أن تخوض فى أمر أو مشروع او تجربة تشبه ذلك الأمر الذى تسعى للتنظير له. فالتجربة الميدانية فى حد ذاتها تضيف لك جديد وتفتح لك هى الاخرى أبوابا لم تكن تدركها وأنت تجلس على المكتب بعيدا عن الميدان والحركة والتنفيذ.

7- التبويب
بعد جمع كل المعلومات من النقاط السابقة، يتم توزيعها ومحاولة ايجاد رابط بين كل مجموعة منها ليتم تبويبها سويا وتشكسل الهيكل الأساسى للموضوع محل التنظير.ويمكن بالطبع بناء هذا التشكيل على روابط مختلفة، مما يعنى اقتراح أكثر من شكل من أشكال التبويب ومن بعدها الاستقرار على الشكل الأمثل وفق التبويبات المقترحة.

8- المراجعة والنقد
مراجعة ما تم عمله من وجهة نظر ناقدة وليست وجهة نظر معجبة، حتى تتكشف لك بعض المساوئ والعيوب فتقوم بإصلاحها وتقويمها.ويمكن فى هذا الفترة مراجعة ما كتبه الآخرون مرة أخرى فى ذات المجال فلعل بعض النقاط قد سقطت منك أو تتعارض مع بعض ما ذهبت إليه وهو خاطئ.

عيوب التنظير

على الرغم من أهمية التنظير فى رأيى كبداية لأى عمل أو مشروع جديد، فإن ذلك لا ينفى أن للتنظير بعض العيوب ولكن إن أدركها “المنظر” ووضعها فى حسبانه ستقل آثارها، منها على سبيل المثال:

1- تنقيح تنقيح التنظير
أن يدخل الشخص فى دائرة مفرغة من التنظير ثم تنقيح وتقويم التنظير، ثم تنقيح التنقيح، ثم تنقيح تنقيح التنقيح ثم…..حلقة مفرغة لن تنتهى من الدوائر الفلسفية

2- التنظير والبعد عن العمل والحركة
أن يستغرق الشخص فى العملية التنظيرية ويكون ذلك على حساب العمل والحركة، وقد تكون مهمة البعض المكلف بها هى التنظير، إلا أن الأمثل أن لا ينعزل المنظر عن ميدان العمل.

3- التنظير المثالى دون مراعاة الواقع
التنظير على الورق يكون دائما مبنيا على مثاليات لا تكون متوفرة أو موجودة فى الحقيقة، مما يجعله أحيانا بعيدا كل البعد عن الواقع أو إمكانية التحقيق.لذا يجب أن يتم مراعاة البعد الواقى مع المثالية المرجوة. ووضع مراحل للوصول لتلك المثالية. حتى لا يحدث إحباط نتيجة عدم القدرة على الانتقال من الواقع القائم إلى الصورة المثالية مرة واحدة.
منقول للفائدة

2 thoughts on “التنظير و معناه

Comments are closed.