شركات وساطة مالية مهددة بالخروج من السوق الإماراتية
الرؤية الاقتصادية – محمد شمس الدين/

وفقاً للإحصاءات المعلنة، يوجد في السوق الإماراتية 107 شركات وساطة مالية، ما يمثل تضخماً في شريحة تلك المؤسسات بالنظر لحجم السوق وعدد المستثمرين. ويثير هذا اكثر من علامة استفهام عن الجهة المسؤولة عن تلك الظاهرة.

يرى حسام الحسيني، مدير الوساطة و إدارة الفروع بأعمار للخدمات المالية أن نظرة سريعة للقوائم المالية لشركات الوساطة المالية كانت كفيلة في السابق بالتشجع لتوجه المستثمرين لإنشاء شركات جديدة.

تسييل الأسهم

الآن فى ظل تلك الأزمة تلاشت جاذبية تلك الشركات، بل باتت بدورها في ظل عددها الضخم مهددة بالتساقط بعد أن تكبدت تكاليف تأسيسة وتشغيلية ضخمة تتجاوز ذلك إلى المبالغ الباهظة التي كانت توضع تحت إمْرَة سوقي دبي وأبوظبي الماليين لتنفيذ عمليات البيع والشراء، حيث كانت الشركات الكبيرة تضع ما يقارب 450 مليون درهم و الشركات الصغيرة من 50 – 100 مليون درهم بشكل غير نقدي على أن يتم السداد خلال يومين، و الآن بات الكثير من شركات الوساطة في وضع تحسد عليه مع ارتفاع الفوائد التي تدفع للبنوك و خصوصاً تمويل عمليات السحب على المكشوف للمستثمرين الذين بدورهم عجزوا عن دفع ما عليهم .

وحول الآلية التي تسمح لمكاتب الوساطة بسرعة تسييل أسهم العميل المرهونة، أكد الحسيني أن شركات الوساطة لا تستطيع ذلك حالياً قانوناً؛ لأنه كان يحدث في السابق من خلال اتفاقية، ويتم التسييل بعلم إدارة السوق.

وأكد أن نحو 60% من التداولات في السوق يسيطر عليها فقط 25 شركة وساطة كبيرة، مؤكداً على أهمية الاندماج بين الشركات الصغيرة، والذي ستنحصر فوائده على نطاق تقليل التكلفة، وليس الخبرات، منوهاً في الوقت ذاته على أهمية مراعاة التقييم العادل، حيث أفاد أن هناك بالفعل تحركات حالياً للاندماج، ولكنها تفشل لمشكلات التقييم.

كما أشار الحسيني إلى أن عدداً من مديري شركات الوساطة باتوا يزيفون الحقائق أمام أصحاب شركاتهم تجنباً لإغلاق الشركة وحفاظاً على مناصبهم. ويمكننا القول إنه، وبالنظر لكل ما تقدم، وبمناقشة بعض مديري التداول والوساطة في السوق، وجدنا عدم إلمامهم ببديهيات أو مسلمات التداول في السوق المالي أوحتى الاطلاع على أهم مجريات السوق، وأن الأمر يتأتي كما جرت العادة على صعيد «الاسترزاق»، وهو ما حدا بنا إلى عدم نشر تصريحاتهم لتواضعها.

لا قيمة للاندماج

مدير التداول بأحد شركات الوساطة الكبري – رفض ذكر أسمه – أكد أن الحديث عن الاندماج بمثابة إضاعة للوقت أو تحصيل حاصل؛ لأن الكثير من الشركات العاملة في السوق الإماراتي تصنف كشركات صغيرة أو جديدة، ولا تتمتع بمقومات أوقيم حقيقية يمكن أخذها في الاعتبار عند الاندماج في ما بينها؛ لأنه لا قيمة مضافة أوميزة تنافسية لدي أحد الطرفين، كما أكد أنه للأسف التسهيلات الممنوحة في الترخيص فاقمت مشكلات شركات الوساطة؛ لأنها أصبحت تتنافس في ما بينها على السوق، فيما الشركات الكبيرة تستحوذ على نحو 80 بالمئة من تداولات السوق.

أما آسر طبيلة، مدير التداول بشركة الأنصاري للأوراق المالية، فيرى أن الشركات الكبيرة لن تسعى للاندماج أو حتى للاستحواذ في ما بينها، لأنها في أوضاع جيدة، وحول بعض القرارات التي أخذتها الهيئة لمساعدة شركات الوساطة وبالأخص قرار السماح بالتداول بالهامش، فقد أشار إلى أن أغلبية الشركات طالبت بتأجيله؛ لأنه جاء في توقيت سيئ، فضلاً عن أن البنوك بدورها وضعت شروطاً تعجيزية وقاسية لتقديم التمويل.

كما انتقد طبيلة أيضاً انخفاض العمولة المخصصة لمكاتب الوساطة، حيت تم تخفيضها إلى أكثر من النصف «العمولة الحالية 0.015%»، وحول قيمة الخسائر التي تعرضت لها شركات الوساطة في الدولة تحت وطأة الأزمة، أكد أن الأرباح المتأتية من «العمولة» لدى الشركات الصغيرة انخفضت بنحو 65% بفعل تراجع أحجام التداول، فيما بلغت هذه النسبة لدى الشركات الكبيرة نحو 40%.

الأزمة المالية لم تستثن أحد

ويرى جمال عجاج، مدير التداول بالشرهان للأوراق المالية، أن الأزمة العالمية الراهنة لم تسثنِ أحداً، وأن شركات الوساطة أول الخاسرين، وأكد أن أغلبية شركات الوساطة باتت على المحك، أما التوجه للاندماج أو التوجه للخروج نهائياً من السوق؛ لأن أغلبيتها شركات جديدة، لا تملك خبرات أو شريحة عملاء أوحتي رؤوس أموال بالنظر للشركات الفردية، فضلاً عن ذلك فإن شركات الوساطة تعاني من ارتفاع الأسعار العام و ارتفاع في التكاليف التشغيلية والتأسيسة «وعلى سبيل المثال فإن تكلفة تركيب نظام التداول الإلكتروني الإجباري تقارب مليون درهم» مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع الرواتب والتكاليف الأخرى.

أيضاً أوضح عجاج أن خروج شركات الوساطة في المرحلة الراهنة لن يكون سابقة أولى في تاريخ السوق المالي، حيث إن الأزمات التى حدثت العام 2000 قلصت شركات الوساطة بشكل كبير، كما يوجه أصابع الاتهام لهيئة الأوراق المالية التي فتحت الباب على مصراعيه أمام ترخيص شركات الوساطة، ثم تحاول الآن جاهدة إغلاقه بعد أن بلغ عددها نحو 110 شركات في سوق مالي ناشئ، و يتسأل هل هذا يأتي لإثبات وجودها وأنها صاحبة المبادرة.

ملتقى الوساطة الخليجية

وأشار نديم أبو الجلد، المحلل المالي بشركة نعيم للأسهم والسندات، إلى أنه من المنطقي أن تتعرض شركات الوساطة تحديداً في الإمارات لخسائر؛ لأن عددها كبير مقارنة بحجم السوق، ما يعني ضعف نصيبها من التداولات، ورفض نديم توجيه أي اتهام للهيئة، مشيراً إلى أن الإمارات تتمتع بوضعية السوق الحر. كما ذهب إلى أن السوق سيصحح نفسه بنفسه مستشهداً بأزمات سابقة واجهت الاقتصاد المحلي واستطاع التغلب عليها.

وحول آلية الاندماج، فهو يري أن الاندماج يجب أن يكون على أسس ودراسة، وليس اعتباطياً، ومعرفة الحسنات والسيئات، وأيضاً تبني أطر تشريعية جديدة. بدورها فإن الهيئة لم تتردد في الإعلان عن أن الاندماجات و فلسفة الاستحواذ من أفضل الطرق الناجحة لتعزيز وتطوير أداء شركات الوساطة، و قد جاء ذلك الإعلان خلال ما أدلى به مؤخراً رئيس مجلس إدارتها، سلطان المنصوري، بضرورة توجه شركات الوساطة المالية سواء بالدولة أو بدول المنطقة لتفعيل مبادرات الاندماج، والاستحواذ في ما بينها من أجل تعزيز إدائها، و مجاراة التطورات المتسارعة التي تشهدها الأسواق المالية العالمية .

وقال المنصوري في افتتاح ملتقى الوساطة الخليجية الذي استضافته الإمارات مؤخراً بأن الهيئة تقدر دور شركات الوساطة، وتثمن مساهمتها في تطوير السوق المالي، بل تعتبرها شريكاً رئيساً في السوق المالي، مؤكداً على «أن الوسطاء هم بمثابة المحرك للأسواق المالية»، حيث نوه بحرص الهيئة وإدارات الأسواق علي اللقاء المستمر والهادف مع الوسطاء و المستثمرين، لمناقشة وتبادل الأفكار والآراء حول المستجدات المطروحة وأوضاع الأسواق.

يذكر أن المنصوري نادى أيضاً بأهمية اضطلاع شركات الوساطة بمسؤوليتها المنوطة بها و الالتزام بالمعايير المهنية، والعمل على توعية المستثمرين، وتبني المزيد من الشفافية لإرساء الثقة في أسواق المال، وأكد أيضاً أنه رغم أن هناك آمالاً معقودة على دور شركات الوساطة إلا أنه أشار إلى وجود مخالفات كثيرة لدي بعض الشركات. مطالباً بأن تنتهج نظم الإدارة الرشيدة وتطوير نظم حوكمة فاعلة لشركات الوساطة، وهو ما يتعلق أيضاً بالمنهجية نفسها التي طبقت على الشركات المدرجة في بعض دول المنطقة.

كما طالب معالي سلطان المنصوري بأهيمة التركيز على النوعية والكيفية من أجل تحسين أداء وخدمات شركات الوساطة بدلاً من التركيز على الصعيد الكمي «زيادة أعداد الشركات» مما يخلق شركات وساطة قوية و كفؤة على حد قوله.

رؤية مغايرة

ويحمل ياسر الجندي، مدير الوسطاء بشركة الوطنية للوساطة، رؤية مغايرة، حيث يري أن زيادة أعداد شركات الوساطة- 107 شركات- هو مؤشر إيجابي وتنافسي حتى يتسنى تقديم أفضل الخدمات وأرقاها.

لكنه يستدرك «المشكلة تكمن في أن شركات الوساطة ورطت نفسها في السحب على المكشوف بشكل يفوق الملاءة المالية للعميل على أن يتم السداد بعد يومين، ولكن تعثرت ديون العملاء، بل بعضهم اعتبر ذلك حقاً مكتسباً، ويري أن الهيئة بدورها اشترطت ضرورة التأكد من الملاءة المالية للعميل.

وطالب ياسر الهيئة بسرعة الوقف المؤقت للتعامل بنظام التداول اللحظي الذي يلعب دوراً مؤثراً في تقلبات الصعود والهبوط بسرعة كبيرة؛ لأن وقف هذا النوع من التداول، على حد رأيه، ولو بشكل مؤقت يشجع على الاستثمار الصحيح، و يحد من المضاربات العنيفة، والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى الأضرار بالأسواق.

وفي نهاية المطاف فإن الحقيقة الماثلة أمامنا بجلاء لا تقبل الجدال أو الشك، أن مشكلة شركات الوساطة أسهمت فيها أوضاع وأطراف عديدة، وإن كنا لا نعفي شركات الوساطة ذاتها من كونها أهم أسباب الأزمة التي تعاني من وطائتها، الا انه يجب التأكيد على أنه ما من أتهام يمكن حصره في أطار شركات الوساطة فقط، رغم جملة الأخطاء التي قامت بها، وذلك للاعتبارات و الحقائق منها؛ أن أغلبية تلك الشركات هي مؤسسات فردية يملكها و يقودها أفراد توفر لهم فقط شرط التمويل الكافي دونما مراعاة الخبرة.

والحال كان سيختلف كثيراً إذا راعينا ضرورة منح التراخيص بشكل موسع لشركات ذات كيان مؤسسي، وتتوافر لها خبرات مالية و إدارية ضخمة -أغلبية شركات الوساطة في البورصات العالمية تعود لمؤسسات مالية ضخمة، وتتمتع بخبرات تفوق عشرات.

كذلك فإن شرط رأس المال البالغ 30 مليون درهم يعتبر ضئيلاً بالنظر لحجم سوق يشهد تداولات تتخطى أحياناً حاجز الثلاثة مليارات درهم، «يبلغ الحد الأدنى لتكوين رأسمالي للشركات التي تتعامل بالسوق السعودي 100 مليار درهم» .

إضافة إلى ذلك هناك تساؤل مهم : كيف يمكن لعدد 10 أو لِنَقُلْ 20 شخصاً سواء في إدارة سوقي أبوظبي و دبي الماليين أو إدارة «الهيئة» مراقبة أداء نحو 2000 شخص يعملون في شركات الوساطة بالدولة على افتراض أن كل شركة يعمل بها 20 شخصاً؟.

هناك أخطاء ارتكبتها «الهيئة» تتمثل في حصرها نشاط الترخيص في مجالات الوساطة دونما مراعاة القدرات الإدارية والخبرات المتراكمة، والملاءة المالية لكل شركة وهو ما يستدعي بالفعل ضرورة الأخذ بنظام التصنيف «نوهت بأهميته بعض مصادر الاستطلاع» وفقاً لكم الخبرات و ليس رأس المال فقط الذي تستحوذ عليه كل شركة، وبما يتيح القيام بأنشطة أخرى في مجالات استثمارية فظيعة.

أخيراً لابد من القول إن أزمة أواختلالات السوق المالي ليست إلا جزءاً بسيطاً من منظومة متراكمة من الأخطاء التي يعاني منها الاقتصاد المحلي، وخصوصاً ما يتعلق بكل فورة اقتصادية يشهدها قطاع محدد في وقت محدد، فالحاجة باتت ملحة الآن وبقوة لمراجعة وتنقيح التشريعات و معالجة الثغرات الكامنة.

6 thoughts on “الحذر : شركات وساطة مالية مهددة بالخروج من السوق الإماراتية

  1. شكرا لك
    نحن الحين خايفين على تسييل أسهمنا ولكن أظن لايستطيع البروكر تسييل أسهم العميل الأ بموافقه إدارة السوق أنظر للعباره هذي وحول الآلية التي تسمح لمكاتب الوساطة بسرعة تسييل أسهم العميل المرهونة، أكد الحسيني أن شركات الوساطة لا تستطيع ذلك حالياً قانوناً؛ لأنه كان يحدث في السابق من خلال اتفاقية، ويتم التسييل بعلم إدارة السوق.

  2. ومنها من قلصت عدد موظفيها

    ومنها من أغلقت بعض فروعها

    ومنها من قللت رواتب موظفيها

    ومنها من أغلقت أبوابها

    ومنها من ستغلقه قريباً

    هذا جني أرباح أم جني أرواح

    أم الأثنين معاً ؟

Comments are closed.