غبــاش مع الشيــخ / زايــد بــن سلطــان .. الله يرحمهم اللهمـ آمـــيــن
بسم الله الرحمن الرحيم
جريدة الخليج الإماراتية: 25 أكتوبر 2009م: تحفر في الذاكرة صور أشخاص يصعب نسيانهم، أشخاص شقوا طريق النجاح بالصبر والمثابرة ليصبحوا أنموذجا ومثالا يقتدى به، والشهيد سيف سعيد غباش أول وزير دولة للشؤون الخارجية هو احد هؤلاء الاشخاص الذين نسترجع قصصهم في الذكرى السنوية
لوفاتهم لاستلهام العبر منها، وبالاخص عند تناول قصة رجل شق طريقه إلى النجاح عبر مسيرة طويلة من الغربة والمشقة من أجل العلم والمعرفة وخدمة الوطن . الشهيد سيف غباش كان من أوائل مؤسسي أركان وزارة الخارجية وإداراتها وحاملي راية رسالة الإمارات إلى العالم من اجل الخير والتضامن، حتى قال عنه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله “انه مثال للرجل المسؤول وواحد من خيرة الشباب ممن جاهدوا وسعوا إلى خير العرب ووحدة كلمتهم وتضامنهم”.
ولد سيف سعيد بن غباش المري في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1932 في حي معيرض بإمارة رأس الخيمة، توفي والده سعيد بن غباش بن مصبح بن أحمد بن زايد بن صقر بن أحمد المري عندما كان في 12 من عمره، وتوفيت والدته بعد 3 أشهر من وفاة والده، وعاش بعدها مع عمته في دبي لمدة 3 سنوات حيث التحق بالمدرسة الأحمدية لفترة من الزمن وكان يدرس اللغة الإنجليزية في مدارس ليلية.
وفي العام 1946 بدأ مسيرته التعليمية على يد الشيخ أحمد بن حجر حيث تعلم النحو والبديع والبيان والفقه الإسلامي وعلم الفرائض، متميزا عن أقرانه الطلبة بذكائه وسرعة حفظه للأبيات وحل مسائل الفرائض، وقام بتأدية فريضة الحج برفقة جدته وصحبة الشيخ سيف المدفع قاضي إمارة الشارقة آنذاك.
وفي خريف عام 1949 سافر إلى البحرين طلبا للعلم والمعرفة، وعلى الرغم من التحاقه بالدراسة في المدرسة الابتدائية الشرقية في المنامة قبل الامتحان النهائي للسنة الرابعة الابتدائية بعدة أشهر فقط، إلا انه نجح بتفوق وامتياز وكان ترتيبه الأول على جميع طلبة البحرين.
غادر الشهيد البحرين إلى العراق بعد تخرجه من الثانوية العامة عام 1953 وحصوله على المركز الأول حاملا رسالة توصية تشيد بكفاءته من دائرة المعارف، لبدء رحلته الجامعية في دراسة الهندسة في جامعة بغداد، واجتاز السنة الأولى والثانية بنجاح لافت رغم انه لم يدرس دراسة علمية في البحرين لكن
الظروف السياسية التي أعقبت العدوان الثلاثي على مصر حالت دون إتمامه السنة الثالثة حيث اضطر إلى مغادرة العراق عام 1956 متوجها إلى مصر حيث حصل على بعثة من المؤتمر الإسلامي هناك، لكن كلية الهندسة لم تعترف بدراسته في بغداد، فقرر السفر إلى الكويت ليعمل هناك بوظيفة مساعد مهندس في دائرة الأشغال الكويتية وسط إصرار في متابعة القراءة والبحث العلمي إلى درجة تحولت فيها غرفته المتواضعة في احد الأزقة الضيقة إلى محطة لزملائه المفكرين يناقشون فيها أمور السياسة والثقافة والتاريخ العربي والعالمي.
وفي عام 1959 هاجر الشهيد سيف غباش إلى النمسا بعد أن توقف برهة في لبنان التي كان يحتضن حينها معظم المثقفين والسياسيين، وأقام في مدينة كراتس التابعة للعاصمة فيينا حيث انكب على دراسة اللغة الألمانية بشغف واهتمام لينمي ذاكرته بروائع الأدب الألماني مثل الشاعر “غوته”، لكن الظروف
المادية وغلاء المعيشة حالت دون التحاقه بالجامعة لمتابعة دراسة الهندسة فقرر الانتقال إلى ألمانيا وتحديدا إلى مدينة ديسلدورف حيث عمل مساعد مهندس في شركة إنشاءات ألمانية مصرا على جمع ما يكفي من المال لمتابعة دراسته.
وانتقل من ألمانيا إلى سويسرا متقدما للعمل في شركة أخرى كمساعد مهندس حيث تمكن بذكائه وتفوقه من الحصول على الوظيفة، واستفاد من وجوده هناك بالقيام بزيارات متعددة إلى ايطاليا التي ساهمت في إثراء ثقافته في حقل الآداب والفنون وقدر لا بأس به من اللغة، وفي عام 1963 انتقل إلى العاصمة
الفرنسية باريس وفي نيته الاستقرار لإتمام دراسته الجامعية في الهندسة حيث حاول الحصول على منحة دراسية إلا إن الظروف لم تساعده في ذلك، فحول جهوده نحو تعلم اللغة الفرنسية ودراسة الأدب والفلسفة قارئا لكبار المفكرين والأدباء أمثال ألبير كامو وجان بول سارتر وموليير.
في عام 1969 بعد نحو 20 عاما من الغربة والترحال، عاد سيف سعيد غباش إلى مسقط رأسه في رأس الخيمة وهو مملوء بالحماس للعمل في خدمة وطنه وتأمين مستقبل آمن لعائلته حيث رزق تباعا بأبنائه الثلاثة عدنان وعمر وسعيد.
كان أول عمل اسند الى الشهيد هو رئيس قسم الهندسة في بلدية رأس الخيمة، حيث لعب دوراً كبيراً في تخطيط المناطق الزراعية والسكنية التي كانت الإمارة تخطط لمنحها إلى مواطنيها، فساهم في وضع الخرائط وتقسيم الأراضي وتنظيم ملكيتها ومساحتها بالاضافة إلى مشاريع حماية الشواطئ وشبكة المواصلات الحديثة.
وسعى إلى بث المعرفة والنهضة الثقافية من خلال مقالات في مجلة رأس الخيمة حيث كان يترجم كل ما تكتبه كبريات الصحف والمجلات العالمية عن الأحداث المهمة في العالم، كما نشر أفكاره عن مشروع حماية شواطئ المعيرض الشمالية وشبكة المواصلات الحديثة للإمارة داعما مقالاته بالخرائط والرسومات الهندسية المبسطة.
رافق سيف غباش صاحب السمو الشيخ صقر بن محمد القاسمي عضو المجلس الاعلى حاكم رأس الخيمة إلى بعض العواصم العربية والأجنبية بين عامي 1969 و1970 وشارك ضمن وفد رأس الخيمة في محادثات الاتحاد التي سبقت انسحاب بريطانيا من
المنطقة وإعلان استقلال دول الخليج، وفي عام 1971 كان من أوائل الإماراتيين الذين هبوا للدفاع عن أرضهم ووطنهم حيث ذهب ضمن وفد من الإمارة إلى القاهرة لعرض قضية احتلال إيران الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى على
مجلس جامعة الدول العربية مدافعا عن عروبة الجزر ومطالبا بإنهاء الاحتلال الإيراني، كما شارك في إصدار نشرة عن تطورات الوضع بعد الاحتلال وساهم في ترجمة وصياغة البرقيات المرسلة إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى . وبعد قيام دولة
الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971 تم تعيين الشهيد الراحل في منصب وكيل وزارة الخارجية حيث عمل جاهدا في تنظيم الوزارة وتجهيز العناصر الجيدة من شباب الإمارات لإرسالهم إلى سفارات الدولة في الخارج، كما قام في تنظيم الإدارات التابعة
للوزارة ومنها الشؤون السياسية والشؤون القنصلية والمالية والإدارية والسكرتارية، ساعيا إلى تربية جيل جديد من الدبلوماسيين عبر دعوتهم الدائمة إلى تحكيم العقل والابتعاد عن الانفعال والعواطف وانتهاج الموضوعية في الحكم على الأحداث التي تمر بها البلدان العربية والأجنبية.
وفي 25 ديسمبر 1973 شكلت وزارة اتحادية جديدة وعين الشهيد الراحل أول وزير دولة للشؤون الخارجية، ليصبح المتحدث الرسمي باسم الإمارات في المحافل الدولية محاولا بكل جهده إيصال صوت الإمارات إلى العالم ودعوتها إلى صداقة الشعوب واستتباب العدالة والسلام.
كان الراحل من أشد المتحمسين للقضية الفلسطينية حيث ذكر الأمم المتحدة في خطابه أمام الجمعية العامة عام 1975 بقراراتهم لمنح الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة واتخاذ قرارات لإجبار “إسرائيل” على الالتزام وفق الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية . كما كان داعيا إلى إقامة علاقات عربية أوروبية تنطلق من الجذور التاريخية.
وفي عام 1976 شارك في مناقشة قضية الشرق الأوسط أمام مجلس الأمن وألقى خطابا بارزا ندد فيه بالسلوك العدواني ل”إسرائيل”، وكان خطابه الأبرز قبل يوم من استشهاده في 24 أكتوبر 1977 حيث أدهش المشاركين في اجتماع الأمم المتحدة بعرض عميق وواضح لمسيرة المنظمة الدولية.
( يوم الشهادة )
عند الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الثلاثاء 25 أكتوبر 1977 الشهيد الراحل يرافق عبد الحليم خدام وزير الخارجية السوري آنذاك إلى مطار أبوظبي لوداعه، وعند دخول الوزيرين إلى الصالة الكبرى لمطار أبوظبي وفي طريقهما إلى قاعة الشرف
انطلقت رصاصات غادرة كانت تهدف اغتيال خدام لكنها أصابت الوزير غباش في كتفه وبطنه حيث نقل إلى المستشفى وتوفي متأثرا بجروحه لتفقد الإمارات رجلا من رجالاتها البارين ولتحزن الأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي لرحيله.
كان خبر استشهاده مفاجأة مفزعة لمعظم أصدقائه من الكتاب والسياسيين الأجانب، ففي الأمم المتحدة أبدى كل من شارك في الجمعية العامة أسفه البالغ للخسارة الفادحة التي منيت بها الإمارات .وفي واشنطن توالت البرقيات والمكالمات الهاتفية على سفارة الدولة
من رؤساء معاهد وجمعيات وبعض أعضاء مجلس الشيوخ، أما في اوروبا فقد كانت اللجنة العامة للحوار العربي والأوروبي مجتمعة حينما انتشر خبر وفاته فما كان من المشاركين إلا أن قطعوا الاجتماع ووقفوا دقيقة صمت على روحه.
( قالوا عنه )
“مثال للرجل المسؤول وواحد من خيرة الشباب ممن جاهدوا وسعوا إلى خير العرب ووحدة كلمتهم وتضامنهم” .
(زايد بن سلطان آل نهيان)
“انه فلتة من فلتات الزمان وكانت المسؤولية تنتظره كثمرة حان وقت قطافها فتحملها بكل جدية وكفاءة”
(صقر بن محمد القاسمي)
منقول
الله يرحمه ومشكورة على هالمعلومات ..اول مرة اعرف عن حياته وشو استواله..
وفي عندنا مستشفى سيف بن غباش الله يجزاه الف خير ويغمد روحه الجنه..
نسأل الله أن يرحمنا ويرحم موتى المسلمين..
الله يرحمه ويغمد روحه الجنة