بسم الله الرحمن الرحيم‎

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …

‏سوف اضع لكم في هذا الموضوع ملخص او نقاط مفيدة من كتب استمتعت بقراءتها.

بامكاننا ايضا ان نخصص هذه الصفحة‎ لكل من اراد البحث عن كتاب

وسأقوم أنا أو أحد الاعضاء الذين يملكون المعلومة بالرد.

أرجو أن نتعاون للأفضل … و للكل حرية المشاركة.

سوف ابدأ بكتاب ” سوف تراه عندما تؤمن به “‏

مؤلف الكتاب هو ” وين دبليو. داير ‏Wayne W. Dyer حاصل على درجة
الدكتوراه في علم النفس الاستشاري.
‏‏
يأخذنا وين دبليو داير في كتابه سوف تراه عندما تؤمن به الى آفاق جديدة للأدراك الذاتي.
إنه ‏يوضح ان بامكانك توجيه مسار حياتك و ذلك بتفجير القوة الهائلة التي تكمن بداخلك.‏

هذا الكتاب يوضح لك أن بامكانك من خلال الايمان أن:‏

‏* تحقق أقصى الأحلام صعوبة.‏
‏* تحول العوائق الى فرص يمكن استغلالها.‏
‏* تخلص نفسك من الشعور بالذنب و الاضطرابات الداخلية.‏
‏* تقضي كل يوم من حياتك في ممارسة ماتحبه.‏

إنها حياة جديدة بإنتظارك.‏

و لي عودة مع الكتاب و معكم لاحقا.

تحياتي …

163 thoughts on “الركن الهاديء – مكتبة المنتدى

  1. رواية مدائن الرماد للكاتبة السعودية بدرية العبدالرحمن العبيد …‎

    بدرية تستصرخ الضمير العربي والإسلامي والعالمي بتنبيههم على أن الخطر الصهيوني المتعصب ‏هو

    مايمكن أن يجلب الدمار على العالم كله‎ … ولذلك عنونت روايتها بأنها (رواية للعالم‎)

    أي أنها تخاطب بها العالم بلا استثناء‎ …‎

    بدرية اهدت هذه الرواية هدية لروح الشيخ ياسين رحمه الله‎ …

    وأنها جاءت قبل مقتله بحوالي شهر وكأنها تنبيه لماسيحصل

    أو أنها تنبؤ بمايحصل الآن في ‏الأراضي الفلسطينية

    الرواية تعتبر بشارة وطمأنة لقلوب المسلمين العرب في كل العالم

    بأن النصر قد لايأتي ‏من داخلهم ومن أنفسهم …بل ربما اتى النصر من حيث لم يحتسبوا‎..‎

    الرواية تقع في 645 صفحة و تتحدث عن معاناة فتاة فلسطينية أسمها رامة(قدس) ومعانتها

    ‏اليهود .. وامريكا.. والوحدة الاسلاميه المنتظرة .. وعبدالقادر .. والجنون .. والحب .. والمسخ ..

    ‏والشاؤؤل .. وميتشجن ونيويورك ودي سي .. وعائشة وأشياء أخرى مذهلة‎.‎

    كتبَت المؤلفة تقول‎ :‎

    روايتي رسالة مفتوحة للعالم الغريق

    وصرخة مخنوقة‎

    من ناصح شفيق‎

    أهديها بكل حب‎‎

    للسائرين في الضباب‎

    والزاحفين نحو أشلاء العذاب‎

    روايتي أقصوصة صغيرة‎

    قد لا تكون قصة مثيرة‎

    أو دبجت بأحرف منيرة‎‎

    أو رقشت من صفحة التاريخ أي سيرة‎

    لكنها ستبقى‎‎

    ورغم كل شيء روايتي الأثيرة‎

    روايتي رسالة مفتوحة للعالم الزبل‎

    كتبتها يا سادتي من دونما أمل‎

    لأنني قد أبصرت عيناي منذ أن ولدت فورة الظلم العريق‎

    فقررت هلاوسي‎

    أن تكتب التاريخ درساً طيع التطبيق‎

    للصغار الحافظين

    والكبار اللاهثين‎

    فما استعنت لحظة بفوكوياما أو سمويل‎

    وإنما رتلت سورة الأنعام والرعد‎

    وقصة الأخدود‎‎

    كتبتها- روايتي- من دونما خط أنيق‏‎‎

    كتبتها – لا تسخروا- في دفتر ممزق عتيق‏‎

    دونتها في حاسبي العفن‎

    من أجلكم يا عالمي النتن‎‎

    من أجل جيل قادم كصاخب البروق‎‎

    بثورة عظيمة تهد عرش كل فرعون جديد‎‎

    تحرر الانسان من قيد الهوى‎‎

    وتبعث الحياة إنسانية حقيقة في راية التوحيد‎

    من أجلكم يا عالمي الغريق‎‎

    كتبت خربشاتي‎..‎

    أوضحت أنني أحبكم‎..‎

    ياعالمي المغفل المحروق‎

    بكل شيء أسود في ذلك الجهنم السحيق‎‎

    من أجلكم‎..‎

    دونتها‎..‎

    ألقيتها‎..‎

    على قوارع الطريق‎..‎

    رواية أسميتها مدائن الرماد‎..‎

    أريدكم أن تقرؤها‎

    تحفظوها‎..‎

    لتنقذوا رامتكم‎

    وفوق كل شيء‎‎

    لتنسفوا مدائن الظلام‎ !!‎

    كتب عبدالرحمن صالح العشماوي عن الروايه وقال‎ :‎

    رواية كبيرة حجماً، وكبيرةٌ في مستواها الفنّي صدرت عام 1424ه عن مكتبة العبيكان في الرياض،

    ‏رواية تحمل عنوان (مدائن الرَّماد)، كاتبتها فتاة سعودية تتعامل مع (فنّ العمل الروائي) بصورة

    ‏ممتازة، طالبة تخرجت قبل عامين من إحدى جامعات المملكة، فتاة مسلمة تقرأ العالم بروح المسلمة

    ‏التي تعرف ما لها وما عليها، وتدرك مكمن البلاء في هذا العالم العجيب‎.‎

    رواية ذات حبكة متقنة، بطلتها (رامة) فتاة فلسطينية تشرَّدت، وجرى لها من الويلات، والأحداث،

    ‏والآلام ما يؤكد وحشية هذا العالم الذي سلك به الإنسان المنحرف عن منهج ربه أسوأ المسالك،

    ‏وأفظعها‎.‎

    (مدائن الرماد) رواية ترسم لوحة متداخلة من الحياة البشرية المعاصرة، بما فيها من خير وشر،

    ‏وصلاح وفساد، وبما فيها من أحداث ومواقف، انتقلت بضجيجها وصخبها إلى نفس الكاتبة وعقلها،

    ‏فهزَّتها من الأعماق، وحرَّكت في نفسها، وهي فتاة مسلمة تتابع ما يجري في العالم من مدينتها ‏الأثيرة

    لديها (الرياض)، حركت في نفسها الشعور بالفرح والحزن بالأمل والألم، واستطاعت بقدرة ‏فنية ممتازة

    أنْ تنقل كلَّ ذلك في صفحات روايتها المثيرة التي لا يملك من يفتح صفحتها الأولى أن ‏يتوقف عن

    القراءة حتى يكملها، إنها التجربة الأولى للكاتبة السعودية (بدرية العبدالرحمن)، ولكنها ‏مفعمة بالفن

    في كل سطر من سطورها‎.‎

    الرواية قائمة على تصوير (الاضطراب الهائل) الذي تعيشه حياة البشر في هذه المرحلة، وفيها من

    المعرفة العميقة بمسيرة العصر، وبأسرار سياساته وتوجهاته الفكرية والثقافية ما يجعلنا نشيد بفهم

    ‏صاحبة الرواية لعصرها مع كونها كتبت روايتها – كما يبدو من تاريخ نشرها – وهي في المراحل

    ‏الأخيرة من دراستها الجامعية‎.‎

    لقد توقعت الكاتبة بعض الأحداث بناءً على ما ترصده من واقع العالم، ورسمت ملامح واضحة

    ‏للانحراف الذي استطاعت (الصهيونية) أن تجر إليه العالم كله، وأن تغرق فيه أعظم دولة على وجه

    ‏الأرض‎.‎

    لقد استطاعت رواية (مدائن الرماد) أن تنقل القارئ إلى عوالم غريبة في فضاء أمريكا الرحب، وإلى

    ‏تلك الدهاليز المظلمة التي تتحرك فيها الخفافيش السامة التي تريد بالبشرية كلها السوء، وتسعى إلى

    ‏تعميم الفساد في الأرض، رواية تضع القارئ أمام عمل روائي ناجح متكامل من حيث الخيال ‏والحوار

    واللغة المفعمة بالحياة والحركة‎.‎

    تحيةً لرواية كتبها فتاة سعودية تعرف حدود دينها معرفةً تامة، حيث إن الكاتبة قد نجحت في تصوير

    ‏الشر والخير بصورة متوازنة، مع نجاحها الكبير في تحقيق عنصر التشويق والإثارة الواعية، ومع

    ‏قدرتها على الربط بين الشخصيات بطريقة ممتازة يتميز بها العمل الروائي الناجح‎. ‎

    إني أدعو الكاتبة (بدرية العبدالرحمن) إلى رعاية موهبتها، ولزوم طريق الحق في هذا الفن الأدبي

    ‏المهم (فن الرواية)، زادها الله توفيقاً وسداداً‎.‎

  2. ‎فصل من الرواية ( الوثن يتكلم‏‎ )

    تشاغلت عن منادمته في سرها. قاومت التحدث إليه بينها وبين نفسها في الخلوات. وأمام النار في ‏الخيمة ذات يوم، كوت باطن يدها اليسرى لصرف اهتمامها المتزايد به، إذ كانت تخشى أن تنجذب ‏إليه كما يلح عليها فتصاب بالجنون، أو تجد نفسها تتكلم أمام الناس بخواطرها وبأحاديث نفسها ‏الخاصة، وقد يسوء الحال فيبدر منها ما يكشف سرها للجميع. لكن إلحاحه في المجيء والمنادمة ‏استمر، بل زاد عن ذي قبل، وكلما اختارت مكاناً في يديها لكيّة جديدة، زاد في الطلب والمراودة‏‎. ‎

    في إحدى العشيات صرخت مغضبة: ياله من عنيد هذا الشيء! وقرأت الآيتين الوحيدتين اللتين ‏تحفظهما من سورة الناس ” من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ” وتذكرت ‏الحشرات التي كانت تنادمها في أرض الأطيان الرطبة، وكيف كانت تجتمع حولها كما لو أنها شجيرة ‏حرمل خضراء، فتنفتح بين الكل حزم صغيرة من التخاطرات والمهامسات الخفيضة المتبادلة. كان ‏الذي يقلقها، هو أنه ليس بحشرة. بل شيء آخر. شيء لم تدفعه بعيدا لسعات النار في اليدين، ولا ‏تكرار الآيتين‎. ‎

    بعد شهور، أذعنت للنداء فرأت زائرَها الغريبَ في المضافة. قبة صغيرة من الغبار تكونت أمامها، ‏لكنها فارغة من الباطن، ومتقلبة من الظاهر مثل دخان النار. رتبت له الوسائد، وأقعدته في عمق ‏المجلس، بعيداً عن الرياح التي بدأت تهب، وعن ضوء النهار المندلع في الخارج. ما أهم هذلا للغاية، ‏كان ليس قدومه بتلك الصورة الغريبة، وإنما لأنه سماها باسمها، وراح يطرح عليها أسئلته الكثيرة، ‏مع إظهار توقه إليها وشغفه بمنادمتها‎:‎

    أهلا بك يا هذلا . كم هو صعب أن أجدك بسهولة وأصدق أنني وجدتك؟ لقد سألت عنك كثيراً في ‏الوجوه لكن أحداً لم يدلني عليك. والمشكلة أنني لا أعرف إلا اسمك الأول. يسألونني بعيون حائرة من ‏هي هذلا؟ فأجيب لا أعرف، هي هذلا فحسب. ألست معي في أن الوصول إلى الشخص شاق ومتعب ‏إذا كنت لا تعرفين إلا اسمه الأول؟ معهم حق، فكلنا لا نعرف إلا أسماءنا الأولى في هذه الفيافي ‏السحيقة، كما لا نعرف من وجوهنا إلا بمقدار ما ينظر إلينا الآخرون، لكن أي إنسان لا بد له من ‏صديق، يسأل عنه، ويحمل إلى الناس أخباره، أليس كذلك؟ في هذه الصحراء القاحلة من الأصدقاء، ‏يصعب على المرء أن يجد صديقا حقيقياً يعول عليه عند وقوع الشدائد. لقد تجولت كثيراً في أقطارها ‏فلم أجد فيها أكثر صدقاً من الرمل والسموم والعطش والوحدة‎. ‎

    ردت هذلا دون أن تحرك شفتيها: هذه الأرض واسعة حقاً، فكلما أمعنت في المشي عليها، حملتني ‏إلى آفاق أوسع مما رأيت من قبل. وخطر على بالها أن تقول آفاق اكثر خلاء، وأشد وحشة، غير أنها ‏لم تقل ذلك بل أكملت: نعم، هناك الرمل والسموم والعطش، لكنها معي كلها في نفس المكان، تدور ‏حيث أدور، وعندما أقف وتسكن حركتي تجتمع حولي وتنادمني كما لو أنني وحدي بمعيتها في الحل ‏والترحال. تصورتْ أن هذا الوصف أفضل مما خطر على بالها من توصيف الآفاق بالخلاء ‏والوحشة، ولتوضيح الصورة بشكل نهائي أضافت: بينما لا أجد من الناس من يحمل همي وينادمني ‏كما تفعل هي‎. ‎

    سألها الغريب: هل سبق لك أن عطشت للغاية ومع ذلك لم تغضبي ولم تتذمري من العطش؟ فأجابت ‏بشفتين مطبقتين: حدث لي ذلك، عطشت وتشقق حلقي وأصابني الإعياء حتى ظننت بأن الرياح ‏ستذروني في الآفاق، ورغم ذلك كنت أردد بأن العطش لا يختلني من الخلف ولا يثقب قربتي، بل ‏يواجهني، ويريني الحقيقة كاملة: أنا التي وطأت بقدمي حدوده، فإما الموت في شراكه، أو الإسراع ‏في طلب الماء‎. ‎

    عند ذاك صفى صوت الزائر أكثر واقترب من حدود العلن: ولكن العطش أحياناً ليس إلى الماء فقط. ‏أليس كذلك؟ وفكرت في عطش مختلف: ولكن من أي نوع؟ رد عليها: أن نلتمس نور الله أينما وجد، ‏وأن نبحث عن الحب الإلهي‎….. ‎

    وفيما كان زائرها يتكلم، كانت هذلا تجري على قلبها كل ما تحفظ من عزائم واستعاذات من شر ما ‏انقضى وما يأتي. من شر الأثواب وما تخفي، والنعال الغريبة وما يحدث قرعها في النفوس من آثار ‏ظاهرة وباطنة. واستعاذت من شر الرياح وما ذرين، ومما تحمل الرؤوس من خيالات للعابر والمقيم. ‏صوت هذا الزائر الغريب يشبه ما تحفظه ذاكرتها من صوت لفرحان القناص. ولو لم ترد بعض ‏الأخبار بموته في حقل للرماية تابع للجيش، لقطعت بوجوده على قيد الحياة، بل إنها أكدت لنفسها: ‏يوشك أن يظهر في أي مكان مادام أنه بهذه القوة في المنادمة. غير أنها بعد استغراق شديد في التأمل ‏والإصغاء، عادت فأكدت بأنه يشبه الجميع في الملامح العامة. يشبه أباها، وأعمامها، وأخوالها، ‏وسائر قرابتها الذين رأتهم عن قرب. ملامح غبارية مضطربة لكن من المحال أن تخفي تعاستها ‏وبؤسها وهي تتكلم. فقط الصوت المنبعث من الزائر هو الذي يذكرها بالصوت البري الخشن الذي ‏تتذكره لفرحان القناص‎. ‎

    لم تنس أن تلصق أصابعها على ظهر الفنجان الساخن، لتنفذ حرارة القهوة إلى زائرها من أجل أن ‏يستمر في الكلام. فقد لاحظت أنه كلما كان الفنجان ساخناً، ارتفع صوته وتكلم أكثر، وكأن حرارة ‏القهوة تنفذ مباشرة إلى أعماق سحيقة فيه فتشففها وتجريها في كلماته. أعماق قد يكون تركها وراءه ‏في أماكن بعيدة لكنه لم ينقطع عنها. وتذكرت جدها الذي تركته منذ أعوام أربعة يتمدد بصمت في ‏قبره تحت الأرض. هل كان هو الآخر إلا أعماقها هي في هذه اللحظة؟ تساءلت وهي تنظر بعينين ‏مشوشتين إلى قطعة الغبار المتقببة على مسافة قريبة منها. قال الزائر‎:‎

    في أحد الأيام، تحرشفت من ناصيتي حتى قدمي، فخفت وركضت مبتعداً عن الناس، مخفياً وجهي ‏عن العيون، إلى أن رأيتني أقف في برية تتداخل فيها الطبيعة الجبلية وطبيعة السهول، ويتمدد فيها ‏نبات الشري المر بجوار شجر القتاد، فتحسست وجهي، بيدي المتغضنتين، ثم خلعت ثوبي وتأملت ‏جلدي، فرأيته يتحات سطحه قشوراً ترابية غريبة، واتشح بحمرة خفيفة لم يكن ينقصها إلا الوقت ‏لتلمع دماً قانياً تحت الشمس، فتهاويت على الأرض من فرط شعوري بالخوف، ورحت أنكث ودائع ‏جسدي بعود هش يتكسر تباعاً، دون أن أعرف ما إذا كان يجب علي أن أصرخ طلباً للعلاج، أم أحمل ‏تشوهاتي وأصمت لئلا يتحاماني الناس وينفرون من مرآي؟ هل أتقلب على الأرض مثل بعير أجرب ‏يتقلب في المراغة، أم أدع الشمس تحمس جلدي كيفما شاءت وليحدث ما يحدث؟ ووجدتني على ‏النقيض مما تسحه عيناي من دموع، لا أحس أنني أبكي كما أبكي في العادة، بل شعرت فحسب بماء ‏العينين يندفع إلى الخارج، طوال الوقت الذي انشغلت عنه فلم أعرف كم مر منه وأنا في مكاني، ولم ‏أهتم للذباب الذي أحسست به يملأ ظهري، ورأيته يدخل في إبطيّ بأعداد كبيرة باحثاً فيهما عن شيء ‏يمتصه. لكن لابد أن الوقت الذي مر كان طويلاً، بدليل أن حبال الشري تحت ركبتي، يبست وتمزقت ‏وبقي مكانها الحدج الأصفر المتجعد من العطش، وتكثف شعر رأسي ولحيتي فأثقلني وشد رأسي إلى ‏أسفل، أما ما عدا ذلك، فكان بإمكاني رؤية عظام يدي بوضوح، وهي تهتز وراء جلد رقيق تغطيه ‏الحبوب التي صارت حمراء قانية كما في سائر جسدي.

    كان ما يشغلني حقاُ هو أن أجد مخرجاً من ‏هذا المأزق غير المتوقع، وكنت أوقن أن الشخص الوحيد الذي يستطيع مساعدتي هو أنا. هل تدركين ‏ما أقول؟ لن تتصوري الأمر على هذا النحو إلا بعد أن يتوغل فيك إلى الحد الذي يحملك على أن ‏تفكري في أن أحداً غيرك لا يمكنه أن يمد لك يد العون، وعندها، توقنين تقريباً أنك لم تنتهي كلياً، ‏وأن ما تبقى منك قادر على تعويضك ما فات، وربما أفضل. هكذا كنت أفكر آنذاك، وياله من تفكير! ‏وكان سؤالي الأهم هو لماذا حدث لي ذلك؟ هل هو عقاب من الله على أعمال فعلتها في الماضي، ‏وهي أعمال فاجرة بالمناسبة وقبيحة؟ أم حدث بسبب رياح وخِمة حملت معها وباء لاشفاء منه ‏فاعترضت طريقي؟ ولم يفتني بالطبع احتمال أن يكون ما حدث نتيجة عين شيطانية نافذة أو بفعل ‏دعوة صائبة انطلقت من فم أحد الصالحين، رغم شكي في وجود صالحين في هذه القفار الشاسعة. ‏وخطر لي أن الحادثة لم تكن لتقع لو لم أستحقها كعذاب إن كانت كذلك. لكن تحول جلدي إلى رمل ‏أحمر، كان الشيء الذي لا أذكر أنني عملت خطيئة توازيه لأنال هذا الجزاء، فالله الذي لا يظلم أحدا ‏لا يعاقب الإنسان بذنب لم يقترفه في حياته. وبمرور أصابعي على جلدي، لمست طبيعة الرمل ‏الخشن الغليظ، رمل الشعاب الوعرة المعزولة، وأشلاء الحصى الأصهب في الحزوم الجرداء.

    وكنت ‏إلى تلك اللحظة، أنكر بشدة ما يقال بأنني جاف مثل جبل وأن طباعي غليظة، وكانت حجتي لأرد ‏على تلك الأقاويل هي أنني أبتل اكثر منهم بالمطر، وأحب العشب ونواوير الربيع، ولطالما لفت ‏نظري القد المستقيم، ويد الفتاة المبسوطة على الأشياء اللدنة الصغيرة. نعم، كان يأخذ بلبي بيت ‏الشعر الجديد المليء بالنقوش والمجهز للعرس، لكن عليه أن يكون نائياً بعيداً عن الناس لكي يظلني ‏بظله. بيد أني، بمرور أصابعي على جلدي، لمست كم هي صلبة طباعي وغليظة في الواقع. إذ عندما ‏أمعنت النظر في الأشياء التي أحب والتي أكره ثم اختبرت مشاعري نحوها بتجرد وصدق اكتشفت ‏العجب. اكتشفت أن من أكره من الناس، على سبيل المثال، هم من الكثرة بحيث أتعبوا قلبي، بل لا ‏يترك لي عددهم الكبير مجالاً لإعلاء صوتي بذكر من أحب. وأن من لا أرتاح إليه فحسب ، أكثر ‏بكثير ممن أشعر إزاءه بانجذاب وألفة. وأن ما لا أعرفه من الحياة وكان لابد من معرفته، يفوق كثيراً ‏ما أعرفه منها وكان يمكن إهماله. بل اكتشفت أن الأشياء التي أحبها، يحبها غيري أكثر مني، ‏وبعضهم لديه معرفة كبيرة بها، ويعشق بعضها آخرون عشقاً تتناقله رواة الأخبار. بينما أكره نفسي، ‏وأحتقر أهلي، وأبتعد في الصحراء لأتخلص من مشهد الوجوه التي تمر علي في يومي لئلا ترسخ في ‏ذاكرتي.

    وفكرت في حالي وأنا أسأل: هل يعني ذلك، أن كل صخرة ملأى بالتجاعيد والحراشف، ‏ستكون نهايتي على منوالها؟ لو تحقق ذلك، فإن كل صخرة موجودة بتلك الصفة، إنما هي في الحقيقة ‏شخص منا، كان يعيش بيننا، وربما جلسنا معه وحادثناه ذات يوم، لكنه تحول في غفلة منا إلى ‏صخرة صماء لأسباب لا نعرفها. وهالني أن رأيت بضع صخور مماثلة تتناثر في المكان من حولي. ‏وفكرت في الجبال بأحجامها الضخمة، وتذكرت بعض الصخور في سفوحها بأشكالها التي تشبه ‏رؤوساَ آدمية كبيرة للغاية، وكيف كانت تثير شجوني بعض الأجزاء الجاحظة فيها كما لو أنها عيون ‏حزينة تنظر إلى أسفل بانكسار بالغ. لحظتها، خامرني شعور بأنني ربما أقطع الآن رحلتي إلى ‏المرحلة الأخيرة من شكلي الجديد، ضاغطاً بقوة على ذاكرتي وأحاسيسي وعواطفي، محيلاً كل شيء ‏بداخلي إلى جماد صلب لاحياة فيه‎….. ‎

    أصغت هذلا، لصوت انسكاب القهوة في الفنجان الأبيض المصنوع من الخزف. كان البخار يرتفع ‏أعلى قليلاً من حافته ثم يتبدد. رأت القهوة بلونها الداكن تضطرب في وسطه. تصنع فقاقيعها على ‏جداره، ثم لا تلبث أن تفجرها تباعاً بعد أن ترتسم على دوائرها الصغيرة انعكاسات ضوئية واهية. ‏أحست بالحرارة تنفذ إلى أصابعها من جديد، فسمعت عندئذٍ صوت الزائر الغريب يرتفع بعد أن كاد ‏يتلاشى‎. ‎

    بيد أن سؤالاً واحداً تململ في رأسها أولاً : إذا كان هذا الزائر هو بالفعل القناص فمالذي كان بيني ‏وبينه ليجيئني بهذا العناد وينادمني؟ ثم تدفقت في الحديث دون أن ترفع أصابعها عن الفنجان: لم أره ‏إلا مرات قليلة جداً، وكان ذلك قبل زواجي بعامين. لكن صوته بعد ذلك، تردد في أذني كثيراً من ‏وراء ساتر البيت، وهو يحكي لأبي قصصه الكثيرة في الصحراء مع الوحوش، والجوع، والعطش، ‏والوحدة، وكان أبي يحب الجلوس إليه لسماع وقائعه ومغامراته حتى انتقلنا بسبب موت نويشر إلى ‏هذا المكان. كنت من وراء الساتر أصغي إليه أكثر من إصغاء أبي إلى أحاديثه. أصغي إلى صوته ‏البري الخشن، فيملؤني الفضول في أن أرى ما إذا كان يضغط بأصابعه على حنجرته وهو يتكلم، أم ‏أن صوته هكذا؟ لكني رغم ذلك كنت أتمتع بالإنصات إلى قصصه المشوقة حيث كان يجعلني تارة ‏أحزن له، وتارة أفرح وتنطلق أسارير وجهي وربما ابتسمت من وراء الساتر الذي لم يكن يلزمه ‏ليسقط فوقي إلا أن ألمسه بيدي أو يلمسه هو بظهره القريب مني للغاية‎.‎

    شعرت هذلا برغبة كبيرة في الإصغاءالكلي، وتملكها شغف لا يقاوم بتركيز حواسها للإستماع إلى ‏القصة حتى نهايتها. عن فرحان القناص بالذات، لم تكن تتخيل يوماَ أنها ستتكلم عنه أو تفكر فيه بتلك ‏الصورة. كان بالنسبة إليها مجرد شخص تائه في الصحراء لا أهمية له عندها إلا بمقدار ما تسمعه ‏يحكي. بيد أن الزائر أعادها بقصته هذه، إلى ولعها القديم بقصصه، وحكاياته. بل سمعته يدخل معها ‏في الحديث نفسه، ويتحدث عن فرحان بنبرة رثائية حزينة، فكان أن توقفت في منتصف إحدى ‏العبارات لتسأله: هل تعرفه؟‎ ‎

    مرت لحظة صمت خالتها هذلا لن تنتهي، لكنها تنبهت إلى أن حرارة القهوة في أصابعها منخفضة ‏للغاية، فأدركت سبب تلاشي صوته، وفي الحال سكبت في الفنجان كمية جديدة وساخنة. رأت أن ‏الوقت الذي يستغرقه وصول الحرارة إلى أصابعها من جديد، طويل إلى حد مخيف. طويل إلى درجة ‏يمكن أن تفقد فيها الصوت إلى الأبد. الشكل الغباري المضطرب أمامها في المضافة، شرع يتفكك ‏ويتماهى في الظل بطول المجلس وعرضه. ثم تحول المكان إلى ظل أسود خالص لا يوجد فيه إلا ‏هي بدلة قهوتها وفنجانها المطوق بأناملها السخينة. سمعت صوته يكلمها من نفس المسافة السابقة ‏تقريباً، من الداخل أو ربما من الخارج، لا تدري. لا تستطيع أن تؤكد من أين، غير أنه لم يبتعد ولم ‏يقترب. بل ظل في مكانه أو في نفس مستواه من العلو‎.‎

    قال لها: أجل، أعرفه. الأرياح الأربع تعرفه، وعروق الرمل، والرمضاء، والصيد، والمشارف ‏الشاهقة، وأنوار الفجر الأولى، والنار، والصمغ، والحدآت الجائعة، ومياه المطر في عيون الصخور، ‏وزمهرير الليالي الباردة. أعرفه، وتعرفه الظباء، والذئاب، والضباع، والأوبار، والثعالب، وأرانب ‏الشعاب الحذرة. لدي قصصه الكثيرة التي لا يفوقها كثرة إلا صمته، وأحفظ حكاياته كما يحفظ الكثيب ‏ترابه. ولكن ليس عن قناص واحد أتحدث، وإنما عن قناصين كثيرين ضاعوا في البراريت المقفرة ، ‏و تلاشوا في المجاهل الواسعة الشرهة. لأكمل حكايتي التي بدأتها معك‎:‎

    قبل أن أدل الطريق إليك، وآتي إلى هنا، رأيت في طريقي شخصاُ يسير وحده، فقلت: وما شأني أنا؟ ‏كثيرون يسيرون آحاداً في هذه الأمداء اللانهائية. ما الغريب إذن، في أن يمشي وحده أو مع بعض ‏رفاقه أو راكباً دابة؟ غير أني رأيته يضع يديه على وجهه، ويمشي شبه منحن إلى الأمام، متعثراَ في ‏الحصى والشجيرات، فتذكرت تلك اللحظة التي خرجت فيها من البيوت محاذراً أن يراني أحد. كنت ‏أضع يدي على وجهي وأصطدم في طريقي بالأشجار إلى أن وقفت في ذلك المكان وحدث لي ما ‏حدث. عندها فهمت أن ذلك الرجل سيسير إلى النهاية التي بلغتها. سيجثو على ركبتيه، وسيخلع ثيابه ‏وينظر إلى جسمه المحبب من أعلاه إلى أسفله وعندئذٍ سيرتاع إلى درجة أن دموعه ستنهمر رغماً ‏عنه. وبعد حين، سيجد نفسه متحجراً أو متخشباً كجذع منخور من الداخل. عندما خامرني شعور أنني ‏سأتحول إلى صخرة نظرت إلى ركبتي الملتصقتين إلى بعضهما وشبه المطمورتين بطين يابس. ‏نظرت إلى ركبتي فحسب، إذ كنت لا أستطيع أن انظر إلى مكان آخر، لا إلى أعلى ولا إلى أي من ‏جانبي، وكأن رقبتي شدت بقوالب رصاص في وضعية واحدة لا تتغير. عيناي ثابتتان في محجريهما ‏بلا حركة، وتحدقان لاغير في الركبتين كما لو أنهما تفيضان بأعمال سحرية تحبس البصر. أما بقية ‏جسمي، فأضعف ما أخذني التفكير فيه، هو أنه انفصل عني ولم يعد في مكانه، وكان ذلك سبباً في ‏جعلي أشرع في اعتبار أنني لست أكثر من رأس معلقة في الهواء، وركبتين يعلوهما طين يابس، ‏والباقي فراغ.

    نعم، كنت أشعر بثقل هائل يزداد في لكني لا أراه، ولا أدري هل هو بسبب الفراغ ‏الذي التهم الباقي من جسمي أم أن جسمي كله موجود لكنه انقسم إلى مرئي ومحجوب؟ كانت على ‏رأسي تقع الطير على اختلافها وتطير منه مرات عديدة قبل أن يحل الظلام. ومع الوقت، صرت ‏بوزن الطائر وصوته ومخالبه أعرف أي طائر هو؟ فالعصفور مثلاً يقف في منتصف الجزء ‏المستوي من رأسي، بقدمين متقاربتين، ومخالب صغيرة خفيفة وغير مؤذية. يغير مكانه أكثر من ‏مرة، ويغير جهته بنفس السرعة وكأنه منهمك في رقصة ما. أسمعه يخرج من حلقه صوته المعتاد ‏ويرجعِّه على مسمعي، إلى أن يزداد ثقله على رأسي فجأة لأعلم أنه سيطير في الحال. أما الحدآت ‏والعقبان فتهبط بتمكن شديد على الرأس، وتحتل مخالبها المساحة الفاصلة بين الأذنين، منغرسة في ‏جلدة رأسي كالأخلة، فأشعر بالألم ويخيل إلي أن فكرة ما ترادوها، وخصوصاً العقبان، وهي تخرق ‏بتلك المخالب الحادة سطح رأسي الرقيق. ربما خطر لها أن ترى ما بداخل هذه الكرة السوداء ‏المشعرة التي تشبه القتفذ. إذ كانت أحياناً تنقر كية قديمة في أعلى جبهتي على نحو متواصل، وكأنها ‏تبحث عن مفتاحٍ ما يفك لها مغاليق هامتي المعلقة. كل الطيور تقريباً جربت نقر عيني، وأدخلت ‏مناقيرها في تجاويف أذني، وعبثت في فمي وأنفي، لكنها في النهاية لا تخرج بشيء، فتمل وتطير ‏مبتعدة، باحثة عن تجاويف أخرى تجد بها ذخائر نفيسة تلتهمها. ( والت هذلا سكب القهوة الحارة في ‏الفنجان متحملة سخونة ما يفيض منه على أصابعها ).

    لم يكن لدي حتى ما يغري الطير بالبقاء، إلا ‏ربما بقدر ما تأخذ من شعر رأسي لملء أعشاشها بتبطينات داخلية ناعمة لراحة صغارها. ذات مرة، ‏في ضوء نهار قوي، حطت على رأسي حدأة في إحدى رجليها حبل أحمر رأيته يتأرجح فوق ركبتي، ‏فظننته أفعى أول الأمر، ما جعلني أحس بجفول، بل انبعث مني خوف قديم من الأفاعي والحيات، ‏لكنه كان حبلاً من الجلد من ثلاث شعب مبرومة حول بعضها كضفيرة شعر. قلت في نفسي لا بد أنها ‏حسبته لحمة، وهو في الواقع سوط جلدي، فنهبته من ظهر ذلول ترعى، أو نهبته من بيتٍ صاحبُهُ ‏يضرب النساء. وفيما أنا أنتظر ماذا عسى الحدأة فاعلة بالسوط، أحسست بها فجأة تطير باندفاع شديد ‏إلى الأعلى وتتركه يقع على ركبتي ثم على الأرض. اضطرابها المفاجئ، وطيرانها السريع، أوحيا ‏إلي بأنها لابد رأت ما أثار خوفها فطارت. وبالفعل، لم تمر لحظات قليلة حتى سمعت جلبة تقترب ‏مني، ثم تزداد كلما اقتربت حتى توقفت عندي. ومن خلال الأصوات عرفت أنهم مجموعة من ‏الرجال يتحلقون حولي ويتأملونني. مهتالين كانوا من رأسي المعلق، ويحدث بعضهم بعضاً بوجل ‏وفضول متطرقين في كلامهم إلى الجن والشياطين دون أن يتفقوا على رأي محدد‎. ‎

    ‎- ‎هل هو رأس شيطان أم رأس رجل؟ سأل أحدهم وكان يقف أمامي مباشرة‎. ‎
    أجاب آخر متهكماً: وهل سبق لك أن رأيت رأس شيطان؟‎ ‎
    أجاب ذلك الرجل : لا والله، وأرجو ألا أراه أبدا‎. ‎
    بيد أن شخصاً ثالثاً سمعته يتكلم بصوت عميق وضخم: انظروا إلى وجهه السابح في هدوء عجيب، ‏وتأملوا لحيته الكثيفة، وشعر رأسه الذي لولا الشمس والريح لكان سبطاً مسترسلاً كشعر الرجال ‏الصالحين‎. ‎

    ساد صمت قصير، ثم تكلم أحدهم وهو ينحني ناظراً إلى عيني من بعيد: عيناه واسعتان ومليئتان ‏بتسامح لا يوجد إلا في عيون الأطفال وليس في عيني رجل في مثل سنه‎. ‎

    ‎- ‎والله معك حق، عقب رجل يقف بجواره ثم أحنى رأسه تحت وجهي حتى رأيت عينيه السوداوين ‏تقابلان عيني وتحدقان فيهما، بينما فمه يصدر نفساً عفناُ للغاية. مد يده إلى فمي شبه المغلق، فراح ‏يجسه بأصابعه الغليظة، يضغط على شفة بأصبع، وينقر أخرى بأصبع ثان. يدخل سبابته في فمي ‏فتعترضه الأسنان من الجهتين، يضغط أكثر بسبابته ذات الإظفار النافر فأتهيأ لقضمها لأوقف الألم ‏الذي أحدثه في لثتي ، لكني لا أستطيع. يضغط بأصبعين على أنفي ثم يحاول رفع أرنبته إلى أعلى ‏لرؤية المنخرين من الداخل. أخيراً ينهض ويؤكد للرجل الذي ظنني ولياً في حالة خشوع أبدية، إن ‏الرأس رأس إنسان لكنه متيبس وسيظل هكذا إلى ماشاء الله‎. ‎

    هنا، تنحنح الرجل بجدية كبيرة ثم قال: ولماذا لا يكون رأس حريزان، الرجل الصالح، الذي أطاره ‏الأتراك بسيوفهم في معركة البئر، فاختفى ولم يجده أحد بعد ذلك؟‎

    ‎- ‎نعم، قال شخص يتكلم للمرة الأولى، ذلك الرأس الذي قيل أنه يطوف الأرض في أجنحة الغرانيق، ‏ولا يقع على التراب‎! ‎

    ‎- ‎إنه هو، قال الرجل ذو الصوت العميق والضخم، لا أشك في ذلك. هذا هو رأس حريزان ‏المهاجري‎. ‎
    قال الرجل الذي أحنى رأسه تحت وجهي: إن كان هذا هو رأس المهاجري فلابد أن الحدأة التي دلتنا ‏عليه، ما سرقت منا السوط إلا لنراه ونقوم بإكرامه‎. ‎

    ‎- ‎إنتم قوم صالحون، حتى الحدآت تدلكم على الخير فلا يفوتنكم هذا الشرف، قال الرجل ذو الصوت ‏العميق الضخم‎. ‎

    ‎- ‎وماذا تقترح ؟ سأله أحدهم‎. ‎

    أجاب: ابنوا عليه قبة وكرموه قبل أن يسبقكم إلى إكرامه غيركم فتندموا‎. ‎

    ما إن سمعت ذلك الاقتراح العجيب حتى شعرت بشغف كبير إلى الضحك. آخر ما كنت أتصوره، هو ‏أن تبنى حولي قبة وتزدحم عند بابي الخلائق كما تفعل مع الأولياء وأهل الكرامات في أماكن عديدة ‏من الجزيرة. وبالطبع، لم أتمكن من الضحك، وعوضاً عنه صرت أفكر في المطالب والتوسلات التي ‏لا ريب سيبديها الزوار إلي ويتوقعون مني أن أتوسط لهم عند الله ليحققها لهم. سيأتيني مرضى ‏مصابون بالجذام، والسل، وآخرون سيناشدونني أن أخلصهم من الجن التي تلبستهم، ولا بد أن نساء ‏كثيرات سيغمرنني بمشاكلهن مع الأزواج والضرائر والعشاق والإنجاب وقطع الذرية ومطالب كثيرة ‏فوق الحصر.

    وفي خضم هذا كله لن يتنبه الجميع إلى أنني، بطريقة بشعة في الفهم والتفكير، أحالني ‏الرجل ذو الصوت العميق والضخم إلى شخص لا أعرفه ولم يسبق لي أن سمعت باسمه. حريزان ‏المهاجري ؟! أنا الذي لا يوجد في حياتي كلها صحراء واحدة لم ألوثها بفجوري وفسقي في شبابي، ‏ها أنذا أتخطى البشر العاديين لأصبح محجاً يتبرك به الكبير والصغير. ولكن، هكذا جرت الأمور ‏فأصبحتُ مزاراً لمئات الناس. أصبحتُ رجلاً صالحاً، تذبح الذبائح تبركاً بي، وتوضع في قبتي ‏الأمانات والودائع فلا يقربها أحد. جاءتني صاغرة أكابر االوفود، وتمسحت بلحيتي، التي صارت ‏حمراء من فرط ما خُلِلت بالزعفران ودهن العود الثمين. تأتيني المرأة الطامح على زوجها لأفك عقدة ‏الرباط الزوجي بينهما، وتنهمر عينا العبد بالدموع عند ركبتي لأعينه على شراء نفسه من سيده أو ‏على الهرب. وجاءني من يطلب مني أن ألح في إعاقة فلان الغازي وتمكين الأعداء منه ليفوز هو ‏بامرأته بعد موته. وكان هناك من يبحث عن ناقة ضالة ويريدني أن أدله على مكانها في الصحراء. ‏ثم مر وقت، فسمعت من يتحدث عن جيوش تتأهب للزحف من الشرق تسمى جيوش الإخوان، ‏وسمعت بأسماء مثل ابن لؤي، وابن بجاد، وأنهما قائدان من قادة ملك عربي يقال له ابن سعود. ‏وأحسست بالخوف ينتشر في الأصوات والجموع إلى أن وصل حد التصريح به في المطالب ‏والحاجات. وما كنت أفعل شيئاً لكل أولئك وغيرهم، بل ما كنت قادراً على فعل أي شيء لنفسي ‏لأعود كما كنت . وكان ذلك ما يوقد علي الحسرة والحزن الشديدين، إذ لو كنت أستطيع في ذلك ‏الوقت أن أعود رجلاً سوياً أمامهم لصعقتهم المعجزة، ولجعلوني ملكاً عليهم ولقدسوني غاية التقديس، ‏وعند ذاك يمكنني أن أصطفي لنفسي أجمل الفتيات وأصغرهن عمراً، كما يمكنني أن أقتني أصائل ‏الخيل، وحرائز الإبل، ولكنت أقول الكلمة فلا ترد، وأقطع العهد فلا ينقض، أكون الرجل المطاع ‏والسيد المطلق، أليس ذلك بأفضل مئات المرات من إبقائي للتبرك وطلب المدد دون أن أستطيع حتى ‏رفع رأسي؟

    نعم كنت مرتاحاً تحت القبة على نحو لم يسبق أن حدث لي من قبل. تخلصت من مخالب ‏الطيور، ولفح الشمس، وصرت نظيفاً معطراً محفوفاً بالبخور والمجامر. هناك من يمشط شعري ، ‏وهناك من يدهنه، وهناك من يرجله بانتظام. وأهم من ذلك، لم أعد أشعر بالوحدة القاتلة وأنا بذلك ‏القدر من العجز واليباس، لكني رغم ذلك، ورغم ثقتي بأن من المستحيل أن يتزحزحوا عن يقينهم ‏بكوني حريزان المهاجري، كنت أشعر أني حبيس قوم ملكوني بفكرة لم تخطر لي على بال. ففي أكثر ‏أوقات فجوري في الصحراء، ما كنت لأجرؤ على وضع نفسي في هذا القدر من التأليه. بل كنت ‏أؤمن بأن الله واحد لا شريك له، وأن من يريد أن يطلبه مدداً، أو يسأله مسألة، فإنه يقدر على ذلك ‏بدون وسيط من الناس. فالله في الصحراء هو الله في أي مكان آخر، وهو السميع البصير في مكة، ‏وفي صحراء النفود البعيدة، وفي الهند، والسند، والترك، والعجم، وفي بحر الظلمات ، وهنا في ‏الأرض، وهناك في السماء، لا أشك في ذلك. وكنت، عندما أحسهم يدورون بالبخور من حولي، ‏أتمنى لو أمتلك فمي لأطلق صرخة تحذير من تقديرهم المبالغ فيه لرأسي، غير أني كنت أعرف ‏عجزي الكبير عن ذلك، فأكتفي بقنوطي وصمتي.

    سمعت أن الرجل ذا الصوت العميق والضخم سافر ‏إلى اليمن لجلب فصوص من الزمرد توضع في إطار ذهبي مثل التاج على رأسي، أما ذلك الرجل ‏اللئيم الذي عبث في وجهي بأصابعه الغليظة، فقد أصبح القيم والخطيب وجامع الأمانات والأعطيات ‏الخيرية. بل سمعت أنه وأعوانه بنوا للزوار خياماً وبيوت شعر من حول قبتي لقاء أجر يدفع لهم، ثم ‏ما لبث أن اتسع المكان فشمل بيوتاً حجرية تبنى على عجل، وتخللت البيوت شوارع ترابية ضيقة، ثم ‏أصبح هجرة أطلقوا عليها هجرة ” حريزان “. وفي الواقع، لم أعد أستغرب من أولئك اللصوص أي ‏شيء، فالذي أوهم الناس بأني أنا المهاجري ثم جمعهم على فكرة تقديسي بذلك الشكل، لا يصعب ‏عليه أن يمتلك مدينة كاملة من حولي بالأعطيات الخيرية والأموال التي يتصدق بها الزوار في قبتي. ‏واعتبرت أن الأمر لا يعنيني، فكل شخص هو في النهاية أسير ما يعمل في حياته، وسيأتي يوم يتبين ‏فيه خطاءه من صوابه. لكن أولئك البشر المساكين، ماذنبهم؟ الكثير منهم قدم إلي منقاداً وراء شائعات ‏وأقاويل فارغة حول قدرتي على صنع المعجزات. ولقد هالني أن الأغلبية العظمى منهم لا تعرف من ‏هو حريزان المهاجري، ولم تسمع به على الإطلاق! بل إن هناك من ينادي ياولي الله يا زريحان، ‏ومنهم كثيرون يصعب عليهم نطق الإسم كما هو فيكتفون بتصغيره، وينادون يا حريز. وكان الرجل ‏اللئيم هو الذي يرد عليهم ويصحح الإسم، وهو الذي ينظم دخولهم إلي ويأخذ منهم الصدقات ‏والقرابين ثم يناولهم أوعية معدنية رقيقة أسمعها يصطدم بعضها ببعض في يده قائلاً أن بها ما ‏يبشرهم بتحول أحوالهم إلى الأحسن. ولما كثر الناس، وارتفع لغطهم في الخارج، قسمت الزيارات ‏إلى فترتين. الفترة الأولى تبدأ من الصباح الباكر حتى ما قبل الظهر، ثم تبدأ الثانية من بعد العصر ‏إلى المغرب، ثم يقفل علي باب القبة فأبقى طوال الليل وحيدا في العتمة.

    في إحدى الظهيرات فتح ‏الباب، فاستغربت، لأن وقت الزيارة لم يأت بعد، لكني خمنت أن يكون إما القيم أو وكيله جاء ‏ليتفقدني. غير أن الشيء الذي دخل كان بلا صوت وهو يمشي على الفراش المصنوع من خصف ‏النخيل، وكان بلا ظل أثناء دخوله. بل إنه عندما جلس، هذا إذا كان جلس بالفعل، لم أسمع له صوتاً ‏وهو يجلس أو حركة أو خشخشة ثوب على الأٌقل. كل ما رأيته تلك اللحظة، هو الوجه فقط. ذلك ‏الوجه الذي انساح كالماء بين عيني وركبتي، وكان من الصفاء بحيث تمنيت لو أصرخ بأعلى ‏صوتي: شاش!!! وشاش هذا كان صديقاً لي في صباي، لا أتذكر أن لي صديقاً بغرابته، وأعاجيبه ‏الكثيرة، وخفة حركته على الأرض حتى أنني كنت أحسده على سرعة وصوله لأي مكان قبلي. أكثر ‏من ذلك، كان لا يصعب عليه ما يصعب على الناس في العادة. فقد كان يأتيني بالحاجة في أسرع ‏وقت من أي مكان مهما بعد عني. لقد كان يخدمني بشكل يصعقني من الدهشة أحياناً، وفي المقابل ‏كان يرفض أن أخدمه في أي شيء. وهذا ما حيرني في البداية، بل أشعرني أني دونه في الاهتمام ‏بأصدقاء من أمثاله، وكان ذلك يحزنني بالطبع، لكنه كان يقول عندما أخبره بمشاعري تلك: لا تهتم ‏لخدمتي ، أنا أدخرك لمهمة عظيمة لايقوم بها سواك، لأنك إنسان عظيم. وكنت أتحرق شوقاً لأداء ‏تلك المهمة مهما كلفتني، لأبرهن له أني صديق حقيقي لا يتردد في خدمته بأي شيء يريد.

    في تلك ‏الظهيرة، دخل علي شاش ففرحت للغاية برؤيته، ولأول مرة شعرت بوجهي وكأنه يرتعش بأسارير ‏جديدة لكنها ضئيلة وأقرب ما تكون إلى خيط من الدم يهتز في عرق رفيع. ولو كنت في وضع أفضل ‏لكنت صرخت باسمه ولاحتضنته فرحاً برؤيته، مذكراً إياه بأني مازلت أنتظر القيام بتلك المهمة ‏العظيمة التي ادخرني لها. وتذكرت، يوم ذهبنا إلى منازل جماعة مترحلة من ” النوَر ” وقدمني إلى ‏فتاة جميلة ذات عينين بلون السماء، اسمها رثعى ثم قال لي: ترى، لو أمرتك بأن تقتل هذه الفتاة ‏الجميلة، أكنت ستقتلها لأني أمرتك بذلك؟ وفي الحال أجبته: أجل ، وكنت صادقاً آنذاك. حدق في ملياً ‏وابتسم ثم قال: لكنها ليست المهمة العظيمة التي أريدك لها بالفعل. لحظتها، أمسكت به وقلت مغتاظاً: ‏لن تتحرك من هنا حتى تخبرني ما هي تلك المهمة؟ فما كان منه إلا أن حرر يده من قبضتي، وغمز ‏لي بعينه مشيراً إلى أن أهتم برثعى فحسب، ومضى دون أن يخبرني ، ثم انقطعت أخباره عني فترة ‏طويلة، عشت خلالها حزيناً على فقدانه وندمت لأني تصرفت معه بحماقة.

    وعندما رأيته تلك ‏الظهيرة، لم يكن ينقصني لأحتضنه وأقبله إلا أن أكون بوضع أفضل. أن أقف له على قدمي، وأحيطه ‏بذراعي، كما كنت أفعل في الماضي، صارخاً من شدة الفرح: يا ملعون ، وهي الصفة التي كلما ‏سمعها اهتز وغمغم بكلمات غامضة يقول أنها كلمات امتنان. وبما أنني لم أكن أستطيع الكلام، بل ‏النظر إلى أسفل فحسب، فقد أخذ هو زمام المبادرة . سرد علي كل ماحدث لي منذ أن رأيت جلدي ‏يتحرشف، فهربت إلى الفلاة، حتى لحظة دخوله علي ومشاهدتي إياه. كأنه كان معي لحظة بلحظة. ‏في نفسي، كنت أتوق إلى أن أسمع أخباره هو. أين ذهب؟ وماذا عمل خلال فترة انقطاعه عني؟ أما ‏أخباري أنا فأعرفها جيداً، بيد أني دهشت حقاً من معرفته الدقيقة بتفاصيل قصتي. حتى أحاديثي ‏العلنية مع نفسي كان يعيدها على مسمعي كما قلتها تماماً! ليس هذا فحسب، وإنما أيضاً بنفس ‏الصوت، ونفس البطء المعتاد في طريقتي في الكلام! لو كنت وقتها أستطيع الحكي لسألته: هل كنت ‏الخلاء نفسه؟ أم كنت الهواء الذي حمل صوتي وكلامي؟ ولا أخفي أني شعرت بالحنق عليه لكونه ‏كان بذلك القرب ورغم ذلك، لم يهب لنجدتي! أي صديق هو؟ وكان بودي أن أسأله عن تفسير لما حل ‏بي، وكيف ساءت الأمور من مرض غريب في الجلد إلى مجرد رأس معلقة فوق فراغ كان جسماً في ‏الماضي؟ غير أنه بنفسه تكلم، وكأنه سمع السؤال منى بوضوح صوت الرجل الذي كنته. قال لي: ‏أيها الأحمق، هلا سألت نفسك يوماً من أكون؟ كل ما تعرفه عني هو أن اسمي شاش، وتلك كلمة لا ‏معنى لها على الاطلاق سوى من ناحية أن توقع الأغبياء أمثالك في شر أعمالهم. أنت من اخترع لي ‏ذلك الإسم، ولم أعترض حينذاك، إذ ما أهمية أن تعطيني إسماً من عندك مقابل أن أختارك لأداء هذه ‏المهمة العظيمة؟ وفي الحقيقة، لقد قمت بها بامتياز، فهاهو كثير من الناس يعبدك، ويتبرك بك ‏ويطوف من حولك، منصرفا عن دين محمد. قطعاً، لا يمكنك أن تتصور كم عانيت لأجعلك تستمر ‏كل هذه المدة بنفس هذا الشكل الذي ما زلت عليه. كان همي هو أن تجف بكاملك، أن تكون صنماً ‏حقيقياً يجثو على الأرض، دون أن يتحلل جلدك ويتعفن لحمك، لكني خشيت أن يظنك البدو جثة رجل ‏منهم فيقومون بدفنك، ففكرت في حيلة أخرى. أن أحافظ على رأسك معلقة في الهواء ومرئية للجميع، ‏بينما أخفي عنهم باقي جسدك باستثناء ركبتيك. لماذا ركبتاك؟ ما من سبب حقيقي يفسر لماذا تركتهما ‏مرئيتين مع رأسك؟ وذلك ما حيرني زمناً طويلا. هناك أخطاء تقع فيها الشياطين بغباء بشري ‏خالص! ولكن، كل ما يمكنك أن تعرفه الآن، هو أنني عندما جريت منك مجرى الدم، نفخت بنفسي ‏في جوفك، فاشتعل جلدك حصى نارياً مجبولاً من أنفاسي. كنت أريد، في الواقع، أن أدثرك بكساء ‏مني يمنحك بعض الخلود.هل تتذكر ذلك الرجل الذي أقنع رفاقه بأنك حريزان المهاجري؟ إنه أنا. ‏أعرف أن هذا الخبر سيقتلك على الفور. وها أنت تعرف من أكون؟ ولكن إليك أسوأ الأخبار، وهو ما ‏سوف تعيشه بعد قليل. الإخوان قادمون بجيشهم وفقهائهم إلى هذه المنطقة، وهم يريدونك أنت بالذات. ‏فأنت بالنسبة إليهم صنم يعبده كثير من البدو المحسوبين من الأعداء في هذه النواحي، ومصير ‏الأصنام عندهم هو التحطيم والإحراق والإزالة الكلية، مثلما أن مصير البدو الأعداء هو القتل ‏والإبادة. إنهم نوع من البشر أكرهه للغاية، ولكن ما العمل؟ لا مناص من أداء مهمتي على أكمل ‏وجه، أما مصير الأصنام، في مثل هذه الحالة، فلا يهمني‎… ‎

    وهكذا ياهذلا عرفت من كان صديقي؟ عرفت شاشاً على حقيقته، وعرفت لماذا ادخرني لتلك المهمة ‏التي قال بأنها عظيمة؟ لقد قال لي وهو يختفي إلى الأبد: الإخوان قادمون، وهناك ما هو أسوأ. وهل ‏هناك أسوأ من كوني كنت صديقاً للشيطان نفسه؟ هل هناك أسوأ من جعلي صنماً رغماً عني، أنا ‏الذي رغم كل أخطائي أؤمن بأن الله واحد لا شريك له؟ كيف يتحول الشخص من إنسان طبيعي مثل ‏أي إنسان آخر إلى صنم مبجل مقدس تؤلهه الناس وتتمسح به ليلاً ونهاراً وتطيعه في كل شيء؟ كنت ‏في تلك اللحظة الرهيبة أسأل نفسي: الآن فرغ الشيطان مني، ومن المؤكد أن الإخوان سيتولون ‏أمري، ولكن هل يعني ذلك أنه فرغ مني لينشغل بصنع صنم آخر؟ لابد أن ذلك حدث بالفعل. فمنذ ‏ذلك الوقت إلى الآن، مرت سنون طويلة، وتغيرت أشياء كثيرة لكني عندما رأيت ذلك الشخص الذي ‏يغطي وجهه بيديه، وانا في طريقي إليك، أدركت أن الشيطان له أصدقاء كثيرون من نفس الصنف ‏الذي كنته، وربما من أصناف أسوأ‎. ‎

    كانت هذلا، من شدة إحساسها بالخوف من ناحية، وشدة فضولها من ناحية أخرى، ترتجف كزهرةِ ‏بَرْوَق بين تيارين متعاكسين من الريح. كانت تنازعها نفسها في الهرب من الخيمة، واللجوء ركضاً ‏إلى الصحراء، إلى الأطيان الرطبة، والأعواد الدقيقة. إلى الأشياء البريئة التي كانت تقضي معها ‏الوقت في اللعب والمهامسات الخافتة الماتعة. داخلها إحساس مفاده أن حكايات فرحان القناص ‏القديمة مرت في وقتها وأنتهت. أما الآن، فهذا هو وقت القصص الغريبة والأحداث الكبيرة التي ‏بالكاد يصدق حدوثها إنسان. كل شيء تغير بالفعل إلا دود الأرض، همست لنفسها وهي بين أن ‏تهرب بعيداً وبين أن تنتظر في الخيمة برباطة جأش. وفيما هي تفكر في أمرها، حدثتها نفسها قائلة ‏إن مزيداً من الإمعان في منادمة هذا الزائر الغامض، قد يحولها إلى جزء من حكايته الطويلة. قد لا ‏تعود هذلا إلى سابق عهدها أمام أبويها وأهلها، فقد تتغير مثل هذا الزائر فتصير غباراً يتبدد في أول ‏خبطة ريح. بيد أنها، بعد أن تتماسك وتهدأ، كانت ترد على نفسها قائلة: لايهم شكله، بل حكايته ‏الغريبة. لقد وجدت أخيراً من ينادمني، ويقص علي القصص العجيبة. يقصها علي أنا فقط. يختارني ‏من بين الجميع ليحكي لي مأساته أو حكايته بنفسه وهو بتلك الهيئه الغبارية المضطربة والمثيرة ‏للشفقة. ثم تسأل على هذا النحو: ما فائدة أن أهرب وأختفي في الأرض بينما تموت المتعة في داخلي، ‏بينما أصبح مثل أي شخص آخر بأحاسيس ميتة، ورغبة معدومة في فعل أي شيء؟ لكنها، إذ يعود ‏إليها الخوف والارتباك مرة أخرى، ترجع فتقول: بل لابد من نزع أصابعي من الفنجان ليكف الزائر ‏عن الحكي، وإن لم أفعل، فمن يدري، فقد يسحبني إلى جوفه ثم لا أستطيع العودة إلى أهلي. تفكر ‏قليلاً، ثم تبلغ قمة اضطرابها عندما تستعيد القصة وتقف عند شاش. عندئذٍ تقول: وهذا إسم آخر لابد ‏أن أضيفه إلى الدربيل‎” ‎

  3. ———–

    اكيد في مشاركه قريبه ولكن الله يستر من موضوعها لانه حزين جدا ومأساوي ويمكن يكون مختلف….وان غدا لناظره قريب

    شوقتنا يا الشامسي …

    في الانتظار على المدار (حقوق الطبع محفوظة طبعا لسوااح) :064:

  4. اختى الغاليه السندريلا ليال
    مجهود اكثر من رائع…
    فى زمن قل فيه الاهتمام بالكتاب

    قليل من يبحث عن الكتب
    وقليل جدا من يقتنيها
    وقليل جدا جدا من يقرأ
    وقليل جدا جدا جدا من ينتفع بما يقرا
    وقليل جدا جدا جدا جدا من هم كليال ينتفعون وينفعون بعلمهم

    ولأنك الـ الأصيل اصيل ‏

    يزدان المكان بوجودك ‏

    زادك الله رفعة ورقي

    أختك و تلميذتك … ليـــــااال

  5. سعدت بحضورك أخوي الشامسي :ar104:

    الف شكر على التشجيع والكلام الطيب

    و اسمحوا لي على التقصير

    بانتظار مشاركاتك القيمة يا شاعر المنتدى. :dgg545855

    تحياتي …
    ———–

    اكيد في مشاركه قريبه ولكن الله يستر من موضوعها لانه حزين جدا ومأساوي ويمكن يكون مختلف….وان غدا لناظره قريب

Comments are closed.