بي بي سي – لندن
استمرار هبوط الدولار امام اليورو يضر بقدرة الشراء لدول الخليج
شهدت العملات الخليجية عمليات بيع كبيرة هوت بقيمتها يوم الاثنين بعدما ادركت الاسواق ان قمة الدوحة لن تقرر بشان ارتباط العملات الخليجية بالدولار.
وكان المتعاملون ضاربوا على العملات الخليجية، خاصة الدرهم الاماراتي والريال السعودي، في الايام الماضية متوقعين فك الارتباط ولو جزئيا كما فعلت الكويت قبل اشهر.
ورغم اهمية القضايا الاقليمية، سياسيا وامنيا، التي طرحت على قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، كانت هناك قضايا اقتصادية لا تقل اهمية .
من اهم تلك القضايا الاقتصادية السياسة النقدية لدول المجلس، وتحديدا ارتباط عملاتها الوطنية بالدولار الامريكي المتهاوي.
ومع ان سعر العملة الامريكية يتراجع منذ نحو عامين الان، الا ان الضغوط على مسؤولي السياسة النقدية في الدول الخليجية زادت في الاشهر الاخيرة لاسباب محلية اكثر مما تعلق بسوق صرف العملات.
وفي مقدمة تلك الاسباب الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، خاصة في الامارات وقطر، وبالتالي تآكل القدرة الشرائية للاسر الخليجية واضطرار القطاع الخاص لزيادة الرواتب والاجور اسوة بالزيادات في القطاع الحكومي وفي محاولة لكبت تململ العمالة المغتربة في الدول الخليجية.
وادت زيادة الرواتب بدورها، الى جانب توفر السيولة بكثافة بشكل عام عبر مشروعات البنية التحتية والانفاق الحكومي الهائل، الى استمرار الضغوط التضخمية.
ومما يساهم في توفر “الاموال السهلة” انخفاض معدلات الفائدة في الدول الخليجية. وتلك هي المشكلة الاساسية التي تواجه البنوك المركزية ومؤسسات النقد في دول مجلس التعاون.
مشكلة الفائدة
فمع ارتباط العملات الخليجية بالدولار، تضطر تلك البنوك الى اتباع خطوات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الامريكي في خفض الفائدة، والتي لجأ اليها مع بدء تباطؤ الاقتصاد الامريكي نتيجة ازمة قطاع العقار وضغطها على القطاع المصرفي والمالي بعد كارثة القروض العقارية الرديئة، التي ادت ايضا الى ازمة انكماش ائتماني في العالم.
وربما ذلك هو الاختلال الرئيسي في مسألة ربط العملات الخليجية بالدولار، اذ ان البنوك المركزية الخليجية التي ربما كان عليها رفع اسعار الفائدة لضبط التضخم، تضطر لافلات لجام هذا التضخم بخفضها لاسعار الفائدة كلما فعل الاحتياطي الفيدرالي ذلك.
اما بالنسبة لسعر صرف العملات الخليجية عموما، وتاثيره على مؤشرات الاقتصاد الكلي في دول مجلس التعاون، فلم يؤد الارتباط بالدولار الى مخاطر كبيرة حتى الان.
ارتفاع سعر الدينار الكويتي منذ فك ارتباطه جزئيا بالدولار
فالمصدر الرئيسي للدخل القومي هو من عائدات النفط، المسعر بالدولار، كما ان هناك قدرا معقولا من الصادرات الخليجية مقوم بالدولار ايضا.
اضف الى ذلك الى ان معظم تعاملات قطاع المصارف في الخليج تتم بالدولار او تقوم به، ومن ثم توفر كثيرا من كلفة التعاملات التي تزداد في حال التعامل بعملة ثالثة يتم التحويل اليها عبر الحساب على الدولار.
ثم ان الوضع الجيد لميزانيات الدول الخليجية نتيجة ارتفاع اسعار النفط يمكنها الى حد كبير من امتصاص اي تاثير سلبي لتراجع الدولار، وبالتالي تراجع قيمة عملاتها المرتبطة به، سواء في تعاملاتها الخارجية او في ضبط دفاتر حساباتها العامة.
ويجب الا نغفل ايضا ان قدرا معقولا من مسببات التضخم يعود للسوق العالمية، التي تشهد ارتفاعات مضطردة في اسعار السلع الزراعية والغذائية وغيرها.
تجاهل مقصود
امام تلك الصورة، رأت السعودية ـ صاحبة اكبر اقتصاد خليجي ـ ان قرارا خليجيا اجماعيا بفك ارتباط العملات الخليجية بالدولار الامريكي، وربطها بسلة عملات، ليس الحل الامثل.
وكانت الامارات تسعى الى اجماع خليجي على مستوى القادة بشأن السياسة النقدية لدول المجلس وعلاقتها بالدولار، لكن السعودية رأت التجاهل المتعمد لهبوط الدولار خير حل.
وربما كان الحل الامثل امام القادة الخليجيين هو ترك مسالة السياسة النقدية، حتى اشعار اخر، بيد السلطات النقدية لكل دولة على حدة.
وفي ذلك اقتداء بالنموذج الكويتي، اذ قرر مصرفها المركزي في مايو ايار الماضي فك ارتباط الدينار بالدولار جزئيا ما ساعد على ضبط التضخم والحد من كلفة تمويل الواردات غير المسعرة بالدولار، اي من اوروبا واسيا.
لكن يبدو ان البعض قدّر الحساسية السياسية لمسألة اكثر من متطلباتها النقدية والاقتصادية.
وبذكر ان تركيبة واردات الدول الخليجية متباينة الى حد ما، فهناك دول تستورد نحو ثلثي وارداتها مقومة باليورو والعملات الاسيوية وهناك دول اخرى تستورد اكثر من نصف وارداتها مقومة بالدولار.
كما ان تباين معدلات التضخم يجعل كل دولة تحسم الوسيلة الافضل لضبط سياستها النقدية، بتركيبة سلة عملات تربط بها عملاتها او بسياسة اسعار الفائدة.
لكن التجاهل المتعمد لذكر الموضوع في البيان الختامي ربما يصعب على الامارات وقطر اتخاذ قرارات منفردة بشأن عملاتها واسعار الفائدة فيها.
ماعليك علاقه طردية مع اسعار النفط