القاعدة في ربيع عام 1634هجرية ….
بقلم: لويس عطية الله
المشهد الأول … !
المكان : قندهار، عاصمة دولة أفغانستان الإسلامية
الجامع الكبير وسط البلدة ..
الزمان : ربيع 1634هـ
طلاب العلم يتحلقون حول شيخهم بعد صلاة العصر
شيخ وقوربعمامة سوداء .. تضفي عليه لحيته البيضاء هيبة و جلال ..
قال الشيخ : الحمدلله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله و صحبه ومن والاه وبعد :
إقرأ يا عمر بن أحمد بن لويس عطية الله ..
حمد الله و أثنى عليه ثم قرأ :
قال صاحب ( معجم الأوثان ) رحمه الله تعالى :
باب الألِف .. (أمريكا) .. و قال بعضهم أميركا بتقديم الياء على الراء ..
قال المصنف:
بلغنا ..أنه كان وراء البحر العظيم آلهة عظيمة يقال لها (أمريكا) .
كان الروم قد جلبوها من بلادهم إلى الأرض الجديدة ..
و حشدوا لها العبيد من إفريقية و الصنّاع من الصين
و العلماء من كل بلاد الدنيا .. حتى عظمت و اشتهرت و ذاع صيتها
و عبدت من دون الله في الأرض ..
و كان الناس يعبدونها .. خوفاً .. و طمعا
و قد بلغنا أنها إذا غضبت على أحد .. ترسل عليه قذائف من نار من مكانها
فتدك أرضه و تهلك الحرث و النسل ..
و إذا رضيت على أحد أغدقت عليه
من الأموال و النساء و الخمور و الملذات .. ما يعجز الوصف عن بيانه
و من الناس كذلك من يعبدها .. محبة و افتتاناً و تألهاً ..
قال المصنف رحمه الله : و تلك فتنة الله يضل بها من يشاء ..
و قد روى بعض المؤرخين عمن أدرك زمانها ..
أنها كانت لها آلة عجيبة ..
تزرع صنماً لها في قلب كل إنسان .. فيخافها و يرجوها دون أن يشعر ..
و ذلك أنها تسحر بهذه الآلة عيون الناس فيرونها على غير حقيقتها ..
فتعظم في عيونهم .. و قلوبهم .. فيهابونها ..
و يظنون أنها تعلم كل شيء .. و تسمع كل شيء .. و تحيط بكل شيء ..
حتى اعتقد كثير من الناس أنها تراهم و هم في بيوتهم و بين أهليهم ..
و قد عظم شرها .. و عم بلاؤها ..و خضعت لها الدنيا ..
و ملكت ما بين المشرق و المغرب .
و غمّ المسلمين بها غماً عظيما ..
حتى من الله على الأمة بالإمام المجدد .. الموفّق المؤيَّد ..
أبوعبدالله أسامة بن محمد عوض بن لادن ..
فدمرها الله على يديه ..
و كان خروجه في بلاد الأفغان .. إلى الشرق من خراسان ..
و كانت بلد هجرته و جهاده .. نصره أهلها .. و قاموا معه ..
أما أصله فمن حضرموت و سكن المدينة المنورة ..
قال الطالب عمر بن أحمد بن لويس عطية الله :
انتهى كلام صاحب معجم الأوثان يا شيخ ..
قال الشيخ :
نعم .. و قد افتتن بأمريكا خلق من المسلمين .. و منهم من كفر بها ..
و لكن لم يجرؤ منهم أحد على معاداتها .. و منابذتها ..
حتى قام فيهم أسامة ..
فدعا الناس إلى حرب أمريكا .. فسفهوه .. و لاموه .. و استصغروه ..
فلم يتلفت إلى قولهم .. و نصره جماعة .. و آواه الأفغان كما قال المصنف ..
فأرسل إلى أمريكا طليعة اختارها من أهل النجدة و البأس ..
ففقأوا عينيها .. و كسروا أنفها .. على أعين الناس.. و بين سدنتها و حرسها ..
ثم كمن أسامة ..
فأرعدت و أزبدت و أرسلت صواعقها فأحرقت اليابس و الأخضر ..
و صبت غضبها على العالم أجمع .. فخرجت في جيوش مجيشة .. تدمر كل ما يقف في طريقها
و احتلت الدنيا كلها .. و ملئت البر و البحر .. و السماء ..
فلم تقدر عليه ..
قال الشيخ : و كان غالب حال الناس آنذاك ..
كحال الناس يوم هدم خالد بن الوليد العزّى
قالوا نتربص به و ننظر ما تصنع به الآلهة
فلما لم تضره كفروا بها ..
و هكذا نظر الناس في أمر أسامة و أمريكا
و قالوا ( لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين )
فلما رأوا عجزها .. .. بطل في عيونهم سحرها ..
فإذا بالأصنام التي كانت زرعتها في قلوبهم .. تتهاوى و تتلاشى ..
و هذا أعظم ما فعل أسامة .. أن أزال رهبتها من قلوب الناس ..
قال الشيخ :
قرأ أسامة ( لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم )
فتأسى به و اقتدى بسنته في كسر الأصنام ..
فعمد إلى أصنامهم فجعلها جذاذا .. و دمر حصنهم الأعظم و قلعتهم المنيعة ..
و قد شاهد العالم بأسره الأصنام و هي تتهاوى و تندك دكاً ..
فقال سدنتها و حرسها : من فعل هذا بآلهتنا ..
قال مستشاريهم و وزرائهم .. هناك فتى يذكرها .. يقال له أسامة ..
قالوا اقتلوه أو حرّقوه ..
فصبوا على مكمنه النار من السماء صبّا كأفواه القرب .. فجعلها الله برداً و سلاماً عليه
ثم جعل بعد ذلك يتخطفهم .. و يقتلهم في كل واد .. حتى أنهكهم ..
و صاحوا النجاة النجاة .. لا عزّى لكم اليوم ..
و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ..
قال أحد الطلبة : فبلاد الأفغان التي ذكرها .. المقصود بها بلادنا هذه يا شيخ ؟
قال الشيخ : نعم و ربي .. و قدم قندهار .. و جلس في مجلسي هذا ..
و أخبرني جدي أنه أدرك من رآه و قاتل معه في تلك الجبال .. و أشار جهة المشرق ..
قال أحد الطلبة : فأخبرنا يا شيخ المزيد عن قصة أسامة و الأصنام ..
فإن صاحب معجم الأوثان ..لم يشفِ غليلنا ..
قال الشيخ : إنما يعنى صاحب المعجم بالأوثان و ذكرها و أسماؤها ..
أما القادة الأبطال فتجد سيرهم في كتب التاريخ و السير و المغازي
و عندي بعض الكتب التي ترجمت له مثل (تاريخ قندهار) .
اشتريته من المكتبة السلفية في كابل عبر الشبكة العنكبوتية الاسلامية و جاءني .
و سنقرأ منه في درس الغد إن شاء الله تعالى
و كذلك ذكر الملا عبدالعليم صاحب المجالس المتوفى سنة 1501هـ طرفاً من أخباره
فلعلك يا عمر بن أحمد بن لويس عطية الله أن تأتي بمجالس الملا عبدالعليم في درس بعد غد ..
و هو مطبوع يباع في مكتبة قندهار ..
و قد أفردت في سيرته كذلك كتب و مؤلفات .. سنذكرها في حينها ..
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
فانصرف الشيخ و انصرفنا ..
المشهد الثاني … !
جلس الشيخ بعد صلاة العصر في الجامع ..
و تحلق الطلبة حوله ..
قال الشيخ :
أحضرت معي كتاب ( تاريخ قندهار) لنقرأ شيئا من سيرة البطل أسامة
كما وعدناكم في الدرس السابق ..
فأعطى الكتاب لعمر بن أحمد بن لويس عطية الله ..
فأخذه عمر بن أحمد بن لويس عطية الله و نظر في الفهرس فاختار موضوعاً :
قدوم أسامة و مبايعته أمير المؤمنين ملا عمر مجاهد
ثم حمد الله و قرأ :
قال المصنف رحمه الله تعالى :
ثم دخلت 1417سنة سبع عشرة و أربعمائة و ألف ..
و في شهر الله المحرم من هذه السنة قدم أسامة و أتباعه قندهار ..
و ذلك أن أسامة لما أنكر على قومه عبادة الوثن
و أرادهم على حرب أمريكا .. لم يتبعه إلا قلة من قومه
و آخرون قدموا من بلادٍ شتى .. غرباء مطاردين .. ضعفاء أذلّة ..
نزاع من القبائل .. ليس لهم شوكة تمنعهم من الناس ….
فكان أسامة يعرض نفسه على رؤساء القبائل .. يبحث عمن يأويه و ينصره و أتباعه
حتى يؤدي ما عاهد الله عليه .. من تحطيم الصنم الأكبر ..
فسمع عن قيام حكم الإسلام في السودان ..
فأرسل إليهم فقالوا ائتنا على الرحب و السعة .. ضيف كريم ..
استثمر أموالك في البلاد .. و شاركنا إن أردت الجهاد ..
فشق طريق التحدي .. و أنشأ المعسكرات و ملأها بالمجاهدين ..
و باتوا بخير حال .. حيناً من الدهر ..
حتى قالت أمريكا .. أخرجوهم من قريتكم ..
فقالت السودان .. نفعل .. و ترضون عنا يا أمريكا ؟..
اخرج يا أسامة .. من بلادنا ..
قال : أما أذنتم لنا بالجهاد؟؟ ..
قالت السودان : جهاد قرنق و ليس أمريكا ..
قال .. فإياها أريد .. و لتدميرها أسعى ..
قالوا لا طاقة لنا بها .. فاخرج إنا لك من الناصحين ..
قال الشيخ :
خافت السودان أمريكا في أسامة .. و لم تخف الله في أسامه ..
و خيرت بين رضا أمريكا .. و أموال أسامة ..
فطردته .. فما نالت رضا أمريكا .. و لا أموال أسامة
و سلبوها حتى خفي حنين ..فلم ترجع بشيء ..
قال الشيخ : نعم ..أكمل ..
قال : قال المصنف رحمه الله تعالى :
فعاد أسامة يبحث عمن يأويه و ينصره ..
فأرسل إلى طالبان في قندهار ..
فقالوا .. هلمّ إلى السلاح و المنعة ..
قال : غايتي هدم هبل ..
قالو : الله أكبر .. نسف الأصنام هوايتنا ..
قال : الجهاد أريد ..
قالوا : فنحن أهل الجهاد .. و أبناء الحرب ..
من رحمها ولدنا و من ثديها رضعنا
قال : فهل لكم في جلاد بني الأصفر ؟
قالوا : حارب من شئت و سالم من شئت ..
و صِل حبل من شئت و اقطع حبل من شئت
و خذ من أموالنا ما شئت و دع ما شئت ..
إننا لصبُر في الحرب .. صدق عند اللقاء ..
و لو استعرضت بنا المحيط فخضته لقتال أمريكا .. لخضناه معك ..
قال : ستعضكم السيوف .. و ترميكم العرب و الروم و الترك عن قوس واحدة
قالوا :قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ..
قال : ستأتي أمريكا بقضها و قضيضها .. و تحزب عليكم الأحزاب و تجمع لكم الأحلاف
قالوا : الله مولانا و لا مولى لهم ..
قال : سيطأون أرضكم بجيوش لا قبل لكم بها ..
قالوا : إذا و الله لا نقول لك كما قال لك قومك..
إذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون
و لكن نقاتل بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك و لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك
و ما وطئ أرضنا جيش و خرج منتصراً .. أبدا .. خلا قتيبة ..
قال : سيتخلى عنكم الجميع .. و سيخذلكم أهل الأرض
قالوا : حسبنا الله و نعم الوكيل .. إن شاء أمدنا بأهل السماء
قال : يحاصرونكم و يجوعونكم
قالوا : إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
قال : إياي يريدون ..
قالوا : لن يخلصوا إليك و فينا عين تطرف ..
قال : فتمنعوني مما تمنعون منه أزركم و نساءكم ..
قالوا : اللهم نعم .. الدم الدم و الهدم الهدم .. لا نقيل و لا نستقيل ..
فسمِّ الله .. و اضرب بيمينك ..
اضرب أسامة فداك آباءنا و أمهاتنا ..
اضرب و اتق بصدورنا .. نحورنا دون نحرك ..
اضربهم .. و روح القدس يؤيدك ..
هنا توقف عمر بن أحمد بن لويس عطية الله عن القراءة على صوت نشيج الشيخ ..
نظرنا .. فإذا الشيخ قد غطى وجهه بردائه يهتز و له أزيز .. و يكبر
الله أكبر .. الله أكبر ..الله أكبر
فسكتنا برهة …
ثم قال الشيخ و هو ينشج ..
لقد قرأت كتب التاريخ فلم أجد قوماً صدقوا في نصرة رجل
بعد أنصار رسول الله .. صلى الله عليه و سلم
مثل نصر طالبان لأسامة ..
و هاهي ذي قبورهم في تورا بورا و شاهي كوت و قندهار و دشت ليلى و قلعة جانكي و كابل ..
و قد بلغني أن عبّاد الصليب أسروا أحدهم و قالوا أخبرنا أين أسامة و نطلقك .
فقال : لو كان تحت قدمي ما رفعتها ..
أولئك آبائي فجئني بمثلهم .. إذا جمعتنا يا جرير المجامع ..
ثم بكى الشيخ .. و بكى ..
حتى انصرف و هو يبكي و لم يكمل الدرس …
انتهى