طلبت مني زوجتي –فاتن- حلق حواجبي حدادا على وفاة قطها – أنجلو- تماما كما كان يفعل قدماء المصريين، حاولت إقناعها بأننا نعيش في مجتمع لا تنتشر فيه ثقافة تربية القطط فأسمعتني ردها التقليدي أن سبب موافقتها على الزواج بي هو الشبه الكبير بيني وبين المرحوم !

أنين وبكاء ونواح رافق الفقيد إلى مثواه الأخير، صرخت فاتن وهي تمزق وجهها بأظافرها وتشد شعرها بطريقة هستيرية –ادفنوني معه- تمنيت وقتها حدوث ذلك ولكن زميلي – مراد – وهو بالمناسبة دكتور بشري وبيطري ناشدها أن تستكمل دروس الكمان لتسد الفراغ في حياتها بعد وفاه الراحل !

قررت فاتن دفنه وسط غرفة الجلوس، فكانت تجلس يوميا أمام القبر وتحل شعرها وتنثره عليه ( إني أبحث هنا عن ديكور شاعري)، لتبكي بعدها آناء الليل وأطراف النهار، ولتمتنع عن الطعام والشراب، ولتهجر لذيذ المنام فاصفر لونها وتغيرت محاسنها وأصبح الدمع في عينيها -اللازورديتين – لا ينقطع، حاولت ثنيها بالتوقف عن البكاء فأقسمت أن تقتص من القاتل وتأخذ بثأره!

كنت سعيدا لوفاة هذا القط – ربيب الحواري وألازقة- ، والذي عاش بمنزلي فوق سحابه من النعيم –على حسابي طبعا-، كان من ذلك النوع الذي يعتبر نفسه قمة باسقة بين بواسق القمم في دنيا القطط، فدائما ما يكون أول الواصلين وآخر المنصرفين من المطبخ متعمدا لفت نظري إليه، تناسى أو حاول أن يتناسى الليلة التي وجدناه ملقى بجانب القمامة مريضاً ومنهكاً، كان مغروراً كشأن كل فاشل، ومع هذا كنت مستغربا للطريقة التي كانت تعامل بها –فاتن- هذا الهر المنحط، القذر، الوقح،،،،،،، وقل ما شئت!

أي ريح طيبة أرسلت –جلال-، المتخصص بفن -دهس القطط-، الحاصل على جائزة-نوفل- الإجرامية في هذا المجال، فهو نوع مختلف من البشر، شغوف ببطولة زائفة، أدت به رغبته المجنونة للدهس إلى ارتياد الطريق الصعب وبلا مقابل، -فبعد تبادل السلام والذي منه- طلبت منه في قرف وكأني أبصق الكلمات بالقضاء عليه!

نزل الخبر على قلب جلال برداً وسلاماً،أخبرني بعد أيام –ولا أخاله إلا صادقا- أنه أنهى العملية، مات أنجلو ولا أقول مأسوف عليه، كان –الدهس- سطر الختام لحياة هذا الهر الخبيث، أخذت بعدها الناي وعزفت على روحه لحن الوداع الأخير.

لسوء الحظ- وليالي السعادة لا تخلو من ساعة نحس- نشرت إحدى الصحف صورة لأنجلو وتحت عنوان (أغلى قط في العالم)، لتكتشف بعدها فاتن المؤامرة التي مفادها أن جلال قام ببيعه لأحد الأثرياء العرب على أساس أن هذا القط يستطيع الكلام!

إلى يومنا هذا لم نستطع التعرف على الهيكل العظمي المدفون بوسط غرفة الجلوس!!
ودمتم

9 thoughts on “القط الخـــالد

  1. مقاالااتك عجييبة

    اتمنا انشووف جديدك

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

Comments are closed.