المقاولون يدفعون فاتورة «الوقود» بقيمة مليار درهم خسائر سنوية
تكاليف البناء تقفز 70% والمواد والعمالة 20% وأجور النقل 15%
توقع خبراء في قطاع البناء والتشييد، وأصحاب شركات مقاولات، تكبد قطاع الإنشاءات خسائر مالية جديدة تصل قيمة فاتورتها إلى نحو مليار درهم سنويا عقب زيادة أسعار الوقود بنسبة 30%. وأكدوا في أحاديث لـ « البيان» ان يقود ارتفاع سعر الوقود، أسعار مواد البناء بنسبة 10% ومثلها في أجور العمالة، و15% في أجور النقل و25% في أجور الشحن.
لكن مراقبين حذروا من تداعيات زيادة الأسعار على القطاع والاحتمالات القوية بأن تلقي بظلالها القاتمة على تكاليف البناء والتشييد والتي وصلت العام الماضي الى نحو 60% ولم يستبعدوا ان تقفز الى 70% في غضون الأشهر القليلة المقبلة. وقدروا ان تفضي زيادة أسعار الوقود الى خسائر شركات المقاولات نحو مليار درهم سنويا، حيث يبلغ متوسط إنفاق شركات المقاولات على الوقود نحو 500 مليون درهم.
ووصف خبير في القطاع علاقة «المقاول بالخسائر» مثل الزواج على الطريقة الكاثوليكية التي لا ترضى بالطلاق.!وقال ان المقاولين تعودوا الوقوف مكتوفي الأيدي ودفع ثمن العديد من الإجراءات والقرارات.لكنه لفت الى ان المقاولين هذه المرة ربما سيقومون بترحيل الخسائر المتوقعة على أصحاب وملاك المشاريع من خلال تضمين المناقصات الفروقات السعرية الجديدة، فيما سيوافق الملاك على أسعار المقاول ليقوم هو الآخر بترحيل خسائره المتوقعة الى المستهلك على شكل زيادة في قيمة الإيجارات.
وفوجئت شركات المقاولات العاملة في قطاع الإنشاءات المحلي بقرار زيادة أسعار الوقود ووصفته بأنه «لم يكن في الحسبان وسيزيد من معاناة المقاولين الذين استبشروا خيرا بالطفرة العمرانية الجديدة عقب التحاق العديد من إمارات الدولة بركب المشاريع العقارية التي تسمح بتملك الأجانب بشروط «. وترى الشركات ان قرار الزيادة سيجبرها على زيادة التخصيصات المالية لتغطية الفروقات السعرية الجديدة.
وعبروا عن مخاوفهم من احتمال تكرار سيناريو خسائر العام الماضي التي تكبدوها جراء ارتفاع أسعار مواد البناء في السوق المحلية.وأضافوا أن قراراً مهماً ومؤثراً على آلاف المقاولين كان يجب أن تسبقه دراسة معمقة لتأثيراته وتحديد موعده قبل فترة زمنية مناسبة ليتسنى للمقاولين دراسة أوضاعهم قبل توقيع عقود تنفيذ المشاريع الجديدة التي لا تتضمن بنودها فقرات تعوض المقاول عن أي فروقات سعرية جراء الارتفاعات المفاجئة في السوق.
وتعد آليات شركات المقاولات التي تقدر بعشرات الآلاف اكبر مستهلك للوقود في القطاع الخاص حيث تستخدم في تنفيذ المشاريع ونقل العمال من مساكنهم إلى مواقع العمل بالإضافة إلى السيارات المخصصة لنقل مواد البناء. مما يعني أن تلك الشركات ستكون الأكثر تضررا جراء تطبيق القرار اعتبارا من اليوم.
واعتبر رجل الأعمال نشأت السهاونة الرئيس التنفيذي لشركة الحمد للمقاولات أن قرار زيادة أسعار الوقود مفاجئ. ولكنه رأى أن تأثيراته ستكون نسبية إلى حد ما، وربما ستكون متفاوتة على صعيد حجم الخسائر التي ستترتب عليها من شركة إلى أخرى بحسب الأوضاع المالية لكل شركة.
وأضاف السهاونة أن الزيادة السعرية التي ستطرأ على أسعار الوقود ستقود قاطرة من الزيادات السعرية للعديد من السلع التي ترتبط بقطاع الإنشاءات والبناء بالدولة، ويقول السهاونة «بصراحة فإن ارتفاع الأسعار سيطال الجميع بدءاً من أسعار الاسمنت وانتهاء بأسعار سندويتش الفلافل« فصناعة الاسمنت والزجاج والألمنيوم، وغيرها من الصناعات بالإضافة إلى أجور النقل وأجور المهندسين كلها سترتفع على خلفية قرار الزيادة الذي جاء هو الآخر على خلفية أسباب يرى أصحاب القرار أنها دفعت قسرا باتجاه صدور تلك الزيادات.
وعبر حمد جاسم الدرويش فخرو رئيس شركة هندسة الدرويش في أبوظبي، عن استغرابه الشديد من اتخاذ قرار بهذا المستوى من الأهمية والإعلان عنه بين ليلة وضحاها من دون أن يكون هناك تمهيد له أو على الأقل تثقيف للشرائح التي ستتأثر به. وقال الدرويش إنه كان يتمنى أن تقوم الجهات المعنية بالوقوف على رأي شركات المقاولات التي تعد من الفعاليات الاقتصادية المعنية بقرار من هذا النوع.
وأشار إلى أن الدولة مقبلة على طفرة عمرانية هائلة في العديد من مدنها لذا فإن زيادة أسعار الوقود بهذه النسبة لن تترك لشركة المقاولات أي هامش ربحي، حيث سبق للمقاول وعندما اندلعت أزمة أسعار مواد البناء، دفع فاتورة الزيادات السابقة للوقود في العام الماضي وقبلها.
وكان من الأجدى أن يتم اخذ كل ذلك بنظر الاعتبار وتحديدا ما يتعلق بالطفرة العمرانية التي تفرض استحقاقات كبيرة أبرزها دعم شركات المقاولات المحلية لتؤدي دورها على أكمل وجه دون تركها تئن تحت سياط ارتفاعات الأسعار في مواد البناء بالأمس، واليوم تحت وطأة زيادة أسعار البترول التي ستجر هي الأخرى باقي الأسعار إلى الارتفاع سواء أكانت أسعار مواد البناء أو أجور العمالة أو تكاليف البناء وغير ذلك.
رجل الأعمال محيي الدين بن هندي، رئيس شركة العمار للهندسة والمقاولات، يرى أن المقاول أصبح ذكياً بما فيه الكفاية ولن يرتكب الأخطاء ذاتها التي ارتكبها في الأعوام السابقة عندما كان يوقع عقوداً مع مطوري وملاك المشاريع دون أن يثبت فيها فقرة تنص على تعويضه بالفروقات السعرية في حال ارتفعت الأسعار.
وأضاف أن شركات المقاولات بالدولة تكبدت العام الماضي خسائر كبيرة جراء ارتفاع أسعار مواد البناء ولكنها ربما ستحاول أن تتحاشى الوقوع تحت تأثيرات ارتفاع الأسعار هذه المرة لأنها بدأت تدرس العقود قبل التوقيع عليها وتصر على تثبيت فقرات تتعلق بتعويضها عندما تحل قفزات سعرية.
وأضاف بن هندي: إن المتضرر في هذه الحالة لن يكون المقاول بل المالك الذي سيضطر إلى دفع الفروقات المترتبة على زيادة أسعار الوقود والتي ستقود بدورها إلى رفع باقي أسعار السلع المرتبطة بها، وتكاد الزيادة المتوقعة لباقي السلع تشمل سلة الخدمات الاستهلاكية بأكملها.
وأكد أن ملاك المشاريع الذين سيطرحون مشاريعهم الجديدة إلى العلن سيتوجب عليهم دفع مبالغ إضافية على تكلفة التنفيذ لأن شركات المقاولات على الأغلب لن تقبل أن تتحمل الآثار لوحدها.لكن رجل الأعمال حمد عبد الكريم العارف رئيس مجموعة العارف للمقاولات بدبي عبر عن دهشته لمثل هذا القرار الذي رأى انه سيعيد سيناريو الخسائر التي تعرضت لها الشركات الإنشائية ولكن بتفاصيل جديدة.
وقال إن شركات المقاولات التي تعد محط حسد الآخرين بوصفها شركات منفذة لمشاريع البناء وتجني أرباحاً كبيرة، أصبحت تتعرض لشتى أنواع الخسائر جراء عدم استقرار الأسعار. وضرب العارف مثلاً بالآثار الجانبية التي سيخلفها قرار زيادة أسعار الوقود، وقال إن أسعار مواد البناء سترتفع وأجور العمالة سترتفع أيضاً، حتى ستطال الزيادة بآثارها الجانبية السلبية كل تفاصيل العمل الإنشائي.
وأشار العارف إلى أن المقاول الذي يبلغ إنفاقه الشهري على الوقود نحو 500 ألف درهم سيضطر إلى إضافة نحو 100 ألف أخرى تمثل حجم الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، الذي تستخدمه شركات المقاولات على نحو واسع في آلياتها التي تنقل العمالة من السكن إلى مواقع العمل وبالعكس إلى جانب الآليات التي تنقل مواد البناء من المصانع أو الأسواق المحلية إلى مواقع المشاريع غير مركبات المهندسين والطاقم الفني وغيرهم.
* مطالبات خارج المستحيل
وأكد نائب رئيس جمعية المقاولين أحمد خلف المزروعي في حديث لمكتب «البيان» في ابوظبي أن قرار الزيادة الكبيرة في أسعار المحروقات سيكون له آثار كارثية على شركات المقاولات والنقل على وجه الخصوص. ويقول إن المحروقات تعتبر بنداً رئيسياً في مصروفات هذه الشركات، وقد عانت شركات المقاولات خلال العامين الماضيين من الارتفاع الجنوني في أسعار مواد البناء ويجيء قرار زيادة أسعار المحروقات ليقصم ظهر هذه الشركات ويحمِّلها متاعب وهموماً جديدة.
ويضيف المزروعي: الزيادة ستؤثر على الشريحة الكبرى من شركات المقاولات والنقليات، وقد يتحمل العديد منها خسائر خلال الفترة المقبلة ونريد من الجهات الحكومية المختصة أن تلتفت إلى هذه المشكلة الكبيرة التي قد تعصف بالعديد من الشركات. وأضاف: إننا لا نطالب بالمستحيل، بل نريد أسعاراً معقولة للمحروقات أو تعويضنا تعويضاً مقبولاً. ويقول المزروعي: الدولة مقبلة على طفرة إنمائية كبيرة، وقطاع المقاولات من أهم القطاعات الاقتصادية التي ستتحمل عبء هذه النهضة،
وبالتالي لا بد من دعم هذا القطاع وتقديم كل التسهيلات له للقيام بدوره على أكمل وجه. وإن أي انتكاسة في هذا القطاع ستؤثر سلباً على كل القطاعات. وقال احمد خلف المزروعي نائب رئيس مجلس إدارة جمعية المقاولين ان رفع أسعار المحروقات يعد بمثابة الكارثة على الشركات العاملة في القطاع، مؤكدا بان لا أحد ضد هذه الزيادة ولكن المنطق كان يستوجب التحضير لها وإعطاء مهلة لمختلف القطاعات الاقتصادية لتكييف نفسها معها خاصة.
وان المحروقات تشكل عنصرا رئيسيا في أنشطة الكثير من هذه القطاعات وأكد المزروعي ان نسبة الزيادة كانت عالية جداً الأمر الذي ستزداد فيه حدة خسائر شركات المقاولات الوطنية والتي مازالت تعاني من مشاكل كثيرة وجاء رفع أسعار المحروقات لزيادة حدتها.
وأوضح ان شركات المقاولات لن تكون قادرة على رفع أسعارها على المشاريع التي تقوم بتنفيذها أو ارتبطت بعقود لتنفيذها خلال المرحلة المقبلة وذلك نظرا لوجود نصوص تعاقدية مسبقة لا تأخذ بالاعتبار حدوث مثل هذه الزيادات على أسعار المحروقات.من جهته قال رياض كمال مدير عام شركة »اربتك« من الطبيعي عند زيادة أسعار المحروقات ارتفاع كلفة تنفيذ المشاريع خاصة في ظل الاعتماد الكبير على الطاقة في تشغيل المولدات الكهربائية والنقل في المشاريع الإنشائية.
وأوضح ان زيادة أسعار المحروقات ستؤثر سلباً على ربحية الشركات العاملة في قطاع المقاولات والإنشاءات مشيراً إلى انه من الصعب التكهن حالياً بنسبة الارتفاع في كلفة المشاريع نتيجة زيادة أسعار المحروقات. وأوضح ان زيادة كلفة المشاريع ستتحملها بالدرجة الأولى شركات المقاولات والتي ستقوم بدورها بتحميل الكلفة إلى المستهلك.
* زيادة…زيادة
ويقول الدكتور احمد الحداد رئيس مجموعة الحداد العقارية ان شركات المقاولات بالدولة سبق لها ورفعت أجورها العام الماضي على خلفية زيادة أسعار مواد البناء، ولكنها لن تتأخر في رفع الأسعار ثانية لاسيما عندما ترتفع أسعار المواد يضاف إليها أجور العمالة والنقل والشحن على خلفية زيادة أسعار الوقود.
وتوقع الحداد ان ترتفع أصابع الاتهام بوجه شركات المقاولات، ليرى بعض الملاك تلك الخطوة بأنها «مباغتة ودون سابق إنذار» بينما سيرى البعض الآخر أن زيادة المقاول لأجوره شأنها شأن كل الزيادات التي إرتفعت بين ليلة وضحاها، ولم يتلق المقاول أدنى «مقاومة» من المالك المتهافت على البناء في القطاعين الخاص والحكومي،
كما لم تواجه شركات المقاولات وهي ترفع أسعارها الجديدة أي صعوبة في إقناع الجميع ب«شرعية» خطوتها «الإضطرارية»، لاسيما بعد أن حصدت تلك الشركات تعاطفا «إعلاميا» كبيرا عقب ارتفاع اسعار مواد البناء الذي راح ضحيته العديد من شركات المقاولات.
* الأسعار كلها ارتفعت
ويقول سعيد الكندي رئيس لجنة العقارات في بلدية دبي بأنه لا يجوز الفصل بين ارتفاع كلفة البناء وبين باقي الارتفاعات في الأسعار والزيادات التي طرأت على السوق مؤخرا، فالزيادة في تكلفة البناء نتيجة حتمية لزيادة الأسعار في الأراضي ومواد البناء والنقل والوقود وغير ذلك.
ولفت الكندي إلى أن المقاول ليس مسرورا بالزيادة في تكلفة البناء ولا بالزيادة في أسعار مواد البناء وأجور العمالة وأجور سكن العمال وغير ذلك من الفعاليات التي تتطلب إنفاقا ماليا من المقاول. وتوقع الكندي أن لا تشهد الأسعار انخفاضا كبيرا إذا ما انخفضت. لكن الكندي تمنى أن يتحكم العرض والطلب بكل الأسعار في سوق تحكمه الشفافية وقوانين السوق الحرة المفتوحة، بعيدا عن الاستغلال الذي يجر المشكلات على القطاعات التي تحدث فيه.
واستبعد الكندي حدوث أزمة مماثلة كتلك التي حلت بقطاع البناء والتشييد، عندما ارتفعت أسعار مواد البناء، نتيجة زيادة الطلب على الاسمنت والحديد وشح المعروض منه، محليا وإقليميا وعالميا، نتيجة لعدم كفاية الإنتاج المحلي حينها والذي يتراوح مابين 10 إلى 11 مليون طن سنويا تنتجها مصانع وطنية أخذت على عاتقها رفع طاقتها الإنتاجية مؤخرا لتلبي طلبا متزايدا يصل إلى 13 مليون طن سنويا(ما يعني نقص قوامه 2 مليوني طن).
ويضيف الكندي أن هذا الطلب المرتفع فرضه إطلاق مشاريع بناء كبيرة، إلى جانب أسباب أخرى منها ارتفاع سعر اليورو مقابل الدولار، وارتباط ذلك باستيراد المواد الأولية وارتفاع أسعار المحروقات، التي رفعت من كلفة إنتاج الاسمنت،
* نتيجة وليس سبباً
مقاول فضل عدم ذكر اسمه قال بأن توجيه اللوم للمقاول نتيجة رفعه تكلفة البناء يجب أن يسبقه سؤال عمن يقف وراء قيامه برفع أسعاره، ويجب أيضا مراجعة أسعار الوقود لشركات المقاولات على الاقل لانها تنهض بدور وطني يتركز على رسم المشهد العمراني للدولة.
معبرا عن استغرابه من استمرار تكبد المقاول خسائر مالية كبيرة. ووصف علاقة المقاول بالخسائر كالعلاقة الزوجية الكاثوليكية التي لا تقبل بالطلاق. واقترح ان يتم اعادة النظر فيما يتعلق بأسعار الوقود، كما يجب إعادة النظر بالضمانات البنكية التي يجب على المقاول أن يدفعها عند استقدام العمالة، كما يجب أن يكون هناك تنسيق وبرمجة لعملية إطلاق المشاريع لان تهافت المالك على البناء،
واستعجاله انجاز الأبراج السكنية والتجارية التي تشهد طلبا مرتفعا للغاية، يجعل المقاول بشكل أو بآخر مندفعاً هو الآخر إلى رفع أسعاره، فيقع في دائرة الاستغلال. ويضيف المقاول، وحتى يتراجع المقاول عن أسعاره الجديدة يجب أن تكون هناك حركة تصحيحية لأسعار مواد البناء فأسعار الاسمنت لا تزال مرتفعة
وكذلك الحديد والخشب الذي ارتفعت أسعاره أخيراً 20% بعد كارثة تسونامي وارتباط الموردين بتلك المنطقة. ودعا إلى بذل الجهود لترسيخ الاستقرار في سوق مواد البناء التي إذا ما ترنحت، فانها تطال بنتائجها السلبية العديد من الفعاليات التجارية والاقتصادية المهمة والتي لها تأثير مباشر في الحياة اليومية للناس والمجتمع.
* شبح الخسائر
ويعاود نشأت السهاونة رئيس شركة الحمد للمقاولات، الحديث عن زيادة أسعار كلف البناء فيه، عقب رفع اسعار الوقود. وتساءل عن الأسباب التي تدفع المقاول إلى رفع أسعاره غير ارتفاع أسعار الكثير من الأدوات البشرية والفنية والتقنية التي يستخدمها المقاول لتنفيذ المشروع.
وأوضح السهاونة بأن من يطلق مثل هذه الاتهامات يجهل تفاصيل عمل شركات المقاولات التي لا تأخذ غير الصيت بأنها مستفيدة من الطفرة في المشاريع مع أن الرابح الأول والمستفيد الأكبر كل القطاعات المرتبطة بأعمال المقاولات، في حين يرزح المقاول تحت سياط النفقات والأسعار والكلف المتزايدة في القيمة والتي لا تناسب المردود.
وأشار إلى أن المقاول اليوم يواجه ارتفاعات سعرية أجبرته على رفع تكلفة البناء كي يبقى في مأمن من الخسائر ومع ذلك لن يكون بمنأى عن شبح المشاكل المالية برغم كل إجراءاته الاحترازية، وعلى سبيل المثال أصبح المقاول الذي يواجه مشكلة في إنتاجية مهندسيه ومراقبي العمل لأنه مضطر إلى رفع عددهم إلى 10 بدلا من 2 لان الزحام المروري يمنع الكادر الفني من المواءمة بين الالتزامات العملية والعائلية بسبب ضياع 6 ساعات يوميا في الطريق وحده،
وهذه المشكلة تنسحب على الآليات التي تنقل العمال والمواد إلى مواقع العمل، الذي غالبا ما يكون مزدحما أو يكون ضمن منطقة مشروع مكتظة بآليات المشاريع الأخرى مما يرغمها على التأخر في الوصول لساعات طويلة تجبر المقاول على تسيير باصات أكثر واليات أكثر إلى مواقع العمل لتلافي التأخر في تنفيذ المشروع، علما بأن أجور النقل زادت بنسب غير معقولة،
ناهيكم عن اجور العمالة التي يصل معدل الإنفاق الشهر على العامل نحو 2000 درهم بين ضمانات بنكية وتذاكر سفر وراتب وسكن، أما سكن العمال فهو من الأمور التي يخفى على غير المطلعين كيف انها تسبب في رفع التكلفة الإجمالية للمشروع لأنها تكلف المقاول من جهة أخرى.
وقال السهاونة ان هناك أسباباً أخرى أجبرت المقاول على رفع أسعار كلفة البناء، من بينها عدم تحمل الطاقة الاستيعابية لكثرة المشاريع المطروحة، فالمقاول لا يملك العدد الكافي من العمالة لتنفيذ المشروع، وتوريدهم مكلف من ناحية أخرى وإسكانهم أكثر كلفة كما اشرنا. ويعتقد السهاونة بأن المقاول ضحية لارتفاع الأسعار وليس مستفيداً وهو في خانة رد الفعل دائما وليس الفعل.
وأكد أن ابرز دليل على ذلك ما حصل من أزمة ضربت قطاع البناء بسبب مواد البناء، فالمشكلة لم تحل وبقيت الأسعار على مستوياتها المرتفعة ولم تخضع لتعديلات كبيرة ولا لتصحيح من أي نوع، وكانت النتيجة يومها اضطرار الحكومة إلى إعادة تسعير 259 مشروعا بسبب ارتفاع الأسعار مما سيضاعف الأعباء المالية على كاهل الميزانية،
إلى جانب ضبابية مستقبل مشاريع بناء جديدة بقيمة 130 مليار درهم تم تسعيرها قبل ارتفاع الأسعار، وعرقلة مسيرة البناء والتشييد وعزوف شركات مقاولات عن تنفيذ العديد من المشاريع.وزيادة كلف البناء بنسبة 60 %. (لأن تكلفة الصلب تدخل فيما بين 25 إلى 30 % من إجمالي تكلفة البناء، ما يعني عندما ازداد سعر الصلب بنسبة 100% فان تكلفة البناء ازدادت مابين 24 إلى 30%،
وبما أن الاسمنت يدخل في 12% من تكلفة البناء فان زيادة سعر الاسمنت بنسبة 200% تعني زيادة تكلفة البناء إلى ما بين 25 و30% أيضا لتزداد تكلفة البناء بالدولة بنسبة 60% تقريبا). وخسائر مالية فادحة تكبدتها شركات المقاولات ومازالت تتكبدها خصوصا الشركات التي تنفذ مشاريع تم الاتفاق على تنفيذها قبل الارتفاع المجنون في الأسعار ومازالت قيد الانجاز،
وتوقف العديد من الشركات عن ممارسة نشاطها، في انتظار انخفاض الأسعار الذي لا يلوح في الأفق المنظور أو بانتظار صرف تعويضات عن خسائرهم فيما يخص المشاريع الحكومية، وزيادة الإيجارات بنسبة 30 %. إلى 80% وزيادة أسعار العقارات قديمها وجديدها، و زيادة أسعار الأراضي، وزيادة تكاليف الشحن، وتكلفة التأمين.
إلى جانب التأثيرات السلبية على جودة البناء، حيث تجبر الأسعار بعض المقاولين على تنفيذ المشروع بمواد بناء لا تتمتع بمواصفات عالية لتلافي اكبر قدر ممكن من الخسائر المالية. بالإضافة إلى أن بعض شركات المقاولات قد تصبح غير قادرة على سداد القروض المصرفية التي تعتمد عليها في تمويل نشاطها،
وهذا الوضع سينعكس سلباً على القطاع المصرفي في الدولة الذي قد يواجه أزمة ديون متعثرة. هذا بخلاف تعثر بعض شركات المقاولات في تسديد التزاماتها المالية وحقوق العمال مما يرفع عدد الشكاوى العمالية جراء تأخر صرف الأجور، وهروب العمال لتتفاقم مشكلة الخلل في التركيب السكاني.
* التعاطي مع الأزمة
أما عبدالله راشد محمد سيف صاحب شركة البادية للمقاولات، فقد كان سبّاقا عند تعرض قطاع البناء والتشييد إلى تزويد الجهات المعنية بالبيانات والإحصائيات التي توضح القفزات غير المسبوقة في أسعار مواد البناء، وشارك في اجتماعات عدة لمناقشة المشكلة حينها،
ويرى أن التعاطي مع قضية ارتفاع تكاليف البناء على خلفية ارتفاع اسعار الوقود والتي ستقود باقي الاسعار الى الارتفاع ومنها تكلفة البناء التي زادت بنسب تراوحت مابين 40 إلى 60 % يجب ان لا تنحصر في شخص المقاول بوصفه السبب المباشر وراء ارتفاع تكلفة البناء في قطاع البناء والتشييد، وقال إن المشهد مترابط والعلاقة مابين أسعار مواد البناء وأجور العمالة والنقل والمحروقات وأسعار تكلفة البناء لا يمكن أن نفصلها أو نتناولها على حدة،
وأكد عبدالله ان ارتفاع أسعار مواد البناء بنسب تراوحت مابين 100 الى 200% لبعض المواد الرئيسة للمواد المستخدمة في تنفيذ المشاريع هي السبب الحقيقي والمباشر الذي اجبر المقاول على رفع تكلفة البناء، وأوضح عبدالله حجم القفزات في الأسعار بقوله، إن الحديد التركي كان يباع قبل عامين ب900 درهم للطن، وقفز إلى 2100 درهم بزيادة 57%، أما الحديد القطري فكان ب1250 درهماً،
وأصبح ب2500 درهم للطن، بزيادة 50%، أما المسامير وأسلاك ربط الحديد فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 100%، وحدث ولا حرج عن الاسمنت الذي قفز سعر الكيس منه من 8 دراهم إلى 18 و28 درهما بزيادة مقدارها 300%، بينما سعر الخرسانة، ارتفع من 140 درهماً إلى 245 درهماً للمتر المكعب الواحد، وعلى صعيد الطابوق فكانت بسعر 2 درهم وقفزت إلى اكثر من 3 دراهم والطابوق الهاوردي من 2 الى 50. 3 دراهم، والمفرغ من 5. 1 إلى 3 دراهم وهكذا الزيادات تراوحت مابين 30 الى 50%.
أما بلاط الموزاييك فقد ارتفع سعره من 15 الى 25 درهماً للمتر المربع، وبلاط الجرانيت زاد بنسبة 33%، والرخام العادي بالنسبة ذاتها، في حين قفز توريد الرمل من 18 درهماً إلى 25 درهماً، وتوريد الحصى من 40 إلى 50 درهماً، وتوريد الرمل الأسود من 25 درهماً إلى 45 درهماً بزيادة بلغت 44%، بالإضافة الى ما حصل بالنسبة لباقي الأسعار، فالدهانات المائية زادت بنسبة 25%، وأعمال الألمنيوم زادت بنسبة 25%، والأعمال الخشبية بنسبة 25% أيضا،
أما الأعمال الكهربائية كالأسلاك والكيبلات والمفاتيح ولوحات التوزيع فقد زادت بنسبة 30%، وقفزت أعمال التكييف بنسبة 25%.في حين تفوقت الأعمال الصحية والصرف الخارجي وأطقم الحمامات وملحقاتها بزيادة بلغت 35%، وبالنسبة نفسها زادت بقية الأعمال المتفرقة من طبقات عازلة للرطوبة والتغليفات البلاستيكية للمباني، ونختم بالزيادة التي طرأت على المحروقات حيث وصلت إلى 40% عن أسعارها قبل عامين، و35% زيادة إيجار المعدات وسيارات النقل والشاحنات والرافعات والأجهزة الميكانيكية المستخدمة في أعمال الحفر.
* الحلقة الأضعف
ويقول علي موسى رئيس شركات علي موسى وأولاده، إن الكثيرين سيرفعون أصابع الاتهام بوجه شركات المقاولات اذا ما رفعت أسعارها، جاءت الزيادة المتوقعة في أسعار مواد البناء والنقل والأجور وكل ما له علاقة بقطاع البناء، فتلك الشركات لم تزل هدفا سهلا لسهام النقد والاتهام ، فهي في الواجهة دائما، وربما هذا ما يجعلها تدفع ثمنا باهضا، فالمقاول هو الحلقة الأضعف، وهو المعرض دائما للخسارة، وهو من يحصد في النهاية اللوم والعتب والمسؤولية، لأن الناس لا ترى أمامها التجار،
ولا ترى من يرفع الأسعار، ولا تعرف الأسباب الحقيقية التي تجبر المقاول على مواكبة الأسعار (ولا أقول رفع الأسعار)، لان المقاول مجبر وليس مخيراً في مسألة رفع أو عدم رفع الأسعار فإذا ما ارتفعت الأسعار، واكب من جانبه تلك الزيادة كي لا يخسر والى درجة كبيرة يقوم المقاول بمواكبة الزيادة بتقليل هامش إرباحه من المشروع، وفي بعض الأحيان يضطر المقاول إلى تنفيذ المشروع بسعر الكلفة او بهامش من الخسارة.
ويقول إبراهيم يوسف الرحماني مدير شركة الرحماني أحد أبرز شركات تجارة مواد البناء بالدولة انه ليس من مصلحة المقاول استغلال ارتفاع أسعار الوقود ومن ثم ارتفاع أسعار مواد البناء ليرفع أسعار كلفة البناء، وربما العكس صحيح لأنه في حال ارتفعت الأسعار فان المقاول اقرب إلى الخسارة منه إلى الربح،
وإذا ما علمنا أن سوق مواد البناء الذي يبلغ حجمه 15 مليار درهم سنويا وينضوي تحته نحو 40 مادة، شهد قفزات سعرية غير مسبوقة في غضون الأعوام الثلاثة الأخيرة، وكان الوسطاء والتجار يبيعون كيس الاسمنت بـ 6 دراهم أو أكثر بقليل من الفلسين قبل عامين أو أكثر… لكن ما لبثت القناعة والرضى بالقليل الطيب تتبخر، فرفع بعضهم الأسعار إلى مستويات كبيرة،
وارتفع سعر كيس الاسمنت في غضون أشهر معدودة من5 الى 6 دراهم إلى 8 وإلى 12 وإلى 20 و25 و28 و…. ووصل إلى 30 درهما واختفى من الأسواق وأصبح نادرا!! وأصبح من الصعب ان يحصل المقاول على أكثر من 100 كيس فقط، مع أنه طلب 10000 آلاف كيس، ولم يجد المقاول غير التوجه الى تلبية ما يحتاجه بأسعار خيالية من الوسطاء وتجار السوق السوداء !!
* تقليص هامش الربح
ويقول المهندس مصطفى فهمي من شركة «كونين» المهندسون الاستشاريون المتحدون، دراسات الكلفة التقديرية للبناء التي تمت في أواخر عام 2002 إلى أوائل عام 2003 على سبيل المثال ونتائج المناقصات حتى العام الماضي، تكشف وجود فروق أسعار كبيرة بنسبة 26 الى 30%.
ويرجع فهمي الزيادة الحاصلة إلى أن سعر التكلفة المتوسطة للمتر المربع عند تقييمها لعام 2002 مثلا كان ما بين 1700 إلى 1800 درهم لكل متر مربع، بينما كان سعر المتر المربع عند فتح مظاريف المناقصات أوائل العام الماضي قد بلغ 2300 الى 2400 درهم لكل متر مربع. ويوضح فهمي الأسباب بان مردها إلى ثلاثة أسباب رئيسية أولها ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل مطرد وخاصة لمواد الحديد والاسمنت والخشب،
بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العمالة الفنية وتكلفة الأيدي العاملة المساعدة، إلى جانب وفرة المشاريع والأعمال الخاصة بالبناء والإنشاء بشكل كبير تغطي احتياجات سوق القطاع. ويشير فهمي إلى أن متوسط النسبة المئوية للزيادة المتوسطة في أسعار مواد البناء وتكلفة العمالة وصلت إلى نسبة 41%، وبالمقارنة بين الزيادة الإجمالية لسعر المتر المربع من سنة 2002 إلى 2004 تكون 34% بينما الزيادة في كلفة المواد والعمالة فتبلغ 41% نجد ان النسب متقاربة،
ويمكن ان نستخلص بان شركات المقاولات أصبحت مجبرة على تخفيض هامش أرباحها لتغطية الزيادة الكبيرة في أسعار المواد والعمالة.ويخلص المهندس فهمي إلى أن الزيادة التي ستحصل في أسعار تكلفة البناء ليست عشوائية بل تفرضها استحقاقات على ارض الواقع وخارج إرادة المقاول.
تحقيق: مشرق علي حيدر
السلام عليكم اخوي moto
وجزاك الله خيرا على نقل الخبر
ولكن شركات المقاولات لن تدفع او تضحي بفلس واحد من ارباحها وسوف تمرر هذه التكلفة الى المواطن المسكين او صاحب المشروع والدليل ان المقاولين عدلوا اسعارهم مسبقا مع الارتفاعات السابقة لاسعار البترول منذ فترة متذرعين ان ارتفاع اسعار النفط العالمية يؤثر في كلفة مشاريعهم ويجب ان يتحملها المواطن او صاحب المشروع. وحتى المشاريع القائمة والمتفق عليها يعطلونها بحجة انهم لا يريدون تحمل الفرق في تكلفة مواد البناء والطاقة الى غيرة من الاعذار حتى يخضع المواطن المسكين ويتحمل الزيادة حتى ينجز بيته او مشروعه. وهذا يشمل المقاولين الذين لديهم عقود طويلة الاجل مع شركات مواد البناء و المواد الاولية اللازمة.
وحسب علمي فان المقاولين يضيفون نسبة مخاطرة الى اسعارهم عند تقييم المشاريع التي ينوون الدخول فيها وهي تشمل الارتفاعات المستقبلية المتوقعة خلال فترة الانجاز لاسعار مواد البناء وكلفة جميع متغيرات العقد حتى وان لم تحدث هذه الارتفاعات
والسموحة