إن الأدب بأنواعه وأجناسه وأشكاله، هو الرّحم الذي يحتضن النفس الإنسانية بنوازعها وحالاتها. وهذا الأدب بحاجة لنقد نصل فيه لجماله, وهذا النقد بحاجة لأدوات و مصطلحات نقدية , هنا نحاول أن نجمع بعض المصطلحات التي نريد تصديرها من التراث العربي القديم إلى الحاضر وخاصة المربد
نعرف أولاً البلاغة كما حددها الجاحظ في البيان والتبيين :
البلاغة هي الانتهاء إلى الغاية في التبين والإفهام بأفضل أسلوب وهذه هي بلاغة المتكلم.
قال بعضهم لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه , فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك .
الإبداع : إيجاد الشيء من لا شيء . وقيل تأسيس الشيء عن الشيء .
والخلق : إيجاد شيء من شيء , قال الله تعالى ” بديع السماوات والأرض” البقرة 117 وقال ” خلق الإنسان” النمل 4
والإبداع أعم من الخلق , ولذا قال ” بديع السماوات والأرض وقال ” خلق الإنسان” ولم يقل بدع الإنسان
الإتقان : معرفة الأدلة بعللها , وضبط القواعد الكلية بجزئياتها.
ونأتي هنا لذكر مصطلح نقدي من التراث العربي ونقارنه مع مصطلح أخر :
الإجمال : إيراد الكلام على وجه يحتمل أموراً متعددة , والتفصيل تعيين بعض تلك المحتملات , أو كلها .
وأرى أن نقلب هذا المصطلح الذي ورد بأكثر من صيغة ,
ولعمري هنا أن الإجمال في الأدب لهو أداة وجودة صنعة لدى الكاتب , وربما نتذكر فيما يقابل هذا المصطلح الرمز, وقد مر على مسمعي كلمة الرمز المطبق الذي يتقلب كيفما تريد , فيتعدد التأويل بتعدد المتلقين , ويكون ذلك في أن تورد معاني كثيرة في صورة فنية تكون مجملة
ونذكر هنا مصطلح الإشارةمن تراثنا العربي
وقد كتب محمد عزام في كتاب مصطلحات نقدية عن الإشارة فقال “
لعل قدامة بن جعفر (337هـ) من أوائل الذين رغبوا في تحديد هذا المصطلح النقدي بعد أن أحس بما انتشر في مجال النقد من فوضى ذوقية , فقد سأله ابن الطاهري عن الإشارة, فقال : ” هي اشتمال اللفظ القليل على المعاني الكثيرة باللمحة الدالة” فلما سأله مثلاً عليها قال بيت زهير:
فإني لو لقيتك واتجهنا………. لكان لكل منكرة كفاء
والإشارة عند العسكري ( 395هـ) هي ” أن يكون اللفظ القليل مشاراً به إلى معان كثيرة بإيماء إليها ولمحة تدل عليها “
ومثاله قول الناس : ( لو رأيت علياً بين الصفين ) : فيه حذف وإشارة إلى معان كثيرة .
والإشارة عند ابن رشيق القيرواني (456 هـ) ” من غرائب الشعر وملحه , وبلاغة عجيبة تدل على بعد المرمى وفرط المقدرة , وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر. وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالة واختصار وتلويح يعرف مجملاً , ومعناه بعيد من ظاهرلفظه”
لنقارب المصطلحين ونبسط الأمور أكثر :
الإجمال : إيراد الكلام على وجه يحتمل أموراً متعددة .
الإشارة:هي اشتمال اللفظ القليل على المعاني الكثيرة باللمحة الدالة.
وأجد هنا أن تعريف قدامة بن جعفر تعريف دقيق وفيه يؤكد على أن الإشارة للمعاني الكثيرة تكون في اللفظ القليل المكثف
_______________ المراجع والمصادر: القران الكريم.
التعريفات للسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني .
البيان والتبيين للجاحظ .
مصطلحات نقدية – محمد عزام .
مصطلحات النقد العربي السيماءوي-الدكتور مولاي على بوخاتم .
المعجم الفلسفي المختصر دار التقدم موسكو 1986 ترجمة توفيق سلوم.
المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة – د عبد المنعم الحفني.
طير ابن بُطي ( مقال نقدي ساخر )
١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٧ ، بقلم محمد السموري
ابن بطي لقب لأعرابي لم يوفق كأقرانه في صيد الصقور أو لعله لا يفرّق بين الطير الحرّ وغيره، فاصطاد ذات يوم طيرا من الجوارح،له مخالب حادة ومنقار معقوف فظنّه خير من الصقور التي يتباهون عليه بها، ودرّبه على الصيد، كما يفعلون، ولما اشتاف طيره فرآه يستجيب للتدريب راح يشمت بهم ويتوعّدهم بالغلبة في الصّيد، الحقيقة أنّ الصّيادين قد توجّسوا خيفة من هذا الطائر الغريب الذي لم يكترثوا له، ولما انتهت التدريبات وأطلق كل منهم طائره للصّيد. ويا للأعراب من العقاب ، إنه طائر الجراذين وقد تدرّب كالصقور على الصّيد ، فراح يرمي على أهله مما اصطاد من الجرذان والحيّات، والهوام ، وكل ما وجد من الفطائس .
واسم العقاب الحقيقي( أله) وهو اسم أعجمي معناه بالعربية العقاب وقد قيل إنّ العقاب لا يوجد فيه ذكر بل جميعه أنثى وإنّ الذي يسافده طائر آخر من غير جنسه وقيل أنّ الثعلب يسافده وهذه من الظواهرالعجيبة التي يعرفها الجزريون ولابن عنين الشاعر في هجو شخص يقال له ابن سيده (ما أنت إلا كالعقاب فأمه معروفة وله أب مجهول)
أنظر : (وفيات الأعيان ج 5 ص153)
أما الأعراب ، فلم يظلمهم العقاب بن الثعلب المعروف بطير ابن بطي ،ذلك لأ نهم درّبوه بأيديهم ، فلا هم قادرون على التخلص منه ولا هو يكف بلاءه عنهم.
وراح طيرابن بطي مثلا يضرب بكل من ضرّّ أهله ،و تآمر على وطنه باسم المعارضة الكاذبة والمفتعلة والمشبوهة ، فولى يتسكّّع في العواصم ويقتات من فتات المخابرات وموائد الأحزاب هناك ورأى من مضيفيه ما لم يره في بيت أمه كالدولارات الخضراء والليالي الحمراء، والنسوة الصفراء ، ورقص الجاز، فأذهبوا عقله الذي هو بأساسه ناقصا عندما أدمنوه على مشاريبهم ، وأقضوا له وطره من كل حرام ،فراح يدلي بمعلومات وتقارير كاذبة عن بلده، وكل من يسترق السمع على بلده كالببغاء المخنث ليحظى بلفظة فيجترها ويجرّ بها منافع جلها خسيسة ، كطيرابن بطي ، يلقي بالأفاعي والجرذان على أهله في الوقت الذي كانوا يتوخون منه صيد الحبارى ،والحمام واليمام .
لقد كان العرب في مطلع عصر النهضة يوفدون أبناءهم النجباء إلى بلدان الاغتراب للتخصص في مختلف العلوم ويعودون سالمين غانمين تاركين سير يقتد ى بها ويحتذى حذوها ونقلوا إلى أوربا الشيم والقيم والدين والفضائل فضلا عن الشعر والأدب والآداب ، وعادوا بالعلوم والمعارف، والصّناعة ، والفن ، لقد أغفل أو تغافل هؤلاء الدور الذي لعبه نظراؤهم من المستشرقين في بلداننا، لم يكن أحد منهم كطيرابن بطي على بلده ، بل كانوا صقورا يصطادون حبارينا في عقر دارنا فمنهم من قضى عمره يدرس لغتنا ، وعاداتنا ، وتاريخنا ،وديننا ، ونبش قبور أجدادنا ، منقبا عن الآثار ، والمعادن ، والنفط ،ويرسم الخرائط والسياسات ، وطرق اختراق ثقافتنا ، وتسهيل السبل لغزونا ، فوجد بطيورابن بطي سبيلا إلى التأسيس لانزياح منظومة القيم والأخلاق لصالح منظومة ثقافة الخيانة والغدر والتجسس وزرع الريبة والشك في الرصانات والمبادىء العربية والإنسانية السامية ، وغذوا في نفوس ضعافنا هاجس النزوع إلى الإقتداء بتجارب ونظريات أثبتت فشلها في بلدانها ولا تصلح لأرض لم تزرع بها ، وهواء لم تتنفسه ، وحليب لم ترضعه .
فالواحدية ، والفردانية ، والبراغماتية ، والفوضوية ، والكلبية ، ونفعية السعادة باللذة ، وغيرها ممن يحاول كل طير لابن بطي التقاطها بمخالبه الحادّة ومنقاره المعقوف، ليرميها وبالا على أهله، وخير الكلام ما أغنى اختصاره عن إكثاره. ( واسمع يا شلَّ الصوف ).
يقول مثل جزراوي- نسبة إلى الجزيرة السورية أفلستُ من الزاغة والزرزور ) ويلفظ بوقوع الإبدال (الزاقة والزرزوق ) فالزاغ غراب صغير ريش ظهره وبطنه أبيض، ومنه نوع أسمه الزاغ الجيفي- يأكل الجيف- كما يعرف فرخ البط الأسود بالزاغ أيضا، أما الزرزور فصيد مفيد، وهما يعيشان في جزيرة تنّيس بالبحرين، إلى جانب مائة ونيف وثلاثون صنفا من الطيور، و يضرب بهما المثل لتناقض فائدتهما بالصيد، ويضرب بمن عاد صفر اليدين من غث وثمين الصيد، فينطوي بين خفايا هذا المثل ويتستر خلف مفهومه شيئا من التهكّم المزدوج، والندم على فعلة لم يجن ِصاحبها منها سوى الخيبة، والحسرة، فالصيّاد هو الذي ينطق بالمثل لا لمواساة نفسه بل للومها، وهو ضرب من جلد الذات، واعتراف بالندم والخسارة.
وليس للمصادفة أن يعيش هذان الطائران في جزيرة تنّيس، وأسم تنّيس يتوافق مع أسم تنّيس ملك صيدا/ 354-344/ ق.م الذي أحرق نفسه مع أهل مدينته فهلك منهم أربعون ألفا فأفلس من الزاغة والزرزور،
ومن أمثالها فعلة نيرون بن كلوديوس بالتبنّي الذي أحرق روما وقتل امرأته وأمّه وانتحر، وأفلس من الزاغة والزرزور. أو كما فعل أوديب ملك طيبة الذي قتل أباه وتزوج أمّه (بوكاست )وهو يجهلها، وما إن عرف الحقيقة حتى فقأ عينيه بأسا، فترك طيبة وأفلس من الزاغة والزرزور.
وعلى ذكر طيبة فقد شهدت حربا أسطورية في الصراع على عرشها، بين الأخوين (أتيوكل وبولينيس) أسفرت عن مصرع الشقيقين معا، فأفلسا من الزاغة والزرزور.
وفي تراثنا العربي ما يعرف بندامة الكسعي، واسمه محارب بن قيس رجل من بني الكسع بطن من حمير ،ربّى نبعة حتى أخذ منها قوسا فرمى الوحش عنها ليلا فأصاب وظن أنه أخطأ فكسر القوس فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد فندم وقال الشاعر: ندمت ندامة الكسعي لمّا رأت عيناه ما صنعت يداه
يعترف أنه أفلس من الزاغة والزرزور من الصيد.
ولمّا طلّق الفرزدق امرأته نوار أنشد معترفا بنفس الإفلاس.
ندمت ندامة الكسعي لمّا مضت مني مطلّقة نوار
أما المفلسون المعاصرون من الزاغة ونقيضها الزرزور، فهم كثر ولا يمكن جردهم وتنظيم قوائم بهم، غير أن أنماطهم السلوكية، ومنظوماتهم القيمية تشير إليهم بالبنان، والبرهان، فواحدة من هذه المنظومات تضمّ جمهرة الفاسدين، والمنحرفين، واللصوص، ومبيضي الأموال، والمرتشين، ومزوري العملات، والمعاملات، والمتنفذين، ومعتنقي مذهب حلال على الشاطر، وكل أمثالهم وأشباههم، ومنظومة أخرى تحوي من أمثال :المدراء والمسؤولين البيروقراطيين، والروتينيين، والتسويفيين، والمتسربين، والكذّابين، والاتكاليين، واللامبالين الذين يتمسكون بعربة الحياة لعلها ترجع إلى الوراء،وقطار الزمن لعلة يتوقف ، ويشدّون المستقبل باتجاه الماضي
وأكثر من هتيك إيلاما هؤلاء الخبثاء، حُسافة الناس، الذين يضمرون لأوطانهم الكراهية، ولشعبهم الحقد، الذين يتسكعون في العواصم بألقاب مختلفة، ما انفكوا دائبين على القوادة السياسية، لجلب الشر، والاستعمار، والدمار لبلدانهم، بقصد إشباع هاجس السلطة لديهم، فتراهم يمثلون مصالح العدو في أقوالهم وأفعالهم وثقافتهم، وعندما يستهلكهم أسيادهم تماما، يجدون مصيرهم كالعلكة التي تنضب حلاوتها فتقذف وتقذف خلفها بقايا المضمضة، ولو سألته ماذا جنيت ؟ لأجابك وهو متحسر، مطأطئ هامته أفلست من الزاغة والزرزور،….. ويا حسافة !!!
السرسرية : مفردة تركية ، و تعني المتشردين ، وهم العيارون الذين يترددون بلا عمل ويخلّون النفس وهواها ، وفي العربية سرِس سرساً ، ساء خلقه، وهم صنف من الناس يكثر وقوع الشر منهم ،
وقد اقر مجلس النواب التركي في العام1909 قانونا خاصا لمكافحة السرسرية ، بالضرب بالأسواط التي لا يتأدب مثل هذا الصنف إلا بها ، والمفردة يستعملها الجزريون للدلالة على أهل الزعارة .
وفي اللغة الزعرور ، سيء الخلق ، وهما مسميان لخلق واحد من الناس، عرف في كل الحضارات الإنسانية القديمة والمعاصرة ، حتى غدت السرسرة والزعرنة ليس نمطا سلوكيا وحسب بل اسلوب حياة فئات من الناس ووسائل كسب وتعيش ، فنشأت على غرار هذا النمط عصابات وأحزاب، وباتت ثقافة السرسرة لها وجوه عديدة فلم تعد تنحصر في تلك الفئات الواضحة من العاطلين والمتسكعين ، بل غدت تتعشش في فئات اجتماعية جل ما يعرف عنها الملأ أنها محترمة .
وراح يمارسها في ا لسر غير المحترفين والمتخصصين في ثقافتها كوسيلة للكسب والنهب وأضفوا عليها مسميات تهذيبية وتجميلية تفاديا أن يقال لأحدهم أنت سرسري . فلا يليق بالمقام ، فتاه الناس عن معرفة السرسري الحقيقي ، هل هو ذاك المبتلي بعاهة سلوكية تربوية ، أم هو ذالك المسكين العاطل عن العمل ؟ فحملته الفاقة على الانحراف عندما سدت مكاتب التشغيل أبوابها في وجهه ، هل غدا السر سري الحقيقي متخفيا بثياب المحترمين ودخل على أهل الصنعة، ومن امثلتهم التي لاتحصى : كل من استخرج بوسيلة أو بأخرى كميات من الأسمدة والبذار واكياس التعبئة والادوية الزراعية من مصرف زراعي وباعها على الفلاحين أمام باب المصرف بأضعاف سعرها الرسمي ودلسها عنهم ، واختلق لها أزمة في أشد ضروراتها ليتضاعف سعرها ، هو سرسري في حقيقته ، وإن زينت عنقه أجمل الربطات ، أو دار بإسته على كرسي الدائرة ، ونظّر لمستقبل العولمة والعالم الثالث ، وذرف دموع التماسيح على شهداء فلسطين والعراق ، فهو في حقيقته سرسري ، يتسكع في النهار ويتمتع في الليل ، ودستوره في الحياة حلال على الشاطر ، فتجده يلهث ، إن تحمل عليه يلهث وإن تضع عنه يلهث ، كالمصاب (بالعواية )هؤلاء يتقنون ثقافة السرسرة جيدا ، فلهم طرقهم بالتعرف على كل مسؤول جديد والدخول في قلب كل غشيم ، أو بلفت الأنظار إليهم في كل مجلس ، وزاد طرقهم التقليدية سهولة ، الهاتف الخليوي ، جهاز تعليم الكذب الحديث ، فيكفي أن يضعه على أذنه ويخاطب لقبا وهميا ( أبو فلان أو علتان ) ويتفق مع مسؤوله الوهمي على مكان السهرة وقعدة السرسرة ، فيغش به من لا يمقته من البلهاء ، والبسطاء والمغفلين ، أو من لا يزدريه من الجبناء والمدانين والخائفين ، والحريصين على مواقع الهبش واللطش ، فينال ما يريد منهم بكذب أصفر ، إن لم يكن شريكهم ، فتجدهم المقربون والنافذون والواصلون ، فهؤلاء وإن زعموا قدرات استثنائية فلا خير فيهم وحليبهم حرام كحليب الجحشة لا يصلح إلا لكرّها والسعال الديكي ( العواية ) فخيرهم للناس كخير أخيهم بالرضاعة ، ولايمكن إصلاحهم إلا بموجب القانون التركي وسقى الله ذا الإصبع العدواني إذ قال :
هذكل امرىء راجع يوما لشيمته ………………. وإن تخلّق أخلاقا إلى حين
آداب النقد
——————————————————————————–
مقالة أعجبتني للشاعر البندر
لــكم أيـهـا الـمـطـرزون ..,,’’ ’’,,..
أنــتــم…\
\
//
\ليس هناك من هو فوق النقد..
جميعنا نحتاج إلى النقد والتوجيه فهو ظاهرة صحية ..
النقد ..ظاهرة صحية ..
عندما تكون حياتنا الفكرية صحية ..
الإنسان الحق
يبحث عن النقد ..الصدق ..
يشك انه لا يحسن صنعا ..
لكن يبحث النقد عند من ؟؟
//\//
ومن آدابه:-
( 1 ) الـبـيـنـيـه…
ليكن نقدك لأخيك ، أو لأيّ إنسان آخر نقداً بينياً ، أي بينك وبينه ولا تنقده أمام الآخرين ، فحتى لو كان نقدك هادفاً وهادئاً وموضوعياً إلاّ أنّ النقد في حضور الآخرين ممّن لا علاقة لهم بالأمر قد يدفع الطرف الآخر إلى التشبّث برأيه ، أو الدفاع عن نفسه ولا نقول عن خطئه . ولذا جاء في الحديث : «مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه علانية فقد شانه» .
( 2 ) الإنــصــاف…\
النقد هو حالة تقويم .. حالة وزن بالقسطاس المستقيم ، وكلّما كنت دقيقاً في نقدك ، بلا جور ولا انحياز ولا تعصب ولا إفراط ولا تجاوز ، كنت أقرب إلى العدل والانصاف ، وبالتالي أقرب إلى التقوى ، قل في منقودك ما له وما عليه .. قل ما تراه فيه بحق ولا تتعدّ ذلك فـ «مَنْ بالغ في الخصومةِ أثِم» .
( 3 ) إجـمـع الإيـجـابـي إلـى الـسـلـبـي…\
وهذا الأسلوب هو من الأساليب المحبّبة في النقد((1)) ، حيث تبدأ بالإيجابي فتشيد به وتثمّنه ثمّ تنتهي إلى السلبي ، وبهذه الطريقة تكون قد جعلت من الإيجابيات مدخلاً سهلاً للنقد ، لأنّك بذلك تفتح مسامع القلب قبل الأذنين ليستمع الآخر إلى نقدك أو نصيحتك .. إنّك تقول له : إنّه جيد وطيب وصالح ومحترم لكنّ ثمة مؤاخذات لو انتبه إليها لكان أكثر حسناً وصلاحاً .
فإذا ما احترمت إيجابيات الشخص المنقود وحفظتها له ، ولم تنسفها أو تصادرها لمجرد ذنب أو خطأ أو إساءة ، فإنّك سوف تفتح أبواب الاستماع إلى ما تقول على مصراعيها ، وبذلك تكون قد حققت هدفك من النقد ، وهو إيصال رسالة للمنقود حتى يرعوي أو يتعظ ، كما إنّك لم تجرح إحساسه ولم تخدش مشاعره . وقد دعا القرآن المسلمين إلى احترام إيجابيات الناس في قوله تعالى : (ولا تبخسوا الناس أشياءهم )(2) .
( 4 ) الإلـتـفـات إلـى الإيـجـابـي…\
وقد يكون السلبي لدى أحد الأشخاص أكثر من الإيجابي بحيث يغطّي عليه ، ويكون الإيجابي نادراً للدرجة التي يتعيّن عليك أن تبحث أو تنقّب عنه تنقيباً ، فلا تعدم المحاولة لأن ذلك مما يجعلك في نظر المنقود كريم الطبع .
فلقد مرّ عيسى (عليه السلام) وحواريّوه على جثّة كلب متفسّخة ، فقال الحواريون :
ـ ما أنتن جيفة هذا الكلب !
وقال عيسى (عليه السلام) : انظروا إلى أسنانه .. ما أشدّ بياضها !
لقد كان الحواريون محقّين في نقدهم للجثّة المتفسخة التي تنبعث منها روائح كريهة ، لكنّهم ركّزوا على السلبي (الطاغي) على الجثّة . أمّا المسيح (عليه السلام) فكان ناقداً لا تفوته اللفتة الإيجابية الصغيرة حتى وإن كانت (ضائعة) وسط هذا السلب من النتانة .
وهذا درس نقديّ يعلّمنا كيف أ نّنا يجب أن لا نصادر الإيجابية الوحيدة أو الصغيرة إذا كان المنقود كتلة من السلبيات .
( 5 ) أعـطـه فـرصـة الـدفـاع عـن نـفـسـه…\
حتى ولو كوّنت عن شخص صورة سلبية فلا تتعجّل بالحكم عليه .. استمع إليه أوّلاً .. أعطه فرصة كافية ليقول ما في نفسه وليدافع عن موقفه . قل له : لقد بلغني عنك هذا ، واترك له فرصة الدفاع وتقديم الإفادة ، أي افعل كما يفعل القاضي العادل فهو يضع التهمة بين يدي المتهم ويعطيه فرصة للدفاع عن نفسه وموقفه ، إمّا مباشرة أو عن طريق محام ، فلا تأتي كلمة القضاء الفصل إلاّ بعد أن يدلي الشهود بشهاداتهم ، والمحامي بمرافعته لكيلا يُغمط حق المتهم .
( 6 ) حـاسـب على الـظـواهــر…\ قبل أن تمضي في نقدك وترتب عليه الأثر ، احترم نوايا المنقود وحاسبه على الظاهر «فلعلّ له عذراً وأنت تلوم» . وهذا هو الذي يدعو المربّي الاسلامي إلى أن نحمل أخانا على أكثر من محمل ، أي أن نحمل عمله أو قوله على محمل حسن الظن لا إساءة الظنّ .
فقد يكون مضطراً وللضرورة أحكامها فـ «الضرورات تبيح المحظورات» وقد يكون ساهياً ناسياً غير قاصد ولا متعمّد ، والقلم مرفوع عن الناسي أو الجاهل غير المتعمّد ، وقد يكون له رأي أو مبرر غير الذي تراه .
المهم أنت لست مسؤولاً عن دوافع المنقود ونواياه ، وإنّما مسؤول عن ظاهر عمله فقط
( 7 ) أسـتـفـد مـن تـجـربـتـك فـي الـنـقـد…\
لكلّ منّا تجاربه في نقد الآخرين ، أو نقد الآخرين له . وربّما أفادتك حصيلة تجاربك أن تبتعد عن أساليب النقد التي جرحتك أو عمقت جراحك القديمة ، أو سببت لك النفور والبرم ، وربّما زادت في إصرارك على الخطأ كردّ فعل عكسي .
وطالما إنّك كنت قد اكتويت بالنار فلا تكوِ بها غيرك .. حاول أن تضع نفسك في موضع الشخص المنقود ، وتحاش أيّة طريقة جارحة في النقد سبق لك أن دفعت ضريبتها .
فلقد بعث أحد الأدباء الشباب ـ ذات مرّة ـ نتاجه إلى إحدى المجلاّت الأدبية الشهيرة ، وحينما صدر العدد الجديد من المجلة هرع الأديب الشاب إلى السوق لاقتناء نسخته وراح يتصفحها بلهفة بحثاً عن إبداعه فلم يجده لكنّه وجد ردّاً للمحرر يقول له إنّه لا يصلح للأدب وعليه أن يفتش عن مهنة أو هواية أخرى ! وفيما هو يعيش الصدمة وإذا به يرتطم بعمود النور فتنكسر رجله ..
المهم .. انّ همته لم تنكسر .. فقد واصل .. وأصبح أديباً مشهوراً يشار له بالبنان ، فلا تكسر منقودك لأن «مَنْ كسر مؤمناً فعليه جبره» .
( 8 ) لـ تكـن رسـالـتـك الـنـقـديـه واضـحـه…\
لا تجامل على حساب الخطأ ، فالعتاب الخجول الذي يتكلّم بابن عم الكلام ليس مجدياً دائماً ، وقد لا ينفع في إيصال رسالتك الناقدة . فإذا كنت ترى خرقاً أو تجاوزاً صريحاً فكن صريحاً في نقده أيضاً ، وتعلّم خُلق الصراحة وعدم الاستحياء في قول الحق من الله سبحانه وتعالى : (والله لا يستحي من الحقّ )(3) .. قُلْها ولو على نفسك .
يقول أحد الأدباء عن كلمة الحقّ :
«إن أنتَ قلتها متّ
وإن سكتَّ متّ
قُلها إذن ومتْ» !!
( 9 ) لا تـكـل بـ مـكـيـالـيـن…\
إن من مقتضى العدل والانصاف أن لا تكون ازدواجياً في نقودك فإذا انتقدت صديقاً في أمر ما ، وكنت سكتّ عن صديق آخر كان ينبغي أن تنقده للشيء ذاته ، فأنت ناقد ظالم أو منحاز بالنسبة للمنقود لأنّه يرى أ نّك تكيل بمكيالين ، تنتقده إذا صدر الخطأ منه ، وعندما يصدر الخطأ نفسه من صديق آخر فإنّك تغضّ الطرف عنه محاباة أو مجاملة له .
وقد تكون الازدواجية في أنّك تنقد خصلة أو خلقاً أو عملاً ولديك مثله ، وهنا عليك أن تتوقع أن يكون الردّ من المنقود قاسياً :
يا أ يُّها الرجلُ المعلّمُ غيره***هلاّ لنفسِكَ كان ذا التعليمُ
ومن مساوئ هذه الحالة أنّ المنقود سوف يستخفّ بنقدك ويعتبرها تجنياً وانحيازاً . فلقد كتب إثنان من الأطفال كتابة وعرضاها على الحسن بن علي (عليه السلام) وقالا له : أيّنا أحسنُ خطاً ، وكان أبوه (علي) حاضراً ، فقال له : احكم بينهما بالعدل ، فإنّه قضاء ! فإذا كان العدل مع الصغار مطلوباً ، فكيف بالكبار ؟!
( 10 ) لا تـفـتـح الـدفـاتـر الـقـديـمـة :
انقد الجديد ودع القديم .. لا تذكّر بالماضي لأنّ صفحته انطوت .. ولا تنكأ الجراح ، فقد تضيّع الهدف من النقد لما جرى مؤخراً ، وربّما تغلق مسامع المنقود عن نقدك وتستثيره لأنّك نبشت ما كان دفيناً .
إن أخطاء الماضي قد يخجل المنقود من ذكرها ، وربّما تجاوزها وعمل على إصلاحها فتذكيره بها أو ربطها بالأخطاء الجديدة يجعلك في نظره إنساناً غير متسامح ، فلا تصفح ولا تمحو ، وكأنّك تريد أن تقول له : ما زلت على ضلالك القديم ، وهذا أمر لا يطيقه ، وربّما ثأر لنفسه منك .
( 11 ) الـتـدرّج فـي الـنــقــد…\
ما تكفيه الكلمة لا تعـمـّقه بـ التأنيب ، وما يمكن إيصاله بعبارة لا تطوّله بالنقد العريض ، فالأشخاص يختلفون ، فربّ شخص تنقده على خطئه ويبقى يجادلك ، وربّ آخر يرفع الراية البيضاء منذ اللحظة الأولى ويقرّ معترفاً بما ارتكب من خطأ ، وربّ ثالث بين بين .
ولذا فقد تكون كلمات من قبيل (ألا تستحي) ؟ (أما فكّرت بالأمر ملياً) ؟ (هل هذا يليق بك كمؤمن) ؟ (هل ترى أن هذا من الانصاف) ؟ وما شاكل ، تغني عن كلمات طويلة ، الأمر الذي يستحبّ معه التدرج في النقد والانتقال من اليسير إلى الشديد .
( 12 ) أنـقـده لـ شـخـصـه…\
قد يخرج بعض أصدقائك أو إخوانك عن حدود الأدب واللياقة في النقد ، فلا يكتفي بنقدك شخصياً ، وإنّما يتعدّى إلى والديك وإخوتك فيرشقهم بسهام نقده مما يعقد الموقف ويحول النقد إلى مشاجرة . فلا يصح أن تنساق معه ، وإذا كان بينك وبينه نقد ، أي أردت أن تنقده أيضاً فانقده لشخصه لأنّه هو موضع النقد وليس والديه (ولا تزِرُ وازرة وزر أخرى )(4) .
( 13 ) اقترح حــلــولاً ….\
قدِّم نقدك في تبيان الإيجابيات والسلبيات ، وركِّز على الجديد ، وعلى نقطة محدّدة بذاتها ، وفي كلّ الأحوال إن كان بإمكانك أن تقدم حلاًّ أو مقترحاً أو علاجاً فبادر ، وسيكون نقدك مقروناً بما يعين المنقود على التخلّص من سلبياته .
ومن الأفضل أن تطرح اقتراحاتك بأسلوب لطيف مثل : (الرأي رأيك لكنني أقترح) .. (هذا ما أراه وفكِّر أنت في الأمر جيِّداً) .. (ماذا لو تفعل ذلك لربّما كان الموقف قد تغيّر) .. (دعنا نجرّب الطريقة التالية فلعلها تنفع) .. إلخ .
( 14 ) راعـيٍ الصلـه والـمـكـانـه..\
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «أُمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم» كمظهر من مظاهر الحكمة التي تقول : «لكلّ مقام مقال» الأمر الذي يستدعي أن تراعي مقام الشخص المنقود ، فإذا وجّهت نقدك لأبويك أو أحدهما (فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقول لها قولاً كريماً )(5) . احفظ احترامك لهما ، ابتعد عن كل ما يخدش إحساسهما ، يمكن أن تصبّ نقدك في قالب لطيف ، مثل :
(أنتم أكبر منِّي سنّاً وأكثر تجربة لكنني ـ بكل تواضع ـ أقول أن هذا الأمر غير مناسب) أو (مع كامل حبي واحترامي لكما ، أرى لو أن نعدل عن هذا الموضوع) أو (ما تذهبون إليه صحيح ، لكنّ الأفضل في نظري هو هذا) وما إلى ذلك من عبارات محبّبة توصل بها نقدك ولا تؤذي منقودك .
( 15 ) لا تـكـن لـقـّاطـاً لـلـعـثـرات….\
التقاط العيوب وتسقّط العثرات وتتبّع الزلاّت ، وحفظها في سجل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، بغية استغلالها ـ ذات يوم ـ للإيقاع بالشخص الذي نوجّه نقدنا إليه ، خلق غير اسلامي . فقد جاء في الحديث : «إنّ أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل الرجلَ فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما» .
فخيرٌ لك وله أن تنتقده في حينه ، وفي الموضع الذي يستوجب النقد ، ولا تجمع أو تحصي عليه عثراته لتفاجئه بها ذات يوم ، ولا تفاجأ إذا قال عنك أنّك جاسوس أو متلصص عليه، أو أنّك تنقده بدافع الحقد الدفين .
ورد في الحديث : «أحبّ إخواني مَنْ أهدى إليَّ عيوبي» فلقد اعتبر الإسلام النقد والمؤاخذة على الخطأ (هدية) وترحّم على مهديها «رحم الله مَنْ أهدى إليَّ عيوبي» لأجل أن يكون النقد والنصيحة والتسديد مقبولاً ومرحباً به ، بل يُقابل بالشكر والإبتسامة .
والهدية ـ كما هو معلوم ـ تجلب المودة «تهادوا تحابّوا» فإذا صغت نقدك بأسلوب عذب جميل ، وقدّمته على طبق من المحبّة والإخلاص ، وكنت دقيقاً ومحقاً فيما تنقد ، فسيكون لنقدك وقعه الطيب وأثره المؤثر على نفسية المنقود أو (المهدى إليه) الذي سيتقبّل هديتك على طريقة «ووفقني لطاعة مَنْ سدّدني ومتابعة مَنْ أرشدني» .
أخيراً ..
تذكّر أنّ كلّ إنسان يحبّ ذاته ، فلا تحطّم ذاته بنقدك القاسي الشديد ، كن أحرص على أن ترى ذاته أجمل وأكمل وأنقى من العيوب .. وقل له ذلك .. قل له : إنّ دافعك إلى النقد أن تراه فوق نقدك ، وعندها تكسب أخاً حبيباً بدلاً من أن تخلق لك عدواً .
(1) وهذا الأسلوب متبع في (النقد الأدبي) أيضاً ، حيث يحاول النقّاد أن يتعرّضوا للجوانب الإيجابية في النصّ الأدبي وإلى الجوانب السلبية فيه ، حتى تكون الصورة النقدية واضحة في ذهن القارئ ، فالجوانب الإيجابية تحتاج إلى كشف وتوضيح وإبراز تماماً …
يعتبر إدوارد سعيد من الأشخاص الذين أحدثت كتاباتهم صدى واسع في أنحاء واسعة من العالم ولاسيما كتابه الاستشراق الذي يطرح قضية في غاية الأهمية وهي قضية الأنا والآخر ويظهر في نطاق هذه القضية العديد من المخاطر المتصلة بالعديد من الوقائع ونراه يركز على الخطاب الاستعماري لذا يعتبر مفهوم التمثيل (أي كيف يقوم الخطابDiscourseبتمثيل الواقع) وثائق رامزة تثبت العلاقة بين المرجع الفكري وتجلياته الخطابية ويركز إدوارد بشكل كبير على القضايا والإقصاءات التي يمارسها المسْتعمِرْ على الآخر المستَعْمَر والبعض اعتبر إدوارد في كتابه هذا يثبت أن الخطاب الاستعماري يتصل بانتاج شرق مطابق لبنية الغربي الثقافية ورؤيته
وأعتقد أن شهرة الكتاب الواسعة سببها أنه كتاب يظهر صرخة الحرب والأهم يظهر صورة الآخر المشوهة من قبل المسْتَعمِرْ
وهذا يأخذنا في رحلة عميقة إلى مفهوم الذات والآخر من خلال الصلة بين تكاتف الرواية والامبريالية في التمثيل الفعلي لهذا المفهوم وهنا تقع عملية مزدوجة بين جانب الذات التي تتدفق منها معاني أخلاقية متصلة بها أما فيما يتعلق بالآخر يظهر لنا تمثيل يتغلغل فيه الخوف والقلق وهنا يتم إقصاء عنه كل المعاني الأخلاقية المقبولة والمعنى هنا أن يتدخل الطرف الأول ويضع عدة قرارات وخيارات حتى يجعل الطرف الثاني مشابه له وبالتالي يستطيع قطع تلك المعاني لديه وبالتالي سهولة اختراقه وهنا يأتي معنى تشويه وإقصاء الآخر وبروز تلك الذات مع وجود قوتها التي يصعب تمزيقها واختراق أسوارها
، وهذه هي مظهر من مظاهر الثقافة الغربية الحديثة وهذا ما يسمى ثقافة التمركز حول الذات التي تهدف إلى تصغير الآخر ومن خلالها تكبر الذات
ومن هنا تكمن براعة إدوارد في أنه لا يظهر النتائج بشكل عشوائي بل يتعمق ويستعين بالعديد من الخلفيات المتصلة بالوقائع والتي تكمن دورها الرئيسي في توجيه الخطابات وحتى يقوم بتحليل أي نص يستعين بعدد كبير من المراجع الفكرية لذا كان يلجأ للبيانات السياسية و التواريخ ومن ثم يقوم بعملية الربط وإبراز العديد من العلاقات الخفية القائمة بين الخطابات ومن الأمثلة التي استعان بها إدوارد من أجل المقارنة والتحليل قام باللجوء إلى روايات كونراد وكامو وغيرها واستعان بخطابات تعطي تلك النصوص معاني معينة
ويهدف من ذلك التوصل للعديد من النتائج من خلال التحليل المتعمق الشامل الدقيق ونجد إدوارد يهدف لكشف أوجه الالتباس الواقعة بين العديد من الثقافات خلفتها ظروف تاريخية و الأمر الذي نجده في نقده هو أنه متحرر من مبدأ الثبات والانتماء لعرق أو دين أو ثقافة معينة ولذا يشير إدوارد دائماً حسب قوله بأنه عالق بين هذه الثقافات وليس لديه أي شعور حقيقي بالانتماء الثابت المنغلق لأحدها وهنا نجد إدوارد متأثر بمقولة الراهب الساكسوني هوغو فكتور التي تقول :إن الرجل الذي يجد وطنه مكاناً مناسباً لم يزل طفلاً غضاً ،والذي يرى بأن العالم وطنه فهو من أشتد عوده،أما الإنسان الكامل فهو الذي أطفأ شعلة حبه.
مصطلحات نقدية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الأدب بأنواعه وأجناسه وأشكاله، هو الرّحم الذي يحتضن النفس الإنسانية بنوازعها وحالاتها. وهذا الأدب بحاجة لنقد نصل فيه لجماله, وهذا النقد بحاجة لأدوات و مصطلحات نقدية , هنا نحاول أن نجمع بعض المصطلحات التي نريد تصديرها من التراث العربي القديم إلى الحاضر وخاصة المربد
نعرف أولاً البلاغة كما حددها الجاحظ في البيان والتبيين :
البلاغة هي الانتهاء إلى الغاية في التبين والإفهام بأفضل أسلوب وهذه هي بلاغة المتكلم.
قال بعضهم لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه , فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك .
الإبداع : إيجاد الشيء من لا شيء . وقيل تأسيس الشيء عن الشيء .
والخلق : إيجاد شيء من شيء , قال الله تعالى ” بديع السماوات والأرض” البقرة 117 وقال ” خلق الإنسان” النمل 4
والإبداع أعم من الخلق , ولذا قال ” بديع السماوات والأرض وقال ” خلق الإنسان” ولم يقل بدع الإنسان
الإتقان : معرفة الأدلة بعللها , وضبط القواعد الكلية بجزئياتها.
ونأتي هنا لذكر مصطلح نقدي من التراث العربي ونقارنه مع مصطلح أخر :
الإجمال : إيراد الكلام على وجه يحتمل أموراً متعددة , والتفصيل تعيين بعض تلك المحتملات , أو كلها .
وأرى أن نقلب هذا المصطلح الذي ورد بأكثر من صيغة ,
ولعمري هنا أن الإجمال في الأدب لهو أداة وجودة صنعة لدى الكاتب , وربما نتذكر فيما يقابل هذا المصطلح الرمز, وقد مر على مسمعي كلمة الرمز المطبق الذي يتقلب كيفما تريد , فيتعدد التأويل بتعدد المتلقين , ويكون ذلك في أن تورد معاني كثيرة في صورة فنية تكون مجملة
ونذكر هنا مصطلح الإشارةمن تراثنا العربي
وقد كتب محمد عزام في كتاب مصطلحات نقدية عن الإشارة فقال “
لعل قدامة بن جعفر (337هـ) من أوائل الذين رغبوا في تحديد هذا المصطلح النقدي بعد أن أحس بما انتشر في مجال النقد من فوضى ذوقية , فقد سأله ابن الطاهري عن الإشارة, فقال : ” هي اشتمال اللفظ القليل على المعاني الكثيرة باللمحة الدالة” فلما سأله مثلاً عليها قال بيت زهير:
فإني لو لقيتك واتجهنا………. لكان لكل منكرة كفاء
والإشارة عند العسكري ( 395هـ) هي ” أن يكون اللفظ القليل مشاراً به إلى معان كثيرة بإيماء إليها ولمحة تدل عليها “
ومثاله قول الناس : ( لو رأيت علياً بين الصفين ) : فيه حذف وإشارة إلى معان كثيرة .
والإشارة عند ابن رشيق القيرواني (456 هـ) ” من غرائب الشعر وملحه , وبلاغة عجيبة تدل على بعد المرمى وفرط المقدرة , وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر. وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالة واختصار وتلويح يعرف مجملاً , ومعناه بعيد من ظاهرلفظه”
لنقارب المصطلحين ونبسط الأمور أكثر :
الإجمال : إيراد الكلام على وجه يحتمل أموراً متعددة .
الإشارة:هي اشتمال اللفظ القليل على المعاني الكثيرة باللمحة الدالة.
وأجد هنا أن تعريف قدامة بن جعفر تعريف دقيق وفيه يؤكد على أن الإشارة للمعاني الكثيرة تكون في اللفظ القليل المكثف
_______________
المراجع والمصادر:
القران الكريم.
التعريفات للسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني .
البيان والتبيين للجاحظ .
مصطلحات نقدية – محمد عزام .
مصطلحات النقد العربي السيماءوي-الدكتور مولاي على بوخاتم .
المعجم الفلسفي المختصر دار التقدم موسكو 1986 ترجمة توفيق سلوم.
المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة – د عبد المنعم الحفني.
طير ابن بُطي ( مقال نقدي ساخر )
١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٧ ، بقلم محمد السموري
ابن بطي لقب لأعرابي لم يوفق كأقرانه في صيد الصقور أو لعله لا يفرّق بين الطير الحرّ وغيره، فاصطاد ذات يوم طيرا من الجوارح،له مخالب حادة ومنقار معقوف فظنّه خير من الصقور التي يتباهون عليه بها، ودرّبه على الصيد، كما يفعلون، ولما اشتاف طيره فرآه يستجيب للتدريب راح يشمت بهم ويتوعّدهم بالغلبة في الصّيد، الحقيقة أنّ الصّيادين قد توجّسوا خيفة من هذا الطائر الغريب الذي لم يكترثوا له، ولما انتهت التدريبات وأطلق كل منهم طائره للصّيد. ويا للأعراب من العقاب ، إنه طائر الجراذين وقد تدرّب كالصقور على الصّيد ، فراح يرمي على أهله مما اصطاد من الجرذان والحيّات، والهوام ، وكل ما وجد من الفطائس .
واسم العقاب الحقيقي( أله) وهو اسم أعجمي معناه بالعربية العقاب وقد قيل إنّ العقاب لا يوجد فيه ذكر بل جميعه أنثى وإنّ الذي يسافده طائر آخر من غير جنسه وقيل أنّ الثعلب يسافده وهذه من الظواهرالعجيبة التي يعرفها الجزريون ولابن عنين الشاعر في هجو شخص يقال له ابن سيده (ما أنت إلا كالعقاب فأمه معروفة وله أب مجهول)
أنظر : (وفيات الأعيان ج 5 ص153)
أما الأعراب ، فلم يظلمهم العقاب بن الثعلب المعروف بطير ابن بطي ،ذلك لأ نهم درّبوه بأيديهم ، فلا هم قادرون على التخلص منه ولا هو يكف بلاءه عنهم.
وراح طيرابن بطي مثلا يضرب بكل من ضرّّ أهله ،و تآمر على وطنه باسم المعارضة الكاذبة والمفتعلة والمشبوهة ، فولى يتسكّّع في العواصم ويقتات من فتات المخابرات وموائد الأحزاب هناك ورأى من مضيفيه ما لم يره في بيت أمه كالدولارات الخضراء والليالي الحمراء، والنسوة الصفراء ، ورقص الجاز، فأذهبوا عقله الذي هو بأساسه ناقصا عندما أدمنوه على مشاريبهم ، وأقضوا له وطره من كل حرام ،فراح يدلي بمعلومات وتقارير كاذبة عن بلده، وكل من يسترق السمع على بلده كالببغاء المخنث ليحظى بلفظة فيجترها ويجرّ بها منافع جلها خسيسة ، كطيرابن بطي ، يلقي بالأفاعي والجرذان على أهله في الوقت الذي كانوا يتوخون منه صيد الحبارى ،والحمام واليمام .
لقد كان العرب في مطلع عصر النهضة يوفدون أبناءهم النجباء إلى بلدان الاغتراب للتخصص في مختلف العلوم ويعودون سالمين غانمين تاركين سير يقتد ى بها ويحتذى حذوها ونقلوا إلى أوربا الشيم والقيم والدين والفضائل فضلا عن الشعر والأدب والآداب ، وعادوا بالعلوم والمعارف، والصّناعة ، والفن ، لقد أغفل أو تغافل هؤلاء الدور الذي لعبه نظراؤهم من المستشرقين في بلداننا، لم يكن أحد منهم كطيرابن بطي على بلده ، بل كانوا صقورا يصطادون حبارينا في عقر دارنا فمنهم من قضى عمره يدرس لغتنا ، وعاداتنا ، وتاريخنا ،وديننا ، ونبش قبور أجدادنا ، منقبا عن الآثار ، والمعادن ، والنفط ،ويرسم الخرائط والسياسات ، وطرق اختراق ثقافتنا ، وتسهيل السبل لغزونا ، فوجد بطيورابن بطي سبيلا إلى التأسيس لانزياح منظومة القيم والأخلاق لصالح منظومة ثقافة الخيانة والغدر والتجسس وزرع الريبة والشك في الرصانات والمبادىء العربية والإنسانية السامية ، وغذوا في نفوس ضعافنا هاجس النزوع إلى الإقتداء بتجارب ونظريات أثبتت فشلها في بلدانها ولا تصلح لأرض لم تزرع بها ، وهواء لم تتنفسه ، وحليب لم ترضعه .
فالواحدية ، والفردانية ، والبراغماتية ، والفوضوية ، والكلبية ، ونفعية السعادة باللذة ، وغيرها ممن يحاول كل طير لابن بطي التقاطها بمخالبه الحادّة ومنقاره المعقوف، ليرميها وبالا على أهله، وخير الكلام ما أغنى اختصاره عن إكثاره. ( واسمع يا شلَّ الصوف ).
الـزّا غ والـزّرزور ( مقال نقدي ساخر)
١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٧ ، بقلم محمد السموري
يقول مثل جزراوي- نسبة إلى الجزيرة السورية
أفلستُ من الزاغة والزرزور ) ويلفظ بوقوع الإبدال (الزاقة والزرزوق ) فالزاغ غراب صغير ريش ظهره وبطنه أبيض، ومنه نوع أسمه الزاغ الجيفي- يأكل الجيف- كما يعرف فرخ البط الأسود بالزاغ أيضا، أما الزرزور فصيد مفيد، وهما يعيشان في جزيرة تنّيس بالبحرين، إلى جانب مائة ونيف وثلاثون صنفا من الطيور، و يضرب بهما المثل لتناقض فائدتهما بالصيد، ويضرب بمن عاد صفر اليدين من غث وثمين الصيد، فينطوي بين خفايا هذا المثل ويتستر خلف مفهومه شيئا من التهكّم المزدوج، والندم على فعلة لم يجن ِصاحبها منها سوى الخيبة، والحسرة، فالصيّاد هو الذي ينطق بالمثل لا لمواساة نفسه بل للومها، وهو ضرب من جلد الذات، واعتراف بالندم والخسارة.
وليس للمصادفة أن يعيش هذان الطائران في جزيرة تنّيس، وأسم تنّيس يتوافق مع أسم تنّيس ملك صيدا/ 354-344/ ق.م الذي أحرق نفسه مع أهل مدينته فهلك منهم أربعون ألفا فأفلس من الزاغة والزرزور،
ومن أمثالها فعلة نيرون بن كلوديوس بالتبنّي الذي أحرق روما وقتل امرأته وأمّه وانتحر، وأفلس من الزاغة والزرزور. أو كما فعل أوديب ملك طيبة الذي قتل أباه وتزوج أمّه (بوكاست )وهو يجهلها، وما إن عرف الحقيقة حتى فقأ عينيه بأسا، فترك طيبة وأفلس من الزاغة والزرزور.
وعلى ذكر طيبة فقد شهدت حربا أسطورية في الصراع على عرشها، بين الأخوين (أتيوكل وبولينيس) أسفرت عن مصرع الشقيقين معا، فأفلسا من الزاغة والزرزور.
وفي تراثنا العربي ما يعرف بندامة الكسعي، واسمه محارب بن قيس رجل من بني الكسع بطن من حمير ،ربّى نبعة حتى أخذ منها قوسا فرمى الوحش عنها ليلا فأصاب وظن أنه أخطأ فكسر القوس فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد فندم وقال الشاعر: ندمت ندامة الكسعي لمّا رأت عيناه ما صنعت يداه
يعترف أنه أفلس من الزاغة والزرزور من الصيد.
ولمّا طلّق الفرزدق امرأته نوار أنشد معترفا بنفس الإفلاس.
ندمت ندامة الكسعي لمّا مضت مني مطلّقة نوار
أما المفلسون المعاصرون من الزاغة ونقيضها الزرزور، فهم كثر ولا يمكن جردهم وتنظيم قوائم بهم، غير أن أنماطهم السلوكية، ومنظوماتهم القيمية تشير إليهم بالبنان، والبرهان، فواحدة من هذه المنظومات تضمّ جمهرة الفاسدين، والمنحرفين، واللصوص، ومبيضي الأموال، والمرتشين، ومزوري العملات، والمعاملات، والمتنفذين، ومعتنقي مذهب حلال على الشاطر، وكل أمثالهم وأشباههم، ومنظومة أخرى تحوي من أمثال :المدراء والمسؤولين البيروقراطيين، والروتينيين، والتسويفيين، والمتسربين، والكذّابين، والاتكاليين، واللامبالين الذين يتمسكون بعربة الحياة لعلها ترجع إلى الوراء،وقطار الزمن لعلة يتوقف ، ويشدّون المستقبل باتجاه الماضي
وأكثر من هتيك إيلاما هؤلاء الخبثاء، حُسافة الناس، الذين يضمرون لأوطانهم الكراهية، ولشعبهم الحقد، الذين يتسكعون في العواصم بألقاب مختلفة، ما انفكوا دائبين على القوادة السياسية، لجلب الشر، والاستعمار، والدمار لبلدانهم، بقصد إشباع هاجس السلطة لديهم، فتراهم يمثلون مصالح العدو في أقوالهم وأفعالهم وثقافتهم، وعندما يستهلكهم أسيادهم تماما، يجدون مصيرهم كالعلكة التي تنضب حلاوتها فتقذف وتقذف خلفها بقايا المضمضة، ولو سألته ماذا جنيت ؟ لأجابك وهو متحسر، مطأطئ هامته أفلست من الزاغة والزرزور،….. ويا حسافة !!!
السرسريّة ( مقال ساخر)
٧ آذار (مارس) ٢٠٠٧ ، بقلم محمد السموري
السرسرية : مفردة تركية ، و تعني المتشردين ، وهم العيارون الذين يترددون بلا عمل ويخلّون النفس وهواها ، وفي العربية سرِس سرساً ، ساء خلقه، وهم صنف من الناس يكثر وقوع الشر منهم ،
وقد اقر مجلس النواب التركي في العام1909 قانونا خاصا لمكافحة السرسرية ، بالضرب بالأسواط التي لا يتأدب مثل هذا الصنف إلا بها ، والمفردة يستعملها الجزريون للدلالة على أهل الزعارة .
وفي اللغة الزعرور ، سيء الخلق ، وهما مسميان لخلق واحد من الناس، عرف في كل الحضارات الإنسانية القديمة والمعاصرة ، حتى غدت السرسرة والزعرنة ليس نمطا سلوكيا وحسب بل اسلوب حياة فئات من الناس ووسائل كسب وتعيش ، فنشأت على غرار هذا النمط عصابات وأحزاب، وباتت ثقافة السرسرة لها وجوه عديدة فلم تعد تنحصر في تلك الفئات الواضحة من العاطلين والمتسكعين ، بل غدت تتعشش في فئات اجتماعية جل ما يعرف عنها الملأ أنها محترمة .
وراح يمارسها في ا لسر غير المحترفين والمتخصصين في ثقافتها كوسيلة للكسب والنهب وأضفوا عليها مسميات تهذيبية وتجميلية تفاديا أن يقال لأحدهم أنت سرسري . فلا يليق بالمقام ، فتاه الناس عن معرفة السرسري الحقيقي ، هل هو ذاك المبتلي بعاهة سلوكية تربوية ، أم هو ذالك المسكين العاطل عن العمل ؟ فحملته الفاقة على الانحراف عندما سدت مكاتب التشغيل أبوابها في وجهه ، هل غدا السر سري الحقيقي متخفيا بثياب المحترمين ودخل على أهل الصنعة، ومن امثلتهم التي لاتحصى : كل من استخرج بوسيلة أو بأخرى كميات من الأسمدة والبذار واكياس التعبئة والادوية الزراعية من مصرف زراعي وباعها على الفلاحين أمام باب المصرف بأضعاف سعرها الرسمي ودلسها عنهم ، واختلق لها أزمة في أشد ضروراتها ليتضاعف سعرها ، هو سرسري في حقيقته ، وإن زينت عنقه أجمل الربطات ، أو دار بإسته على كرسي الدائرة ، ونظّر لمستقبل العولمة والعالم الثالث ، وذرف دموع التماسيح على شهداء فلسطين والعراق ، فهو في حقيقته سرسري ، يتسكع في النهار ويتمتع في الليل ، ودستوره في الحياة حلال على الشاطر ، فتجده يلهث ، إن تحمل عليه يلهث وإن تضع عنه يلهث ، كالمصاب (بالعواية )هؤلاء يتقنون ثقافة السرسرة جيدا ، فلهم طرقهم بالتعرف على كل مسؤول جديد والدخول في قلب كل غشيم ، أو بلفت الأنظار إليهم في كل مجلس ، وزاد طرقهم التقليدية سهولة ، الهاتف الخليوي ، جهاز تعليم الكذب الحديث ، فيكفي أن يضعه على أذنه ويخاطب لقبا وهميا ( أبو فلان أو علتان ) ويتفق مع مسؤوله الوهمي على مكان السهرة وقعدة السرسرة ، فيغش به من لا يمقته من البلهاء ، والبسطاء والمغفلين ، أو من لا يزدريه من الجبناء والمدانين والخائفين ، والحريصين على مواقع الهبش واللطش ، فينال ما يريد منهم بكذب أصفر ، إن لم يكن شريكهم ، فتجدهم المقربون والنافذون والواصلون ، فهؤلاء وإن زعموا قدرات استثنائية فلا خير فيهم وحليبهم حرام كحليب الجحشة لا يصلح إلا لكرّها والسعال الديكي ( العواية ) فخيرهم للناس كخير أخيهم بالرضاعة ، ولايمكن إصلاحهم إلا بموجب القانون التركي وسقى الله ذا الإصبع العدواني إذ قال :
هذكل امرىء راجع يوما لشيمته ………………. وإن تخلّق أخلاقا إلى حين
آداب النقد
——————————————————————————–
مقالة أعجبتني للشاعر البندر
لــكم أيـهـا الـمـطـرزون ..,,’’ ’’,,..
أنــتــم…\
\
//
\ليس هناك من هو فوق النقد..
جميعنا نحتاج إلى النقد والتوجيه فهو ظاهرة صحية ..
النقد ..ظاهرة صحية ..
عندما تكون حياتنا الفكرية صحية ..
الإنسان الحق
يبحث عن النقد ..الصدق ..
يشك انه لا يحسن صنعا ..
لكن يبحث النقد عند من ؟؟
//\//
ومن آدابه:-
( 1 ) الـبـيـنـيـه…
ليكن نقدك لأخيك ، أو لأيّ إنسان آخر نقداً بينياً ، أي بينك وبينه ولا تنقده أمام الآخرين ، فحتى لو كان نقدك هادفاً وهادئاً وموضوعياً إلاّ أنّ النقد في حضور الآخرين ممّن لا علاقة لهم بالأمر قد يدفع الطرف الآخر إلى التشبّث برأيه ، أو الدفاع عن نفسه ولا نقول عن خطئه . ولذا جاء في الحديث : «مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه علانية فقد شانه» .
( 2 ) الإنــصــاف…\
النقد هو حالة تقويم .. حالة وزن بالقسطاس المستقيم ، وكلّما كنت دقيقاً في نقدك ، بلا جور ولا انحياز ولا تعصب ولا إفراط ولا تجاوز ، كنت أقرب إلى العدل والانصاف ، وبالتالي أقرب إلى التقوى ، قل في منقودك ما له وما عليه .. قل ما تراه فيه بحق ولا تتعدّ ذلك فـ «مَنْ بالغ في الخصومةِ أثِم» .
( 3 ) إجـمـع الإيـجـابـي إلـى الـسـلـبـي…\
وهذا الأسلوب هو من الأساليب المحبّبة في النقد((1)) ، حيث تبدأ بالإيجابي فتشيد به وتثمّنه ثمّ تنتهي إلى السلبي ، وبهذه الطريقة تكون قد جعلت من الإيجابيات مدخلاً سهلاً للنقد ، لأنّك بذلك تفتح مسامع القلب قبل الأذنين ليستمع الآخر إلى نقدك أو نصيحتك .. إنّك تقول له : إنّه جيد وطيب وصالح ومحترم لكنّ ثمة مؤاخذات لو انتبه إليها لكان أكثر حسناً وصلاحاً .
فإذا ما احترمت إيجابيات الشخص المنقود وحفظتها له ، ولم تنسفها أو تصادرها لمجرد ذنب أو خطأ أو إساءة ، فإنّك سوف تفتح أبواب الاستماع إلى ما تقول على مصراعيها ، وبذلك تكون قد حققت هدفك من النقد ، وهو إيصال رسالة للمنقود حتى يرعوي أو يتعظ ، كما إنّك لم تجرح إحساسه ولم تخدش مشاعره . وقد دعا القرآن المسلمين إلى احترام إيجابيات الناس في قوله تعالى : (ولا تبخسوا الناس أشياءهم )(2) .
( 4 ) الإلـتـفـات إلـى الإيـجـابـي…\
وقد يكون السلبي لدى أحد الأشخاص أكثر من الإيجابي بحيث يغطّي عليه ، ويكون الإيجابي نادراً للدرجة التي يتعيّن عليك أن تبحث أو تنقّب عنه تنقيباً ، فلا تعدم المحاولة لأن ذلك مما يجعلك في نظر المنقود كريم الطبع .
فلقد مرّ عيسى (عليه السلام) وحواريّوه على جثّة كلب متفسّخة ، فقال الحواريون :
ـ ما أنتن جيفة هذا الكلب !
وقال عيسى (عليه السلام) : انظروا إلى أسنانه .. ما أشدّ بياضها !
لقد كان الحواريون محقّين في نقدهم للجثّة المتفسخة التي تنبعث منها روائح كريهة ، لكنّهم ركّزوا على السلبي (الطاغي) على الجثّة . أمّا المسيح (عليه السلام) فكان ناقداً لا تفوته اللفتة الإيجابية الصغيرة حتى وإن كانت (ضائعة) وسط هذا السلب من النتانة .
وهذا درس نقديّ يعلّمنا كيف أ نّنا يجب أن لا نصادر الإيجابية الوحيدة أو الصغيرة إذا كان المنقود كتلة من السلبيات .
( 5 ) أعـطـه فـرصـة الـدفـاع عـن نـفـسـه…\
حتى ولو كوّنت عن شخص صورة سلبية فلا تتعجّل بالحكم عليه .. استمع إليه أوّلاً .. أعطه فرصة كافية ليقول ما في نفسه وليدافع عن موقفه . قل له : لقد بلغني عنك هذا ، واترك له فرصة الدفاع وتقديم الإفادة ، أي افعل كما يفعل القاضي العادل فهو يضع التهمة بين يدي المتهم ويعطيه فرصة للدفاع عن نفسه وموقفه ، إمّا مباشرة أو عن طريق محام ، فلا تأتي كلمة القضاء الفصل إلاّ بعد أن يدلي الشهود بشهاداتهم ، والمحامي بمرافعته لكيلا يُغمط حق المتهم .
( 6 ) حـاسـب على الـظـواهــر…\ قبل أن تمضي في نقدك وترتب عليه الأثر ، احترم نوايا المنقود وحاسبه على الظاهر «فلعلّ له عذراً وأنت تلوم» . وهذا هو الذي يدعو المربّي الاسلامي إلى أن نحمل أخانا على أكثر من محمل ، أي أن نحمل عمله أو قوله على محمل حسن الظن لا إساءة الظنّ .
فقد يكون مضطراً وللضرورة أحكامها فـ «الضرورات تبيح المحظورات» وقد يكون ساهياً ناسياً غير قاصد ولا متعمّد ، والقلم مرفوع عن الناسي أو الجاهل غير المتعمّد ، وقد يكون له رأي أو مبرر غير الذي تراه .
المهم أنت لست مسؤولاً عن دوافع المنقود ونواياه ، وإنّما مسؤول عن ظاهر عمله فقط
( 7 ) أسـتـفـد مـن تـجـربـتـك فـي الـنـقـد…\
لكلّ منّا تجاربه في نقد الآخرين ، أو نقد الآخرين له . وربّما أفادتك حصيلة تجاربك أن تبتعد عن أساليب النقد التي جرحتك أو عمقت جراحك القديمة ، أو سببت لك النفور والبرم ، وربّما زادت في إصرارك على الخطأ كردّ فعل عكسي .
وطالما إنّك كنت قد اكتويت بالنار فلا تكوِ بها غيرك .. حاول أن تضع نفسك في موضع الشخص المنقود ، وتحاش أيّة طريقة جارحة في النقد سبق لك أن دفعت ضريبتها .
فلقد بعث أحد الأدباء الشباب ـ ذات مرّة ـ نتاجه إلى إحدى المجلاّت الأدبية الشهيرة ، وحينما صدر العدد الجديد من المجلة هرع الأديب الشاب إلى السوق لاقتناء نسخته وراح يتصفحها بلهفة بحثاً عن إبداعه فلم يجده لكنّه وجد ردّاً للمحرر يقول له إنّه لا يصلح للأدب وعليه أن يفتش عن مهنة أو هواية أخرى ! وفيما هو يعيش الصدمة وإذا به يرتطم بعمود النور فتنكسر رجله ..
المهم .. انّ همته لم تنكسر .. فقد واصل .. وأصبح أديباً مشهوراً يشار له بالبنان ، فلا تكسر منقودك لأن «مَنْ كسر مؤمناً فعليه جبره» .
( 8 ) لـ تكـن رسـالـتـك الـنـقـديـه واضـحـه…\
لا تجامل على حساب الخطأ ، فالعتاب الخجول الذي يتكلّم بابن عم الكلام ليس مجدياً دائماً ، وقد لا ينفع في إيصال رسالتك الناقدة . فإذا كنت ترى خرقاً أو تجاوزاً صريحاً فكن صريحاً في نقده أيضاً ، وتعلّم خُلق الصراحة وعدم الاستحياء في قول الحق من الله سبحانه وتعالى : (والله لا يستحي من الحقّ )(3) .. قُلْها ولو على نفسك .
يقول أحد الأدباء عن كلمة الحقّ :
«إن أنتَ قلتها متّ
وإن سكتَّ متّ
قُلها إذن ومتْ» !!
( 9 ) لا تـكـل بـ مـكـيـالـيـن…\
إن من مقتضى العدل والانصاف أن لا تكون ازدواجياً في نقودك فإذا انتقدت صديقاً في أمر ما ، وكنت سكتّ عن صديق آخر كان ينبغي أن تنقده للشيء ذاته ، فأنت ناقد ظالم أو منحاز بالنسبة للمنقود لأنّه يرى أ نّك تكيل بمكيالين ، تنتقده إذا صدر الخطأ منه ، وعندما يصدر الخطأ نفسه من صديق آخر فإنّك تغضّ الطرف عنه محاباة أو مجاملة له .
وقد تكون الازدواجية في أنّك تنقد خصلة أو خلقاً أو عملاً ولديك مثله ، وهنا عليك أن تتوقع أن يكون الردّ من المنقود قاسياً :
يا أ يُّها الرجلُ المعلّمُ غيره***هلاّ لنفسِكَ كان ذا التعليمُ
ومن مساوئ هذه الحالة أنّ المنقود سوف يستخفّ بنقدك ويعتبرها تجنياً وانحيازاً . فلقد كتب إثنان من الأطفال كتابة وعرضاها على الحسن بن علي (عليه السلام) وقالا له : أيّنا أحسنُ خطاً ، وكان أبوه (علي) حاضراً ، فقال له : احكم بينهما بالعدل ، فإنّه قضاء ! فإذا كان العدل مع الصغار مطلوباً ، فكيف بالكبار ؟!
( 10 ) لا تـفـتـح الـدفـاتـر الـقـديـمـة :
انقد الجديد ودع القديم .. لا تذكّر بالماضي لأنّ صفحته انطوت .. ولا تنكأ الجراح ، فقد تضيّع الهدف من النقد لما جرى مؤخراً ، وربّما تغلق مسامع المنقود عن نقدك وتستثيره لأنّك نبشت ما كان دفيناً .
إن أخطاء الماضي قد يخجل المنقود من ذكرها ، وربّما تجاوزها وعمل على إصلاحها فتذكيره بها أو ربطها بالأخطاء الجديدة يجعلك في نظره إنساناً غير متسامح ، فلا تصفح ولا تمحو ، وكأنّك تريد أن تقول له : ما زلت على ضلالك القديم ، وهذا أمر لا يطيقه ، وربّما ثأر لنفسه منك .
( 11 ) الـتـدرّج فـي الـنــقــد…\
ما تكفيه الكلمة لا تعـمـّقه بـ التأنيب ، وما يمكن إيصاله بعبارة لا تطوّله بالنقد العريض ، فالأشخاص يختلفون ، فربّ شخص تنقده على خطئه ويبقى يجادلك ، وربّ آخر يرفع الراية البيضاء منذ اللحظة الأولى ويقرّ معترفاً بما ارتكب من خطأ ، وربّ ثالث بين بين .
ولذا فقد تكون كلمات من قبيل (ألا تستحي) ؟ (أما فكّرت بالأمر ملياً) ؟ (هل هذا يليق بك كمؤمن) ؟ (هل ترى أن هذا من الانصاف) ؟ وما شاكل ، تغني عن كلمات طويلة ، الأمر الذي يستحبّ معه التدرج في النقد والانتقال من اليسير إلى الشديد .
( 12 ) أنـقـده لـ شـخـصـه…\
قد يخرج بعض أصدقائك أو إخوانك عن حدود الأدب واللياقة في النقد ، فلا يكتفي بنقدك شخصياً ، وإنّما يتعدّى إلى والديك وإخوتك فيرشقهم بسهام نقده مما يعقد الموقف ويحول النقد إلى مشاجرة . فلا يصح أن تنساق معه ، وإذا كان بينك وبينه نقد ، أي أردت أن تنقده أيضاً فانقده لشخصه لأنّه هو موضع النقد وليس والديه (ولا تزِرُ وازرة وزر أخرى )(4) .
( 13 ) اقترح حــلــولاً ….\
قدِّم نقدك في تبيان الإيجابيات والسلبيات ، وركِّز على الجديد ، وعلى نقطة محدّدة بذاتها ، وفي كلّ الأحوال إن كان بإمكانك أن تقدم حلاًّ أو مقترحاً أو علاجاً فبادر ، وسيكون نقدك مقروناً بما يعين المنقود على التخلّص من سلبياته .
ومن الأفضل أن تطرح اقتراحاتك بأسلوب لطيف مثل : (الرأي رأيك لكنني أقترح) .. (هذا ما أراه وفكِّر أنت في الأمر جيِّداً) .. (ماذا لو تفعل ذلك لربّما كان الموقف قد تغيّر) .. (دعنا نجرّب الطريقة التالية فلعلها تنفع) .. إلخ .
( 14 ) راعـيٍ الصلـه والـمـكـانـه..\
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «أُمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم» كمظهر من مظاهر الحكمة التي تقول : «لكلّ مقام مقال» الأمر الذي يستدعي أن تراعي مقام الشخص المنقود ، فإذا وجّهت نقدك لأبويك أو أحدهما (فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقول لها قولاً كريماً )(5) . احفظ احترامك لهما ، ابتعد عن كل ما يخدش إحساسهما ، يمكن أن تصبّ نقدك في قالب لطيف ، مثل :
(أنتم أكبر منِّي سنّاً وأكثر تجربة لكنني ـ بكل تواضع ـ أقول أن هذا الأمر غير مناسب) أو (مع كامل حبي واحترامي لكما ، أرى لو أن نعدل عن هذا الموضوع) أو (ما تذهبون إليه صحيح ، لكنّ الأفضل في نظري هو هذا) وما إلى ذلك من عبارات محبّبة توصل بها نقدك ولا تؤذي منقودك .
( 15 ) لا تـكـن لـقـّاطـاً لـلـعـثـرات….\
التقاط العيوب وتسقّط العثرات وتتبّع الزلاّت ، وحفظها في سجل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، بغية استغلالها ـ ذات يوم ـ للإيقاع بالشخص الذي نوجّه نقدنا إليه ، خلق غير اسلامي . فقد جاء في الحديث : «إنّ أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل الرجلَ فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما» .
فخيرٌ لك وله أن تنتقده في حينه ، وفي الموضع الذي يستوجب النقد ، ولا تجمع أو تحصي عليه عثراته لتفاجئه بها ذات يوم ، ولا تفاجأ إذا قال عنك أنّك جاسوس أو متلصص عليه، أو أنّك تنقده بدافع الحقد الدفين .
( 16 ) الـنــقــد هــديـه../ فـ أعـرف كيـف تـقـدّمـهـا….\
ورد في الحديث : «أحبّ إخواني مَنْ أهدى إليَّ عيوبي» فلقد اعتبر الإسلام النقد والمؤاخذة على الخطأ (هدية) وترحّم على مهديها «رحم الله مَنْ أهدى إليَّ عيوبي» لأجل أن يكون النقد والنصيحة والتسديد مقبولاً ومرحباً به ، بل يُقابل بالشكر والإبتسامة .
والهدية ـ كما هو معلوم ـ تجلب المودة «تهادوا تحابّوا» فإذا صغت نقدك بأسلوب عذب جميل ، وقدّمته على طبق من المحبّة والإخلاص ، وكنت دقيقاً ومحقاً فيما تنقد ، فسيكون لنقدك وقعه الطيب وأثره المؤثر على نفسية المنقود أو (المهدى إليه) الذي سيتقبّل هديتك على طريقة «ووفقني لطاعة مَنْ سدّدني ومتابعة مَنْ أرشدني» .
أخيراً ..
تذكّر أنّ كلّ إنسان يحبّ ذاته ، فلا تحطّم ذاته بنقدك القاسي الشديد ، كن أحرص على أن ترى ذاته أجمل وأكمل وأنقى من العيوب .. وقل له ذلك .. قل له : إنّ دافعك إلى النقد أن تراه فوق نقدك ، وعندها تكسب أخاً حبيباً بدلاً من أن تخلق لك عدواً .
(1) وهذا الأسلوب متبع في (النقد الأدبي) أيضاً ، حيث يحاول النقّاد أن يتعرّضوا للجوانب الإيجابية في النصّ الأدبي وإلى الجوانب السلبية فيه ، حتى تكون الصورة النقدية واضحة في ذهن القارئ ، فالجوانب الإيجابية تحتاج إلى كشف وتوضيح وإبراز تماماً …
(2) الأعراف / 85 .
(3) الأحزاب / 53 .
(4) الأنعام / 164 .
(5) الإسراء / 23 .
مقالة ريم الشحي – المصدر منتدى الامارات
يعتبر إدوارد سعيد من الأشخاص الذين أحدثت كتاباتهم صدى واسع في أنحاء واسعة من العالم ولاسيما كتابه الاستشراق الذي يطرح قضية في غاية الأهمية وهي قضية الأنا والآخر ويظهر في نطاق هذه القضية العديد من المخاطر المتصلة بالعديد من الوقائع ونراه يركز على الخطاب الاستعماري لذا يعتبر مفهوم التمثيل (أي كيف يقوم الخطابDiscourseبتمثيل الواقع) وثائق رامزة تثبت العلاقة بين المرجع الفكري وتجلياته الخطابية ويركز إدوارد بشكل كبير على القضايا والإقصاءات التي يمارسها المسْتعمِرْ على الآخر المستَعْمَر والبعض اعتبر إدوارد في كتابه هذا يثبت أن الخطاب الاستعماري يتصل بانتاج شرق مطابق لبنية الغربي الثقافية ورؤيته
وأعتقد أن شهرة الكتاب الواسعة سببها أنه كتاب يظهر صرخة الحرب والأهم يظهر صورة الآخر المشوهة من قبل المسْتَعمِرْ
وهذا يأخذنا في رحلة عميقة إلى مفهوم الذات والآخر من خلال الصلة بين تكاتف الرواية والامبريالية في التمثيل الفعلي لهذا المفهوم وهنا تقع عملية مزدوجة بين جانب الذات التي تتدفق منها معاني أخلاقية متصلة بها أما فيما يتعلق بالآخر يظهر لنا تمثيل يتغلغل فيه الخوف والقلق وهنا يتم إقصاء عنه كل المعاني الأخلاقية المقبولة والمعنى هنا أن يتدخل الطرف الأول ويضع عدة قرارات وخيارات حتى يجعل الطرف الثاني مشابه له وبالتالي يستطيع قطع تلك المعاني لديه وبالتالي سهولة اختراقه وهنا يأتي معنى تشويه وإقصاء الآخر وبروز تلك الذات مع وجود قوتها التي يصعب تمزيقها واختراق أسوارها
، وهذه هي مظهر من مظاهر الثقافة الغربية الحديثة وهذا ما يسمى ثقافة التمركز حول الذات التي تهدف إلى تصغير الآخر ومن خلالها تكبر الذات
ومن هنا تكمن براعة إدوارد في أنه لا يظهر النتائج بشكل عشوائي بل يتعمق ويستعين بالعديد من الخلفيات المتصلة بالوقائع والتي تكمن دورها الرئيسي في توجيه الخطابات وحتى يقوم بتحليل أي نص يستعين بعدد كبير من المراجع الفكرية لذا كان يلجأ للبيانات السياسية و التواريخ ومن ثم يقوم بعملية الربط وإبراز العديد من العلاقات الخفية القائمة بين الخطابات ومن الأمثلة التي استعان بها إدوارد من أجل المقارنة والتحليل قام باللجوء إلى روايات كونراد وكامو وغيرها واستعان بخطابات تعطي تلك النصوص معاني معينة
ويهدف من ذلك التوصل للعديد من النتائج من خلال التحليل المتعمق الشامل الدقيق ونجد إدوارد يهدف لكشف أوجه الالتباس الواقعة بين العديد من الثقافات خلفتها ظروف تاريخية و الأمر الذي نجده في نقده هو أنه متحرر من مبدأ الثبات والانتماء لعرق أو دين أو ثقافة معينة ولذا يشير إدوارد دائماً حسب قوله بأنه عالق بين هذه الثقافات وليس لديه أي شعور حقيقي بالانتماء الثابت المنغلق لأحدها وهنا نجد إدوارد متأثر بمقولة الراهب الساكسوني هوغو فكتور التي تقول :إن الرجل الذي يجد وطنه مكاناً مناسباً لم يزل طفلاً غضاً ،والذي يرى بأن العالم وطنه فهو من أشتد عوده،أما الإنسان الكامل فهو الذي أطفأ شعلة حبه.
تسليم يا الريم على هذا الطرح الكبير