كل من هاجم دبي لم يكن ملما سوي بوقائع مغلوطة وخاطئة .. دبي قادرة علي تجاوز الأزمة الحالية بفضل قيادتها الحكيمة
إيلاف – أفشين مولافي/
بينما كان يتابع مارك توين، الكاتب الأميركي الأسطوري في القرن التاسع عشر، احدي الصحف، فإذا به يصاب بالذهول عند قراءته لإشعار يتحدث عن خبر وفاته هو شخصيا ً. لكنه بروح من الدعابة وخفة دم، بعث برسالة لمحرر الصحيفة وقال له فيها :” ان الاخبار التي تحدثت عن وفاتي مبالغ فيها الي حد كبير “. وأنا أعتقد أنت دبي تشعر خلال هذه الأيام بنفس الاحساس الذي شعر به مارك توين. فالعناوين الصحافية القادمة من القاهرة ومرورا بلندن ونهاية بنيويورك تزعم زوال دبي. ويمكن أن تلمس قدر معين من السعادة مرافقا ً للمقالات والتعليقات والمناقشات ( حتي بين العرب ) ، كما لو كان الناس سعداء لرؤية زوال دبي. فالنيويورك تايمز كتبت عن “السقوط المتصاعد” للمدينة التي سبق وأن تم التهليل لها علي أنها القوة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط. ولخصت النيويوزويك الموضوع في عنوان بسيط قالت فيه :” وداعاً دبي “.
لكن الحقيقة هي أن موضوع زوال أو وفاة دبي أمر قد شهد قدرا كبيرا من المبالغة. فأنا عشت في دبي وأجريت هناك بحثا موسعا علي تاريخها وشركائها التجاريين، ومن الضروري عند فحص الموقف الحالي لدبي أن يتم الفصل ما بين الحقائق والخيال وما بين الواقع والتصور. أولا ً، وبالنظر لجوهر نموذج الأعمال في دبي – نجد أنها تمثل محورا للأشخاص والخدمات ورأس المال والبضائع والأفكار – فإنه لا يزال سليما ً ، حتي في ظل المناخ الصعب هذه الأيام. كما أن دبي ليست دولة ذات كيان اقتصادي صناعي ثري بالنفط مثل المملكة العربية السعودية أو دولة مستهلكة للاقتصاد مثل أميركا أو من نوعية البلدان ذات التوجهات التصديرية مثل ألمانيا أو كوريا الجنوبية. فهي ستظل من الناحية التاريخية مدينة محورية، والعالم بحاجة لمدن محورية تربط الأشخاص والأسواق والبضائع، ولن يكون بمقدور أي مدينة إقليمية أخري أن تتفوق علي دبي في تلك الجزئية ( فهي متقدمة عن الآخرين بفارق كبير للغاية ).
أما مدن مثل هونغ كونغ وسنغافورة وميامي ولندن، فيعزو نجاحها الجزئي إلي الدور الذي تقوم به كمدن محورية بالنسبة لمناطق أكبر وأكثر إزدهارا ً. أما دبي فتعتبر مدينة محورية لنحو مليار ونصف شخص من شرق إفريقيا وحتي الهند، ومن الخليج إلي وسط آسيا، ومن إيران إلي غربي الصين وروسيا. فضلا ً عن أنها ليست مجرد مدينة شرق أوسطية. فهي مدينة آسيوية ذات أطراف ممتدة إلي أوروبا والشرق الأقصي. وتبقي تلك الحقيقة الجغرافية – كأغلي ثروة تمتلكها دبي.
وقد أدرك حاكم دبي الراحل الكبير الشيخ راشد أن دبي تحتاج للغرباء من أجل تنمية اقتصادها. فقد سبق له أن صرح قائلا ً :” ما هو خير بالنسبة للتجار يعد خيرا أيضا لدبي “. وقد أصبحت تلك الفكرة بمثابة العرف التقليدي لعائلة آل مكتوم منذ أكثر من قرن حينما بدأت أولا في استقطاب التجار الهنود والايرانيين إلي شواطئهم. وبنفس الطريقة، يسير سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمنتهي البساطة علي خطي والده وأجداده.
وتلك هي النقطة الأساسية التي يجب تذكرها. فعندما أشارت النيويورك تايمز إلي ” “سقوط” دبي كمدينة هلل لها من قبل علي أنها القوة الاقتصادية للشرق الاوسط ، فإنها قد حصلت على وقائع خاطئة. فدبي لم تكن – حتي قبل ان تواجه ما تواجهه حاليا من مشكلات – القوة الاقتصادية للشرق الأوسط ولم يسبق لها أن كانت ذلك علي الإطلاق. فهذا التمييز من حق الممكلة العربية السعودية، فالناتج المحلي الإجمالي الخاص بها يقدر بثلاثة أضعاف الناتج الخاص بمنافستها الاقليمية القادمة، وكذلك الثروة النفطية والقطاع الصناعي الناضج. ودبي ليست بـ ” القوة الاقتصادية “، لكنها في المقابل وسيط ناجح للغاية، ومدينة محورية للتجارة والخدمات والأشخاص وتوفر الدعم لأسواق من بينها سوق المملكة العربية السعودية، وكذلك آسيا وأوروبا، بل وأميركا اللاتينية أيضا ً. فلا أحد يشير إلي هونغ كونغ علي أنها “قوة اقتصادية”. رغم أنها تعتبر مدينة غاية في الأهمية نظرا ً للدور الذي تقوم به في المساهمة في إنماء القوة الاقتصادية للصين.
وأري أن المدن المحورية تقوم بدور هام بالنسبة لنمو المناطق المحيطة بها. فهي تتغذي عليها وتقوم بتغذيتها في الوقت ذاته. وعلي مدار الخمس سنوات الماضية، شهدت دبي حالة من الإزدهار في ظل ارتفاع أسعار النفط وارتفاع معدلات النمو في آسيا. لكن دبي ليست بمنأي عن الأزمة المالية العالمية. ففي الوقت الذي تعرضت فيه التجارة لحالة من التباطؤ وشهد الإقراض المصرفي حالة من الجفاف، تواجه دبي – شأنها شأن المدن المحورية الأخري التي من بينها هونغ كونغ ونيويورك وميامي – العديد من التحديات الجادة. وفي حالة دبي، تعمل حمولة الديون الثقيلة الملقاة علي كاهلها والتي تقدر بـ 80 مليار دولار علي تضخيم هذا التحدي.
لكن بمقدور دبي أن تستطلع أجواء تلك الأزمة، بل وتخرج منها أكثر قوة إذا ما اختارت السياسات الرشيدة. وكما اخبرني أحد المصرفيين العاملين في مجال الاستثمار في دبي :” لقد تحطمت ديزنيلاند دبي ، لكن جوهر نموذج الأعمال في دبي – كمحور للتجارة والخدمات والنقل والأشخاص – لا يزال سليما ً “. وتلك هي النقطة الرئيسية. وفي الوقت الذي تخرج فيه الجزر الموجودجة في البحر وناطحات السحاب إلي مانشيتات الصحف، تمكث القيمة الاقتصادية الأكثر أهمية بالنسبة لدبي في بنيتها التحتية الخاصة بالنقل والمواصلات. فهي تدير سابع موانيء العالم إزدحاما ً، وأفضل عشرة في مجال الشحن الجوي. كما أن التجارة تمر من إفريقيا إلي آسيا ومنها إلي أستراليا من خلال دبي.
وتحتاج دبي لبناء بنية تحتية من أجل استغلال طبيعتها الجغرافية – وقد فعلت ذلك من خلال الديون. فعندما قرر الشيخ راشد أن يحفر خور دبي في عام 1959 من أجل السماح للسفن الكبري بالدخول ، اعتقد كثيرون أنها فكرة مجنونة ومكلفة من الناحية المادية للغاية. لكن الشيخ راشد أثبت وجهة نظره ونجح في إعادة دفع الديون خلال فترة وجيزة، وبدأت دبي في الإزدهار كمدينة ساحلية. وعندما اختار الشيخ راشد أن يبني منطقة جبل علي ، بدا الأمر أكثر طموحا ً وانتقده جميع الأشخاص في المنطقة. لكنه أثبت صحة وجهة نظرة مرة أخري. فاليوم تعمل 174 شركة من إجمالي الـ 500 شركة العاملة في مجال الثروات حول العالم انطلاقا من منطقة جبل علي. وهو ما يثبت أن هذا القرار كان قرارا صائبا بشكل واضح.
وهل ذهبت بعض من مشروعات التنمية والمشروعات العقارية الخاصة بدبي لأبعد من ذلك هذه المرة ؟ – الإجابة هي نعم، وبعضهم – ليس دبي بأسرها – سوف تموت علي الأرجح. لكن هذا أمر جيد. فدبي تزحلقت علي الفقاعة العقارية وكانت بحاجة للبزوغ من أجل العودة إلي الواقع. لكن دبي نفسها لم تكن فقاعة. فقد كانت وستظل مدينة محورية جدا في الاقتصاد العالمي. وليس بمقدور أي مدينة أخري في المنطقة أن تتحدي دبي كمدينة محورية ، وعندمنا يسترد الاقتصاد العالمي عافيته، سوف تصبح دبي في وضعية أفضل لأنها أنفقت مبالغ مالية طائلة علي البنية التحتية.
لكن ماذا يجب علي مسؤولي دبي أن يفعلوه ؟ أولا ً، هم بحاجة لتغيير سياسة علاقاتهم العامة. فقد كانت ضعيفة. وغالبا ما كان يتورط مسؤولو دبي في احدي استراتيجيات الإنكار. وهذا يجعل الأسواق غير مستقرة، ويقود الأشخاص لتخيل ما هو أسوأ. وليس هناك ما هو أكثر طيشا من أن ينفي مسؤول حكومي حقيقة وجود مشكلات اقتصادية كفقدان الأشخاص لوظائفهم. ففي غياب المعلومات الصادقة، يبدأ الناس في تصديق الشائعات كما يفقد العامة والمستثمرون الثقة. وتواجه دبي اليوم أزمة ثقة علي الساحة الدولية، ويرجع ذلك جزئيا إلي سياسة المعلومات المضللة التي تتبعها.
فهي بحاجة لأن تكون أكثر أمانة وصراحة. وعليها أن تبدأ من خلال الاعتراف بخطورة أزمة الديون، وفي الوقت نفسه تشير إلي أن جوهر نموذج أعمالها كمدينة محورية لا يزال قويا ً. وقليلون هم من سيعترضون علي ذلك. فالفرد بحاجة فقط للنظر لأنماط الطيران والنقل البحري كي يدرك أن دبي لا تزال منطقة للعبور المتكرر ومقصدا تجاريا ً.
ومن المعروف أن اتفاقية القروض التي تم توقيعها مؤخرا ً من اجل إعانة بورصة دبي للايفاء بديونها التي تقدر بـ 3.5 مليار دولار والمقررة في نهاية الشهر الجاري، توضح أن دبي قادرة علي تلبية بعض من احتياجات ديونها، علي المدي الزمني القريب علي الأقل. لكن معظم الأموال قادمة من حكومة دبي. والآن نحن بحاجة لمعرفة: ( هل هناك المزيد من الاموال المتاحة لتمويل الديون في المستقبل ؟ )
لكن يمكنني أن أقول أن الأشخاص الذين يتمتعون بحس تاريخي يمكنهم أن يعرفوا أن دبي ليست بغريبة عن الأزمة الاقتصادية. فالكشف عن اللؤلؤ في اليابان عمل علي تدمير صناعة اللؤلؤ الحيوية هناك في عقد العشرينات من القرن الفائت، كما خفضت الحرب العالمية الثانية بشكل كبير من حركة التجارة إلي دبي، وعملت موجة انخفاض اسعار النفط في منتصف تسعينات القرن الماضي علي إصابة الاستثمارات الأجنبية بالجفاف. وفي جميع هذه الأمثلة، تمكن حكام دبي من استغلال مزايا وضعهم الراهن النسبية، وقاموا باعادة تجهيز أنفسهم، وعثروا علي طريقة جديدة للنمو – بدعم التجار الأجانب والمحليين.
وسفو تنجو دبي من الأزمة الراهنة إذا ما عادت للأساسيات التي كان يعتقد بها الشيخ راشد: ما هو جيد للتجار جيد أيضا ً لدبي. ويعي الشيخ محمد بن راشد ذلك تماما ًوسيظل نموذج أعمال دبي قويا ًوصامدا ً. وفي الوقت الذي قد تعتقد فيه النيويورك تايمز والنيوزويك أن دبي تموت، وبينما أظهر ايضا ً كثير من العرب قدرا محددا من البهجة أثناء مشاهدتهم للمشكلات التي تواجهها دبي، ستظل تشكل المدينة الدولة محورا رئيسيا في آسيا كما ستظل تشكل جزءا ً حيويا ً من لغز التجارة العالمية. وفي ظل القيادة الحكيمة، سوف تتمكن من تجاوز تلك الأزمة والخروج منها أقوي – وأكثر حكمة.
المقال متناقض للي قراه بالكامل
في البداية الكاتب يقول ان المقالات التي تصدر من الغرب “تزعم زوال دبي.”
ومن بعدها يقول “وتواجه دبي اليوم أزمة ثقة علي الساحة الدولية، ويرجع ذلك جزئيا إلي سياسة المعلومات المضللة التي تتبعها”
يعني الكاتب برايه الاخير يؤكد صحة او على الاقل ملامسة الحقيقة للكتابات الغربية عن دبي
لان في الغالب الشخص الي يحاول يجتهد في تغيير الحقائق او اخفائها يكون ناتج من خوف او لاهداف خاصة
كم اتمنى عودة دبي
فوالله لا تحس بقيمة الشيء الا حين تفتقده
ولكن اتمنى ان تعود دبي بعقلانيه وان تتمتع ببعض من التفكير قبل المباشره في التنفيذ من دون حساب العواقب
كلام مجمع تعال وتسمع
اقول تراها دبي والايام بيننا
مشكوووووووووووووووووور كنج الامارااااااااات