أسئلة طالما سمعناها من الراغبين في الانخراط في هذا السلك ، او من المتشوقين الى ممارسة تجارة طالما حيرت الكثيرين بتعقيداتها ، واستهوت الالاف ممن يملكون الثروات وممن لا يملكون شيئا منها .
ماذا يجب على العامل في مجال البورصة ان يدرس ؟
ما هي المواد الاكاديمية التي تفيده في عمله ؟
أية شهادة يتوجب عليه ان يحصّل ؟
وجوابنا على مثل هذه الاسئلة سنورده استنادا الى خبرتنا في هذا الحقل آملين الافادة بما قدره الله لنا من قدرة
. علم السياسة ، علم الاجتماع ، علم النفس ، الى شيء من الفلسفة ، هي المواد التي لا بد للمضارب في البورصة ان يدرسها ويمتلك الكثير من خفاياها ليستطيع فهم ما يجري في هذا المكان ولينجح في العبور بسلام بين آلاف الفخوخ التي تنتظره في عمله اليومي .
ان من درس علم التجارة او علم ادارة الشركات والبنوك ، لا شأن له البتة في علم البورصة كما لا قدرة له على فهم ما يجري بين جدرانها وعلى شاشات اجهزتها الالكترونية . ان حامل الدكتوراه في التجارة قد يحقق نجاحا بارعا في ادارة شركته ان كان حذقا شديد الذكاء والحيلة . هو يستطيع بسهولة ان يقدر ما توفره الالات من مدخول او ما تحتاجه الاسواق من انتاج . هو يستطيع ان يجد حلولا ناجعة للمضاربة التي تهدد منتجاته في سوق الاستهلاك . لكن رايه في تطور سهم شركته ليس من الاهمية بشيء . وهو قلما استطاع ان يؤثر على سعر السهم في البورصة . اذ وحدها البورصة ومنطقها الخاص المحكوم بعوامل غالبا ما تكون غريبة هي التي تستطيع التحكم بالدفة وتوجيهها كما تراه مناسبا .
وعلى المضارب ان يلم بفهم تطور سعر سهم شركة ما من الوجهة التقنية ، وينكب على دراسته اكثر من المامه او دراسته لصافي ارباحها او مدخولها او ميزانيتها السنوية . فهذه الاخيرة لا يجب ان تشكل بالنسبة له مركز الثقل في اصدار احكامه .
مهمة المضارب تقارب الى حد كبير مهمة القاضي . فهذا الاخير لم يكن شاهدا على وقوع الجريمة ، وليس بخبير سلاح . لكنه يستمع الى اقوال الشهود ويتلقى تقارير الخبراء ثم يصدر حكمه . المضارب ليس اختصاصيا في الالكترونيات او الطيران او النفط كما وليس عالما بخفايا اجهزة الكمبيوتر او السيارات او الكيمياء ولا يطلب منه ان يكون كذلك . لكنه يتلقى التقارير من هؤلاء الاختصاصيين في كل من هذه المجالات ، يلقي نظرة عليها ونظرة على السياسة الدولية وعلى تطور اسعار الفائدة ثم يصدر حكمه على السهم شراء او بيعا . انه كما يقول الفرنسيون ” الآخذ من كل علم بطرف ” . ان كل ما قرأه ” عبودي ” وكل ما درسه ، وسمع به ، ورآه ، وعايشه ، يفيد ” عبدالله ” في عمله كمضارب .
يتبع في جزء ثان

3 thoughts on “تاجر الاسهم آخذ من كل علم بطرف

  1. خواطر قد تفيد من يتأنى في قراءتها .
    وقد لا تفيد خواطري هذه لكني ، أُشهد الله ، ما قصدت إلا الإفادة والنصح .
    وله سبحانه في ما خلق عبرة لمن اعتبر ، وحكمة لمن رزق الفهم .
    أما قرأتم او سمعتم ، عن تلك الأفعى التي تمضي ساعات منتصبة ، كالعصا ، على رمال الصحراء الملتهبة ، حتى اذا جاء طير ، وقع عليها ، طلبا للراحة ، تجنبا لرمال القفر المحرقة ، فكان لها غذاء ورزقا ؟ أما تفكرتم بما تعانيه هذه الافعى في فترة انتصابها هذه من معاناة ، وبما تحسه من أحاسيس ، وبما تتمناه من أماني ، وهي أبدا منتصبة لا ينال منها التعب ، ولا يقهرها الملل ؟
    أما سمعتم عن صياد يقف يومه كاملا على الشاطئ ، طلبا لرزق يوهب له ، ثم يعود في المساء خالي اليدين الا من سلة فارغة وبطن خاو ؟ا
    هكذا هو حال الترايدر الذي يبغي النجاح فيما عقد العزم عليه .
    لا بد له من حكمة تلك الحية المنتصبة فوق الرمال . لا بد له من صبرها وجلدها . لا بد له من صبر ذلك الصياد المنتصب على الشاطئ . لا بد له من قناعته وطول أناته .
    من شاء النجاح في هذه المهنة ، لا يشتري ابدا لانه ملّ من الانتظار ، ولا بد من عمل يتسلى به . ا
    العصفور يقع على فم الحية ساعة شاء الله له أن يقع ، ولا يقع أبدا ساعة هي تشاء . السمكة يصطادها الصياد حين تأتي اليه ، ولا حول له ولا قوة بغير ذلك .
    الترقب ، والانتظار ، الحنكة ، الحكمة ، الجلد ، التخطيط ، واخيرا القناعة . مفردات لا بد ان تتصدر قاموس كل عامل بهذا العمل .
    ان عملت معنا في البورصة ، أوصيك بما هو لمصلحتك انت ، اصغ للوصية واعمل بها ، وانت باذن الله من الظافرين .
    انتظر ، انتظر ، لا تلقي شباكك قبل ان تتاكد ان السمك قد قدم . وان قدم . فالقها مرة ، ومثنى ، وثلاث .
    لا تملّ من الانتظار ان كان الوقت وقت انتظار . ولا تحجم عن الصيد ان بانت بشائره لك .
    لا ترتجل خطتك ابدا . بل ارسمها مسبقا ، حين يكون العقل سيد الموقف . ارسمها بتؤدة وترو ووضوح . وان آن وقت التنفيذ ، نفذ ما رسمت ولا تدع الشك يسيطر على نفسك ، ويفوت الفرصة عليك .
    إذن وصية ذهبية أخرى : ارسم خطتك جيدا ، ونفذ ما خططت له

  2. وما أدراك ما حظ المبتدئ !

    ومضة في لحظة !
    شمعة لكن الى نهاية !
    أمل لا يعيش الا لقليل !
    حظ المبتدئ بارقة تنجلي لتزول !
    حظ المبتدئ ليس القاعدة بل الشواذ عليها .!
    فلا تركننّ اليه .

    يعقد الواحد منا العزم على ممارسة تجارة طالما حلم بتعلم أسرارها والتعرف على خفاياها ، يسارع اليها كما الحبيب الملهوف الى محبوبه ، يثق بالمستقبل الواعد المشرق المنير .
    يفتح حسابا ، يودع فيه مبلغا من المال ، يتاجر ، يبيع ويشتري ، يربح في صفقته الاولى ، تزداد ثقته بنفسه ، يربح في صفقاته الاولى ، يصير الظنّ عنده يقينا .
    يقول : ها أنذا قد وصلت . الحمد لله على ما أنا فيه . لقد فتحت لي أبواب الثروة . وبعدها الشهرة . لن تطول بي المدة لأحصى بين الموثرين الاغنياء . وأعدّ بين المستهابين الأقوياء .
    ويمضي في الطريق . ويرى أنّ ما أصاب من نجاح في صفقاته الاولى ، كان وليد حظ بسم له يوما ليعود فيعبس في يوم آخر .
    ويمضي ضاربا في سراديب الدجى ، ضائعا بين ما يقول هذا ويقول ذاك ،حائرا بين ما يتوقع هذا ويتوقع ذاك ، هائما في عالم لا يبسم فيه الحظ إلا لمن عرف ما يريد ، وخطط لتحقيق مبتغاه .

    نعم صديقي القارئ .أنّ الأمر لهو كذلك . واليك مزيدا من التوضيح .

    لنفرض أنّ أربعين شخصا دخلوا عالم التجارة في البورصة سوية في يوم واحد . ولنسلّم جدلا أنّ هؤلاء الأشخاص الاربعين اجتمعوا على كونهم جددا على هذا العالم . أحبوه ، إفتتنوا به ، رغبوا ولوج بابه . أبصروا بابين ، واحدهما عريض له أبّهة وجلال ، الآخر ضيق فيه ملامح البرودة والتعب . ولجوا الباب الواسع . تعجّلوا في المسير . باشروا عقد الصفقات . ماذا حلصل معهم ؟
    لنفرض صديقي القارئ ان هؤلاء الاربعين عقدوا صفقتهم الاولى افتتانا بالعمل وتعجلا بالمباشرة به ، فمن البديهي أن يقرّر عشرون منهم شراء اليورو ، وأن يفضّل العشرون الآخرون بيعه . هذا ما يفرضه قانون النسبية على الاقل .
    اليورو لا يمكن أن يبقى على حاله ، لا بدّ له من حركة ما ، تحمله الى أعلى أو الى أسفل . إذن لا بدّ لعشرين من هؤلاء الاربعين أن يربحوا ، ولا بدّ للعشرين الآخرين أن يصنفوا في عداد الخاسرين .
    ان ما يهمنا اليوم في بحثنا هو تتبع خطوات العشرين الأولين ، وتحليل ما سيكون عليه امرهم .
    كان الحظّ حليف هؤلاء العشرين اذا في صفقاتهم الأولى ، فظنّ الواحد منهم كما ظنّ الآخر أنه عبقري لا يحاكيه مخلوق في قدراته الخارقة ، وأن البورصة هي طريق ذات اتجاه واحد لا يمكن أن يصيب فيها المرء الا نجاحا تلو نجاح وربحا تلو ربح .
    من الطبيعيّ ان تكون تصرفات هؤلاء العشرين التالية متشابهة ، نظرا لكونهم يعيشون ظروفا متشابهة ويحسّون أحاسيس متشابهة . وكانت صفقاتهم التالية .
    وتكرّر معهم ما حصل في الجولة الاولى . اشترى عشرة منهم اليورو بثقة تامة أن الربح آت لا محال ، فيما باع العشرة الآخرون اليورو بثقة تامة أن الربح آت لا محال . ولكن اليورو لا يمكن ان يصعد وينزل في آن ليكون الربح من نصيب الفريقين . لا بدّ ان يربح عشرة منهم ويخسر عشرة تمشيا مع قانون النسبية ايضا .
    الخاسرون أدركوا الآن ان حساباتهم القديمة لم تكن دقيقة . بدأ الشك يتسرب الى نفوسهم . بقوة تتناسب مع عدد العقود التي أجروا صفقاتهم بها .
    الرابحون منهم لم يتلقنوا الدرس بعد . لكن الدرس آت لا محال . أكملوا . وتتابعت نفس الأحداث . وتكررت نفس النتائج .
    ولكن الدرس الذي تعلمه هؤلاء المبتدؤون كان واحدا ، وكان ثمنه غاليا على البعض منهم . فما تراه يكون ؟
    هو يختصر بقليل من الكلام ، ويفصل بكثير من الصفحات . سأوجزه اليوم ، على أن أعود اليه لاحقا فأفصل ما لا بدّ للتفصيل فيه .
    إن كلّ ربح يحقق في تجارة البورصة ، لا بدّ أن يكون مرتكزا على استراتيجية علمية ، موضوعية ، يقبل بها المنطق ، ويقرّها العقل السليم . وإن هو كان على غير ذلك ، فلن يكون إلا ربحا سريعا قائما على الصدفة والحظّ ، وعلى الصدفة والحظّ فقط ، إذ سرعان ما يسترجع السوق غدا ما يكون الحظ قد حققه اليوم .
    وما تراها تكون هذه الاستراتيجية السليمة ؟ وما تراها تكون ركائزها المتينة المحققة لربح مستمر ومتنام ؟ وكيف السبيل لبلوغ أسرارها ؟
    هذا ما سنخوض فيه في الجزء التالي من هذا البحث . ونأمل ان يكون ذلك في يوم قريب إن أذن الله وشاء .

Comments are closed.