تناول التقرير الاخير لبنك الكويت الوطني التطورات الاقتصادية في دولة الامارات العربية المتحدة (نوفمبر 2007)، والعوامل التي ساهمت في تعزيز اداء الاقتصاد الاماراتي بحيث اضحى من ضمن اقتصادات الخليج الاكثر حيوية ونشاطا. وقال التقرير ان حالة الازدهار الاقتصادي التي تعيشها دولة الامارات العربية المتحدة قد دخلت عامها الخامس، ومهدت الطريق لتبوؤ الامارات مكانة لائقة كنموذج يحتذى به في التنمية الاقتصادية على امتداد دول الخليج العربي كافة. فبين عامي 2002 و2006، سجل الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجارية نموا سنويا بلغ متوسطه 22% مما ادى الى تنامي حجم الاقتصاد بأكثر من الضعف ليصل الى 164 مليار دولار مع نهاية عام ،2006 وقد انعكس هذا الاداء المتميز على مستوى معيشة المواطنين، حيث شهد نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ارتفاعا ملحوظا ليصل الى 38.934 دولارا مع نهاية عام 2006 مما وضع الامارات في المرتبة الثانية خليجيا في درجة الثراء وفقا لهذا المعيار.
وكما هو الحال في اقتصادات الخليج الاخرى، فان فورة اسعار النفط وارتفاع معدل الانتاج قد لعبت دورا رياديا في تعزيز النمو الاقتصادي. ومع ذلك وعلى خلاف الدول المجاورة، فان القطاع غير النفطي في دولة الامارات قد لعب ايضا دورا جوهريا، واسهم بما يقارب النصف في النمو الذي سجله الناتج المحلي الاجمالي منذ عام 2002. كما بلغ متوسط النمو في هذا الناتج وفقا لمعيار القيمة المضافة بالاسعار الحقيقية الذي يستثني الاثر المباشر لارتفاع اسعار النفط نحو 9.8% سنويا، والذي يعد من اعلى نسب النمو في المنطقة، وليجعل من وتيرة التنمية في الامارات تحاكي مستواها السائد في الصين. وفي الواقع، فان الاقتصاد الاماراتي قد يكون وصل الى مرحلة تشبع حرجة بحيث تصبح فيها العائدات النفطية وسيلة لمساندة التنمية الاقتصادية بدلا من المحرك الرئيسي لها.
تقديرات صندوق النقد الدولي ترفع معدل التضخم إلى 8%
تشير تقديرات الوطني إلى ديمومة الأداء الاقتصادي المتميز في المدى المنظور، وإلى تضاعف حجم الاقتصاد الإماراتي مرة أخرى بحلول عام 2012 في ظل مشاريع الاستثمار الضخمة التي ستسهم في تقليص معوقات النشاط الإنتاجي في الاقتصاد، وفي احتواء جانب من الضغوط التضخمية التي تنامت خلال العامين الماضيين. فالتضخم مقاس بالتغير في الرقم القياسي لأسعار المستهلك قد تسارع من 2.9% عام 2002 إلى 9.3% عام 2006، خصوصا نتيجة الضغوطات، التي تسود قطاع العقارات، حيث ان زيادة المعروض من الوحدات السكنية في دبي وأبوظبي لم تكن كافية لتلبية الطلب المتزايد.
ولاحظ ‘التقرير’ انه في ضوء الارتباط الحصري لسعر صرف الدرهم الإماراتي بالدولار الأميركي، فقد أسهم أيضا تراجع سعر صرف الدرهم مقابل العملات الرئيسية من غير الدولار في تفاقم الضغوط التضخمية، ناهيك عن ارتفاع كلفة مواد البناء والتوسع الملحوظ في المجاميع النقدية. فعرض النقد قد نما بنسبة 34% و23% عامي 2005 و2006 على التوالي متجاوزا بذلك لمعدل نمو القطاع غير النفطي خلال الفترة ذاتها. وكان التسارع في معدل نمو القروض قد لعب دورا رئيسيا في توسع السيولة المحلية. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل التضخم في الإمارات عام 2007 سيتراخى قليلا ليصل إلى 8%. ومع ذلك، فهنالك قناعة على نطاق واسع تشير إلى أن أرقام التضخم الرسمية للإمارات لا تعكس مستواها الفعلي الذي من المحتمل أن يكون قد وصل إلى 20%.
وبتزامنها مع نقص المواد الإنشائية والمهندسين من ذوي الكفاءة، فإن تعاظم التكلفة الظاهرة للعيان قد شكلت حجر عثرة في نشاط المشاريع عام 2006، وأصبحت تقف وراء تمديد الجدول الزمني لتنفيذ المشاريع. وبشكل إجمالي، تشير التقديرات إلى نحو 500 مليار دولار، سيتم انفاقها على امتداد السنوات الخمس المقبلة على ما يزيد على 400 مشروع جديد، إلى جانب ما قدره 110 مليارات دولار لتمويل ما يقارب من 300 مشروع قيد التنفيذ. ويتوقع لهذه المشاريع ان يكون لها انعكاسات إيجابية ملحوظة على مجمل الاقتصاد الإماراتي في ضوء تركزها في القطاعات غير المتاجر بها مع الخارج كالقطاع العقاري، الذي في العادة له محتوى استيرادي متدن. وعليه، يتوقع ‘الوطني’ ان يواصل الاستثمار دوره الحيوي في النمو الاقتصادي. وفي المقابل، فإن الأهمية النسبية لصافي الصادرات قد تتراجع.
الإمارات تمتلك خمس الاحتياطيات العالمية من النفط منها 94% في أبوظبي
قال ‘الوطني’ انه على الرغم من التقدم السريع في القطاع غير النفطي، يبقى قطاع النفط والغاز بؤرة الاقتصاد الإماراتي، حيث تمتلك دولة الإمارات نحو خمس الاحتياطيات العالمية المحققة من النفط الخام، منها 94% في إمارة أبو ظبي. وحاليا، تبلغ الطاقة الإنتاجية من النفط الخام نحو 3 ملايين برميل يوميا، ومن الغاز حوالي 4.6 مليارات قدم مكعبة يوميا. وتعتزم دولة الإمارات رفع طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز خلال السنوات الخمس القادمة إلى 4 ملايين برميل و6.5 مليارات قدم مكعبة يوميا على التوالي. إلا أن هذه الخطط لم تؤثر في جهود الدولة نحو تحقيق تنوع اقتصادي أكبر الذي تتضح معالمه في التغيرات الهائلة التي يمكن ملاحظتها على أرض الواقع على امتداد الدولة، علما بأن التقدم الذي حقق في هذا المجال هو نتيجة استراتيجية تتبعها الحكومة منذ تأسيس الاتحاد في عام 1971، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حكومات الإمارات السبع قد أسهمت في مسيرة التحول هذه.
وأشار ‘الوطني’ إلى أن توسع مصادر الدخل الحكومي قد برز كأحد أوجه سياسة التنوع الاقتصادي. إذ اضافة إلى الإيرادات النفطية التي ولدت في الآونة الأخيرة فوائض قياسية في ميزانية الدولة، بدأت عوائد الاستثمار توفر رادفا مهما آخر، وذلك كون دولة الإمارات قد قامت على مدى السنين بتوظيف جزء من عوائد الوفرة النفطية من خلال الأذرع الاستثمارية المملوكة للحكومة، والتي تعتبر سلطة استثمار أبو ظبي أكبرها. ولفت التقرير إلى أنه وفقا لتقرير مؤسسة ماكينزي العالمية الصادر في عام 2007، فقد بلغت قيمة الموجودات التي تديرها سلطة استثمار أبو ظبي في عام 2006 ما بين 500 و900 مليار دولار، وهذه الموجودات توفر للحكومة دخلا كبيرا لا يتم إدراجه ضمن بنود إيرادات الميزانية. كما تم توجيه جزء من مصادر الدخل إلى الاقتصاد المحلي من خلال برامج الإنفاق الحكومي سواء أكان على مستوى الدولة أو على مستوى كل إمارة بحد ذاتها، هذا إلى جانب تأسيس مؤسسات عامة جديدة يذكر منها مبادلة، ونخيل، وإعمار، وطاقة.
تصاعد دور القطاع الخاص ونمو ملحوظ في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة
قال التقرير: كما كانت هنالك ايضا جهود مبذولة لتعزيز نشاط القطاع الخاص من خلال عمليات الخصخصة واتفاقيات الشراكة. كذلك الحال، فقد اشتملت استراتيجية الحكومة على حزمة متكاملة من الاجراءات تمحور اهمها حول تأسيس مناطق حرة، وازالة المعوقات التي تعترض حرية التجارة والملكية الاجنبية، الى جانب توفير بيئة اعمال تخلو نسبيا من العوائق. وعليه، فإن مساهمة القطاع الخاص في مجمل الناتج المحلي غير النفطي قد ارتفعت من 58% في عام 2000 الى 63% في عام 2004 قبل ان تتراجع بشكل طفيف الى 61% في عام 2006.
وفي هذه الاثناء، فقد تجاوز نصيب استثمارات القطاع الخاص، متضمنا الاجنبية منها ما يزيد على نصف انشطة المشاريع منذ عام 2003، وفقا لتقرير مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (اليونكتاد)، فقد ارتفع رصيد الاستثمارات الاجنبية المباشرة في دولة الامارات الى 37 مليار دولار في عام 2006 وذلك مقابل مليار دولار لعام 2000، الى جانب تبوؤ الامارات للمرتبة 23 على المستوى العالمي في اهلية جذب الاستثمار الاجنبي المباشر. وعلى الصعيد نفسه، فإن برنامج الخصخصة قد كان له انعكاسات ايجابية على اسواق المال المحلية وذلك في اعقاب ادراج المؤسسات المخصخصة في هذه الاسواق للتداول. ومع ذلك، يمكن في المحصلة القول ان العلاقة ما بين القطاعين الحكومي والخاص قد اصبحت متداخلة، وخاصة ان بعض المؤسسات التي تديرها الحكومة او بعض عامليها لهم مساهمة واضحة في العديد من المشاريع التنموية.
ولاحظ تقرير ‘الوطني’ ان تطور دور دولة الامارات لتصبح مركزا رئيسيا لتجارة التجزئة والمال والمتاجرة والذي اصبح يعتبر مضمونا الآن قد كان في الواقع ضمن المرحلة الثالثة في خطة الحكومة التنموية. فالمرحلة الاولى تضمنت تطوير الشراكة مع شركات النفط العالمية بهدف زيادة مستوى الاحتياطيات من النفط والغاز، الى جانب رفع معدل القدرة الانتاجية منها. اما المرحلة الثانية، فركزت على تعزيز سلسلة القيمة المضافة لمجمل قطاع النفط والغاز والارتقاء بالصناعات المرتبطة بالنفط والطاقة كالبتروكيماويات والاسمدة والالمنيوم. لكن نشوء دبي كمدينة حديثة يطغى عليها الطابع التجاري بشكل ملحوظ قد بدل من النظرة العامة لاهمية دور النفط في الحياة الاقتصادية. فمدينة دبي تصنف الآن ضمن قائمة المدن الاسرع نموا على مستوى العالم، حيث بلغ متوسط نمو ناتجها المحلي الاجمالي نحو 15% سنويا خلال الفترة 20002006-.
وقال التقرير: شهد عام 2006 تولي جيل جديد من الحكام في ابو ظبي ودبي، مما وفر دفعة جديدة لاستراتيجية التنوع الاقتصادي، رافقها تركيز اكبر على مفاهيم الفاعلية والشفافية والتكامل على مستوى الاتحاد الاماراتي بأكمله. فحاكم دبي الجديد ورئيس وزراء دولة الامارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد طرح برنامجا مدته ثلاث سنوات لاعادة هيكلة الحكومة بهدف تعزيز انتاجية الحكومة بما يضمن تحسن نوعية الخدمات الحكومية المقدمة للسكان والزائرين على حد سواء، وفي الوقت ذاته توسيع القاعدة الاقتصادية للبلاد وتدعيم دور القطاع الخاص.
مؤشرات على تنامي وتيرة التنسيق في المشاريع التنموية
مع قدوم الحكام الجدد، يرى ‘الوطني’ ان العقلية الاقتصادية قد تبدلت ايضا باتجاه تقليص فجوة الدخل ما بين الامارات السبع عن طريق تطوير هذه الامارات وفق ‘نموذج دبي’، حتى ان ابو ظبي التي تعد اغنى امارة وبفارق كبير عن جاراتها قد طرحت خططا لتطوير جزرها كوجهات سكنية وسياحية، ولانشاء صناعات ترتكز بشكل كبير على التكنولوجيا والطاقة، منها على سبيل المثال انشاء اكبر مصنع في العالم لتصنيع الالمنيوم، هذا الى جانب تطوير القطاعات ذات المحتوى التكنولوجي المرتفع كأجزاء المركبات الفضائية، وحديثا ولوجها في عالم الطاقة المتجددة.
واضاف التقرير ان تزايد عدد المشاريع ذات الطبيعة المتشابهة قد أثار بعض المخاوف حول احتمالية حدوث فائض في انتاج هذه المشاريع مما سيؤدي بالضرورة الى زيادة درجة المنافسة بين الامارات المختلفة. وبالمقابل، يشار الى ان بعض مناحي التنمية قد خضعت لتنسيق مسبق. فعلى سبيل المثال، هنالك عدد من الشركات من ابو ظبي ودبي تعمل معا الآن لتطوير اكبر مصنع ألمنيوم في العالم بكلفة تصل الى 6 مليارات دولار، كما شهد العام الماضي فوز منشأة ترعاها حكومة دبي بعقد قيمته 2 مليار دولار لادارة ميناء خليفة الجديد في ابو ظبي الذي سيدخل مرحلة التشغيل في عام 2012، وهذه الصفقات ينظر اليها على انها خطوات ملموسة نحو تعاون أكبر بين الامارتين.
ومع ذلك، تبقى هنالك بعض التحديات ضمن الاقتصاد الاماراتي. وأول هذه التحديات كما يقول تقرير ‘الوطني’ يتمثل في الحاجة الى ضمان تدفق العمالة الوافدة والاستثمارات الأجنبية الى البلاد حفاظا على استمرارية بعض أوجه النموذج الاقتصادي المتبع، بما فيها العمالة الرخيصة غير الماهرة، وتطوير قاعدة المهارات في بعض القطاعات المستهدفة. وهذا لا يتطلب فقط توافر بيئة اعمال مفتوحة، بل ايضا المحافظة على المقومات التي جعلت من دولة الامارات مكانا جاذبا للوافدين وبمقدورهم تحمل نفقات المعيشة في هذه الدولة. وبهذا الخصوص، يلاحظ ان هنالك الآن بعض المخاطر التي تكتنف مقدرة الوافدين على توفير تكاليف المعيشة نتيجة ارتفاع الأسعار. ويبدو ان السقوف التي تم فرضها على معدل ارتفاع الأسعار والايجارات قد حققت نجاحا محدودا في كبح جماح التضخم.
توقعات إيجابية لأداء أسواق المال المحلية
على صعيد اخر، فقد شهدت اسواق المال الخليجية- سوق ابوظبي للاوراق المالية وسوق دبي المالي- حركة تصحيح حادة في عام 2006. فقد تراجع مؤشر مورغان ستانلي للسوق المالي الاماراتي نحو 43% مع نهاية عام 2006 من مستواه القياسي المسجل في شهر سبتمبر من عام 2005.
ومن الظاهر ان حركة التصحيح هذه لم تكن لها اثار سلبية ملحوظة على الاقتصاد الاماراتي، مع ان تباطؤ نمو القروض والخسائر المرتبطة بالدخل من غير الفوائد قد حدت من معدل نمو الارباح لقطاع البنوك. كما ان اسواق المال المحلية لم تسترجع حتى الان خسائرها المحققة في العام الماضي، مع ان بعض المراقبين يرى ان الاسعار قد تجاوزت مرحلتها الدنيا وان مرحلة التعافي قد بدأت.
هذا والى جانب الارتفاع القوي الذي شهدته الاسعار في شهر اكتوبر، وعمليات التقييم المغرية، وعودة التصاعد في ارباح الشركات خلال النصف الاول من عام 2007، الى جانب قوة الاساسسيات الاقتصادية، فان جملة هذه التطورات تصب في مصلحة الاداء المستقبلي لاسواق المال المحلية، ومع ذلك فان احتمال حدوث حركات تصحيح لا يمكن استبعادها، وخاصة بعد ان تم اخيرا تسجيل مكاسب كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة.
ورغم الصورة المشرقة للاقتصاد الاماراتي، تبقى هنالك حزمة من المخاوف المحيطة بتطلعات الاداء الاقتصادي الكلي، كحدوث تباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي يؤدي الى تراجع حاد في اسعار النفط، ناهيك عن اثر التوترات الجيوسياسية كحالة عدم الاستقرار في العراق، ومن المخاطر المهمة ايضا اثر الارتفاع السريع في مديونية الشركات، حيث ان مستوى الدين المحلي باستثناء القروض الحكومية والاستهلاكية قد ارتفع بنحو 38% في عام 2006، وذلك في اعقاب نمو بلغت نسبته 48% و24% خلال عامي 2004 و 2005 على التوالي، هذا الى جانب تصاعده بما نسبته 11% خلال النصف الاول من عام 2007. وهذا التنامي في حجم المديونيات الداخلية يستوجب المتابعة عن كثب مع ايلاء الاهمية لحوكمة الشركات وانظمة ادارة المخاطر لديها، وفي الوقت ذاته، هنالك خطورة تتعلق بدرجة ثقة المستثمرين والشركات في حال حدوث كساد في سوق العقار.