تقرير: التقلب يخلق فرصا للاستثمار في أسواق الأسهم الخليجية رغم الأوضاع العالمية الاقتصادية 28/09/2008

رغم أن الهبوط الحاد في أسواق مختلف دول المنطقة كان منتظراً كأمر مرجح جداً، إلا أن “المجزرة” التي شهدتها أسواق الأسهم الخليجية في الأسابيع القليلة الماضية قد فاجأت الجميع بلا استثناء تقريباً. هبوط السوق الذي بدا في الظاهر وكأنه قد نشأ نتيجة لفتور الصيف التقليدي قد تحول إلى هبوط بلا قيود نتيجة لتضافر عدد من العوامل. فقد هبط مؤشر “إم إس سي آي” الخليجي – وهو مؤشر يقيس أداء أسواق الأسهم الخليجية – بمعدل 29 في المائة حتى تاريخه هذا العام وتكبد خسائر أكثر مدعاة للحذر حيث بلغت 33 في المائة منذ أن لامس آخر ذروة له في كانون الثاني (يناير) من هذا العام. وهكذا تعرضت الأسواق في مختلف دول المنطقة لضربة كبيرة، حتى أن مؤشر تداول السعودي يسجل الآن عائداً سلبياً حتى تاريخه هذا العام بنحو 32 في المائة. وتأثر سوق الإمارات سلباً أيضاً، حيث انخفض سوق دبي المالي بمعدل 34 في المائة بينما انخفض مؤشر سوق أبو ظبي للأوراق المالية بمعدل 18 في المائة حتى تاريخه من العام. هنا تقرير أعده شاهد حميد، رئيس إدارة الأصول (دول مجلس التعاون الخليجي) في بيت الاستثمار العالمي “جلوبل”.

ما الذي تغير ؟ نعرض فيما يلي بعض العوامل التي تجمعت معاً لتفسد الأجواء بالنسبة للمستثمرين الإقليميين في أسواق الأسهم الخليجية.
في ضوء حقيقة كوننا نعيش الآن في سوق مالي متزايد العولمة، ما كان بالإمكان أن ننجو من اضطراب الأسواق الدولية الذي كان له أثر سلبي بالغ السوء في أسواق الأسهم الإقليمية. فقد كان الارتباط المنخفض للأسواق الإقليمية مع الأسواق الدولية عنصر جاذبية رئيس للاستثمار في الأسهم الإقليمية. ولكن مع استمرار تحرير الأسواق وانفتاحها على الاستثمار الأجنبي، تزايد هذا الترابط ومن المقدر له أن يشهد مزيداً من الارتفاع في المستقبل.

إن معظم مديري الأموال الأجانب الذين كانوا قد اندفعوا أسراباً إلى أسواق الأسهم الإقليمية بحثاً عن أرباح فائقة قبل نحو سنة مضت، قد بدأوا الهرب من هذه الأسواق في وقت ما من الصيف الفائت. ورغم أن تدفق الأموال الأجنبية إلى المنطقة قد تحول إلى وضعية سالبة منذ أوائل هذا العام، إلا أن هذا الاتجاه قد اكتسب زخماً في منتصف الصيف. فمديرو الصناديق الدوليون الذين كانوا يترنحون من استمرار الخسائر في الأسواق المتقدمة وكذلك الأسواق الناشئة وكانوا يواجهون طلبات استرداد من قاعدة عملائهم، قد بدأوا تصفية مراكزهم في الأسواق الخليجية على نطاق واسع. ولسوء الحظ، تزامن التغير في اتجاه تدفقات الأموال الدولية مع أشهر الصيف المنخفضة النشاط تقليدياً حيث يهاجر معظم المستثمرين المحليين إلى وجهات أكثر برودة في الطقس. وهذا ما أدى إلى بداية انخفاض في أسواق الأسهم الخليجية تسارع مع بداية سيطرة المخاوف على الأسواق. ثم ازداد تفاقم هذا الاتجاه عندما بدأ المستثمرون الأفراد الذين مولوا استثمارهم بالاقتراض يواجهون استدعاءات الهامش، وهنا بدأت عمليات التصفية القسرية.

فضائح الشركات

كان من شأن فيض فضائح الشركات التي بدأت من دبي أن خلق لغطاً في الأسواق أيضاً. فبدءاً من بنك دبي الإسلامي، انتشرت فضائح الشركات إلى عدد من المؤسسات الأخرى البارزة في دبي ومن ضمنها شركتان مدرجتان – ديار وتمويل. وهذا ما أفضى إلى “أزمة ثقة” في دبي وبدأت عمليات البيع المكثفة في الأسواق المالية لدولة الإمارات.

وعندما نضيف مخاوف “التصحيح في سوق العقار في دبي” و”أسعار النفط المتسارعة الانخفاض” إلى هذه التوليفة من العوامل السلبية، تتكون لدينا وصفة لعاصفة مثالية واجهتها الأسواق المالية في الإمارات بصفة خاصة وأسواق المنطقة بصفة عامة على مدى الصيف الهادئ تقليدياً وشهر رمضان المبارك. فقد تعرض سوق الإمارات العقاري والأسهم المرتبطة بالعقار هناك لضربة قاسية خلال هذا الاتجاه التنازلي.

ولحقت صناديق التحوط بهذا الاتجاه في وقت مبكر وبدأت بموجة بيع على المكشوف في الأسواق. ورغم أن البيع على المكشوف ليس مسموحاً به في الأسواق الإقليمية، إلا أن الأدوات متاحة الآن بصورة متزايدة لبيع ما لا تملكه (أي بيع الأسهم المقترضة).

وهناك عامل مهم آخر – ربما كان الحديث عنه أقل – كان فاعلاً على مدى الأسابيع القليلة الماضية وهو الاسترخاء الذي سببه توقع الكثير من المستثمرين إعادة تقييم العملات الإقليمية. فقد أوضحت البنوك المركزية الخليجية على مدى الأشهر القليلة الماضية أن إعادة تقييم عملاتها ليس وارداً، في الوقت الحالي على الأقل، الأمر الذي أدى إلى تدفق سلبي للأموال إلى المنطقة.

أسعار النفط

وفي وسط كل ما ذكر فإن الانخفاض الحاد في أسعار النفط – بمعدل 32 في المائة منذ أن بلغت ذروتها في بداية تموز (يوليو) – لم يكن أيضاً عاملاً إيجابياً. ومع الإقرار بأن أسعار النفط مازالت مرتفعة بنحو 10 في المائة حتى تاريخه من العام وتظل في مستويات قوية تماماً يمكن أن تسمح بنمو اقتصادي كلي في مختلف دول منطقة الخليج، إلا أن الانخفاض السريع من المستوى القياسي المرتفع البالغ 146 دولارا في تموز (يوليو) إلى مستوى أقل من 100 دولار لا بد له أن يجعل حتى المستثمرين ذوي الأعصاب القوية يتحولون إلى حالة عصبية.

وكانت السيولة شحيحة في مختلف دول المنطقة لفترة من الزمن حتى الآن، واتسعت هوامش الائتمان بدرجة كبيرة نتيجة لانهيار سوق الائتمان العالمي. وما يحدث الآن في أسواق الائتمان العالمية له تأثير مباشر في مدى توافر الائتمان وتسعيره في دول الخليج. وفي الوقت ذاته، قامت بعض البنوك المركزية الخليجية، القلقة من ارتفاع معدل التضخم، باستحداث إجراءات جديدة لإبطاء نمو الائتمان لدى النظام المالي والمصرفي، وهذا ما كان له بدوره تأثير سلبي في تكلفة التمويل بالنسبة للمؤسسات الإقليمية، كمـا حدّ من نمو الائتمان.

وواجهت بعض الأسواق الإقليمية مشكلاتها الخاصة بها أيضاً. ومن الأمثلة على ذلك السوق السعودي، حيث قامت هيئة أسواق رأس المال أخيراً بإدخال تغيريين هيكليين على سوق الأسهم، ما أثر سلباً في مشاعر المستثمرين. وكان التغيير الأول متعلقاً بمتطلبات الإفصاح عن المساهمة والتي تلزم المستثمرين بالإفصاح عن مساهماتهم التي تزيد على 5 في المائة من أسهم الشركات المدرجة. وفي الوقت ذاته، غيرت الجهة الرقابية أيضاً حجم التغير في أسعار أسهم الشركات المدرجة والذي أصبح الآن مربوطاً بمستوى سعر تداول السهم، ورغم أن رد فعل السوق السعودي جاء سلبياً تجاه هذه التغييرات، إلا أننا نعتقد أنها يفترض أن تساعد على تحسين هيكل السوق وينبغي النظر إليها بإيجابية.

التوقعات إيجابية

رغم المخاوف المذكورة أعلاه، نعتقد أن أسواق الأسهم الخليجية تواصل عرض فرص مغرية للمستثمرين على الأمد الطويل. وفي حين أننا نتفهم أن الأزمة المالية العالمية، التي طالت أخيراً عملاقين في القطاع المالي – “ليهام براذرز” و”ميريل لينش” – وأدت إلى اختفائهما، هي أزمة ذات أبعاد تاريخية، إلا أننا نعتقد أن المخاوف في الأسواق الإقليمية كانت مبالغاً فيها.
ورغم أننا لا نستطيع إغفال انعكاسات الأزمة المالية العالمية على منطقتنا، إلا أننا نعتقد أن منطقة الخليج تظل واحدة من “النقاط الناصعة” النادرة وسط الظروف الحالية في السوق العالمي. وحتى بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط، يفترض بالمنطقة أن تواصل النمو بمعدلات تعادل نحو ضعف توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ونعتقد أنه متى انقشع الغبار واتضحت الرؤية وانخفض مستوى العزوف عن تقبل المخاطر، فإن الأموال الدولية ستعاود مطاردة العوائد وستعود على الأرجح للدخول إلى المنطقة من جديد. ورغم أن المرء يأمل أن الفترة المقبلة ستكون أفضل، فإن من المتوقع للمستثمرين الأجانب أن يعودوا إلى السوق بمنظور أطول أمداً بقليل بدلاً من أسلوب “اضرب واهرب” الذي اتبعوه في العام الماضي.

ونحن نرى أن العوامل العاطفية تسيطر حالياً على مشاعر المستثمرين في الأسواق. وينبغي النظر إلى هذا الاضطراب على أنه ضجة قصيرة الأمد، ويتعين على المستثمرين المتخصصين أن يركزوا على الأساسيات الطويلة الأمد. وعلى حد قول المستثمر الأسطوري وارن بافيت “الأسواق هي آلة اقتراع في المدى القصير، وآلة وزن في المدى الطويل”.

فمشهد الأمد الطويل في المنطقة يظل سليماً معافى – حيث تظل الأساسيات تبدو مغرية، فضلاً عن أن الانخفاضات الحادة قد دفعت بمستويات تقييم الأسهم الخليجية إلى أدنى مستويات لها على مدى عدة سنوات، غير أننا ننصح بأن الحذر واختيار السهم من العوامل الرئيسة في الفترة المقبلة. وسيكون الاستثمار في الشركات التي تتمتع بأساسيات مواتية للأمد الطويل هو العامل الحاسم في الاستثمار الناجح في الأسهم الخليجية في الفترة المقبلة. كما تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الانخفاضات الحادة في الأسواق المالية الإقليمية، إلا أن الأسهم الخليجية قد حققت متوسط عائد سنوي بلغ 29,3 في المائة على مدى السنوات الخمس الماضية.

وعلى الرغم من الجاذبية النسبية لأسواق الأسهم الخليجية، لا بد من الإشارة إلى أنه عندما تنخفض الأسواق بهذا القدر وبهذه السرعة، فإن المرء لن يتوقع بوجه عام لهذه الأسواق أن تعود إلى مسارها سريعاً. فالخسائر المتحققة أخيراً ستترك بعض الندوب، وسيكون التقلب القصير الأمد هو السمة الغالبة في الأمد القريب على الأقل.

ما رد فعل المفترض لسياسة الجهات الرقابيـة؟

نعتقد أنه يمكن للسلطات الحكومية أن تلعب دوراً أساسياً في أوقات مثل هذه وأن تخلق حاجز حماية من خلال الاستثمار في أسواقها الوطنية. ورغم أننا نفهم أن واجبات صناديق الثروات السيادية هي تعظيم العوائد على الاستثمار، ومع أننا نؤمن بشكل راسخ بأنه يجب السماح لقوى السوق بأن تجد توازنها الذاتي، إلا أن هذه الظروف غير اعتيادية، ومن شأن الإجراء المتفاعل من جانب السلطات الرقابية الإقليمية أن يساعد على تهدئة الأعصاب.
وفي الوقت ذاته، ربما كان من المفترض في مخاوف التضخم أن تتراجع في الوقت الراهن، وسيكون من المفيد جداً للسلطات الرقابية أن تتخذ الإجراءات الكفيلة لتهدئة أوضاع السيولة في مختلف أنحاء المنطقة. كما ينبغي على السلطات الرقابية أيضاً أن تتخذ إجراءات صارمة لمنع البيع على المكشوف الذي يجري في المنطقة، حيث إن ذلك ليس نشاطاً مسموحاً به في الأسواق الإقليمية. ورغم أن البعض قد يجادل حول مزايا البيع على المكشوف، إلا أننا نرى أنه يجب منع هذا النشاط غير القانوني. وعلى نحو خاص، فإن نوع البيع على المكشوف الذي رأيناه في المنطقة هو نشاط مدمّر بطبيعته وأصبح أسلوباً لتحقيق الذات. كما أن هذا النشاط مضاد للإنتاجية بالنسبة لأسواق مثل أسواقنا التي يشكل فيها نشاط مستثمري التجزئة معظم حجم النشاط اليومي للسوق. وقد أدى البيع على المكشوف في الواقع إلى تحول أسعار أسهم الشركات نحو اتجاه تنازلي، مفضياً إلى استدعاءات للهامش أدت بدورها إلى عمليات تصفية قسرية تعد معطلة للأسواق.

ما الذي يفترض أن يفعله المستثمرون في أوقات كهذه؟

وبالنظر إلى الطبيعة المتقلبة لأسواقنا الخليجية والتي يبدو أنها تمر بفترة طفرة ودورة انفجار في فترات زمنية منتظمة، فإنه يتعين على المستثمر أن يدير استثماراته بكل نشاط. وعلى سبيل المثال، توقعاً منا للانخفاضات الحادة في الأسواق، قمنا قبل أسبوعين بزيادة مستويات النقد إلى نحو 32 في المائة في صندوقنا الرائد “صندوق جلوبل للشركات الخليجية الرائدة”، ما جاء في صالح حملة وحدات الصندوق. وفي الوقت ذاته قمنا بإعادة هيكلة محفظة الصندوق بتخفيض استثماره في القطاعات ذات المخاطر العالية.

ورغم أن عوائد الصندوق للسنة الحالية قد بلغت 22,5 في المائة، إلا أنها أفضل من عوائد مؤشر أداء الصندوق الذي خسر 32 في المائة من قيمته حتى تاريخه من العام، الأمر الذي يبرز الأداء الفائق الذي حققه الصندوق. كما يتميز صندوق جلوبل للشركات الخليجية الرائدة بسجل أدائه اللافت على المدى الطويل، وهو من بين أفضل صناديق الأسهم الإقليمية أداءً.

ونجحنا في الوقت ذاته باستكشاف الأسواق على ضوء استراتيجيتنا المقررة للكويت. فصندوق جلوبل المحلي، وهو صندوقنا الرائد للأسهم الكويتية، قد حقق أيضاً أداء مهما لحملة وحداته. وكان هذا الصندوق هو أفضل صناديق الأسهم الكويتية أداء لعام 2008 كما في نهاية آب (أغسطس)، حيث بلغت عوائده الإيجابية 4,7 في المائة مقارنة بمؤشر أدائه الذي انخفض بمعدل 2,2 في المائة بنهاية آب (أغسطس). وقد واصل هذا الصندوق أداءه المتفوق في ظل ظروف السوق المضطربة التي شهدناها خلال شهر أيلول (سبتمبر).