تقرير – توخي الحذر لتجنب المخاطر
المصدر : مجلة العملات الاجنبية
نعتقد أن أسواق الأسهم العالمية ستواجه بعض مخاطر التصحيح ولاسيما في ظل ما شهدته أسهم الأسواق المتقدمة الأسبوع المنصرم من انتكاسةٍ مؤثرة رغم تواضعها. كما شهد الأسبوع الماضي انخفاض مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بواقع 1.7% ليكون الهبوط الأسبوعي الأكبر له منذ الأسبوع المنتهي في 12 نوفمبر 2010. ونعتقد بأن الأسهم تواجه جملةً من التحديات لعل أبرزها هو المستويات المرتفعة نسبياً لملكية الأسهم؛ إذ كشف مسح “ميريل لينش” لآراء مديري صناديق الاستثمار أن 67% من المؤسسات الاستثمارية حظيت بأسهم عالية القيمة في فبراير، وهي النسبة الأعلى منذ انطلاق المسح عام 2001. كما يواجه النمو العالمي مخاطر التعرض لانتكاسة خطيرة جرّاء الارتفاع الكبير لأسعار النفط. وقد يلجأ المحللون لخفض توقعاتهم المتعلقة بأرباح الشركات في حال هبوط توقعات النمو مما قد يؤدي بالتالي إلى تراجع أسواق الأسهم. وأخيراً سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى تنامي التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، مما سيؤثر سلباً على أسواق الأسهم.
وبينما تترقب أسواق الأسهم العالمية المتقدمة تراجعاً عن مستوياتها المرتفعة الأخيرة، تميل الأسهم المحلية من جهة أخرى إلى ملامسة مستويات منخفضة جديدة ولاسيما في ظل استمرار ضعف الإقبال الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعرض مبيعات التجزئة لضغوط ناجمة عن سحب المستثمرين العالميين لبعض رؤوس أموالهم. ومن ناحية أخرى، أفضت الاحتجاجات والاضطرابات العارمة في ليبيا إلى تفاقم الوضع وتراجع نظرتنا على المدى القريب؛ حيث انخفض مؤشر سوق دبي المالي إلى أدنى مستوياته التي وصل إليها في شهري يوليو وأغسطس 2010، والتي بدت غير مضمونة بسبب التوجهات السائدة وأساسيات السوق على المدى الطويل، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى صرف النظر عن أية رؤية بعيدة المدى. ومنذ نوفمبر 2010، انخفض المؤشر العام لسوق دبي المالي بواقع 17%، بينما ارتفع مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” بنسبة 11%. كما اتسعت الهوة بين الأسواق على نحو غير متكافئ، وشهدت كل من دبي والولايات المتحدة تحسناً ملحوظاً في أدائهما الاقتصادي. وبناءً على ذلك، يمكن القول بأن ارتفاع أسعار النفط سيشكل حافزاً يدعم اقتصاد دبي على نحو يفوق مدى استفادة الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، هبط “مؤشر السوق المالية السعودية” (تداول) بنسبة 6% منذ نوفمبر، حيث هوى إلى ما دون حد الدعم الرئيسي عند 6000 نقطة ليصل إلى 5760 نقطة، مما يعكس وقوع المنطقة بأسرها تحت وطأة الهبوط وعدم الاستقرار.
ولعل السؤال الذي يتبادر للأذهان في هذه المرحلة هو تحديد الخطوات الكفيلة بتهدئة الوضع الاقتصادي المضطرب في الأسواق المحلية. وتكمن الإجابة على هذا التساؤل في حل المشاكل الجيوسياسية بالمنطقة؛ فبالرغم من اندلاع الاضطرابات والفوضى في تونس ومصر، غير أن ذلك قد يساعد على تحقيق بعض الاستقرار في ظل الإصلاح السياسي واستقرار الأنظمة الجديدة الذي من شأنه تعزيز قدرة الأسواق على مواجهة موجات التقلب. وستتكشّف أولى علائم الاستقرار من خلال أسعار النفط؛ ولسوء الحظ، تشير المعطيات الراهنة إلى تزايد احتمالات ارتفاع الأسعار، حيث شهد سعر خام غرب تكساس الوسيط- الذي كان يقف عند عتبة 98 دولار أمريكي للبرميل- صعوداً بنسبة 20% عن مستوياته قبل عام. وبناءً على ذلك، يتعين بذل جهود حثيثة تضمن عودة استقرار سعر البرميل عند عتبة 85 دولار، وذلك بغية تقليص آثار التضخم الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط رغم أن المعطيات الحالية تشير لاحتمال صعود الأسعار في المرحلة المقبلة.
وبالتزامن مع غرق ليبيا بمشاكلها الجيوسياسية التي طال تأثيرها شتى أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ يتزايد قلقنا إلى حد كبير من مسألة ارتفاع أسعار النفط؛ إذ تسهم ليبيا بإنتاج حوالي 1.6 مليون برميل يومياً من أصل إمدادات أوبك البالغة 30 مليون برميل يومياً؛ علماً أن أوبك تمتلك نحو خمسة ملايين برميل يومياً من الطاقة الفائضة منذ بداية 2011. ويتجسد الخوف الأبرز حالياً في احتمال توقف ليبيا أو الجزائر عن عمليات الإنتاج نتيجة المشاكل الجيوسياسية، الأمر الذي سيفضي إلى تقليص الطاقة الفائضة اليومية للمنظمة بنسبة 2.4% من أصل إجمالي الطاقة الإنتاجية، وهي النسبة ذاتها التي أدت مسبقاً إلى ارتفاع الأسعار على نحو كبير. ومن شأن المستويات العالية الحالية لمخزونات النفط أن توفر مظلة حماية من الأسعار المرتفعة على المدى القريب؛ حيث تغطي مخزونات “منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية” الاحتياجات من النفط الخام لمدة 48 يوماً، كما تسد احتياجات المنتجات النفطية لمدة 42 يوماً.
ونوصي المستثمرين بتبني نهج حذر في خضم الظروف الجيوسياسية الحالية المحدقة بالسوق، ونؤكد ضرورة وضع مسألة المحافظة على الثروات على رأس الأولويات في هذه الفترة. كما نحث معظم المستثمرين ممن يتطلعون للحفاظ على رؤوس الأموال على الالتزام بمزيج استثماري من النقد، والسندات، وسلع الذهب، فضلاً عن تأمين انكشاف متواضع على الأسهم.
وفي سياق متصل، ارتفعت عوائد السندات الحكومية في الأسواق المتقدمة نتيجة سعي العديد من المستثمرين إلى البحث عن استثمارات أكثر أماناً، بينما هبطت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات من مستوى 3.65% إلى 3.40% على مدى الأسبوعين الماضيين. كما ارتفع سعر الذهب من 1313 دولار أمريكي للأونصة أواخر يناير إلى أكثر من 1400 دولار خلال التداولات الأخيرة. وواصلت أسواق السندات المحلية صمودها على نحو جيد؛ فعلى مدار الأسبوعين الماضيين، ارتفعت أسعار مقايضة العجز الائتماني الافتراضي لديون إمارة دبي من 400 نقطة أساس إلى 452 نقطة. ولا نزال نبدي تفاؤلاً إزاء الشراء في أسواق السندات المحلية المدعومة بالأمان الذي تشهده أسواق السندات الحكومية الأمريكية.
وسيمثل استقرار الأوضاع الجيوسياسية حافزاً مهماً لتشجيع الإقبال الاستثماري في السوق على المدى القريب. ومن المهم للغاية ترقب التوقعات والبيانات الاقتصادية خلال الأشهر القليلة المقبلة، لاسيما وأننا نعتقد بأن هذه البيانات ستكون مثقلةً بتأثيرات تواصل ارتفاع أسعار النفط. كما نتوقع- عقب سلسلة البيانات القوية للغاية- أن تكشف البيانات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية عن ظهور إشارات ضعف وبعض المؤشرات المبدئية لتباطؤ في الأداء على صعيد مؤشرات الثقة الصناعية وثقة المستهلك. وسيسهم ارتفاع أسعار النفط في تقليل إنفاق الفرد على استهلاك الطاقة بوتيرة متسارعة، وقد يغدو الصناعيون أكثر تردداً إزاء المساهمة في نمو الإنتاج الصناعي بسبب خشيتهم من تزايد تباطؤ الاقتصاد العالمي. ففي الأسبوع المنصرم، فجّر مسح مؤشر الثقة في القطاع الصناعي الصيني مفاجأة في السوق مع تسجيله مستويات متدنية رغم أن طلبات التصدير فاقت التوقعات.