كان عام 2004 عام مميز في اسواق العملة, حيث كانت الفكرة المسيطرة في تلك الأسواق هي ضعف الدولار الأمريكي بعد انخفاضه إلى أدنى مستويات له على الإطلاق أمام اليورو, وإلى أدنى مستويات خلال تسعة أعوام أمام الفرنك السويسري, وأدنى مستويات خلال 12 عام أمام الاسترليني. كما كان عام 2004 بداية لدائرة تقييد السياسة النقدية في العالم, وذلك في ظل اتجاه عدد من البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ تمسكها بمستويات منخفضة لتلك الأسعار. ومن ناحية أخرى, كان تركيز الأسواق على العجز المتزايد في الحساب الجاري الأمريكي, بالإضافة إلى تزايد الضغط على الصين لإعادة تقييم “الرينميبي”. ومن الناحية المستقبلية, نتوقع أن يكون لهذه لأمور صدى في عام 2005, وخاصة في النصف الأول منه. وعلى أي حال, من المتوقع أيضًا أن يكون التركيز الأساسي على النمو الأقتصادي, حيث يترقب العالم قوة التعافي الأقتصادي العالمي.

اليورو/ دولار

الأوضاع الأقتصادية الحالية:
على الرغم من ارتفاع اليورو إلى مستويات قياسية أمام الدولار الأمريكي هذا العام, لم يكن هذا الارتفاع ناتجًا عن البيانات الأقتصادية الأوروبية الإيجابية, بل كان هذا الارتفاع نتيجة الإحساس السائد في السوق تجاه الدولار بالاتجاه الهبوطي. وبالتالي فقد تمتع اليورو بفوائد هائلة من هذه الأوضاع كعملة “مضادة للدولار”؛ وذلك بصفته العملة الخاصة بثاني أكبر أقتصاد في العالم, بالإضافة إلى أسواقه المالية المتقدمة. وفي الأشهر القليلة وبعد إدراك هذه الحقائق, انعكفت البنوك المركزية ومنها البنك الروسي, وعدة بنوك مركزية من الشرق الأوسط على تنويع أصول احتياطها من الدولار إلى اليورو.

ويرجع سبب الابتعاد عن الدولار الأمريكي إلى عاميلن أساسيين: تسارع تدهور العجز في الحساب الجاري الأمريكي, و التوترات الجيوسياسية المستمرة في العراق, والتي تمثل مخاطر سياسية, و تزيد التكاليف الإقتصادية. ونتيجة لذلك, اتجه المستثمرين والمضاربين في الأسواق المالية لاجئين إلى اليورو, الأمر الذي أودى بارتفاعه إلى 1.3400 للمرة الأولى منذ وجوده. وعلى أي حال لا يجب أن نتجاهل بأن الحالة الأقتصادية في منطقة الأوروبية تدعو بالكاد إلى التفاؤل. وبلغة الأرقام لم يتغير معدل البطالة في ألمانيا, والتي تعتبر أكبر أقتصاد في المنطقة, عن نسبة 10.8% -أعلى مستوى منذ 1998- وذلك في الوقت الذي لم تتغير فيه أيضًا نسبة نمو المنتج المحلي الإجمالي عن 0.3% بالمقارنة مع نسبة نمو المنتج المحلي الإجمالي الأمريكي والتي بلغت 3.3%. ونتيجة لارتفاع البطالة, وارتفاع تكاليف الطاقة الحادة, تراجع طلب المستهلك في منطقة اليورو, في الوقت الذي تأذت فيه الصادرات الأوروبية –المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي الأوروبي- نتيجة لارتفاع اليورو الحاد. ومن ناحية اخرى, أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية أداء أقتصادي قوي وثابت عام 2004. وظهر ذلك جليًا من انخفاض معدلات البطالة الأمريكية إلى 5.4%, وارتفاع المعدل المتوسط لتزايد الوظائف إلى 150 ألف خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من العام. وبالإضافة إلى ذلك, تزايد الدخل الشخصي بشكل جيد, حيث بلغت نشبة ارتفاعه 0.6% في الفترة الأخيرة, الامر الذي يشير إلى تناقص الأرباح القياسية التي كانت تسجلها الشركات الامريكية في سبيل زيادة الرواتب للموظفين, ويمكن ترجمة هذا الوضع بشكل إلى إلى المزيد من انفاق المستهلك.

السياسة النقدية:من المتوقع أن تتغير السياسة النقدية الاوروبية والأمريكية بشكل مثير خلال عام 2005. ففي أغلب عام 2004, التزم البنك المركزي الاوروبي بسياسة نقدية ثابتة, وذلك إخلاصًا منه لمبدأ ثبات الأسعار, إلا أن البنك المركزي كان قلقًا من الضغوط التضخمية أكثر من مخاطر الركود الاقتصادي. وبعكس البنك المركزي الأوروبي, استمر البنك الفيدرالي منذ بداية عام 2004 في محاولة تقييد السياسة النقدية, معتزمًا التخلص من آثار الركود الاقتصادي والذي نتج عن الارتفاع الحاد في أسواق الأسهم الأمريكية. وفي منتصف العام, بدا من الواضح أن الولايات المتحدة تعيد بناء قوتها الاقتصادية, حيث سجل النمو الاقتصادي 3% للثلاثة فصول الممتالية, كما لجأ البنك الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة من 1% في يونيو إلى 2.25% في ديسمبر. كما يتوقع أغلب المحللون أن يستمر البنك الفيدرالي في رفع ايعار الفائدة في عام 2005 حتى تصل إلى 3.25% أو 4%, وهو المعدل الذي يعتبره المحللون طبيعيًا, والذي لن يشجع على النمو الاقتصادي أو التضخم. ويعزز من هذه التوقعات تزايد ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين ليصل إلى 5%, وتزايد الفجوة في العجز الجاري الأمريكي لتصل إلى 6% من المنتج المحلي الإجمالي, وهو الأمر الذي لا يجعل للبنك الفيدرالي أي خيار آخر سوى الاستمرار في طريقه برفع أسعار الفائدة للحد من التضخم, والتحكم في العجز في الحساب الجاري الأمريكي.

ومن ناحية أخرى, يواجه البنك المركزي الاولي الكثير من المشاكل المختلفة. فعلى الرغم من أن منطقة اليورو تمتلك فائض في حسابها الجاري, إلى أن النمو الاقتصادي تباطأ ليصل إلى 0% تقريبًا, في الوقت لم يتغير فيه معدل البطالة عن 9.9% طوال عام 2004. وفي الوقت ذاته, تسبب ارتفاع اليورو في كبح التضخم, الامر الذي ساعد على تعويض تأثير ارتفاع النفط. وفي الوقت الذي تسببت فيع العملة بارتفاعها في كبح التضخم في منطقة اليورو إلى حد ما, الا ان التوقعات لا تزال باستمرار التضخم بالقرب من 2% على الرغم من ارتفاع تكاليف الطاقة, الأمر الذي يمنح البنك المركزي بعضًا من المرونة في عام 2005. وفي الوقت الذي تشكك فيه بعض التجار من أن يتدخل البنك المركزي الاوروبي ماديًا إذا وصل اليورو إلى مستوى 1.40, أفاد بعض المحللون بأن قطع البنك المركزي لأسعار الفائدة سيكون أكثر تأثيرًا من التدخل السياسي؛ وذلك لأنه بخفض في العوائد على المدى القصير, لم يتسبب البنك الرمكزي بتخفيض سعر عملته فقط, ولكن من الممكن أن يحفز ذلك تزايد الطلب المحلي –عن طريق انخفاض تكلفة رأس المال- الأمر الذي ربما يكون كفيل بزيادة النمو الاقتصادي الأوروبي بشكل اسرع.

.
تضمانات عام 2005:هل من الممكن ان يحافظ اليورو على ارتفاعه أمام الدولار في عام 2005 على الرغم من ضعف الحالة الاقتصادية؟ سوف تعتمد الاجابة على هذا السؤال إلى حد بعيد على التحليل الأساسي للدولار أكثر من الأداء الاقتصادي الاوروبي, فإذا تمكنت الولايات المتحدة من التخلص من أو التقليل على الأقل من ارتفاع عجوزاتها المتسارعة, سوف يتمكن الدولار من استرداد بعض قوته امام اليورو. وفي ظل تركزي البنك الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة حتى تصل إلى 3.50% في أي وقت من عام 2005, لابد وأن الدولار سوف يتمتع ببعض الجاذبية للتجار أكثر من اليورو, والذي تبلغ عوائده الآن 2% فقط. وعندئذ ومن الممكن أن تتزايد الصادرات الامريكية, وبالتالي يحظى العجز في الحساب الجاري الامريكي بمزيد من الاستقرار, ويبدا في التراجع, في الوقت الذي من الممكن أن يتزايد فيه حساب رأس المال نتيجة لتزايد الفروقات بين أسعار الفائدة, الأمر الذي بإمكانه تهيئة بيئة اقتصادية ملائمة لارتفاع الدولار الأمريكي.

وعلى اي حال, إذا بدأ النمو الاقتصادي الأمريكي في التباطؤ, سيضطر البنك الفيدرالي إلى تعطيل برنامج رفع أسعار الفائدة لبعض الوقت, وحينئذٍ من المتوقع استمرار انخفاض الدولار. ومن ناحية البيانات الأقتصادية, كانت أغلب البيانات مصدر قلق للمضاربين على ارتفاع الدولار. وظهر ذلك من ارتفاع آخر تقرير للتوظيف الامريكي في عام 2004 بمقدار 112 ألف فقط من الرقم المتوقع عند 200 ألف, بينما جاء تقرير “تشالنسر” مسجلاً قطع في الوظائف بمقدار 104.530 في الشركات الأمريكية في نوفمبر, مرتفعًا بذلك بنسبة 2.6% عن الشهر الماضي, كما أن هذا الشهر يعتبر الشهر الثالث الذي يرتفع فيه عدد الوظائف المفقودة عن المائة وظيفة. كما جاءت بيانات مبيعات التجزئة محبطة للآمال, حيث سجل مؤشر “وول مارت”ارتفاع بنسبة 0.7% y/y فقط, بينما سجل مؤشر المبيعات في “ريد بوك” انخفاضًا للأسبوع الثالث على التوالي. وبشكل موجز, إن لم تتمكن الولايات المتحدة من الخروج من مشاكلها الاقتصادية في عام 2005, من المتوقع حينها استأناف الدولار الأمريكي لاتجاهه التنازلي, بغض النظر عن التحليلات الأساسية الخاصة بمنطقة اليورو, حيث سيستمر حينها المستثمرون والمضاربون في التخلص من الدولار.

التحليل الفني: سجل اليورو عام 2004 أعلى مستويات له طوال الوقت وذلك بشكلل متكرر. وعلى الرغم من هذا الارتفاع توقف مؤخرًا, إلا أن الاتجاه واضح جدًا بشكل عام. كما تسمح حركة السعر لهذا الزوج له بالاستقلال عن الازواج الأخرى؛, وذلك يرجع إلى أن اليورو قد قام بالاختراق الكلي له في أكتوبر, أي بعد الين بما يقارب الشهرين, وبعد الدولار الكندي بأربعة أشهر تقريبًا. كما أن ابتعاد اليورو عن القمة التي تقع عند قيمة المتوسط المتحرك لمئة ومائتين يوم, سوف يجعله بعيدًا بذلك عن السعر الحالي بحوالي 800 نقطة, وبالتالي تتكون أكبر فجوة في الأزواج كلها. ومن ناحية أخرى, أنخفضت مؤشرات “الاسكيلاتور” لتتناسب مع الحركة الاخيرة, بينما لا يزال الميزان الأسبوعي في منطقة الشراء المكثف. وبالإضافة إلى ذلك, يؤدي بنا هذا ارتفاع اليورو الحاد هذا إلى الميل لسيناريو التصحيح.

المستويات الأساسية: يقع مستوى الدعم الأساسي عند 1.2935- 1.3000, وبعد هذا المستوى يوجد العديد من مناطق الدعم المتناثرة والتي من المتوقع ان تحصر من حركة السعر. ومن الناحية العليا, من المتوقع ان تكون مستويات المقاومة الأساسية عند 1.3500, والذي سيفتح اختراقه مجالاً لمستوى 1.3710- 1.3750.
الصور المرفقة