نهاية العزلة الجغرافية والسياسية
موضوع الخلافات الحدودية بين دول مجلس التعاون الخليجي
قديمة بقدم الدول ذاتها،فقد برزت في لحظة نشأة الدول، . وبالرغم من محاولات التسوية التي قامت بها عدة أطراف خليجية ودولية لحسمموضوع الخلافات وترسيم الحدود بصورة نهائية الا أن المحاولات تنتهي غالباً الىالفشل وأحياناً التفجر كما حصل بين قطر والبحرين والسعودية وقطر والسعوديةوالامارات.
وقد ظلّت الخلافات الحدودية تشهد توترات متفاوتة الحجم، فتارة تقتصر على القنواتالسرية مع توافق ضمني على إبقاء الخلاف في حدود تلك القنوات، وتارة أخرى يتسرب الىالاروقة السياسية مع قدر قليل من العلنية وتارة ثالثة يتفجّر بصورة مباغته مطلقاًالعنان لطرفي النزاع في البوح بمواقف متشددة، وتارة رابعة يترجم الخلاف الى مواجهاتعسكرية.
وفيما يبدو فأن ثمة إرادة جماعية بين قادة دول مجلس التعاون على إبقاء الخلافالحدودي حاضراً كجزء من التجاذبات التي تصبح مطلوبة أحياناً للمساومات السياسيةوالاقتصادية، نلحظ ذلك من تجميد قضية الحدود بين دولتين خليجيتين لجهة تمرير قضيةأخرى تكون فيها القضية الحدودية عنصراً تفاوضياً فاعلاً، وقد تصبح مادة للابتزازالسياسي أحياناً.
وشأن خلافات حدودية أخرى على الضفة الغربية من الخليج، فإن الخلاف بين دولةالامارات العربية المتحدة والسعودية على الحدود بينهما يتجاوز حد البعد الجغرافيوينسحب على ابعاد إقتصادية واستراتيجية. ومع التذكير بقدم الخلاف الحدودي بينالسعودية والامارات على واحة البريمي المشهورة، فإن ثمة مكوّنات جديدة للخلاف تفرضنفسها أحياناً على الطرفين بما يجعل طرحها متجاوزاً للطبيعة الجوهرية للخلاف. إناكتشاف النفط في المناطق المتنازع عليها تضيف، بطبيعة الحال، بعداً جديداً للخلافالحدودي، ويجعل من العسير التوصل الى اتفاقيات مرضية، ما لم يحصل الطرفانالمتنازعان على حصص متكافئة في الثروة.
الخلاف الحدودي بين الامارات والسعودية يعود ابتداءً الى الثلاثينيات من القرنالماضي حيث جرت مفاوضات غير جادة قطعها اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم تماستئناف المفاوضات بين السعودية وامارة إبوظبي وهكذا عمان وقطر، ولكنها لم يتوصل أيمن الاطراف الى نتيجة حاسمة، فجرى تجميدها. وفي 21 أغسطس 1974 تم توقيع إتفاقيةحدودية بين الامارات والسعودية وكانت الاتفاقية ثمناً لاعتراف سعودي بدولة الاماراتالناشئة آنذاك، وهو ما جعل الطرف الاماراتي يشعر بالغبن. الخلاف الحدودي بينالبلدين بدأ يخرج للسطح مجدداً في أواخر شهر فبراير الماضي، حيث تحدث مسؤولونخليجيون عن توتر في العلاقات بين البلدين على قاعدة الخلاف الحدودي، وأرجعتالخلافات حينذاك الى تولي حاكم أبو ظبي السابق الشيخ خليفة بن زايد السلطة خلفاًلوالده الشيخ زايد، حيث بدأ الشيخ خليفة بفتح الملف الحدودي مع السعودية. مصادرسعودية فوجئت بفتح الملف مجدداً كون الخلاف الحدودي قد جرت تسويته بموجب اتفاقيةوقعت بين البلدين في بداية السبعينيات. وكان الحاكم الجديد في الامارات قد أثار فورتوليه السلطة موضوع الحدود مع المسؤولين السعوديين في ديسمبر من العام الماضي، ولكنالجانب السعودي رفض التفاوض في هذا الشأن، وتمسّك بالاتفاقية الحدودية المبرمة فيجدة في أغسطس سنة 1974 والتي بموجبها حصلت الرياض على خور العيديد الذي يشمل منطقةساحلية بطول 25 كم تقريباً، وهي المنطقة التي فصلت أراضي أبو ظبي وقطر، كما حصلتعلى جزء من سبخة مطي وقرابة 80 بالمئة من آبار الشيبة النفطية، والتي تضم حوالي نحو 20 مليار برميل من النفط، الى جانب 650 مليون متر مكعب من الغاز. لقد كان واضحاً مننصوص الاتفاقية أن السعودية قطفت ثمار اعترافها بطريقة مجحفة، فقد نص الاتفاق بشأناستغلال موارد آبار الشيبة على أنه (في حالة اكتشاف النفط على الحدود المشتركة سواءاكتشف قبل الاتفاق أو بعده تؤول ملكية حقل النفط برمته الى الدولة التي يقع فيهاالجزء الكبر من هذا الحقل) فأصبحت ملكية الحقل وموارده تعود للسعودية، حيث تقع آبارالشيبة في المنطقة التي حصلت عليها السعودية بموجب إتفاقية جدة. وقد بدأت شركةأرامكو منذ عام 1998 بالعمل في حقل الشيبة حيث ينتج 600 ألف برميل يومياً من النفطالخام.
لم يكن الجانب الاماراتي سخياً بسذاجة الى حد التفريط في ثروته النفطية لولاوقوعه تحت تأثير ضغط الاعتراف السعودي المشروط، وهو ما جعله يضمر الرفض لتلكالاتفاقية كونها منتقصة الشروط، وأهمها تحرر الاطراف من أية ضغوط تحول دون القبولبشروط المتفق عليه.
ومع إحتفاظ أبو ظبي بقرى منطقة البريمي الست التي كانت أصلاً في حيازتها بمافيها العين قاعدة واحة البريمي وهكذا أغلب صحراء الظفرة، الا أن الامارات إعتبرتإتفاقية جدة الحدودية مجحفة للغاية لها، وأن السعودية إستغلت ظروف نشأة الاتحادالاماراتي وحاجة الاخير للحصول على إعتراف دول الجوار، الامر الذي منحها فرصة نادرةلاملاء إتفاقية غير متوازنة. ومما يجدر الاشارة اليه، أن السعودية رفضت الاعترافبدولة الامارات العربية لسنوات طويلة مشترطة تسوية الخلاف الحدودي مع أبو ظبيأولاً، وقد شكّل ذلك ضغطاً كبيراً على الاتحاد الاماراتي بمكوناته السبعة.
وقد حاول مسؤولون من البلدين إحتواء الأزمة الكامنة والمرشّحة للتفجر في أي وقت،وإعتماد القنوات الدبلوماسية والودية في تسوية الخلاف، وقد قام وزير الدفاع الاميرسلطان بزيارة في منتصف يناير الماضي الى إمارة أبوظبي في مسعى لتهدئة الاجواءوامتصاص التوتر السياسي بين البلدين، سيما وأن ثمة معلومات تسرّبت الى الرياض عنمشروع إقامة جسر يربط بين الامارات وقطر وهو مازاد في تأجيج الخلاف الحدودي معالسعودية. فالاخيرة تشعر بأن قطر لعبت دوراً كبيراً وبراغماتياً في الافادة منالخلاف الاماراتي السعودي، والذي كان له وقع خطير على الرياض، وكأن زنابير الخليةانطلقت دفعة واحدة في وجه العائلة المالكة في السعودية على أمل الخروج النهائيوالكامل من ربقة الشقيقة الكبرى وهميمنتها. مصادر خليجية ذكرت بأن السعودية تبيّتنية توجيه ضربة قاصمة للحكومة القطرية من أجل وقف مخططاتها السرية لتخريب علاقاتالسعودية على المستوى الخليجي.
في حقيقة الأمر، أن الدول الخليجية الثلاث: الامارات وقطر والبحرين تواجه مشكلةجيواستراتيجية مع السعودية التي ربطت مصير هذه الدول بإتفاقيات حدودية تتسم بالغبنوالاستغلال، فهذه الدول ترتبط بحدود مباشرة مع السعودية فيما لا رابط بري بين أيمنها ببعض، وهو ما دفع بقطر للتفكير في مشروع جسر يربطها مع الامارات وجسر آخر معالبحرين، على غرار الجسر الذي يربط بين السعودية والبحرين. ومن الطبيعي أن يثير مثلهذا المشروع إستياءً شديداً لدى العائلة المالكة، كون مثل هذه الجسور تفضي فيما لوتمت الىى إحباط مفعول الورقة السعودية، إذ ستكون بداية لفك العزلة الجغرافية التيفرضتها تلك الاتفاقيات الحدودية، وستشكّل أساساً متيناً وواعداً لعلاقات تجاريةوسياسية وإجتماعية بين قطر والامارات والى حد ما البحرين.
لاشك أن النمو الاقتصادي المتسارع في الامارات يثير قلقاً وحسداً لدى العائلةالمالكة، سيما مع استقطاب دبي لجزء كبير من الاموال السعودية التي دخلت في الدورةالاقتصادية الاماراتية وأصبحت جزءا من المال المستثمر في هذا البلد، ولاشك أنالتسهيلات القانونية جذبت كثيراً من رجال الاعمال لتأسيس شركات ومشاريع اقتصاديةمربحة، وقد يضاف الى ذلك الاقبال الملحوظ لعدد كبير من الاعلاميين والكتابالسعوديين على فرص التعبير والعمل في الفضاء الاماراتي الأكثر إنفتاحاً وإغراءً منالسعودية. قد يكون هذا الأمر مكبوتاً في نفوس الأمراء، ولكنه يشكّل بالقطع عنصراًضاغطاً بخاصة حين يدرج في سياق تحوّلات أخرى. فبعد الخلاف الحاد الذي نشب بينالرياض والمنامة على خلفية التوقيع على إتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة،والتي أوقفت الرياض على إثرها معوناتها السنوية الى الحكومة البحرينية وفرضت تدابيرصارمة على عمليات التبادل التجاري مع الدولة الخليجية الفقيرة، إضافة الى تخفيض حادفي كمية النفط المخصصة للبحرين من بئر أبو سعفة النفطي، فإن نقطة خلاف أخرى برزت فيسياق الخلاف الاماراتي السعودي، حيث بدأت الامارات مفاوضات منذ مارس الماضي معالولايات المتحدة لجهة التوقيع على إتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة. وبالرغممن الجدل الواسع الذي أثارته السعودية في قمة مجلس التعاون الخليجي حول إتفاقياتالتجارة الحرة المزمع توقيعها من قبل عدد من الدول الخليجية مع الولايات المتحدة،فإن الامارات ومن ثم عمان يبدو أنها حسمت خياراتها في المضي نحو الاتفاقيات تلك. السعودية التي تعتبر من أكبر المتضررين من هذه الاتفاقيات أعطت توصيفاً رومانسياًكانت فيما مضى ترفضه عملياً وهو الاندماج الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجيالذي لم يكتب لأغلب مشاريعه النجاح حتى في حدود توحيد التعرفة الجمركية وتسهيلانتقال البضائع، بل كانت دول الخليج الاخرى أسرع في تشريع تسهيلات تجارية وقانونيةفي هذا الصدد. في حقيقة الأمر، إن إدراج اتفاقيات التجارة الحرة بين دول الخليجوالولايات المتحدة في سياق تهديد مشاريع الاندماج الاقتصادي بين دول المجلس ليسأكثر من مرواغة سياسية تخفي الانعكاسات الخطيرة لهذه الاتفاقيات على الاقتصادالسعودي، فضلاً عن كونها قد تفضي الى استدراج السعودية الى الشروط الاميركيةوالاوروبية للانضمام الى منظمة التجارة العالمية. نلفت هنا الى أن السعودية من بيندول مجلس التعاون الخليجي التي لم تحصل على عضوية المنظمة حتى الآن.
ما يجدر قوله أن مشروع الجسر بين قطر والامارات فرض معادلة جديدة ومنطقاًمختلفاً في التعامل مع استحقاقات هذه الدول، فما تقوم به هذه الدول من إجراءات منهذا القبيل تأتي لفك الطوق المفروض عليها وكسر إرادة القيادة السعودية التي كانتتعتمد مبدأ الاملاءات القائمة على ضغوط.
فبعد فشل زيارة الامير سلطان الى إمارة أبو ظبي في احتواء الازمة بين البلدين،قام وزير الداخلية الامير نايف بزيارة اخرى في منتصف يونيو الماضي في محاولة أخرىلتسوية الأزمة وبدء محادثات رسمية حول ترسيم الحدود وآبار النفط. وقد تركّزتالمحادثات حول النقطة الجوهرية في الخلاف الحدودي الاماراتي وحول حقل الشيبةالحدودي بوجه خاص. فالسعودية تراهن من خلال تقديم عرض سخي للاماراتيين في حقلالشيبة على تعطيل قرار الامارات في المضي في مشروع الجسر مع قطر، ولكن الاماراتيينرفضوا هذا العرض وتمسكوا بمشروع الجسر.
الاجتماع الذي ضم الامير نايف ورئيس دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد كانمغلقاً ويتضمن رسالة شفهية من القيادة السعودية ودعوة للشيخ خليفة بزيارة الرياضلاستكمال المفاوضات وهي دعوة رفضتها القيادة الاماراتية لاحقاً. وقد قيل عن الرسالةبأنها تنطوي على تحذيرات من مغبة الدخول في مشاريع تنوي قطر استعمالها في الخلاف معالسعودية، فيما أبدت الاخيرة إستعداداً مفتوحاً للتعاون بين البلدين وتوفير تسهيلاتتجارية للامارات اضافة الى تقاسم حقل الشيبة النفطي وحقول نفطية أخرى على الحدودالمشتركة. بالنسبة للقيادة الاماراتية الجديدة فإنها تطالب بتعديلات جوهرية علىإتفاقية جدة عام 1974 كونها غير قابلة للتطبيق. إن الظروف التي خضعت لها الاماراتحين أقدمت على التوقيع على إتفاقية جدة تماثل الظروف التي يخضع لها الجانب السعوديلتبديل أسس الاتفاق بل ونصوصه أيضاً، في محاولة لاعطاب سير المشروع القطريالاماراتي والذي بالتأكيد ستكون له تغييرات جوهرية على المستوى الخليجي بصورة عامة. تستغل السعودية عنصراً في الملف الحدودي وهو الحدود المائية الذي لم تتطرق اليهاإتفاقية جدة، وقد تشكل ورقة تفاوضية لصالح السعودية التي ستحاول أن تتشدد فياستعمالها في مقابل التساهل في جوانب أخرى لنفس الاهداف. فالجسر المزمع اقامته بينقطر والامارات يمرّ حسب الدعوى السعودية داخل المياه الاقليمية لخور العيديدالخاضعة للسيادة السعودية، بينما تؤكد الامارات عكس ذلك، على أساس أن اتفاقية 1974أصبحت غير قابلة للتنفيذ.
ما يثير الانتباه تقليل الجانب السعودي أهمية مشروع الجسر القطري الاماراتي الذيطرح منذ عدة سنوات وأعيد طرحه بشكل لافت منذ عدة شهور، وفي مثل هذه الحالة فإنإفتعال عدم الاكتراث يضمر قدراً كبيراً من القلق والاستياء. لم يكن رد وزيرالخارجية السعودي الامير سعود الفيصل على سؤال حول الجسر بين قطر والبحرين وخطالغاز بين قطر والكويت رداً مقنعاً ولا مريحاً، خصوصاً مع وجود معطيات سابقة لهذهالموضوعات تفيد بأنها كانت مطروحة داخل مجلس التعاون الخليجي.
وعلى أية حال، فإن ما يظهر من الخلاف الاماراتي السعودي هو مؤشراً قوياً لخلافاتخليجية أخرى قادمة مع انفضاض عقد التعاون الخليجي الذي فقد مبررات وجوده، وأنالسعودية التي أفادت في ضبط سيطرتها على دول الخليج الصغيرة من خلال هذا المجلس لمتعد في مأمن من تمردات صغيرة وكبيرة

المصدر : جريدة الحجاز

9 thoughts on “جسر قطر ـ الامارات يفجّر الخلاف الحدودي مع الرياض

  1. مثل سوت فيهم بريطانيا واستغلت حاجة السعوديه للاعتراف بقيام المملكه وشرطت عليهم شرووط مذله

    عملوا هالشي ويا الاامارات للاسف

    هالشي من زمان الحين المفروض يتغير كل شي بعد مانتهت فترة الحروب والنزاعات الحدوديه ويحاولون عمل كيان اقليمي قوي بدال المشاكل اليوميه على الحدود

    اوروبا وصلت وين رغم اختلافهم في كل شي

    ونحن مانقول غير الله كريم


  2. الخلاف الحدودي بين
    البلدين بدأ يخرج للسطح مجدداً في أواخر شهر فبراير الماضي، حيث تحدث مسؤولون خليجيون عن توتر في العلاقات بين البلدين على قاعدة الخلاف الحدودي، وأرجعت الخلافات حينذاك الى تولي حاكم أبو ظبي السابق الشيخ خليفة بن زايد السلطة خلفاً لوالده الشيخ زايد، حيث بدأ الشيخ خليفة بفتح الملف الحدودي مع السعودية. مصادر سعودية فوجئت بفتح الملف مجدداً كون الخلاف الحدودي قد جرت تسويته بموجب اتفاقية وقعت بين البلدين في بداية السبعينيات. وكان الحاكم الجديد في الامارات قد أثار فور توليه السلطة موضوع الحدود مع المسؤولين السعوديين في ديسمبر من العام الماضي،

    لا أملك إلا أنا أرفع لك القبعه إحتراما لك و فرحا تأييدا لما فعلته يا سيدي و ولي أمري.

    الإتفاقات القائمة على الغبن لا تدوم أبدا.

  3. اف اف اف 600 الف برميل يطلعوا من المنطقه ومخزون استراتيجي من الغاز

    مقااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااطعه لا عملة ولا شيء

Comments are closed.