لا شك بأن حديث الساحة حاليا في أمريكا وأوروبا هو موضوع جهاز المسح الضوئي للجسم الذي تم وضعه تدريجيا منذ مطلع العام الجاري في بعض مطارات أوروبا وأمريكا للقيام بفحص المسافرين قبل ركوب الطائرة. قلق المسافرين وتذمرهم ليس بسبب ما يقوم به الجهاز من تعرية الجسم بالكامل ليقوم موظف أمن المطار بمشاهدة كافة تفاصيل الجسد بما فيها المناطق الحساسة فحسب, بل بالمخاطر الصحية التي قد تترتب جراء الوقوف أمام أجهزة المسح الضوئي والاشعاعات المنبعثة منها.
اللجنة المشتركة بين الوكالات على السلامة الاشعاعية والتي مقرها في فرنسا والتي تتألف منها المفوضية الأوروبية, وكالة الطاقة الذرية الدولية, منظمة الصحة العالمية, لجنة الأمم المتحدة المتعلقة باضرار الاشعاع الذري وغيرها من المنظمات, شددت في تقريرها بأنه يتوجب على الحكومات, التي ستقوم بتركيب الأجهزة, توعية مواطنيها بخطورة ما قد يتعرض له المسافرين من جراء تعرضهم لاشعاعات قد تسبب أمراض السرطان لمن يقف تحتها. للاسف الحكومات الغربية وخلال تدشين الأجهزة توهم الناس بأن كل شي على ما يرام وليست هناك مخاوف والحقيقة تثبت عكس ذلك.
التقرير شدد كذلك بأن يتم استثناء النساء الحوامل والأطفال من الوقوف تحت هذه الأجهزة على الرغم من أن كمية الاشعة المسلطة ليست بالكبيرة, لكون هاتين الفئتين معرضتين أكثر من غيرهما لأمراض قد تسبب السرطان في المستقبل. التقرير ذاته حث الحكومات, التي تنوي تركيب جهاز المسح الضوئي, دراسة طرق بديلة لفحص الركاب بدلا من هذه الطريقة التي يتم فيها تعريض الركاب الى اشعاعات غير ضرورية وقد تسبب أمراض مستقبلية.
الدكتور البريطاني تشارلز تانوك, عضو البرلمان الأوربي ودكتور سابق في الهيئة الصحية الوطنية في بريطانيا, وفي رسالة مقتضبة موجهة الى البرلمان الأوروبي قال ” المسح الضوئي الاجباري للمسافرين الذي تم الاعلان عنه مؤخرا فعل فاضخ ومشين. لأول مرة في تاريخ البشرية يتم اجبار ناس أصحاء, بما فيهم الحوامل والأطفال, للتعرض الى اشعاعات دون أسباب صحية. بصفتي دكتور وشخص كثير السفر, أنا أعتبر هذا الاجراء وحشي واجرامي لضرره الكبير على صحة الناس ناهيك عن انتهاك خصوصيات الناس وهي أعز ما يملكون”. وعلق ساخرا ” ليس من الضروري أن تكون حاصل على جائزة نوبل لتعرف مدى خطورة تعريض شعب كامل للاشعاع”.
اختصاصية الأشعة البريطانية المعروفة سارا بورنيت, وفي لقاء معها في صحيفة الديلي ميل البريطانية الشهيرة, أكدت بأن الاشعة الصادرة من جهاز المسح الضوئي قد لا تكون منابسة لفئة من الناس وخاصة النساء الحوامل والأطفال. كما صرحت بلغة يعتريها الغضب ” تعريض الناس لأي قدر من الاشعاع هو خرق صريح للقانون ما لم يكن هناك مبرر صحي للقيام بذلك “, وقالت باستهزاء ” كيف يحق للحكومة بعد ذلك تعريضنا للأشعة سواء قبلنا أم لم نقبل ذلك ” !!!!
الخبر ذاته ذكر بأن اتحاد عمال المواصلات في بريطانيا فتح تحقيقا رسميا بسبب تعرض خمس من موظفات الأمن في المطار لحالات اجهاض بسبب تعرضهن المستمر للاشعاعات بحكم وظيفتهن على أجهزة المسح التي تصدر اشعاعات بشكل مستمر.
الموقع الرسمي لمطار هيثرو يقر الآتي ” المسح الضوئي آمن وموثوق به. هناك تكنولوجيا مختلفة لأجهزة المسح الضوئي التي تم تقييمها من قبل الحكومة والجهات الصحية. نتائج الاختبارات أكدت بأن جرعة الاشعاعات التي تصدرها أجهزة المسح الضوئي أقل من الحد الأدنى في بريطانيا ولا يسبب أي مخاطر غير مقبولة على صحة الانسان”. هذا تلاعب واضح بالألفاظ لمطار هيثرو فهو يقر بأن هناك مخاطر “مقبولة “ !! ما هي مخاطر اشعاعات أجهزة المسح التي يعتبرها المطار مقبولة ؟؟؟ هذا تهرب واضح من المطار من أي أضرار صحية قد تلحق بالمسافر والهروب من أي مساءلة قانونية واقرار بشكل رسمي بأنه توجد مخاطر “مقبولة” على حد قولها.
وفي الاطار ذاته يقول الدكتور عدنان الكرمي استاذ الفيزياء الطبية في جامعة الملك فهد ” الأشعة الضوئية منها ما هو نتاج استخدام الاشعة السينية وآخر عبر موجات الراديو, وتقوم هذه الاشعة بالكشف عن الجسم باظهار أعضائه والمعادن المحيطة به”. وأضاف ” بالحديث عن الاشعة السينية يمكن ان يؤدي الى تغييرات بيولوجية تنتج عن اختراق الأشعة للمادة الوراثية للخلايا محدثا خللا جينيا”. مشيرا الى أن خطورة الأشعة تكمن في الأساس على عشوائية تأثيرها, فقد تكون جرعة روتينية او بسيطة من الأشعة للاصابة بالسرطان نتيجة اصابة الأشعة للمادة الوراثية ( ال دي ان ايه). بشكل مبسط, الشخص الذي يتعرض للاشعاع سوف يكون بالطبع أكثر عرضة للاصابة بالسرطان من الشخص الذي لا يتعرض للاشعاع.
ويلفت الكرمي الى أن الآثار الضارة لا تظهر خلال مدة قصيرة ” بل يمكن أن تظهر بعد عامين على الأقل وقد تصل الى خمسين عاما من التعرض لها, لأن عملية تكون السرطانات تستغرق فترة طويلة حتى تبدا الأعراض بالظهور”. ولا يجد الدكتور الكرمي وسيلة اخرى للتقليل من من مخاطر الأشعة سوى تجنبها والطلب من سلطات المطار التفتيش اليدوي على الجسم, وهو ما يرفضه مطار هيثرو في موقعه الرسمي ويؤكد المطار بأن أي شخص يرفض المررور تحت الجهازسوف يمنع من السفر.
جدير بالذكر أن أمريكا, فرنسا, هولندا, بريطانيا, وايطاليا قد بدأت تدريجيا تطبيق هذا النظام. الأجهزة لا تغطي كافة البوابات في الوقت الحالي نظرا لقلة العدد المتوفر وفي انتظار وصول دفعات جديدة في الأيام القليلة القادمة.
للرفع للرفع
لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم