جورج سوروس لـ”إيــلاف”: الأسواق العالمية تسعى إلى تشويه الحقيقة
طلال سلامة من روما: يعرض جورج سوروس، أمير وول ستريت، أثناء مقابلة هاتفية أجراها معه وصفة بسيطة للخروج من الأزمة المالية العالمية تعتمد على الطاقة البديلة. فالاقتصاد العالمي يحتاج الآن لمحرك جديد ويؤمن سوروس بأن مكافحة الاحتباس الحراري وضرورة الوصول الى استقلالية طاقوية قاعدتين ستعرضان فرصة عظيمة لإنعاش الاقتصاد المستقبلي. ولد جورج سوروس في بودابست، في 12 أغسطس(آب) من العام 1930، وبرغم أن عمره بلغ 78 عاماً إلا أنه ما يزال الدماغ الأكثر تألقاً في بورصة وول ستريت عدا عن كونه ساحر المضاربات العالمية. يدير سوروس شخصياً، منذ أن شعر في السنة الماضية بخطورة الوضع في قطاع القروض العقارية، شركته وهي صندوق الاستثمار (Quantum Fund).
في عام 2007 وحده، جنى هذا الساحر العبقري ما مجموعه 2.9 بليون دولار من الأرباح مما يرفع القيمة الكلية لثروته الشخصية الى 9 بليون دولار. اقتحم جورج سوروس الواجهة الإعلامية العالمية عندما ربح، في يوم واحد!، بليون دولار عن طريق خوضه مضاربات تتعلق بالجنيه الإسترليني، مما جعل البنك المركزي البريطاني يسارع لتفادي الانهيار. كما أنه أسس صندوق التحويط “هيدج فاند” الأكثر ربحاً في العالم ويعتبر الخبير العالمي الأبرز في قطاع المضاربات، في السنوات الثلاثين الأخيرة. ويشرح سوروس الى “ايلاف” أسباب الأزمة المالية التي هزت جميع البورصات.
كيف سيكون مستقبل أميركا الاقتصادي؟
أن أعتقد أنه على باراك أوباما وإدارته الجديدة بذل جهود تشابه ما فعله روسفلت، في الماضي، بهدف التوصل الى كيان اقتصادي جديد. ينبغي الوصول الى قلب المشكلة. فالمستهلكين الأميركيين لن يستطيعوا، بعد اليوم، لعب دور محركات الاقتصاد العالمي. فمنذ عشرات السنين، يستهلك الأميركيون أكثر مما يستطيعون إنتاجه. هكذا وصل العجز عندنا الى 7 في المئة. ما نحتاجه اليوم هو إنجاز استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة البديلة والتكنولوجيا القادرة على إزالة الكربون من المحروقات الأحفورية. هكذا، تتراجع البطالة، من جهة، وتزيد الاستثمارات الرامية الى إنعاش الاقتصاد العالمي، من جهة أخرى.
كيف ولدت هذه الأزمة المالية؟
لا يعود السبب الى عوامل خارجية إنما عمليات داخلية في النظام الأميركي. وهذا يتناقض مع المفهوم التقليدي لعالم المال أين من المفترض أن تتجه الأسواق الى نقطة توازن. أنا أعتقد أن هذا المفهوم “مريض” لأن الأسواق العالمية تسعى الى تشويه الحقيقة، بشكل أم بآخر، دوماً. لا أحد قادر على التنبؤ اليوم بما يحصل في هذه الأسواق. فهناك تشابك بين أحوال سلبية وأخرى إيجابية قادرة على قلب قواعد الأسواق المالية والأسعار رأساً على عقب، بين لحظة وأخرى.
العديد من الخبراء يتهمون ألان غريسبان، الذي أدار البنك الاحتياطي المركزي طوال 19 عاماً، بضلوعه في تسبيب هذه الأزمة المالية العاتية. ما هو تعليقكم؟
طالما دعم غريسبان على نحو أعمى نظريات خاطئة هيمنت، منذ زمن سحيق، على عالم المال. نتيجة أحلامه غير الواقعية، رفض غريسبان تنظيم الأسواق المالية وتقويض كل ما ينتج عنها من “إفراط” أثناء مرحلة تطورها. والمثال الأبرز هنا هو سوق القروض العقارية. إذ وافق غريبان على أن ترتفع أسعار المنازل من دون توقف. علاوة على ذلك، فانه لم يتدخل في العمليات الإبداعية التي أنتجت أدوات مالية جديدة هي أساس الأزمة المالية الراهنة! وترك غريسبان نسب الفوائد متدنية جداً لفترة طويلة. هكذا، أعتبر غريسبان مهندس الطفرة المالية.. الكارثية.
هل تعتبرون عدم إنقاذ مصرف “ليمان” خطأ فادحاً؟
بالطبع! لقد قضى هذا الخطأ على النظام المالي الأميركي برمته. تخوف الجميع من انهيار مصرف “ليمان” وهذا ما حصل بالفعل. فالسوق المالية انهارت عقب إفلاس هذا المصرف. أما قطاع الائتمان التجاري فدخل مرحلة من الشلل. في النهاية، تفشى الهلع في قاعات البورصات وهذا كان الحلقة الأخيرة من سلسلة شهدت، في البداية، انهيار السوق الائتمانية ثم سوق الأسهم. لقد تعلمنا من أحداث عام 1929، سنة الكساد الاقتصادي الخانق، على أن النظام المالي والاقتصادي يجب عليه أن يواصل عمله بأفضل الطرق ومهما كانت الظروف.
ماذا يحصل اليوم؟
لم تنه الأزمة المالية بعد. فالنظام المالي العالمي قد انهار. اليوم تشهد الأسعار إعادة هيكلة، في قلب هذا النظام، بيد أن المشاكل التي تحيطه ما تزال خطيرة. أنا أذكر مثلاً الوضع الراهن لأيسلندا وهنغاريا والعديد من الدول حول العالم. صحيح أن الإيداعات المصرفية مضمونة بأوروبا وأميركا، مما يعني أن حكومة واشنطن والحكومات الأوروبية ستدعم المصارف والمؤسسات المالية الواقعة في مشاكل ولن تخوض أي تجربة مماثلة لمصرف “ليمان” بعد اليوم، إنما لا نجد آثاراً لهذه الضمانات في مناطق العالم الأخرى.
ما علينا أن نفعل للخروج من هذه الأزمة؟
ثمة خمسة أشياء يجب تنفيذها بسرعة، هي تدخل الحكومات لاعادة رسملة المصارف، وإنعاش حركة القروض والثقة بين المؤسسات المالية، واصلاح نظام القروض العقارية الأميركية عبر إعادة رسم الفوائد، وضرورة لجوء أوروبا الى تأسيس شبكة أمنية مصرفية وضرورة تحرك صندوق النقد الدولي لتقديم ضمانات الى الدول التي تعيش في ضواحي العالم المالي والاقتصادي، أي تلك الواقعة خارج أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ماذا سيحصل للاقتصاد الحقيقي؟
يشمل الاقتصاد الحقيقي السلع الإنتاجية (البضائع) في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية ويدور أساساً حول إشباع الحاجات الإنسانية من خلال وظائف، مثل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، ولهذا الاقتصاد أصول ملموسة علينا معاينتها عن كثب. لكن الهزة العالمية قصفت قواعده بصورة ثقيلة جداً. الآن، يتجه الاقتصاد الأميركي الى شفير الهاوية في حين يتعرض الاقتصاد الأوروبي لضغوط لا تطاق. ان المستهلكين والمستثمرين خائفين كما بدأ عالم الأعمال يتقلص. نحن أمام ولادة كساد عالمي لا مثيل له.
كيف ينبغي تنظيم الاقتصاد “الوهمي” الخاص بالبورصات؟
تحتاج أسواق الأسهم الى قواعد جديدة ومتينة. فهذه الأسواق تميل أوتوماتيكياً الى اختلاق ما نعرفه باسم “الطفرة”. لذلك، ينبغي على السلطات التنظيمية مراقبة هذه الطفرات كي لا يتعدى قطرها حاجزاً معيناً. نحن لا نستطيع القضاء على هذه الطفرات كونها تتشابك بصورة معقدة جداً مع النظام المالي العالمي. مع ذلك، ينبغي الحد من نموها بصورة مفرطة. في سياق متصل، أنا أعتقد أنه على السلطات التنظيمية استعمال أدوات مالية أكثر فعالية، متعلقة مثلاً بضمان الإيداعات المصرفية، لم يتم استخدامها في الماضي إنما آن الأوان للاعتماد عليها.
ما ينبغي على أوباما خوضه للتخلص من هذه الأزمة؟
على أوباما رسم استراتيجية قابلة للتبني على الصعيد الدولي. فالأزمة لا تتعلق بالولايات المتحدة وحدها. كما أن أميركا فقدت موقعها المهيمن الذي رافقها في الماضي.
هل تعتقدون أن أسعار النفط المرتفعة كانت مجرد طفرة؟
نعم بالطبع، بيد أن هذه الطفرة انفجرت.. في النهاية! لننظر الى سعر برميل النفط اليوم. ان طفرة أسعار النفط ولدت من جراء الأكلاف المتصاعدة المتعلقة بإيجاد مستودعات نفطية جديدة، حول العالم.
هل سيبقى الدولار الأميركي المرجع النقدي الرئيسي، حول العالم، عندما ستتخطى الحكومات الأزمة المالية الراهنة؟
لم يعد الدولار الأميركي عملة الاحتياط العالمية الوحيدة كما كانت الحال عليه، في السابق. للآن، لا يوجد بديل واقعي للدولار إنما هناك عملة اليورو التي بدأت تنافسه.
هل تراهنون على دولار قوي أم ضعيف، في المستقبل؟
في السنوات الأخيرة تراجعت قيمة الدولار كي تقوى مجدداً. في المستقبل، أرى حركة مد وجزر عظيمة، حول قيمة الدولار الأميركي أمام العملات الأخرى، كما أنني أرى تراجعاً في قيمته على المدى الطويل.
هل ترون خطراً في توقف المصارف الآسيوية عن الاستثمار بالدولار الأميركي؟
هذا ما يحصل اليوم بالفعل. فالدول التي اشترت كميات ضخمة من الدولارات نجحت في تأسيس صناديقها السيادية وهاهي اليوم تخوض عملية تنويع في الاستثمارات

One thought on “جورج سوروس و ازمـة 2008

Comments are closed.