قالت منظمة العفو الدولية (امنستي انترناشونال):

إن الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين ووجود القوات الامريكية في العراق والقلق بشأن المقاصد النووية الإيرانية من العوامل التي ادت لانعدام الأمن السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

وأشارت المنظمة في تقريرها السنوي لعام 2008 إلى ثلاثة عوامل أخرى هي الانقسام بين العلمانيين والاسلاميين والتوتر بين التقاليد الثقافية والطموحات الشعبية وزيادة الاحساس بانعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي بسبب الأزمة المالية العالمية.

واعتبرت المنظمة الحرب الأخيرة في قطاع غزة في ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني الماضيين تأكيداً “لانعدام الأمن في المنطقة”، مضيفاً أن هذه الحرب أكدت “عجز الجانبين والمجتمع الدولي عن حل الصراع المرير”.

وحول الأوضاع في العراق قالت المنظمة إن القوات الأمريكية لاتزال “تعتقل آلاف العراقيين دون تهمة أو محاكمة، …كما اعتقلت قوات الحكومة العراقية آلافاً أخرى”.

وأشارت المنظمة إلى استخدام السلطات “عقوبة الاعدام على نطاق واسع في ايران والعراق والمملكة العربية السعودية واليمن”.

لكنها رحبت كذلك بـ “بوادر ازدياد النفور من هذه العقوبة بين دول عربية أخرى”.

وقالت المنظمة إن أشد حالات العنف ضد المرأة تبدت فيما يعرف بـ “جرائم الشرف”، والتي “قتل في إطارها نساء في الاردن وأراضي السلطة الفلسطينية وسورية والعراق”.

وادان التقرير كذلك حالات “توفيت فيها بعض العاملات في المنازل” في الاردن ولبنان.

لكن المنظمة أشادت بالمقابل بحدوث “تطورات ايجابية” تجلى فيها تقدير الحكومات للمرأة، مشيرة في هذا الصدد إلى حظر السلطات المصرية عادة ختان الاناث.

واثنت المنظمة كذلك على ادخال السلطات العمانية والقطرية تعديلات في القوانين “لمساواة المرأة بالرجل”.

وحول الأوضاع في السودان، الذي تضعه المنظمة ضمن افريقيا وليس الشرق الأوسط، قالت المنظمة إن حالات الاعتداء على المدنيين والاغتصاب وتدمير القرى ظلت مستمرة.

واضافت منظمة العفو أن السلطات السودانية “قامت باضطهاد كل من ترى أنه ينحدر من دارفور” بعد هجوم حركة العدل والمساواة على العاصمة الخرطوم في مايو/ أيار 2008.

كما نددت المنظمة باندلاع القتال بين شمال السودان وجنوبه في مننطقة ابيي الغنية بالنفط.
وقدرت المنظمة عدد القتلى الذين سقطوا بسبب القتال في العاصمة الصومالية وما حولها منذ يناير/ كانون الثاني 2007 بحوالي 16 ألف شخص.

وأضافت العفو الدولية أن قدرة المنظمات الدولية كانت محدودة على الوصول إلى المحتاجين.

وعرض التقرير الذي يقع في 400 صفحة نظرة عامة عن أوضاع حقوق الانسان، قبل أن يتعرض بالتفصيل للاوضاع السائدة في 150 بلداً.

واستهلت الأمينة العامة للمنظمة إيرين خان الجزء الأول من التقرير بمقدمة عنوانها “ليست مجرد أزمة اقتصادية، بل هي أزمة لحقوق الإنسان”، وخصصتها لبيان العلاقة بين الأزمة المالية التي تعصف باقتصادات العالم ومعاناة شرائح واسعة من السكان.

وتسعى خان في مقدمتها إلى الكشف عن شكل آخر من انتهاك حقوق الإنسان يخفى عن العين المجردة ولكنه قد يكون أشد فتكا.

وتشير خان في هذا الصدد إلى “انانية وجشع” أقلية من الأغنياء، تؤثر على مصير الملايين من بني البشر.
وتثير الأمينة العامة لأمنستي إلى تماطل حكومات الدول الثرية وتقصيرها عندما يتعلق الأمر بمساعدة المجتمعات الفقيرة.

ولكن ما إن اندلعت الأزمة المالية حتى “أصبحت الحكومات الثرية فجأة قادرة على توفير مبالغ أضخم مرات عدة من المبالغ اللازمة للقضاء على الفقر، وقامت بضخها بسخاء في المصارف الفاشلة”.

وتضيف خان قائلة: ” الأغنياء مسؤولون عن معظم الأعمال المدمرة، ولكن الفقراء هم الذين يكابدون أسوأ عواقبها.”

وتعتبر في مقدمتها أن انعدام المساواة في العالم يتخذ عدة أوجه، وتعاني منه جميع المجتمعات بما فيها المجتمعات المتقدمة كالولايات المتحدة مثلا.
ويمس انعدام المساواة كل القطاعات وليس فقط القطاع الاقتصادي.

وتسوق الكاتبة مثالا على ذلك القضاء وحرصه على رعاية مصالح الطبقة الثرية على حساب الطبقات الأخرى.

وتقول خان: “قامت المؤسسات المالية الدولية بتمويل الإصلاحات القانونية في القطاع التجاري في عدد من البلدان النامية.

بيد أنه لم تبذل مساع مماثلة لضمان قدرة الفقراء على تأكيد حقوقهم وطلب الإنصاف عن طريق المحاكم على الانتهاكات التي ترتكبها الحكومات أو الشركات.”

وتعتبر خان أن تحرير الاقتصاد بالطريقة الراهنة عامل من عوامل الإفقار وبالتالي قيام الاضطرابات والأزمات الاجتماعية.

وأدت سياسات التقويم الهيكلي التي قادتها مؤسستا صندوق النقد والبنك الدوليين -حسب رئيسة أمنستي- إلى “إضعاف الدولى إلى الحد الأدنى، وتخلي الحكومات عن التزاماتها المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة السوق.”

ومن أوجه هذه السياسة التي أثرت على المستوى المعيشي لشرائح واسعة من مجتمعات العالم “خصخصة المرافق العامة وإلغاء تقنين علاقات العمل وتقليص شبكات الضمان الاجتماعي.”

يضاف إلى هذه العوامل عامل آخر أشد وطأة وهو أسلوب الاستثمار المعتمد والذي لا يبدي اهتماماً بسلامة البيئة وينسف مصالح القطاعات المحلية التي لا تستطيع المنافسة أو الوقوف أمام اكتساح الشركات الكبرى.

وتتخوف خان من أن “يؤدي تزايد الفقر والبؤس إلى انعدام الاستقرار السياسي والعنف الاجتماعي وتشدد بعض الحكومات ذات النزعة الاستبدادية.”

وتشير خان في هذا الصدد إلى ما حدث في تونس وزيمبابوي والكاميرون العام الماضي عندما فرقت السلطات بعنف مظاهرات قامت احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة، فقتلت عددا من المتظاهرين وجرحت عددا آخر واعتقلت العشرات وأصدرت أحكاما بالسجن لفترات طويلة على بعضهم.

وتطالب خان مجموعة العشرين باحترام “القيم العالمية وأن تواجه سجلاتها الملطخة بالانتهاكات وازدواجية المعايير خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان”.

وترى كذلك أن “العالم بحاجة إلى نوع مختلف من القيادة، ونوع مختلف من السياسة والاقتصاد – نوع يعمل لمصلحة الجميع وليس للأقلية ذات الامتيازات.”
وتقول كذلك ” إننا نجلس على برميل بارود من انعدام المساواة وانعدام العدالة وانعدام الأمن وهو على وشك الانفجار.”

وتطالب في هذا السياق بإنهاء “التحالفات بين الحكومات والمؤسسات التي تقوم على توقعات التحسن المالي على حساب الفئات الأشد تهميشا… وتلك التي تحمي الحكومات من المحاسبة على الانتهاكات التي ترتكبها.”

المصدر http://news.bbc.co.uk