تفاجأت بسؤالها الذي افتقد أي تمهيد ومقدمات ، والحمد لله أنني تذكرت لحظتها أن ” بوشهم ” كان في ضيافتنا يومها ، ففي ذلك اليوم الغائم الممطر وطأت قدماه أراضينا . فأجبتها: وهل تقصدين بوش ؟
قالت لي : نعم ، نعم .. وهذا هو محور حديثي الذي ارغب بالتحدث معك عنه .
قلت لها وأنا مبتسمة ابتسامة ماكرة : إن الحديث حول هذا المخلوق ذو شجون وسوف يأخذ من وقتي ووقتك الكثير ، فهل تعتقدين أنه يستحق هذا الوقت ؟ وأوضحت لها أن كلامي هذا لا يعني الرفض على الإطلاق. ولكنني أود استئذانها لبضعة دقائق لتأدية الصلاة قبل أن يفوتني وقتها، ومن ثم العودة للقائها مجدداً في الزمان والمكان المحددين، وقد أظهرت احترام بالغ وتقدير كبير لذلك. حرصت على الالتزام بالموعد المحدد كي لا أتعاون مع غيري من العرب الذين قابلتهم بربرا وسوف تقابلهم مستقبلاً في ترسيخ وتعميق قناعاتها كغربية عن قيمة الوقت الثمين لدينا!!
فقلت لها: وأنا كنت أتوقع أن تحسني الظن بي !!
سرعان ما تجاوزنا هذا العتب البريء ، وسألتها : ما الذي ترغبين أن نتحدث حوله عن هذا المخلوق ؟
أجابتني متسائلة: هل تعلمين أين هو في هذه الأثناء ؟ .. قلت لها: لست عالمة بالغيب، ولكنه من المفترض أن يكون قد ألقى خطابه المزمع عن الحريات !! أو أنه ما زال يلقيه في قصر الإمارات، الذي لا يفصلنا عنه سوى عدد بسيط من الأمتار !!
ابتسمت متسائلة : ما هو شعورك كمواطنة إماراتية نحو هذا الحدث التاريخي ؟ ..
فأجبتها متحسرة: للأسف، إن أحدى مآسي القدر علينا أن تكون بلدي منظمة ومحتفية بمثل هذا الملتقى الذي يتضمن خطاب أول رئيس أمريكي يزور دولة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971، ويكون هذا الخطاب لشخص مثل بوش !!!
داهمتني بسؤال آخر : هل تعتقدين أن بوش هو الشخص المؤهل للحديث عن الديمقراطية والحريات في الشرق الأوسط ؟؟
فأجبتها بلا تردد: إنه آخر شخص على وجه الأرض يمكنه أن يتحدث عن الديمقراطية والحريات بشكل عام وليس فقط في الشرق الأوسط بطريقة تقنع مستمعيه .. حتى لو كان المستمع مجنون فهو لن يقتنع!! فما يحدث اليوم هراء ومهزلة .
لم ألاحظ من خلال ردودها أو تعبير ملامح وجهها ما يوحي بتفاجئها أو استنكارها لكلامي وحديثي المترجم لاتجاهاتي العدائية نحو سياسية رئيس موطنها ، بل كانت تعقب على كلامي بعبارات وإيماءات تأييد وموافقة .. وقلت لها : اعذريني لا أستطيع أن أتجمل أو أن ألبس قناع الدبلوماسية التي ابتلي بها ساستنا وممثليهم ، أعانهم الله عليها ، فأجابتني بما يوحي لي بأن آخذ راحتي في الحديث ..
قلت لها : في زيارة بوش لنا ولدول الجوار من قبلنا الكويت والبحرين ، ومن بعدنا السعودية ، سوف يسعى للكسب وليس للعطاء ، بالإضافة إلى حاجته إلى تلميع صورته داخلياً وخارجياً بعد سنواتٍ سبعٍ عجاف ، فمجرم الحرب هذا بخبثه وبعنجهيته يأتي ليلقي خطابه العاري المكشوف في بلد مجاور للعراق المدمرة ، يأتي هذا الغبي ليشل حركة مدن بأكملها ، فتغلق شوارعها وأنفاقها ، وتعطل مدارسها وأعمالها ، من أجل أن يتجول في عامه الأخير ويتأمل حصاد سبع سنوات عجاف على الصعيد الخارجي والداخلي ” الأمريكي ” . سبع عجاف قضاها في سياسة الحروب القذرة ، وسياسة القتل اللاإنساني والتدمير الهمجي والتهديد الوقح والعقوبات الأوقح ، وبالرغم من كل ما ارتكبه من جرائم حرب في العراق وقبلها أفغانستان ، جاء بكل بجاحة ليشحذ الهمم والنفوس لمواجهة إيران !!
أجبتها : وهل وضع بوش جزرنا الثلاث من أولويات خطته وسياسته عندما تولى منصبه منذ سبع سنوات ؟ وهل ينوي نية صادقة في إنقاذنا من قال أول ما هبطت قدماه فلسطين المحتلة منذ يومين فقط : أنني أتعهد بالحفاظ على أمن إسرائيل كدولة يهودية ؟!! هل تتوقعين منني أن أعلق الآمال عليه لينصفني وينصف بلدي ؟!! لا أنتظر إجابة منك،، لعلمي بأنك على علم بأنني أحب بلدي وأرضي وجيراني ، فلا أريد حرية بوش لجزرنا الغالية، لأن حرية بوش تذكرني بدماء المليون عراقي ، وبمجازر أفغانستان ، ومذابح فلسطين ، ومصائب الصومال، واغتيالات باكستان .. اعذريني لا أريد حرية أو تحرير بوش التي يتحدث عنها الآن على بعد بضعة أمتار مني ومنك، لأنني لا أريد أن أنافسه في الغباء والعنجهية التي امتهنها وأبدع في امتهانها.
قالت : وهل هذا الموقف العدائي الرافض لسياسة أمريكا الخارجية سوف يلازمك بعد سنة من الآن ؟ وهي تقصد انتهاء قيادة هذا الغبي لأكبر قوة في العالم .
أجبتها : أنت تعلمين أنه بالرغم من تعدد وتنوع اتجاهات رؤساؤكم ومرشحيكم ، فهذا الجمهوري وذاك الديمقراطي وغيرهما الليبرالي ، إلا أن السياسة الأمريكية الخارجية واحدة ، ثابتة لا تتغير !! ربما درجة دبلوماسية وفهلوة الرئيس المنتخب تتغير ، ولكن المواقف والسياسة الخارجية واحدة وراسخة لا تتغير، فكلينتون بلباقته وكياسته ودبلوماسيته يتصرف كتصرف” الأميرة ديانا طليقة تشارلز” ،، بينما بوش الإبن الهمجي ، الفظ ، الغبي ، يذكرني بتصرفات ” سارة دوق طليقة أندرو ” الشعبية الفوضوية في سلوكياتها البعيدة كل البعد عن الكياسة والإيتيكت الملكي . بالرغم من ذلك فقد اكتوت العراق على سبيل المثال بنيران ديكتاتورية السياسة الخارجية الأمريكية في عهد كلينتون أيضا
فقهقهت مطولاً وقالت :لي أصبتي في هذا التشبيه .
استرسلت معها بشكل مطول عن سلبيات هذا المعتوه ، وجرني الحديث معها إلى زوايا ومحاور عديدة ، فوجدت نفسي أترجم لها بعض الأمثال الشعبية كي أقرب لها بعض الصور ، ومن ضمن هذه الأمثلة : “باب النجار مخلوع ” ومدى ارتباطه بوضع وحال بوش ، إذا تحدثنا عن أسباب التراجع الدراماتيكي لشعبيته في أمريكا التي تكشفها استطلاعات الرأي العام يوماً بعد يوم . فلقد رأينا غضب الشعب الأمريكي في سياسته الفاشلة في تعامله مع إعصار كاترينا ، وفي تعامله الغبي مع مشكلة ارتفاع سعر المحروقات والوقود ، والعديد من مشاكل القطاع الصحي وغيرها الكثير من سياساته الفاشلة التي لا تحضرني الآن يا عزيزتي .
والله إنني وجدت تفاعل واضح من هذه الصحفية الأمريكية ” بربرا” عندما تطرقت لهذا الجانب ، وقالت : أصبتي وصدقتي ، فإن هذا الدمية نسي بلده وشعبه ومسؤولياته تجاههما ، وانجر خلف ما يسميه إصلاح وإنقاذ الحريات المفقودة في دول العالم الثالث !!
في حواري مع بربرا الذي سرق من وقتي ووقتها ما يقارب الساعة والنصف ، شعرت أنني أستطيع الرد دون خجل أو تردد على كل استفساراتها وأسئلتها ومداخلاتها ، حتى عندما تطرقنا لأحداث 11-سبتمبر لم اخجل في أن أوضح لها مشاعر السرور والفرح التي انتابتني في تلك الأيام الأولى – على الأقل- والتي جعلتني أكتشف حجم الكراهية والشر التي زرعتها في نفسي غطرسة السياسة الأمريكية . ولكن ما أشعرني بالخجل هو سؤالها وتعجبها من حجم هذا الرفض الشعبي لبوش الرئيس المتغطرس ، وبوش الإنسان المعتوه ، وبوش الضيف الثقيل علينا ، المتناقض مع حجم الاستقبالات الضخمة ، وحرارة الترحاب ، والمبالغة في التعبير عن فرحتهم بقدوم من ترفضه شعوبهم وتلعنه ألسنتهم سراُ وعلانيةً ؟!!
والله لم أشعر بالخجل ولا بالذل في حياتي كلها بقدر ما شعرت به في تلك اللحظة ، ولم أجد الكثير في جعبتي الذي قد يعينني في تلميع مواقف حكوماتنا ، غير الحديث عن عدم توازن القوى الذي قد يجبر البعض للخضوع والخنوع ، ولكنني قلت لها : أنه من الطبيعي مجاراة المصالح وبروتوكولات الدبلوماسية واستقبال أصحاب البشوت لبوش المسخوط ، ولكن ما هو غير طبيعي وغير مقبول شعبياً –على الأقل- المبالغة في الاحتفاء والاحتفال والترحاب الذي تنافست فيه دول الخليج المستضيفة لهذا الضيف الثقيل.
فاستقبال بوش بالعرضة في البحرين ، وتوديعه مكرمأ بأعلى وسام بحريني لأمر مخزي ، ولا يخفى علي أحد الاستقبال الحار في الكويت ، وها هو اليوم في أبو ظبي وغداً في دبي التي يتوقع الاقتصاديون أن تتكبد خسارة 100 مليون دولار غدا بسبب توقف اقتصادها وأعمالها في يوم استقباله !!
ولكنني استطردت مبررة هذه المهازل التي تحدث في أراضينا بأنه مثلما أننا نحن العرب واعيين لمسألة عدم تمثيل الحكومة الأمريكية وسياستها المتغطرسة لمواقف الشعب الأمريكي ، فإن هذا ما ينطبق علينا أيضاً. فنحن براء من هذه الرقصات والأوسمة التكريمية غير المستحقة لمجرم الحروب هذا . فلا بد عليك يا عزيزتي كصحفية مرموقة وواعية ومطلعة أن تدركي هذه المسألة ، وتدركي أنه حتى من رأيتيه يرقص من أفراد الفرق الشعبية متظاهراً بفرحه ، حاله كحال الطير يرقص مذبوحاً من الألم !! لمست منها اقتناع وتقدير لهذا التناقض بين الاحتفاء الدبلوماسي والازدراء الشعبي، بل لا أبالغ إن قلت الاختناق الشعبي من وجود هذا الضيف الثقيل.
انتهى حديثي مع بربرا التي أبدت اقتناعها بمبررات المواقف الشعبية للدول المستضيفة لرئيس دولتها، ولم تخف في حديثها معي مشاعر الكره والبغضاء التي تكنها له، ولم تنكر الرفض الشعبي الأمريكي له بالإضافة إلى الشعوب الأخرى. ودعتني بربرا شاكرة ومعتذرة، قدرت لها شكرها وتعجبت من اعتذارها، الذي بررته باعتذار الأمريكية الخجلة من زيارة رئيسها الثقيلة !!
تحياتي ..
بصراحه موضوع جميل وطرح اجمل
باختصار انا يمكن بحياتي ماسمعت ولا شفت رئيس امريكي دموي مثل بوش
يعني يمكن اذا قدر له استخدام السلاح النووي ضد ايران باعتقادي راح يستخدمه بدون تفكير منه بعواقب قراره هذا..!!!!
ولكن الحمدلله ان الامور عندهم لاتأخذ بهذي البساطه….
يزاج الله الف خير ما شاء الله …..
اتحريتج انتي الصحفيه هب هي…
نفس إستفسار أخي الكريم
لو كان هذا أسلوبك بالكتابه ……..فهنيئا لنا بك ومرحبا بك بين إخوتك وإخوانك في هذا المنتدى الرائع
وكأنك عبرت عما بداخلي…
هل انت نفس الشخص في المقابلة ام الموضوع منقول؟
شكرا اختي على المقابلة المميزة وهنيئا لنا بشخص مثلك…
مشكووووووووووووره على الاسلوب الرائع