لم تترك الفلسفة، ذلك النشاط الذهني المحض الذي تنسب ريادته إلى حكماء اليونان، أمرًا من أمور الحياة، إلا وحاولت تفسيره بتعريفه أولاً وقبل كل شيء؛ إلا أن الفلسفة التي تعرّف أحيانًا بأنها عملية إبداع تعاريف، لم تقدّم تعريفًا مقبولاً محددًا وواضحًا لنفسها!! .
الفلسفة كلمة يونانية قديمة تعني «حب الحكمة» أو «إيثار الحكمة»؛ و ليس هناك ـ في مجال علوم الفلسفة ـ أشهر من مقولة الفيلسوف اليوناني فيثاغورث:«لست حكيمًا ولكنني أحب الحكمة!»؛ إذ كان الناس في ذلك العهد وفي تلك البقعة من الأرض يعتقدون أن الحكمة إلهية، والبشر لا يمكن لهم أن يمتلكوا تلك الحكمة؛ وليس في وسع الفيلسوف إلا أن يعتزل لتنكشف له الأسرار والحجب؛ الأمر الذي حدا بالفيلسوف اليوناني الآخر أفلاطون إلى القول بأن الفلسفة تعني: «أن نتعلم الموت»!! أي نتخلص من كل ما هو مادي حسي من الشهوات، والارتقاء إلى المستوى الروحاني لنقترب من الإله وتنكشف لنا الأسرار (ما يشبه الصوفية)، وعرفها الفلاسفة الطبيعيون بأنها «البحث عن طبائع الأشياء وحقائق الموجودات»، وعرفها أرسطو بأنها:«البحث عما هو موجود بما هو موجود». والفلسفة من جهة أخرى وبتعريف حديث: «موقف نقدي مصاغ نظريًا تجاه الأشياء والواقع»، ومن التعاريف الحديثة للفلسفة التعريف الذي يصفها بأنها ذلك (الجهد الذهني) الموجه لمناشطنا البشرية محللاً إياها بحثًا عن المفاهيم الأساسية التي تكمن وراءها وإخضاعها للفحص والتحليل. وتتعدد تعاريف الفلسفة وتتكاثر بلا نهاية فيما يبدو، بل إن هناك من يرى أن عملية الفلسفة هي في ذاتها (إبداع تعاريف) للأشياء، ولكنها في الوقت نفسه تعجز عن تعريف نفسها!!».
حول تخوم الفلسفة
غاية القول أن الفلسفة عملية فكرية ذهنية تتمثل في نشاطات واتجاهات ومحتوى.
فنشاطات الفلسفة تتمثل في الآتي:
*التأليف والتركيب: بمعنى الاهتمام بالنظرة الكلية للأشياء (الفلسفة) بعكس النظرة الجزئية إليها (العلم)؛ وتعني أيضًا الجمع بين الشيء ونقيضه، والوصول إلى شيء جديد من خلال الجمع بين الشيء ونقيضه.
* التأمل: وهي صفة ونشاط قديم بدأ ببداية الفلسفة عند الإغريق. وتعنى بالنظر فيما وراء الطبيعة والكون وأسباب الوجود وعلته (الأمور الميتافيزيقية). والتأمل كنشاط من نشاطات الفلسفة يعني أيضًا القدرة على القفز من المحسوس إلى غير المحسوس ومن المحدود إلى غير المحدود.
* التوصيف (وليس الوصف): وهي مهمة إصلاحية توجيهية تعنى بتوصيف معايير ومقاييس أخلاقية للحياة البشرية، كما يصف الطبيب الدواء للمريض تمامًا.
*التحليل: وهذا النشاط الفلسفي يهتم باللغة والنصوص من منطلق أهمية اللغة؛ فاللغة إذا لم نهتم بها، من ناحية التجديد وإعادة النظر في الدلالات اللفظية لمفردات الواقع، تتحول إلى قوالب جامدة تتوارث بأخطائها وتناقضاتها، وتكون مرجعية خاطئة تظلل الفكر والمعرفة، تمامًا كالخريطة القديمة التي لا تطابق الواقع الحالي، فيكون من الحمق محاولة السير على هداها. واللغة من منطلق هذا المجاز خريطة ذهنية للواقع ينبغي أن تجدد وتراجع دائمًا حتى تعبر هذه الخريطة الذهنية (اللغة) دائمًا عن الواقع كما هو الآن.
أما الاتجاهات الذهنية التي ينبغي أن تتوفر فيمن يعمل في الفلسفة، فهي عدة؛ لعل منها:
* الوعي بالذات ونبذ التعصب لها وللعادات والتقاليد والتسامي عليه: وهذا ما ينبغي أن يتحقق في الفلاسفة للوصول إلى الرؤية الكلية ورؤية المتناقضات، وما يتبع ذلك من حيادية وأمانة في العمل، وتعليق الحكم على الأشياء حتى تثبت بالدليل والبرهان المنطقي (الشك المؤقت).
*الشمولية للاتجاه الذهني: لجمع أكبر قدر من المعلومات عن الموضوع من أكثر من مصدر بدلاً من الاكتفاء بعينة محدودة والتعميم بناء على ذلك (الاستقراء)؛ أي عدم الاهتمام الكلي بالجزئيات .
ü الاختراق (ضد النظرة السطحية للأشياء): وهي الرغبة التي تقود الفيلسوف إلى الغوص في أعماق المشكلة بكل ما يملك من جهد ومهارة، والانتقال من المستوى السطحي إلى المستوى العميق، وعدم الاقتناع بالمعرفة المباشرة، بل بالأشياء غير المألوفة (تركيب الماء كمثال).
* المرونة (ضد الحجر والقوالب الذهنية الجامدة): وهي حساسية تمكّن الفيلسوف من رؤية المشكلات من زوايا مختلفة، وهي الرغبة في إعادة بناء أفكاره عندما تظهر له أدلة جديدة.
*الشك: وهو نقيض السفسطائية (الشك في إمكانية الوصول إلى يقين أو معرفة = شك دائم)، ولكن الشك هنا بمعنى تعليق الحكم على الأشياء حتى يثبت بالبرهان القاطع صحتها (شك مؤقت = شك علمي).
وأخيرًا فمحتوى الفلسفة يتمثل في عدة مباحث، وهي المباحث التالية:
* المبحث الكسمولوجي ( Cosmology المبحث الكوني) : ويبحث في التساؤلات الأولى من قبيل: ما العالم؟ وكيف نشأ؟ وكيف تطور؟ ولماذا وجد؟ وما طبيعة الزمان؟ وما خلود العالم؟ وما فناؤه؟ …إلخ.
*المبحث الأبستمولوجي (Epistemology المبحث المعرفي)، ويبحث في المعرفة، ومصادرها (العقل أم الحواس؟)، وكيف تكتسب مشروعيتها؛ وطرقها وطبيعتها (عقلية أم مثالية أم تجريبية واقعية؟)
* المبحث الأنطولوجي (Ontology المبحث الوجودي): وقضيته الأساسية: هل الوجود مادي؟ أم روحي؟ أم إنه مزيج من الروح والمادة؟.
* المبحث الأكسيولوجي (Axiology المبحث القيمي): وقضيته الأساسية: هل القيم نسبية متغيرة تطلب كوسيلة على غاية أبعد منها كالثروة؟ أم أنها مطلقة ثابتة ينشدها الإنسان لذاتها كالسعادة؟
*المبحث الميتافيزيقي (Metaphysics المبحث الغيبي = ما وراء الطبيعة): ويبحث في الإلهيات والبحث عن طبيعة الحقيقة النهائية والبحث والدراسة والمعالجة الفكرية المتعلقة بالوجود العام.
لماذا اليونان؟
قد يستهجن دارس الفلسفة في العصر الحديث، التركيز الواضح على الفلسفة اليونانية الإغريقية القديمة، كنقطة بداية للتأريخ لهذا النشاط الذهني الصرف، واعتبار اليونان ـ لا غيرها ـ مربع نشأة الفلسفة. وقد يقول بعضهم إن هذا ليس إلا تعصبًا غربيًا لفكر غربي، فالدراسات الفلسفية الحديثة وليدة الغرب. ومن وجهة نظر هؤلاء هناك آراء تخالف الآراء التي تعيد نشأة الفلسفة إلى اليونان، فثمة آراء تربط الفلسفة بالشرق القديم لدى شعوب الهند وفارس والعراق ومصر القديمة، ومن هؤلاء ديوجنس Diogenes Laertius الذي ألف في القرن الثالث قبل الميلاد كتابًا ضخمًا سمّاه «حياة الفلاسفة» أو «تاريخ الفلاسفة» مضمنًا إياه حياة مشاهير الفلاسفة ونظرياتهم، وعرض فيه للحديث عن فلاسفة مصريين وشرقيين، وبذلك ارتد ديوجنس بنشأة الفلسفة إلى تراث الشرق القديم.
لكن الآراء التي تعتبر اليونان مهد الحكمة تقدم تفسيرات جغرافية وسكانية واجتماعية وسياسية لوجهات نظرها؛ فاليونان شبه جزيرة تشبه يد إنسان تمتد أصابعها الخمسة في البحر الأبيض المتوسط، وشبه الجزيرة هذه تقع في موقع متوسط بين الشرق الدافئ والغرب البارد، وبذلك تقبلت فيها حضارتان، كما أن هذا التكوين الفريد قد جعل كل إصبع من أصابع اليد المتمثلة ببلاد اليونان بلادًا قائمة بذاتها جغرافيًا وسكانيًا وسياسيًا، ففي كل أصبع سواحل وسهول وجبال وعرة وبلاد مختلفة. ويرى ول ديورانت في «قصة الفلسفة» أنه أصبح لكل من هذه البلدان خصائص اجتماعية وسياسية مختلفة، لذلك فقد تطور كل واد في بلاد اليونان إلى اكتفاء اقتصادي ذاتي، وكانت له حكومته المستقلة ونظمه وأسلوبه ودينه وحضارته. وفي كل حالة كانت تقوم مدينة أو مدينتان تمتد حولهما سفوح الجبال والأراضي الزراعية، وعلى هذا النمط كانت مدن الولايات اليونانية وأشهرها أثينا وأسبرطة. وبين عامي 490ـ470ق.م تناست أثينا وأسبرطة المنافسة والغيرة بينهما ووحدت قواتهما وجيوشهما في محاربة الفرس؛ فقدمت أسبرطة الجيش، وقدمت أثينا الأسطول البحري الحربي، وعندما انتهت الحرب سرحت أسبرطة جيوشها وقاست من المشكلات الاقتصادية الناجمة عن هذه العمليات العسكرية وتسريح الجيوش، بينما حولت أثينا أسطولها الحربي إلى أسطول تجاري وأصبحت إحدى المدن التجارية العظيمة في العالم القديم. وعادت أسبرطة إلى عزلة زراعية، بينما تحولت أثينا إلى سوق كبير وميناء ومكان اجتماع للكثير من الرجال من مختلف الأجناس والديانات والعادات والمذاهب . وحملت خلافاتهم واتصالاتهم ومنافساتهم إلى أثينا التحليل والفكر والمقارنة، وتبارت التقاليد وتطاحنت العقائد. وكثرة المذاهب والعقائد وتضاربها ولد الشك فيها جميعًا. والتجار تحديدًا أول من أظهروا شكهم وريبتهم، فقد رأوا الكثير في أسفارهم، وتعذر عليهم الاعتقاد بهذا الكثير، وبذلك مالوا إلى استجواب كل عقيدة ومذهب، وبالتدريج تطور هؤلاء التجار بالعلم، فتطور الحساب بزيادة تعقيد التبادل التجاري، وتطور الفلك بزيادة مخاطرات الملاحين، وقدمت الثروة المتزايدة الفراغ والراحة والأمن وغيرها من الأمور اللازمة للبحث والتفكير والتأمل. وكان أول الفلاسفة اليونانيين فلكيين فخورين بما أنجزوا ووصلوا إليه كما قال أرسطو. واندفعوا إلى أبعد الحدود بعد الحرب الفارسية، واستقدموا جميع أنواع المعرفة إلى بلادهم، وبحثوا أعظم الدراسات، وبلغت بهم الشجاعة أنهم حاولوا إيجاد تفسير للحوادث التي كانت تنسب في تلك الأزمنة إلى قوى ما فوق الطبيعة والخوارق والمعجزات. وأفسح السحر والخرافات والطقوس الدينية طريقًا للعلم، وبدأت الفلسفة في اليونان، وكان فيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأرسطو أشهر حكماء اليونان وأساطين الفلسفة فيها طوال تاريخها القديم.
فيثاغورث حكيم الحكمة
ولد فيثاغورث (Pythagoras 570 ـ 497 ق.م) بساموس التي خرج منها فارًا من طغيان حاكمها بوليكراتس، ولجأ إلى قروطونا بإيطاليا، وأسس بها فرقة دينية سياسية فلسفية سيطرت على تلك المدينة ومدت نفوذها إلى المدن المجاورة. والمعلومات عن فيثاغورث ضئيلة ومعظمها جاء عن كتابات وأقوال أفلاطون وأرسطو.
وينسب إلى فيثاغورث وضع وإيجاد لفظة (فلسفة) التي تعني باليونانية القديمة (حب الحكمة)، ففيثاغورث رفض أن يتسمى باسم الحكيمSophos ، فالحكمة Sophia برأي فيثاغورث لا يوصف بها إلا الإله، أما هو ـ أي فيثاغورث ـ فليس إلا محبًاPhilo للحكمة؛ أي فيلسوف يمارس حب الحكمة أو الفلسفة Philosophia. وقال فيثاغورث إن الفلسفة أسلوب في الحياة يهيئ الروح للخلاص، وأنها السير على درب الإله أو أبوللو الداعي إلى التوسط في الأمور، والذي يتجسد في فيثاغورث. ويرى فيثاغورث أن كل المخلوقات أقارب، وتنتقل أرواحها بالتناسخ، ولذلك كانت كل اللحوم محرمة. والجمادات كذلك أقارب، طالما أن الكون نفسه مخلوق حي يتنفس. والجسد فان والروح خالدة، وعلى البشر أن يعدوا أرواحهم ويطهروها تمهيدًا لعودتها إلى الروح الكلية التي هي جزء منها. وعرف تلاميذ فيثاغورث الذين انتهجوا طريقته في التفكير بالفيثاغورثيين، وهم يرون أن الأشياء ما هي إلا أعداد، والعدد عندهم ليس رقمًا ولكنه شكل؛ فالواحد نقطة، والاثنان خط، والثلاثة مثلث، والأربعة مربع، وهكذا… ومن ثم فالأشياء أعداد أي أشكال، والكون كله ـ بالتالي ـ أعداد وأنغام Harmonia، والنغم توافق الأضداد، والحياة مستمرة طالما أن التناغم يحكمها. ويقال إن فيثاغورث هو الذي وضع كلمة (الكون) Kosmos التي تعني اكتمال النظام والجمال. والعدد الكامل عند فيثاغورث هو العشرة؛ لأنه العدد الذي يؤلف بين كل الأعداد ويجمع خصائصها، والأجرام السماوية عشرة، لأن العالم كامل وله خصائص الكامل. وليست الأرض إلا جرمًا مظلمًا، والنار مركز الكون، وهي مصدر كل حياة، والنار هي الشمس.
سقراط حكيم الأفكار
يعتبر سقراط(Socrates 470 ـ 389 ق.م) أعمق فلاسفة اليونان تأثيرًا في الفكر اليوناني، إلى درجة أن دارسي الفلسفة ومؤرخيها يقسمون تاريخ الفلسفة إلى حقبتي ما قبل سقراط وما بعده، رغم تقدمه التاريخي. اتسمت شخصية سقراط بالغموض وتضارب الروايات بشأنه. كان سقراط يجوب الطرقات في أثينا ويعلّم الشباب من خلال الموعظة وإثارة التساؤلات وتوليد الأفكار (سفسطائية)، فقد كان سقراط يعلم شباب أثينا حكمة التمايز عن الآخرين، ودخل في مجادلات مع السفسطائيين جعلت لفلسفته ولشخصيته طابعها الإنساني العميق. وينتمي سقراط إلى الطبقات الشعبية؛ فأبوه نحّات صناعته تشكيل حجارة المباني، وأمه قابلة تولد النساء، ورغم أنه بدأ حياته كأبيه ـ نحاتًا ـ فإنه شبّه عمله الفلسفي بتوليد الأفكار بعمل أمه التي تولد النساء!! كان سقراط دميم الخلقة، لكنه كان دمث الخُلق متواضعًا إلى حد كبير، وإذا تحدّث بهر محدثه ببلاغته وبساطة حديثه وقوة برهانه. وانصرف سقراط عن مهنة النحت وتفرغ للتأمل وارتياد الأوساط الفكرية، واتخذ شعارًا فلسفيًا شهيرًا عُرف به وهو شعار (اعرف نفسكKnow Thyself ). وكان سقراط قد نأى عن الطبيعيات والرياضيات وآثر النظر في الطبيعة الإنسانية، واشتغل بالأخلاق باعتبارها ماهية الإنسان، وبذلك وصف سقراط بأنه قد «أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض!!».
اتُهم سقراط بإفساد عقول الشباب في أثينا، وحكم عليه بالإعدام بشرب سم الشوكران، وهيأ له تلاميذه فرصة الهرب، لكنه رفض لأنه كان يؤمن برسالته، وأنه أينما حل سوف يعظ ويذكّر ويقض مضاجع الناس ويثير عليهم ضمائرهم، ولن يكون حاله بأحسن منه في بلده، ولأنه عاش في أثينا طيلة عمره ولا يفضل عليها مكانًا آخر، ولن يستقيم وعظه لو أنه هرب من القوانين التي كان يدعو إلى احترامها. وتناول سقراط سم الشوكران من السجّان، وشرب الكأس حتى الثمالة دون أن يرف له جفن، بينما تلاميذه من حوله يجهشون بالبكاء وهو ينهرهم ويذكرهم بأن الموت حق وخير حتى غلبه الموت فاضطجع… ومات.
أبقراط حكيم الطب
ولد الطبيب اليوناني أبقراط (Hipppocrate 460 ـ 377 ق.م) في جزيرة كوس، ويعتبر أبقراط أول مصلح كبير للطب، إذ وضع بمساعدة تلاميذه أكثر من ثلاثة وخمسين كتابًا في مجال الطب، نظر من خلالها إلى المرض من وجهة نظر طبيعية لا فلسفية رغم اكتساح مهنة الفلسفة لليونان في تلك الأزمنة، بل أراد أبقراط إنقاذ الطب من تأثير الفلسفة، فنادى بملاحظة المريض سريريًا والتفكير في أعراض المرض و ردها على أسبابها. فيجب، كما يقول أبقراط، النظر إلى الإنسان في كليته، وأن يؤخذ في الحسبان شكله وفكره وفسيولوجيته ونمط وجوده ومحيطه. ويستبعد أبقراط نظرية فيثاغورث في الأمزجة، ويعترف باربعة أمزجة رئيسة: الدم والبلغم والصفراء والسوداء، وتنتج الصحة عن توازن هذه الأمزجة، في حين ينتج المرض عن زيادة أو نقص في واحد أو أكثر من هذه الأمزجة. ومن المعروف أن الأطباء حتى اليوم يتعهدون في قسمهم بالتقيّد بالنهج الأخلاقي المعروف بـ(قَسَم أبقراط).
أفلاطون حكيم المُثُل
ولد أفلاطون (Plato 427 ـ 347 ق.م)، تلميذ سقراط ومعلم أرسطو، بأثينا وعاش بها معظم سنوات حياته التي تجاوزت الثمانين عامًا. دخل أفلاطون معترك السياسة، لأن أسرته كانت غنية ذات رفعة ومقام كريم بأثينا (أسرة أرستقراطية)، وكادت السياسة أن تورده حتفه، فنقم أفلاطون على هذا النشاط خصوصًا بعد أن ناله الألم الشديد بإعدام معلمه سقراط، ومن ثم فقد اتجه تفكير أفلاطون إلى الشروط التي ينبغي توافرها لإقامة حكومة عادلة، ورتبها في نظرية تنطوي على توجيه التعليم إلى تربية الأفراد تربية اجتماعية وسياسية وعسكرية وعلمية تجعل منهم مواطنين صالحين في الحكومة العادلة، فأنشأ مدرسته الشهيرة لهذا الغرض.
ويمكن أن تقسم مؤلفات أفلاطون بحسب أقسام حياته؛ ففي مرحلة الشباب ألف أفلاطون «المحاورات»، وهي أعمال درامية شخصيتها الأساسية هي أستاذه سقراط، وبذلك اعتبرت المحاورات أفضل المصادر لدراسة سقراط، وفي المحاورات يستدرج سقراط أحد السفسطائيين بالجدل الاستفهامي ـ وليس بالجدال ـ حتى يوصله في نهاية الجدل إلى الإقرار بالجهل، من مناقشة الفروض ونقائضها، والتدرج من الإحساس المبني على الظن إلى الاستدلال إلى التعقل المحض، أو التدرج من المركب إلى البسيط ومن العارض إلى الجوهري حتى يتعين المعنى ويتحدد التعريف. وقد كانت المحاورات في غاية البلاغة والروعة والتشويق. أما في المرحلة المتوسطة من عمر أفلاطون فقد تخفف من اللجوء إلى المحاورة، واتسم أسلوبه بالجفاف وفقدان حيوية المحاورة والدراما، وفي هذه المرحلة كان أفلاطون مدرسًا بأكاديميته التي أنشأها، ولم يكن من رأيه خلال هذه المرحلة تدريس الجدل للشباب، ولذلك فقد توقف عن التأليف بهذه الطريقة. وفي مرحلة الشيخوخة عالجت مؤلفات أفلاطون قضايا متخصصة في المنطق والمنهج والمعاني والوجود، وهي في مجملها قضايا أثيرت في الأكاديمية، وفيها رفع الحظر الذي وضعه في مرحلة سابقة على استخدام الجدل كطريقة تدريس.
ولعل أشهر أفكار أفلاطون هو نظريته في المُُثُل Theory of Form. أما أشهر كتبه، والتي جمع فيها معظم أفكاره، فهما: «الجمهورية» و«القوانين». ففي الجمهورية، وهي مدينة فاضلة مثالية، يقسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاث طبقات؛ طبقة الفلاحين والصناع، وحسبهم أن يتعلموا مهنة من المهن فقط، وطبقة المحاربين، وثقافتهم واجبة، وتشمل الموسيقى والرياضة، وطبقة الحكام وثقافتهم فلسفية عالية، إذ يدرسون جميع العلوم ومنها الميتافيزيقا، ويرى أفلاطون أن رؤساء الدولة يجب أن يكونوا علماء وفلاسفة لا كهنة ورجال دين. أما الفن والفنانون فقد قدرهم أفلاطون في جمهوريته كثيرًا، فقد رأى أن يبتعد الشعراء عن الجمهورية وأن يقيموا خارجها بكل إجلال وإكبار واحترام، لأن أعمالهم الفنية المعبرة عن العادات الإنسانية الشريفة هي التي تدعو الناس إلى احترامهم وإجلالهم. وراجع أفلاطون صورة جمهوريته الفاضلة في «القوانين»، إذ جاءت القوانين تعديلاً وتنقيحًا للجمهورية، فالصفوة يمكن أن تقتني وتمتلك ويكون لها أسرها، بينما الطبقات الدنيا لها بعض النفوذ السياسي وتمارس بعض الحقوق، وإن كان ذلك لا يرقى بها إلى سدة الحكم، ولم يعد من المطلوب أن يكون الحكام فلاسفة ولا النساء أن يكّن حراسًا كما جاء في «الجمهورية».
تبنّى أفلاطون نظريًا أفكار وآراء فيثاغورث والفيثاغورثيين في خلود الروح والأصل الرياضي للكون ومعنى الفلسفة. لكنه اعتنق أفكار سقراط ودافع عنها وعمل على نشرها وترسيخها. ويعتقد أفلاطون أن النفس بسيطة وثابتة، وأنها توجد من قبل الولادة وتبقى بعد الموت، وهي روحية ولا يتحقق خلاصها من المادة إلا في عالم روحي. والفضائل ثلاث تقابل قوى النفس الثلاث: فالحكمة فضيلة العقل، والشجاعة فضيلة الغضب، والعفة فضيلة الشهوة، وبها جميعًا يتحقق توازن النفس، والتوازن عدالة، والعدالة ليست فضيلة بل هي حالة الصلاح المترتبة على التوازن الذي يحدثه اجتماع الحكمة والشجاعة والعفة في الفرد، والإنسان الصالح هو (الإنسان العادل) بهذا المعنى، وينعكس صلاحه أو عدله على الآخرين في تعاملهم معه، وبالعدالة تتحقق السعادة.
أرسطو حكيم الواقع
ولد أرسطو ( Aristotle 384 ـ 322 ق.م) بسطاغيرا في شمال اليونان، وتوفي أبوه وهو وصبي، وعندما بلغ السابعة عشرة انتظم طالبًا بأكاديمية أفلاطون بأثينا، ولفت إليه نظر أستاذه ـ أفلاطون ـ فلقبه بـ(العقل) لشدة ذكائه، ولقبه بـ(القرّاء) لسعة اطلاعه. ثم أنشأ في عام 335ق.م مدرسة بأثينا في منطقة ملعب اللوقيون الرياضي، وهي مدرسة على هيئة ممشى ظليل يغشاه أرسطو طوال اليوم، ويلقي دروسه على طلبته في جانبي الممشى ويقطعه جيئة وذهابًا، واشتهر أرسطو بذلك، فقد سميت مدرسته تلك بمدرسة المشائين Peripatetic School، وعليه فقد عرف أرسطو وأتباعه بالمشائين Peripatetic.
ويتجه بعض الباحثين إلى تقسيم التطور الفلسفي لأرسطو إلى ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى ما قبل 347ق.م وكان فيها ممتلئًا حماسًا ويميل إلى الجزم، ويدافع بحرارة عن أفكار أفلاطون، ويؤمن بنظريته في المثل ونظريته في الروح، ويكتب على طريقته، واتجهت أفكاره في هذه المرحلة إلى الجماهير وصاغها في شكل حواري. والمرحلة الثانية تمتد من 347 إلى 335ق.م وانقلب فيها أرسطو على أفلاطون انقلابًا كليًا، وانشق عنه انشقاقًا أثر في مسيرة الفلسفة وقسمها إلى نسقين كبيرين متناقضين (مثالية وواقعية)، وانتقد أرسطو في هذه المرحلة أستاذه أفلاطون بشدة وبخاصة نظريته في المثل، وفيها كتب مؤلفه الشهير «في الفلسفة». أما المرحلة الثالثة (ما بعد 335ق.م) فقد اتجه فيها على البحث العلمي التجريبي، ونفض عن نفسه غبار الفكر الأفلاطوني الميتافيزيقي. إذ عارض أرسطو أفلاطون على الصعيد الفلسفي، ولم يقبل بواقع مفارق للمثل، ولا بعالم معقول يهيمن على الواقع المحسوس أو يحكمه. فلا وجود لدى أرسطو إلا لهذا العالم المحسوس. لكن أرسطو حدد سياسة معينة تلقي على عاتق الدولة مهمة توجيه الأفراد نحو التحقيق الكامل لطبيعتهم، وهو الذي تنسب إليه في هذا الصدد العبارة الشهيرة: «الإنسان حيوان سياسي»، وقد وضع أرسطو أيضًا مذهبًا أخلاقيًا سماه «أخلاق الوسط ـ الحق»، وهو واضع أول مؤلف في المنطق الصوري، والذي عُرف باسم «الأورغانون» Organon ، وله كتب أخرى شهيرة؛ منها: كتاب الخطابة وكتاب الشعر وكتاب السياسة وكتاب الميكانيك وكتاب في السماء وكتاب الميتافيزيقا وغيرها..
وعلى العموم فكتب الفلسفة تفرق اليوم بين نسقين كبيرين في الفلسفة هما: النسق المثالي الذي بدأه أفلاطون بأفكاره المثالية، ونسق واقعي بدأه أرسطو بعد انشقاقه وانقلابه المثير على أستاذه أفلاطون.
لم تترك الفلسفة، ذلك النشاط الذهني المحض الذي تنسب ريادته إلى حكماء اليونان، أمرًا من أمور الحياة، إلا وحاولت تفسيره بتعريفه أولاً وقبل كل شيء؛ إلا أن الفلسفة التي تعرّف أحيانًا بأنها عملية إبداع تعاريف، لم تقدّم تعريفًا مقبولاً محددًا وواضحًا لنفسها!! .
الفلسفة كلمة يونانية قديمة تعني «حب الحكمة» أو «إيثار الحكمة»؛ و ليس هناك ـ في مجال علوم الفلسفة ـ أشهر من مقولة الفيلسوف اليوناني فيثاغورث:«لست حكيمًا ولكنني أحب الحكمة!»؛ إذ كان الناس في ذلك العهد وفي تلك البقعة من الأرض يعتقدون أن الحكمة إلهية، والبشر لا يمكن لهم أن يمتلكوا تلك الحكمة؛ وليس في وسع الفيلسوف إلا أن يعتزل لتنكشف له الأسرار والحجب؛ الأمر الذي حدا بالفيلسوف اليوناني الآخر أفلاطون إلى القول بأن الفلسفة تعني: «أن نتعلم الموت»!! أي نتخلص من كل ما هو مادي حسي من الشهوات، والارتقاء إلى المستوى الروحاني لنقترب من الإله وتنكشف لنا الأسرار (ما يشبه الصوفية)، وعرفها الفلاسفة الطبيعيون بأنها «البحث عن طبائع الأشياء وحقائق الموجودات»، وعرفها أرسطو بأنها:«البحث عما هو موجود بما هو موجود». والفلسفة من جهة أخرى وبتعريف حديث: «موقف نقدي مصاغ نظريًا تجاه الأشياء والواقع»، ومن التعاريف الحديثة للفلسفة التعريف الذي يصفها بأنها ذلك (الجهد الذهني) الموجه لمناشطنا البشرية محللاً إياها بحثًا عن المفاهيم الأساسية التي تكمن وراءها وإخضاعها للفحص والتحليل. وتتعدد تعاريف الفلسفة وتتكاثر بلا نهاية فيما يبدو، بل إن هناك من يرى أن عملية الفلسفة هي في ذاتها (إبداع تعاريف) للأشياء، ولكنها في الوقت نفسه تعجز عن تعريف نفسها!!».
حول تخوم الفلسفة
غاية القول أن الفلسفة عملية فكرية ذهنية تتمثل في نشاطات واتجاهات ومحتوى.
فنشاطات الفلسفة تتمثل في الآتي:
*التأليف والتركيب: بمعنى الاهتمام بالنظرة الكلية للأشياء (الفلسفة) بعكس النظرة الجزئية إليها (العلم)؛ وتعني أيضًا الجمع بين الشيء ونقيضه، والوصول إلى شيء جديد من خلال الجمع بين الشيء ونقيضه.
* التأمل: وهي صفة ونشاط قديم بدأ ببداية الفلسفة عند الإغريق. وتعنى بالنظر فيما وراء الطبيعة والكون وأسباب الوجود وعلته (الأمور الميتافيزيقية). والتأمل كنشاط من نشاطات الفلسفة يعني أيضًا القدرة على القفز من المحسوس إلى غير المحسوس ومن المحدود إلى غير المحدود.
* التوصيف (وليس الوصف): وهي مهمة إصلاحية توجيهية تعنى بتوصيف معايير ومقاييس أخلاقية للحياة البشرية، كما يصف الطبيب الدواء للمريض تمامًا.
*التحليل: وهذا النشاط الفلسفي يهتم باللغة والنصوص من منطلق أهمية اللغة؛ فاللغة إذا لم نهتم بها، من ناحية التجديد وإعادة النظر في الدلالات اللفظية لمفردات الواقع، تتحول إلى قوالب جامدة تتوارث بأخطائها وتناقضاتها، وتكون مرجعية خاطئة تظلل الفكر والمعرفة، تمامًا كالخريطة القديمة التي لا تطابق الواقع الحالي، فيكون من الحمق محاولة السير على هداها. واللغة من منطلق هذا المجاز خريطة ذهنية للواقع ينبغي أن تجدد وتراجع دائمًا حتى تعبر هذه الخريطة الذهنية (اللغة) دائمًا عن الواقع كما هو الآن.
أما الاتجاهات الذهنية التي ينبغي أن تتوفر فيمن يعمل في الفلسفة، فهي عدة؛ لعل منها:
* الوعي بالذات ونبذ التعصب لها وللعادات والتقاليد والتسامي عليه: وهذا ما ينبغي أن يتحقق في الفلاسفة للوصول إلى الرؤية الكلية ورؤية المتناقضات، وما يتبع ذلك من حيادية وأمانة في العمل، وتعليق الحكم على الأشياء حتى تثبت بالدليل والبرهان المنطقي (الشك المؤقت).
*الشمولية للاتجاه الذهني: لجمع أكبر قدر من المعلومات عن الموضوع من أكثر من مصدر بدلاً من الاكتفاء بعينة محدودة والتعميم بناء على ذلك (الاستقراء)؛ أي عدم الاهتمام الكلي بالجزئيات .
ü الاختراق (ضد النظرة السطحية للأشياء): وهي الرغبة التي تقود الفيلسوف إلى الغوص في أعماق المشكلة بكل ما يملك من جهد ومهارة، والانتقال من المستوى السطحي إلى المستوى العميق، وعدم الاقتناع بالمعرفة المباشرة، بل بالأشياء غير المألوفة (تركيب الماء كمثال).
* المرونة (ضد الحجر والقوالب الذهنية الجامدة): وهي حساسية تمكّن الفيلسوف من رؤية المشكلات من زوايا مختلفة، وهي الرغبة في إعادة بناء أفكاره عندما تظهر له أدلة جديدة.
*الشك: وهو نقيض السفسطائية (الشك في إمكانية الوصول إلى يقين أو معرفة = شك دائم)، ولكن الشك هنا بمعنى تعليق الحكم على الأشياء حتى يثبت بالبرهان القاطع صحتها (شك مؤقت = شك علمي).
وأخيرًا فمحتوى الفلسفة يتمثل في عدة مباحث، وهي المباحث التالية:
* المبحث الكسمولوجي ( Cosmology المبحث الكوني) : ويبحث في التساؤلات الأولى من قبيل: ما العالم؟ وكيف نشأ؟ وكيف تطور؟ ولماذا وجد؟ وما طبيعة الزمان؟ وما خلود العالم؟ وما فناؤه؟ …إلخ.
*المبحث الأبستمولوجي (Epistemology المبحث المعرفي)، ويبحث في المعرفة، ومصادرها (العقل أم الحواس؟)، وكيف تكتسب مشروعيتها؛ وطرقها وطبيعتها (عقلية أم مثالية أم تجريبية واقعية؟)
* المبحث الأنطولوجي (Ontology المبحث الوجودي): وقضيته الأساسية: هل الوجود مادي؟ أم روحي؟ أم إنه مزيج من الروح والمادة؟.
* المبحث الأكسيولوجي (Axiology المبحث القيمي): وقضيته الأساسية: هل القيم نسبية متغيرة تطلب كوسيلة على غاية أبعد منها كالثروة؟ أم أنها مطلقة ثابتة ينشدها الإنسان لذاتها كالسعادة؟
*المبحث الميتافيزيقي (Metaphysics المبحث الغيبي = ما وراء الطبيعة): ويبحث في الإلهيات والبحث عن طبيعة الحقيقة النهائية والبحث والدراسة والمعالجة الفكرية المتعلقة بالوجود العام.
لماذا اليونان؟
قد يستهجن دارس الفلسفة في العصر الحديث، التركيز الواضح على الفلسفة اليونانية الإغريقية القديمة، كنقطة بداية للتأريخ لهذا النشاط الذهني الصرف، واعتبار اليونان ـ لا غيرها ـ مربع نشأة الفلسفة. وقد يقول بعضهم إن هذا ليس إلا تعصبًا غربيًا لفكر غربي، فالدراسات الفلسفية الحديثة وليدة الغرب. ومن وجهة نظر هؤلاء هناك آراء تخالف الآراء التي تعيد نشأة الفلسفة إلى اليونان، فثمة آراء تربط الفلسفة بالشرق القديم لدى شعوب الهند وفارس والعراق ومصر القديمة، ومن هؤلاء ديوجنس Diogenes Laertius الذي ألف في القرن الثالث قبل الميلاد كتابًا ضخمًا سمّاه «حياة الفلاسفة» أو «تاريخ الفلاسفة» مضمنًا إياه حياة مشاهير الفلاسفة ونظرياتهم، وعرض فيه للحديث عن فلاسفة مصريين وشرقيين، وبذلك ارتد ديوجنس بنشأة الفلسفة إلى تراث الشرق القديم.
لكن الآراء التي تعتبر اليونان مهد الحكمة تقدم تفسيرات جغرافية وسكانية واجتماعية وسياسية لوجهات نظرها؛ فاليونان شبه جزيرة تشبه يد إنسان تمتد أصابعها الخمسة في البحر الأبيض المتوسط، وشبه الجزيرة هذه تقع في موقع متوسط بين الشرق الدافئ والغرب البارد، وبذلك تقبلت فيها حضارتان، كما أن هذا التكوين الفريد قد جعل كل إصبع من أصابع اليد المتمثلة ببلاد اليونان بلادًا قائمة بذاتها جغرافيًا وسكانيًا وسياسيًا، ففي كل أصبع سواحل وسهول وجبال وعرة وبلاد مختلفة. ويرى ول ديورانت في «قصة الفلسفة» أنه أصبح لكل من هذه البلدان خصائص اجتماعية وسياسية مختلفة، لذلك فقد تطور كل واد في بلاد اليونان إلى اكتفاء اقتصادي ذاتي، وكانت له حكومته المستقلة ونظمه وأسلوبه ودينه وحضارته. وفي كل حالة كانت تقوم مدينة أو مدينتان تمتد حولهما سفوح الجبال والأراضي الزراعية، وعلى هذا النمط كانت مدن الولايات اليونانية وأشهرها أثينا وأسبرطة. وبين عامي 490ـ470ق.م تناست أثينا وأسبرطة المنافسة والغيرة بينهما ووحدت قواتهما وجيوشهما في محاربة الفرس؛ فقدمت أسبرطة الجيش، وقدمت أثينا الأسطول البحري الحربي، وعندما انتهت الحرب سرحت أسبرطة جيوشها وقاست من المشكلات الاقتصادية الناجمة عن هذه العمليات العسكرية وتسريح الجيوش، بينما حولت أثينا أسطولها الحربي إلى أسطول تجاري وأصبحت إحدى المدن التجارية العظيمة في العالم القديم. وعادت أسبرطة إلى عزلة زراعية، بينما تحولت أثينا إلى سوق كبير وميناء ومكان اجتماع للكثير من الرجال من مختلف الأجناس والديانات والعادات والمذاهب . وحملت خلافاتهم واتصالاتهم ومنافساتهم إلى أثينا التحليل والفكر والمقارنة، وتبارت التقاليد وتطاحنت العقائد. وكثرة المذاهب والعقائد وتضاربها ولد الشك فيها جميعًا. والتجار تحديدًا أول من أظهروا شكهم وريبتهم، فقد رأوا الكثير في أسفارهم، وتعذر عليهم الاعتقاد بهذا الكثير، وبذلك مالوا إلى استجواب كل عقيدة ومذهب، وبالتدريج تطور هؤلاء التجار بالعلم، فتطور الحساب بزيادة تعقيد التبادل التجاري، وتطور الفلك بزيادة مخاطرات الملاحين، وقدمت الثروة المتزايدة الفراغ والراحة والأمن وغيرها من الأمور اللازمة للبحث والتفكير والتأمل. وكان أول الفلاسفة اليونانيين فلكيين فخورين بما أنجزوا ووصلوا إليه كما قال أرسطو. واندفعوا إلى أبعد الحدود بعد الحرب الفارسية، واستقدموا جميع أنواع المعرفة إلى بلادهم، وبحثوا أعظم الدراسات، وبلغت بهم الشجاعة أنهم حاولوا إيجاد تفسير للحوادث التي كانت تنسب في تلك الأزمنة إلى قوى ما فوق الطبيعة والخوارق والمعجزات. وأفسح السحر والخرافات والطقوس الدينية طريقًا للعلم، وبدأت الفلسفة في اليونان، وكان فيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأرسطو أشهر حكماء اليونان وأساطين الفلسفة فيها طوال تاريخها القديم.
فيثاغورث حكيم الحكمة
ولد فيثاغورث (Pythagoras 570 ـ 497 ق.م) بساموس التي خرج منها فارًا من طغيان حاكمها بوليكراتس، ولجأ إلى قروطونا بإيطاليا، وأسس بها فرقة دينية سياسية فلسفية سيطرت على تلك المدينة ومدت نفوذها إلى المدن المجاورة. والمعلومات عن فيثاغورث ضئيلة ومعظمها جاء عن كتابات وأقوال أفلاطون وأرسطو.
وينسب إلى فيثاغورث وضع وإيجاد لفظة (فلسفة) التي تعني باليونانية القديمة (حب الحكمة)، ففيثاغورث رفض أن يتسمى باسم الحكيمSophos ، فالحكمة Sophia برأي فيثاغورث لا يوصف بها إلا الإله، أما هو ـ أي فيثاغورث ـ فليس إلا محبًاPhilo للحكمة؛ أي فيلسوف يمارس حب الحكمة أو الفلسفة Philosophia. وقال فيثاغورث إن الفلسفة أسلوب في الحياة يهيئ الروح للخلاص، وأنها السير على درب الإله أو أبوللو الداعي إلى التوسط في الأمور، والذي يتجسد في فيثاغورث. ويرى فيثاغورث أن كل المخلوقات أقارب، وتنتقل أرواحها بالتناسخ، ولذلك كانت كل اللحوم محرمة. والجمادات كذلك أقارب، طالما أن الكون نفسه مخلوق حي يتنفس. والجسد فان والروح خالدة، وعلى البشر أن يعدوا أرواحهم ويطهروها تمهيدًا لعودتها إلى الروح الكلية التي هي جزء منها. وعرف تلاميذ فيثاغورث الذين انتهجوا طريقته في التفكير بالفيثاغورثيين، وهم يرون أن الأشياء ما هي إلا أعداد، والعدد عندهم ليس رقمًا ولكنه شكل؛ فالواحد نقطة، والاثنان خط، والثلاثة مثلث، والأربعة مربع، وهكذا… ومن ثم فالأشياء أعداد أي أشكال، والكون كله ـ بالتالي ـ أعداد وأنغام Harmonia، والنغم توافق الأضداد، والحياة مستمرة طالما أن التناغم يحكمها. ويقال إن فيثاغورث هو الذي وضع كلمة (الكون) Kosmos التي تعني اكتمال النظام والجمال. والعدد الكامل عند فيثاغورث هو العشرة؛ لأنه العدد الذي يؤلف بين كل الأعداد ويجمع خصائصها، والأجرام السماوية عشرة، لأن العالم كامل وله خصائص الكامل. وليست الأرض إلا جرمًا مظلمًا، والنار مركز الكون، وهي مصدر كل حياة، والنار هي الشمس.
سقراط حكيم الأفكار
يعتبر سقراط(Socrates 470 ـ 389 ق.م) أعمق فلاسفة اليونان تأثيرًا في الفكر اليوناني، إلى درجة أن دارسي الفلسفة ومؤرخيها يقسمون تاريخ الفلسفة إلى حقبتي ما قبل سقراط وما بعده، رغم تقدمه التاريخي. اتسمت شخصية سقراط بالغموض وتضارب الروايات بشأنه. كان سقراط يجوب الطرقات في أثينا ويعلّم الشباب من خلال الموعظة وإثارة التساؤلات وتوليد الأفكار (سفسطائية)، فقد كان سقراط يعلم شباب أثينا حكمة التمايز عن الآخرين، ودخل في مجادلات مع السفسطائيين جعلت لفلسفته ولشخصيته طابعها الإنساني العميق. وينتمي سقراط إلى الطبقات الشعبية؛ فأبوه نحّات صناعته تشكيل حجارة المباني، وأمه قابلة تولد النساء، ورغم أنه بدأ حياته كأبيه ـ نحاتًا ـ فإنه شبّه عمله الفلسفي بتوليد الأفكار بعمل أمه التي تولد النساء!! كان سقراط دميم الخلقة، لكنه كان دمث الخُلق متواضعًا إلى حد كبير، وإذا تحدّث بهر محدثه ببلاغته وبساطة حديثه وقوة برهانه. وانصرف سقراط عن مهنة النحت وتفرغ للتأمل وارتياد الأوساط الفكرية، واتخذ شعارًا فلسفيًا شهيرًا عُرف به وهو شعار (اعرف نفسكKnow Thyself ). وكان سقراط قد نأى عن الطبيعيات والرياضيات وآثر النظر في الطبيعة الإنسانية، واشتغل بالأخلاق باعتبارها ماهية الإنسان، وبذلك وصف سقراط بأنه قد «أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض!!».
اتُهم سقراط بإفساد عقول الشباب في أثينا، وحكم عليه بالإعدام بشرب سم الشوكران، وهيأ له تلاميذه فرصة الهرب، لكنه رفض لأنه كان يؤمن برسالته، وأنه أينما حل سوف يعظ ويذكّر ويقض مضاجع الناس ويثير عليهم ضمائرهم، ولن يكون حاله بأحسن منه في بلده، ولأنه عاش في أثينا طيلة عمره ولا يفضل عليها مكانًا آخر، ولن يستقيم وعظه لو أنه هرب من القوانين التي كان يدعو إلى احترامها. وتناول سقراط سم الشوكران من السجّان، وشرب الكأس حتى الثمالة دون أن يرف له جفن، بينما تلاميذه من حوله يجهشون بالبكاء وهو ينهرهم ويذكرهم بأن الموت حق وخير حتى غلبه الموت فاضطجع… ومات.
أبقراط حكيم الطب
ولد الطبيب اليوناني أبقراط (Hipppocrate 460 ـ 377 ق.م) في جزيرة كوس، ويعتبر أبقراط أول مصلح كبير للطب، إذ وضع بمساعدة تلاميذه أكثر من ثلاثة وخمسين كتابًا في مجال الطب، نظر من خلالها إلى المرض من وجهة نظر طبيعية لا فلسفية رغم اكتساح مهنة الفلسفة لليونان في تلك الأزمنة، بل أراد أبقراط إنقاذ الطب من تأثير الفلسفة، فنادى بملاحظة المريض سريريًا والتفكير في أعراض المرض و ردها على أسبابها. فيجب، كما يقول أبقراط، النظر إلى الإنسان في كليته، وأن يؤخذ في الحسبان شكله وفكره وفسيولوجيته ونمط وجوده ومحيطه. ويستبعد أبقراط نظرية فيثاغورث في الأمزجة، ويعترف باربعة أمزجة رئيسة: الدم والبلغم والصفراء والسوداء، وتنتج الصحة عن توازن هذه الأمزجة، في حين ينتج المرض عن زيادة أو نقص في واحد أو أكثر من هذه الأمزجة. ومن المعروف أن الأطباء حتى اليوم يتعهدون في قسمهم بالتقيّد بالنهج الأخلاقي المعروف بـ(قَسَم أبقراط).
أفلاطون حكيم المُثُل
ولد أفلاطون (Plato 427 ـ 347 ق.م)، تلميذ سقراط ومعلم أرسطو، بأثينا وعاش بها معظم سنوات حياته التي تجاوزت الثمانين عامًا. دخل أفلاطون معترك السياسة، لأن أسرته كانت غنية ذات رفعة ومقام كريم بأثينا (أسرة أرستقراطية)، وكادت السياسة أن تورده حتفه، فنقم أفلاطون على هذا النشاط خصوصًا بعد أن ناله الألم الشديد بإعدام معلمه سقراط، ومن ثم فقد اتجه تفكير أفلاطون إلى الشروط التي ينبغي توافرها لإقامة حكومة عادلة، ورتبها في نظرية تنطوي على توجيه التعليم إلى تربية الأفراد تربية اجتماعية وسياسية وعسكرية وعلمية تجعل منهم مواطنين صالحين في الحكومة العادلة، فأنشأ مدرسته الشهيرة لهذا الغرض.
ويمكن أن تقسم مؤلفات أفلاطون بحسب أقسام حياته؛ ففي مرحلة الشباب ألف أفلاطون «المحاورات»، وهي أعمال درامية شخصيتها الأساسية هي أستاذه سقراط، وبذلك اعتبرت المحاورات أفضل المصادر لدراسة سقراط، وفي المحاورات يستدرج سقراط أحد السفسطائيين بالجدل الاستفهامي ـ وليس بالجدال ـ حتى يوصله في نهاية الجدل إلى الإقرار بالجهل، من مناقشة الفروض ونقائضها، والتدرج من الإحساس المبني على الظن إلى الاستدلال إلى التعقل المحض، أو التدرج من المركب إلى البسيط ومن العارض إلى الجوهري حتى يتعين المعنى ويتحدد التعريف. وقد كانت المحاورات في غاية البلاغة والروعة والتشويق. أما في المرحلة المتوسطة من عمر أفلاطون فقد تخفف من اللجوء إلى المحاورة، واتسم أسلوبه بالجفاف وفقدان حيوية المحاورة والدراما، وفي هذه المرحلة كان أفلاطون مدرسًا بأكاديميته التي أنشأها، ولم يكن من رأيه خلال هذه المرحلة تدريس الجدل للشباب، ولذلك فقد توقف عن التأليف بهذه الطريقة. وفي مرحلة الشيخوخة عالجت مؤلفات أفلاطون قضايا متخصصة في المنطق والمنهج والمعاني والوجود، وهي في مجملها قضايا أثيرت في الأكاديمية، وفيها رفع الحظر الذي وضعه في مرحلة سابقة على استخدام الجدل كطريقة تدريس.
ولعل أشهر أفكار أفلاطون هو نظريته في المُُثُل Theory of Form. أما أشهر كتبه، والتي جمع فيها معظم أفكاره، فهما: «الجمهورية» و«القوانين». ففي الجمهورية، وهي مدينة فاضلة مثالية، يقسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاث طبقات؛ طبقة الفلاحين والصناع، وحسبهم أن يتعلموا مهنة من المهن فقط، وطبقة المحاربين، وثقافتهم واجبة، وتشمل الموسيقى والرياضة، وطبقة الحكام وثقافتهم فلسفية عالية، إذ يدرسون جميع العلوم ومنها الميتافيزيقا، ويرى أفلاطون أن رؤساء الدولة يجب أن يكونوا علماء وفلاسفة لا كهنة ورجال دين. أما الفن والفنانون فقد قدرهم أفلاطون في جمهوريته كثيرًا، فقد رأى أن يبتعد الشعراء عن الجمهورية وأن يقيموا خارجها بكل إجلال وإكبار واحترام، لأن أعمالهم الفنية المعبرة عن العادات الإنسانية الشريفة هي التي تدعو الناس إلى احترامهم وإجلالهم. وراجع أفلاطون صورة جمهوريته الفاضلة في «القوانين»، إذ جاءت القوانين تعديلاً وتنقيحًا للجمهورية، فالصفوة يمكن أن تقتني وتمتلك ويكون لها أسرها، بينما الطبقات الدنيا لها بعض النفوذ السياسي وتمارس بعض الحقوق، وإن كان ذلك لا يرقى بها إلى سدة الحكم، ولم يعد من المطلوب أن يكون الحكام فلاسفة ولا النساء أن يكّن حراسًا كما جاء في «الجمهورية».
تبنّى أفلاطون نظريًا أفكار وآراء فيثاغورث والفيثاغورثيين في خلود الروح والأصل الرياضي للكون ومعنى الفلسفة. لكنه اعتنق أفكار سقراط ودافع عنها وعمل على نشرها وترسيخها. ويعتقد أفلاطون أن النفس بسيطة وثابتة، وأنها توجد من قبل الولادة وتبقى بعد الموت، وهي روحية ولا يتحقق خلاصها من المادة إلا في عالم روحي. والفضائل ثلاث تقابل قوى النفس الثلاث: فالحكمة فضيلة العقل، والشجاعة فضيلة الغضب، والعفة فضيلة الشهوة، وبها جميعًا يتحقق توازن النفس، والتوازن عدالة، والعدالة ليست فضيلة بل هي حالة الصلاح المترتبة على التوازن الذي يحدثه اجتماع الحكمة والشجاعة والعفة في الفرد، والإنسان الصالح هو (الإنسان العادل) بهذا المعنى، وينعكس صلاحه أو عدله على الآخرين في تعاملهم معه، وبالعدالة تتحقق السعادة.
أرسطو حكيم الواقع
ولد أرسطو ( Aristotle 384 ـ 322 ق.م) بسطاغيرا في شمال اليونان، وتوفي أبوه وهو وصبي، وعندما بلغ السابعة عشرة انتظم طالبًا بأكاديمية أفلاطون بأثينا، ولفت إليه نظر أستاذه ـ أفلاطون ـ فلقبه بـ(العقل) لشدة ذكائه، ولقبه بـ(القرّاء) لسعة اطلاعه. ثم أنشأ في عام 335ق.م مدرسة بأثينا في منطقة ملعب اللوقيون الرياضي، وهي مدرسة على هيئة ممشى ظليل يغشاه أرسطو طوال اليوم، ويلقي دروسه على طلبته في جانبي الممشى ويقطعه جيئة وذهابًا، واشتهر أرسطو بذلك، فقد سميت مدرسته تلك بمدرسة المشائين Peripatetic School، وعليه فقد عرف أرسطو وأتباعه بالمشائين Peripatetic.
ويتجه بعض الباحثين إلى تقسيم التطور الفلسفي لأرسطو إلى ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى ما قبل 347ق.م وكان فيها ممتلئًا حماسًا ويميل إلى الجزم، ويدافع بحرارة عن أفكار أفلاطون، ويؤمن بنظريته في المثل ونظريته في الروح، ويكتب على طريقته، واتجهت أفكاره في هذه المرحلة إلى الجماهير وصاغها في شكل حواري. والمرحلة الثانية تمتد من 347 إلى 335ق.م وانقلب فيها أرسطو على أفلاطون انقلابًا كليًا، وانشق عنه انشقاقًا أثر في مسيرة الفلسفة وقسمها إلى نسقين كبيرين متناقضين (مثالية وواقعية)، وانتقد أرسطو في هذه المرحلة أستاذه أفلاطون بشدة وبخاصة نظريته في المثل، وفيها كتب مؤلفه الشهير «في الفلسفة». أما المرحلة الثالثة (ما بعد 335ق.م) فقد اتجه فيها على البحث العلمي التجريبي، ونفض عن نفسه غبار الفكر الأفلاطوني الميتافيزيقي. إذ عارض أرسطو أفلاطون على الصعيد الفلسفي، ولم يقبل بواقع مفارق للمثل، ولا بعالم معقول يهيمن على الواقع المحسوس أو يحكمه. فلا وجود لدى أرسطو إلا لهذا العالم المحسوس. لكن أرسطو حدد سياسة معينة تلقي على عاتق الدولة مهمة توجيه الأفراد نحو التحقيق الكامل لطبيعتهم، وهو الذي تنسب إليه في هذا الصدد العبارة الشهيرة: «الإنسان حيوان سياسي»، وقد وضع أرسطو أيضًا مذهبًا أخلاقيًا سماه «أخلاق الوسط ـ الحق»، وهو واضع أول مؤلف في المنطق الصوري، والذي عُرف باسم «الأورغانون» Organon ، وله كتب أخرى شهيرة؛ منها: كتاب الخطابة وكتاب الشعر وكتاب السياسة وكتاب الميكانيك وكتاب في السماء وكتاب الميتافيزيقا وغيرها..
وعلى العموم فكتب الفلسفة تفرق اليوم بين نسقين كبيرين في الفلسفة هما: النسق المثالي الذي بدأه أفلاطون بأفكاره المثالية، ونسق واقعي بدأه أرسطو بعد انشقاقه وانقلابه المثير على أستاذه أفلاطون.